بعد ما عشناه من مهازل وما رأيناه وعانيناه من عذابات لا تقدر ولا يمكن تفسيرها ولا يوجد لها مبررات إلا عند ذوى النفوس الضعيفة والرؤى الضيقة، وبعد ما قاساه المصريون من ويلات لا يمكن أن يتحملها إلا أولوا العزم، وبعد ما تجرعناه من سموم الكذب والغش والنفاق والرياء، نقف الآن على أقدامنا لنصرخ بكل عزائمنا "لا تراجع" هذا هو شعار الثورة الغير معلن وشعار الثوار القادرين على رسم وجه مصر بالشكل اللائق الذى تخيلناه ورسمناه فى دفاترنا منذ أن كنا نطفا فى أرحام أمهاتنا، خرج الثوار إلى الميدان بشعارات ورؤى مختلفة ومغايرة تماما لما فرضته النظم السياسية علينا منذ عهود سحيقة، خرجوا يحملون أرواحهم على أكفهم وهم يحملون لافتات لم تسقط النظام المتخلف البائد فحسب؛ بل أسقطت كافة الأحزاب والتكتلات التى استعملها النظام البائد لتجميل المشهد ثقافة الميدان أجبرت القوى السياسية الطاووسية على الاعتراف بضرورة تغيير الأفكار والرؤى والتصورات الضيقة والشعارات التى انتهت صلاحيتها منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، والشاهد فى ذلك هو امتعاض بعض القادة السياسيين من لافتات الثوار قبل التنحى، حيث جلس أحدهم بجوار شاب يرفع لافتة تحمل شعار "ارحل بقى عايز أستحمى" فنظر إليه باشمئزاز يليق بسياسى فاشل وباغته قائلا "أنتو عاملين ثورة واللا عاملين فرح" فرد الشاب بمنتهى البساطة "لأ عاملين مش واخدين بالنا" فتمالك السيد السياسى أعصابه وابتسم ابتسامة تنم عن غيظ شديد وقال ناصحا إياه "يابنى الثورة عمرها ما كانت بالشعارات دى، الشعارت دى هتسقط الثورة وهتضيع تعب الناس دى كلها" ، ابتسم الشاب وباغته سائلا إياه "هو حضرت حضرت ثورات قبل كده؟!" أصر السياسى على ضحكته المشحونة بالغيظ وتركه وانصرف نجحت الثورة فى تحقيق مطلبها الأول والأساسى ورحل رأس الفساد وأنزل الشاب اليافطة من فوق عنقه الذى انحنى، ذهب رأس الفساد إلى المستشفى واستطاع الشاب أخيرا أن "يستحمى" كما أراد، رأس الفساد ينام طريح الفراش ، وفى الكادر الآخر الشاب يغسل جسده جيدا من موبقات السنوات الغابرة استطاع الميدان أن يعلمنا معنى الصمود، كما استطاع أن يغير مفاهيم أسقطت مصر فى بؤرة التخلف لفترات طويلة، استطاع الميدان أن يعلمنا التمرد والعصيان والسخرية من الجبروت كما استطاع أن يخلق من كل مصرى مصريا جديدا يمكن له أن يتحدث ويناقش ويحاور ويدلى بآرائه السديدة فى معظم الأحوال استطاع الميدان أن يعيد صياغة العديد من المفاهيم، كما استطاع أن يكشف النقاب عن العديد من الأوجه المستعارة الكالحة الساقطة الدميمة، استطاع الميدان أن يشكل فينا وعيا قادرا على التجريب الحقيقى كما استطاع أن يقف فى وجه رأس الأفعى قائلا: اطلع بقى دا لو كان عفريت كان زمانه طلع استطاع الميدان واستطعنا ومعظم ممتهنى السياسة لم يستطيعوا إلى الآن
بواسطة: