‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل

السبت، ديسمبر 13، 2014

نايبول والحضارة الإسلامية .. بقلم ربيع مفتاح






نايبول والحضارة الإسلامية
ربيع مفتاح
من حق الذي يحصل على جائزة نوبل أن يشغل الناس حتى وإن كان هذا الانشغال موقوتاً , لأن هذه الجائزة تعبر بمن يحصل عليها إلى مرحلة العالمية ... ولما أعلنت الأكاديمية السويدية فى أكتوبر 2001 أسم الفائزة بالجائزة فى الآداب جاء اسم نايبول مدهشاً ومحيراً للكثيرين , فهل كانت الدهشة تقصد مدى تتنوع الإبداع وتميزه من عدمه ؟ أم أن آراء الكاتب السياسية ولا سيما المقترنة بالإسلام والمسلمين كانت هى محرك الدهشة وسبب الحيرة ؟!!
لكن – اللجنة المشرفة قد منحت الجائزة وعبرت عن حيثية الاستحقاق بهذا الملخص " لأنه يمتلك رؤية متكاملة فى رواياته ويمتلك أيضاً وجهة نظر محايدة ونزيهة فى الأعمال التى تتناول التواريخ والحضارات الأخرى ".
ومن خلال هذه العبارات الموجزة لا نستطيع أن نفرغها من الدعامتين الأساسيتين وهما الرؤية الفنية والرؤية الفكرية كما لا نستطيع أن نغفل دور و نشأة الكاتب وتكوينه الثقافى فى تقييم أفكاره ورؤاه , ونحن أيضاً فى حاجة إلى نوع من التأمل النقدى فى أهم أعماله , نقول التأمل وليست الدراسة النقدية المتأنية الفاحصة لأن المقام لا يسمح بذلك ولا ننسى أن هذه البانوراما التى تستوعب كل هذه العناصر يمكن أن تشكل قاعدة أنطلاق لرؤية أكثر عمقاً وركيزة أقرب للإنصاف والمقصود بالإنصاف هنا هو معرفة البواعث والدوافع التى جعلته ينتصر لثقافته على حساب ثقافة أخرى ويتحيز لحضارة بعينها , ويكمن أيضاً أن نتبين مدى أقتراب لجنة الجائزة من منطقة الهوى السياسي ومدى تلون الجائزة بأيحاءات ودلالات سياسية وسوف يتطلب منا ذلك أن نطوف ونتجول مع الكاتب فى حياته وأعماله ورحلاته .
تائــه بيــن الحضــارات
ولد فيديا دهار . سوراج براساد والذى عرف بعد ذلك ب " ف . س نايبول " فى ترينداد عام 1932 لأبوين هنديين من البراهمة هاجرا من الهند إلى جزر الهند الغربية وقد هاجر جدوده إلى ترينداد للعمل فى مزارع السكر ليحلوا محل العمالة المفقودة بسبب إلغاء تجارة العبيد , ولم تخل هذه الجزيرة من العنصرية بين البيض والسود والهنود والأفارقة أما عائلة الكاتب فقد كانت كبيرة ولها الكثير من الفروع
1
فى كافة المستويات الاجتماعية , وكان له أخ وخمس أخوات وعدد يزيد على الخمسين من أبناء وبنات العم وقد كانت الثروة فى جانب أهل الأم ولذا كانت عائلته فقيرة نسبياً ووالده كان صحفياً , وقد شعر نايبول أنه قريب جداً منه, ثم انتقل من جزيرة ترينداد إلى انجلترا ليدرس الأدب الإنجليزى فى جامعة أكسفورد وهو فى الثامنة عشر حيث الثقافة الإنجليزية , وهكذا نشأ موزعاً بين عالمين شديدي التعارض والتناقض , ولم يستطع أن ينتمى كاملا لأحدهما وبينما كان نايبول يدرس فى أكسفورد مات والده إثر أزمة قلبية عام 1953 قبل أن يحقق أية طموحات أدبية , وقبل أن يشهد نجاح ابنه ككاتب , وبعد تخرجه تزوج من سيدة إنجليزية هى باتريكيا هيل عام 1955 والتى ماتت عام 1966 ثم تزوج بعد ذلك من مطلقة باكستانية تعمل صحفية اسمها ناديرا .
بدأ يمارس الكتابة بعد تخرجه مباشرة ثم عمل جزءاً من الوقت فى هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) وكتب عدداً من المقالات النقدية , أصدرها فى كتب , وقدم عدداً كبيراً من كتاب أمريكا الجنوبية المشهورين فى الإذاعة .. كتب الرواية والقصة القصيرة والسيرة الحياتية وبرع فى كتابة المقالات وأدب الرحلات ومارس الصحافة الأدبية فى واحدة من المجلات الهامة من عام 1957 إلى 1961 .
ومن خلال عرض سيرة حياة الكاتب نرى أنه من أصل هندى من عائلة البراهمة لكنه عاش طفولته وجزءاً من شبابه فى ترينداد ثم درس فى إنجلترا واستقر فيها فتشتت بين عوالم ثلاثة , كما أن اللغة التى كتب بها وأتقنها لم تكن لغته الأصلية ولذا فقد تمزق وجدانياً وفكرياً بين ثقافات متعددة , وكانت هذه البذور من أهم العوامل التى أثرت فى تكوين نايبول النفسي وجعلته يشعر دوماً بالغربة والاغتراب والعزلة , فقد اكتشف بأنه لا جذور له وحاول دائماً أن يتجنب ذلك الشعور بالانتماء , ومن البديهي ألا نغفل أهمية المؤثرات الأولى فى تشكيل كيان الكاتب الثقافي سواء عملت هذه المؤثرات بطريقة واعية أو انسابت عن طريق اللاوعي .. إن افتقاد نايبول لجذوره الحقيقية وأحساسه أنه غريب بلا وطن وكتابته بلغة الاستعمار وهو غير قادر على التواصل مع حضارة هذه اللغة . كل ذلك لم يقف عائقاً أمام نجاحه ككاتب بل أصبح شخصية بارزة بين أقرانه من الهنود الغربيين – إلا أن ذلك ظل قابعاً فى الأعماق وطبع أسلوبه في الكتابة بمذاق خاص يتسم بالسخرية والتشاؤم مما جعل النقاد يربطون بينه وبين الكاتب الإنجليزي البولندي الأصل جوزيف كونراد وكلاهما وقع فى فخ المأزق الحضاري .
2
نايبــول ... روائيــاً
هل سمعت أن أحداً من ترينداد يكتب روايات ؟!!
جاءت هذه العبارة على لسان الناشر المحتضر فى رواية " المدلك الصوفي " وتبين هذه العبارة
مدى المعانات التي يشعر بها الكاتب تجاه مجتمعه الفقير العشوائي مقارنة بتراث الأدب الإنجليزي الرصين ومع ذلك فقد كتب نايبول الرواية والقصة والمقال حتى حصل على جائزة نوبل وأهدى هذا الفوز لكل من الهند وإنجلترا رغم أنه قال يوماً ما – "يبدو مستحيلاً أن الحياة التى عرفتها في ترينداد يمكن تحويلها إلى كتاب " .
أن هذا الإحساس بالدونية الثقافية لم يبرح وعي الكاتب وسوف يظهر ذلك جلياً من خلال استعراضنا لأهم أعماله , كانت رواية " عامل التدليك الصوفي " عام 1957 بداية تعرف القراء على إبداع نايبول الروائي وتلاها بمجموعة من القصص القصيرة .
" شارع ميجيل " عام 59 والتي فازت بجائزة سومرست موم الأدبية أما رائعة نايبول الأدبية من وجهة نظر النقاد فكانت رواية " منزل السيد بيسواس " والتي صدرت عام 1961 والتي تلاها بالأعمال الآتية " منطقة مظلمة " عام 1964 والتي فازت بجائزة فونكس ترست " في بلد حر " عام 71 والتي حصلت على جائزة بوكر برايس وهي جائزة معروفة بثقلها الأدبي والنقدي ثم رواية " منعطف النهر " عام 1977 والتي صدرت ضمن روايات الهلال المترجمة عام 1992 , ورواية " الرجال المقلدون " وقد فازت بجائزة سميث الأدبية السنوية ثم رواية " لغز الوصول " عام 87 , " طريق عبر العالم " وهو عمل بين الرواية والسيرة وهو يرصد حركة الكولينيالية من خلال تاريخ روائي ثم رواية " نصف حياة " وهي أقرب أيضاً إلى قالب "السيرة الذاتية " من خلال البطل ويلي سومرست شاندران المولود في الهند عام 1930 والذي أخذ أسمه الثاني من أسم الكاتب الإنجليزي المعروف " سومرست موم " وسيرة حياته تذكرنا بسيرة حياة نايبول , ومعظم أعمال الكاتب تجمع بين الرواية والسيرة وتسودها روح التهكم والسخرية والتشاؤم أما الأعمال الأخرى غير الروائية فنذكر منها كتابه " الهند :حضارة جريحة " عام 77 وكتابيه " وراء الإيمان " و " بين المؤمنين " والذين أثارا الكثير من الجدل والنقاش وسوف نعرض لها بإيجاز , ونايبول واحد من كتاب منطقة غرب الهند الإنجليزية السابقة وخاصة كتاب الرواية الذين أزدهر أدبهم بعد الحرب العالمية الثانية ومنهم أيضاً :
روجر ميس , أدجار هولزر , جون هيرين , ولسن هاريس , صامويل سيلفون وهولاء قد كونوا كياناً لعالم يستطيع أن يقف موازياً للمجموعة التي تمثل الكتاب الإنجليز والأمريكيين في فترة ما بعد الحرب ,
3
وقد انتشر أدب هولاء الكتاب الذين يكتبون بالإنجليزية خارج حدود بلادهم الصغيرة وهم لم يتساووا في النجاح الذي حققوه ويعتبر نايبول واحد من اثنين حققا انتشاراً كبيراً والآخر هو " لامنج " الذي حقق انطباعاً قوياً بسيرته نصف الذاتية " قلعة من جلدي " عام 1953 إلا أن نايبول تفوق عليه لأنه حقق نوعاً من التكامل الفني وحصل على جوائز عديدة في محيط الأدب الإنجليزي .
هو واحد من كتاب الكومنولث الجديد الذين يتعاملون مع المجتمع وماضيه تعاملاً جديداً كنوع من التواصل غير التقليدي بين الرواية والمجتمع رغم أنهم لم يتركوا القوة التقليدية للرواية والتي قلت في السنوات الأخيرة عند الكتاب الإنجليز , والأمركيين . ونايبول لم يكتب محتذياً الموديلات الأدبية أومتأثراً بالحداثة وإنما يكتب من خلال أسلوب خاص جداً به وقد تأثر كثيراً بالكاتب الإنجليزي جوزيف كونراد وفي رواية " لغز الوصول " يناقش حقيقة إنجلترا مثل أى أنثروبولوجي كما أنه يدرس موطن رأسه غير المكتشف والقابع في الأعماق , حيث يحكي عن انهيار ثقافات العالم الحديث وهي مسئولة عن فشل هذا العالم , وسوف نناقش ونفند هذا الأعتقاد الذي لم يكن موضوعياً ونتعرف على الأسباب التي كونت وبلورت هذا الاعتقاد عند نايبول وفي رواية " منطقة مظلمة " سجل اعتقاده هذا وكيف أن خبراته السابقة بالهند قتلت جذور الانتماء لديه حتى أصبح كولونياليا بدون ماض ولا أسلاف " أو أنجليزي دون مجاراة في المحاكاة " وهو يتهكم على أمثاله من الكولنياليين الجدد ويصفهم بأنهم يستطيعون فقد تقليد أسيادهم الحاليين ".
إن هذا الاستلاب الثقافي والانبهار بالغرب يوضح إلى أي مدى شعور نايبول بالدونية وأنه لاجذور له , وقد ساهم كل ذلك في إحساسه الدائم بالعزلة والاغتراب وموقفه الفكري العدائي ضد كل ماهو أصيل ثقافياً أو قديم حضارياً حتى أنه يتهم الهنود بأنهم جعلوا الحرمان أو الإعدام الذاتي ديناً والعجز والسلبية فلسفة .
نعود مرة أخرى إلى نقطة انطلاق نايبول وهي رواية " منزل السيد بيسواس " والتي حلقت باسمه إلى آفاق الشهرة , هذا العمل الذي يجمع بين التراجيديا والكوميديا أو ما يطلق عليه " الكوميديا السوداء " وقد استقي الكاتب أحداث الرواية وشخصياتها من علاقته بموطنه في في ترينداد ؛ وتلك العلاقة الخاصة جداً التي كانت بينه وبين والده والذي يصفه بأنه كان رجلاً منهزماً مثل " بيسواس " ويشعر دائماً بالإغتراب عن عائلته , فبطل الرواية هندي من البراهمة يعيش في ترينداد وأسمه " موهين بيسواس " وهو مثل والد نايبول شديد دائماً على نفسه عميق جداً في جراحه , وقد يكون ذلك سبباً في إخفاقه فهو غير محظوظ منذ مولده , وكل طموح السيد " بيسواس " هو منزل يمتلكه يكون القاعدة الأساسية لوجوده واستقلاليتــه , ولذا نراه يكافح في كل الاتجاهات ويمارس أعمالاً شتى , فهو تارة فناناً
4
ورساماً وتارة صحفياً ومرة كاتبــاً للقصص – لكن – كل ذلك لم يشفع للسيد " بيسواس " في امتلاك منزل , والرواية محكمة جيداً وتعلو فيها نغمة الرمز في تكامل وانسجام , إنها ثمرة ناضجة من مخزون
خبرات الكاتب الأولى في ترينداد , وتمثل العلاقة بين الفرد والمجتمع وكفاحه في ظل ضغوط عاتية تحيد به عن تحقيق أهدافه وطموحاته حتى وإن كانت متواضعة , والرواية تقليدية من حيث أسلوب الكتابة فالأحداث تنمو وتتلاحق رأسياً منذ ميلاد البطل وحتى وفاته مروراً بلحظات النجاح القليلة والإخفاق الكثيرة , والبطل يتحرك في إطار اجتماعي داخل وطن يعتريه الركود ويحاول البحث عن ذاته ولو في عيون أصدقائه .
أن الرواية تمثيل جيد لأدب العالم الثالث المكتوب بالإنجليزية وبداية اعتراف قراء هذه اللغة بنايبول كاتباً وروائياً .
حضارة جريحة
كتب " نايبول " هذه الكتب الثلاثة على مدار اثنين وعشرين عاماً : " الهند : حضارة جريحة " عام 1977 , " بين المؤمنين " عام 1981 , " وراء الإيمان " عام 1998 , وهذه المؤلفات غير روائية وإنما هي كتابات اعتمدت على فكر الكاتب وآرائه وتأملاته إنها وجهة نظر يعتنقها نايبول بعد رجوعه من الرحلات قام بها إلى دول العالم الثالث , وعلاقة ثقافات العالم الثالث بالحضارة الغربية هي المنطقة التي يفضلها الكاتب ويكتب فيها دائماً والمحور الفكري المركزي الذي يستند عليه ومن وجهة نظره يعتبر الحضارة الغربية هي المركز أما الحضارات الأخرى فيجب أن تزول أو أن يسير أصحابها على نهج حضارة المركز , فلابد للأطراف أن تسعى دائماً للغرب والمقصود بالأطراف كل العوالم ما عدا الغرب وخاصة دول العالم الثالث .
وفي كتابه : " الهند : حضارة جريحة " والذي صدر عام 1977 يفتري على الإسلام ويدعى فيقول " إن تأثير الإسلام على العالم أشبه بالكارثة التي سببها الاستعمار " وحين يتكلم عن الهند باعتبارها حضارة جريحة يقول :
" الأرض التي جرحها الاستعمار الإنجليزي ومن قبله الفتح الإسلامي " لقد وصلت درجة العنصرية بنايبول أن يساوي بين الأستعمار والفتح الإسلامي !!! لأن الكاتب قد فقد القدرة على التواصل مع تراثه فأراد أن يمحو كل تراث إنساني آخر وكل إنجاز حضاري عدا الإنجاز الغربي , إن الماضي عند نايبول يذكره دائماً بأدغال وأحراش وأكواخ " ترينداد " مسقط رأسه .. الماضي لديه هو الخوف والفزع والإحباط ورغم أنه اجتر هذه التجارب والذكريات الأليمة في رواياته إلا أنه حجم المرارة أكبر من أن
5
تشفيه الروايات فأراد أن يلسع بما تبقى لديه من مرارة الحضارات التي سبقت الحضارة الغربية . واختص الإسلام ديناً وحضارة بالنصيب الأكبر , وفي كتابه " بين المؤمنين " الذي صدر عام 1981 , يعود الكاتب مرة ثانية فيتهم الإسلام والمسلمين بالتعصب الديني والسياسي وقد عاب عليه كثير من النقاد والقراء هذه الزاوية الضيقة التي ينطلق منها في إصدار الأحكام البعيدة كل البعد عن الموضوعية الفكرية أما كتابه الأخير " وراء الإيمان " والذي صدر عام 98 , وقد كتبه بعد أن أقام بجولة في عدد من البلاد الإسلامية غير العربية وهي إيران وأندونيسيا وباكستان وماليزيا يعاود نفس الإتهامات والإدعات بل ويزيد على ذلك فيصف الإسلام في شبه القارة الهندية " بأنه قوة أكثر تدميراً من قوة الاستعمار البريطاني " وفي مقال لنايبول بعنوان " حضارتنا العالمية " في نوفمبر عام 1990 يقول فيه " سوف أتبنى فكرة الأخذ بالحضارة الغربية وإزاحة أية حضارات أخرى لأنها حضارة السعادة , فيها كل ما يتمناه الإنسان , الحرية والعدالة والاستمتاع والتقدم , ثم يستطرد قائلاً " إن رحلتي من ترينداد إلى إنجلترا هي رحلة من الخارج إلى المركز, من الأطراف إلى القلب , قلب الحضارة الغربية التي هي المركز وكل ما عداها من حضارات هي أطراف ولابد لها أن تنضوي تحت لواء الغرب " .. هذا هو فكر نايبول الذي يؤمن به ويعتنقه ويردده دائماً وينطلق منه في محاضراته ومقالاته وكتاباته .
يقول صديقه السابق " بول ثيروكس " والذي قابله عام 1966 في كمبالا بأوغندة , كان " بول " يدرس الأدب الإنجليزي في كلية الآداب هناك , وجاء نايبول ضيفاً على الكلية بأعتباره كاتباً معروفاً , وأثناء حفل كوكتيل أقامته الكلية , تم التعارف بين بول ونايبول وكانت بداية صداقة بينهما استمرت أكثر من ثلاثين عاماً – ولكن – منذ سنوات قليلة وبسبب تصرفات نايبول وإتجاهاته قطع بول أواصر الصداقة معه .. يقول بول ثيروكس في مقال له بعنوان " قتل الأب " عن صديقه السابق نايبول .
" لقد أعجبت في البداية بموهبته : وبعد فترة لم أعجب بشئ على الإطلاق , وأخيراً بدأت أتعجب من موهبته .. حقيقة أتعجب منها بل وأشك فيها , ووجدت نفسي أمر مرور الغافلين على الكثير من الصفحات في كتبه الأخيرة .. في الماضي كنت أتهم نفسي وأقول إن الخطأ خطأي أما الآن فإننـــي أيقنــت أنه مجنون " .
أليس غريباً أن يكون ف.س. نايبول الأديب العالمي رقم 98.. هكذا أراد القائمون على جائزة نوبل في الآداب في بداية الألفية الثالثة ومرور مئة عام على تأسيس جائزة نوبل بل وفي هذا التوقيت بالتحديد ولكاتب وصل إلى هذه الدرجة من العنصرية ضد الإسلام والمسلمين .
6
مراجع المقال
.V.S.Naipaul by William Walsh . 1973
.V.S. Naipaul by A critical in troduction by landeg white .1975
Naipaul by Michael Thorpe .1976 .v.s.
.search of Islam : by fouad A Jami October 25 1981
Three Novels : by Michiko Kajautani January 17 1983
Our universal civilization by v.s. Naipaul November 5 1990
Sirvidla's shadow afriend ship across five continents by paul theroux. 1998
New york times: Naipaul , latest parable of Dislocation October 16
2001

الجمعة، ديسمبر 12، 2014

أ د : فتوح خليل يكتب : فن الواو




فَنُّ الواو ....
وهو من أجمل الفنون الشعبية ، وفيما يبدو لي أنَّ هذا الفن وشيج الصلة بما نحن بصدده ، وهو فن من فنون الشعر القديم الموجودة في صعيد مصر ، وهو من الفنون الكثيرة التي كادت تندثر؛ لولا فئة من محبي هذا الفن الأصيل، عملوا على إحياء ذلك الضرب من ضروب الشعر، ومن أولئك الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وعبد الستار سليم.

وفن الواو أو المربع ـ كما يسمونه في صعيد مصر ـ يتكون من ثلاثة أشطر شعرية مكتوبة أفقيا تتفق قافية الشطر الأول مع قافية الشطر الثالث، وقافية الشطر الثاني مع الرابع ، وتكون نهاية كل شطرين متفقين فى القافية وفى شكل كتابة الكلمات. أما الاختلاف فهو يظهر فى معنى الكلمة، ومن ذلك قوله :
أول كلامي حصــلّي عللي الغــزالة مشت له
واحكيله عللي حصـلي وازرع همــومي فى مشاتله
ففي الشطر الأول وردت كلمة (حصلي) بمعنى الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وفى الشطر الثالث وردت بمعنى (حدث لي) ، وكذلك فى الشطر الثاني وردت كلمة (مشت له) بمعنى (سارت إليه ) ، وفى الشطر الرابع جاءت بمعنى ( مزارعه ).
ومنه :
على سوء حظي اتلوى الزان لما عملتــه سريـــري
لــو يوزن القول وزان قمحك ما يسوى شعيري
ومنه :
قلبي اللي عايش فى نارك مسيــره يرجع لرشده
لو حتى ضاوي فنـارك عمـره ما يهديه لرشده
أما الشاعرالشعبي المتأثر بقول " ابن عروس" فيقول :
في الندل هات العصـا العوجه وانزل دق
اكمنه تعبان انزل فـوق دمـــاغه دق
ماعرفشي طعم الشرف ولا حتي طعمه داق
لابينفعك في الشتا ولايكرمك في الصيـف
شاطر في أكل الحرام زي اللهيب في السف
تملي سقعان ومكرمش في عز الصيـف
ولا تلتقي ضيف علي بابهم في مـره دق
والشاعر العامي هنا أعطي للكلمات المتداولة ، لغة شاعرية هامسة ، كانت قليلة التأثير قبل استعمالها في شعره.
المربعات وشاعر الربابة:
لشاعر الربابة دور كبير في انتشار المربعات ، أو (فن الواو) ـ كما يسمى في مصر ، وخير دليل على ذلك شعراء السيرة الهلالية، حيث يروونها في صورة مربعات ، وللسيرة تقاليد يتبعها الشاعر قبل دخوله فى الأحداث ، حيث يبدأ أولا بذكر الله والصلاة على النبى ومدحه ، وهو يمهد بهذه "التمهيدة" الثانية لدخول عالم السيرة ، ومن ذلك قوله:
بعد المديح في المكمـل أحمد أبو درب سالك
أحكي في سيرة واكمل عرب يذكرو قبل ذلك
وقوله :
سيرة عرب أقدميين كانوا ناس يخشو الملامه
بطلهم أسد سبع ومتين يسمى الهلالي سلامـه
ومنه :
لم يخلق الرحمن مِثَل محـمــدٍ نبى الهدى اللى جانا بالقـرآن
صلى عَلَيْكَ اللهُ يا عَلَمَ الهـدى يا نور العيون يا صفوة الرحمنِ
****************
صـلاة النبى تغـنى عن القوت وتمنع الـبــلا والمراضـى
يستـاهـل علقتـه بالسـوط اللى معاه كفو الزياره وما راضى
وبعد مدح النبى والشكوى من غِيَر الأيام ينتقل الشاعر إلى سرد أحداث السيرة فى شعرية تربط بين "الصلاة على النبى ومدحه" وما سيأتى من أحداث.
ويعتمد المربع على الارتجال اللحظي هذا بالإضافة إلى الإرث الموجود ، المنسوب لابن عروس ، وهو مؤسس هذا الفن عن أرباب هذا النوع ، حيث ينسبون له نشأة فن الواو أو المربعات، والمربع المكون من أربعة أشطر يعتمد على ترجمة فكرة ما ، تبدأ وتنتهي خلال تلك الأشطر الأربعة ، ومن مربعات ابن عروس :
أنــا باوَحِّد اللي خلق الناس خلق مسلمين ونصــــارى
وناس نامت على فَرش وِكْناس وناس ع المعايش حيارى
ومن المربع قول آخر:
طبيـب الجرايح قوم اِلحــق وهـات لي الدوا اللي يوافق
فيه ناس كتير بتعرف الحــق ولاجـل الضرورة توافـق
وقول الآخر :
فَرَطت قِلعِي ما جانيش ريح وعــاودت ع البَر ناوي
ياما نـاس زيِّنا مجــاريح لكين صـابرة ع البلاوي
وقول الآخر :
شوف الزمان انتهت عَدَلِيهْ وادي البُطْل ع الحق راكِب
جـه السبع يُطلُب عدليـه لِقِي الهِلف ع التخت راكب
وقول الآخر :
إوعى تقول للندل يا عم ولوكان على السـرج راكب
ولا حــد خالي من الهم حتى قلوع المــــراكب
وقول الآخر :
ولابـــد من يوم محتوم تتـرد فيه المظــــالم
أبيض على كل مظلـوم أسوَد على كل ظــالم
وقول الآخر :
غربي بلدنا بلد سيـــح وادي الهِـلف ماشي ورانا
مش عيب كراسي التماسيح تقعــــد عليها الوِرانا
وقد كتب بيرم التونسي عددا من المربعات ، وإن كانت أقل الأشكال كماً فى دواوينه، منها :
قريـت ومليـت كفايــه خوف السقوط والبطاله
وكل ما ازداد قــرايــه بالـدنيـا أزداد جهاله
ومنها :
يـــا طالب العلم تنداس لو يبقى علمك بضاعــه
تنفع وتستنفع النـــاس لو كنت صاحب صناعـه
ومنها :
يــا عـالـم العلـم بالله يـزيد فى نـــور البصيره
واللى استنـــارت نواياه يلقى الدهب فى الحصــيره
ومنها :
إن كـت تطلـب رضـا الله يجعل لك الـناس عبيـــدك
وإن كنت تطلب رضــا الناس أقـلهـم يبقـى سيـــدك

الأحد، ديسمبر 07، 2014

أحمد الخدري يكتب : الكلام عن الكلام صعب ( التوحيدي )


الكلام عن الكلام صعب ( التوحيدي )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن ( سوق الأغنيه ) أو ( سوق الكاسيت ) بلغة النصف الثاني من التمانينات وقتها يسمح بجديد في الأغنيه المصريه سوى لجديد التوزيع أو التلحين لأن اللغه السائده وقتها كانت لغة ( المقسوم ) و لعلنا نذكر ( حميد الشاعري ) و استحواذه الكامل على مرحلة التمانينات بداية من عام 1983 في أول ألبوم له بعنوان ( عيونها ) و ما تلاه من ألبومات مثل ( رحيل ) 1984 و ( سنين ) 1985 و ( أكيد ) 1986 ثم ألبوم ( لولاكي ) مع علي حميده _ اللي كسر الدنيا طبعا وقتها _ لنتفق إذن على مبدأ يقول أن ..
المزيكا و الإيقاع كانتا كلمتي السر في مرحلة الثمانينات ..
و في 1986 يظهر المطرب ( إيمان البحر درويش ) ليقول أن هناك كلمة جديدة لابد أن تسمع و أن تغير مسار الأغنيه المصريه من ( الدربُكه ) التي لا تعني بالكلمه مطلقا إلى أغنيه جديده في ثوب جديد فيغني من كلمات شاعرنا و ألحان الجميل فاروق الشرنوبي
( إيدي واحده و انتي إيدك برضه واحده
مدي إيدك و يا إيدي ..
و امسحي دمعة وليدي
عايز اصرخلك و عاجز
أسمعك أو تسمعيني
نفسي اقولك ألف حاجه
بس آه لو تفهميني
شيء غريب حسيته لما
كنتي مره بتحضنيني )
فيصفق الجمهور المتعطش إلى كلمة حلوه و قضية و غناء يلامس روحه .. لتتوالى أعمال هذا الشاعر الجميل الذي انتقل من الإسكندريه إلى القاهره 1986 ليلتقي بالمطرب مدحت صالح و معه صديق لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره هو الملحن \ محمد ضياء الدين في لقاء ضم الكثير من الشعراء و الملحنين و منهم توأم شاعرنا في هذا الوقت و صديقه الحميم الفنان فاروق الشرنوبي و حينما يستمع الجميع إلى كلمات أغنيته يطلب منه مدحت صالح أن يعطي نسخة من كلمات هذه الأغنيه إلى محمد ضياء الدين لأنها أعجبته جدا و يريد أن يقوم بتلحينها .. فما كان من شاعرنا سوى أن أعطى لضياء النسخه الوحيده ... بعدها بفتره يتصل مدحت به ليخبره أن ضياء انتهى من تلحين الأغنيه و يطلب منه التنسيق مع ضياء لسماعها . فيحضر ضياء إلى فندق سفير في الدقي الذي يقيم به شاعرنا و في سيارة ضياء يستمعا معا إلى
( خاصمت الشوارع . خاصمت البيوت
و كل الحاجات اللي كانت تفوت
علينا سوا
طويله السكه و انتي بعيد
بادور ف الزحام على إيد
تموت البسمه ف عيوني
حاجات اكتر ف قلبي تموت
خاصمت الشوارع . خاصمت البيوت )
لا شك أن الأغنيه وقتها أخذت من ( السوكسيهات ) ما يجعل شاعرنا يطير في سماء الأغنية المصريه .. و تتوالى الأعمال الغنائيه المتفرده
ليقوم بعمل أغنيته الرائعه مع علاء عبد الخالق و التي كان مقررا أن يغنيها منير _ اللي زعل جدا _ و لم يتم التعامل بينه و بين شاعرنا إلا بعد فترة في فيلم ( شباب على كف عفريت ) وهكذا أصبحت من نصيب علاء عبد الخالق لتفاصيل منتهى الإنسانيه لسنا بصدد ذكرها و يغني علاء .. و الذي قال عنها ملحنها لحنتها و أنا أشعر أنني أكلم المسيح ..
( إيدي بتدور على إيدك و انا وسط الزحام
محتاج أشوفك ألمسك . على كتفك الطيب أنام
صوتك بيندهني مش عارف السكه
صوتك بيندهني و ما سيبتليش عنوان
مش قادر اوصل لك إمتى هتوصل لي
محتاج اشوف ضلك مايل على ضلي )
أتاحت تلك البدايات المغايره و المتفرده لشاعرنا التعامل مع الجميع بعدها حتى وصل ببساطته و عمقه و كبريائه إلى لون آخر لا شك وضع هاني شاكر في موضعه الذي يليق به كأمير للغناء العربي كما لقبه الجمهور ..
( غلطه و ندمان عليها
و بقولك و اسمعيها
قلبي مش ملك إيدك
أو لعبه بتلعبيها )
( ما تهدديش بالإنسحاب . تخسري . بيسموكي القمر و غيرها )

عنوان جانبي .. كبرياء سميره سعيد من كبرياء الشاعر الذي يكتب لها
( إنساني .. بشتاقلك ساعات . خايفه و غيرها من الأغنيات )

أصاله
( إرجع لها . شيء يرجعلك . رجعتلها . و غيرها )
كذلك غنى له محمد الحلو ( و لا كنت يوم بانكسر ) من ألحان / فاروق الشرنوبي سنة 1989 و غنى له / أسامه الشريف الفارس يموت .. و غنت له / ناديه مصطفى إتفضل قولها إنت و التي غيرت أيضا شكل ناديه مصطفى تماما و كانت من ألحان / محمد ضياء الدين
إنه الشاعـــر الكبير الجميل / عمــاد حســـن

الاثنين، نوفمبر 10، 2014

عصام الزهيري يكتب ... عن أزمة رواية 1984" اللعبة مكشوفة قوي "





اخوانا اللي حاولوا يستخدموا موضوع رواية (1984) ضد "النظام" لازم يفكروا بقى في تجديد أفكارهم وأنشطتهم المعارضة بشكل جذري ويلعبوا غيرها الحقيقة.
فمن ناحية اللعبة مكشوفة أوي، فليس معنى ضبط طالب بحوزته رواية أن سبب القبض عليه هو الرواية التي بحوزته. والإثارة الإعلامية التي يحاربونها عادة باسم الثورة هي التي يمكن أن تصنع خبرا مثل خبر القبض على "طالب بحوزته" دي. ورغم ذلك بأقولهم برضه من حق الإعلام يكون مثير عشان يجذب قراء، لكن مش من حق القراء تتخلى عن عقولها وقت ما تحب وتطالب بمصادرة الإعلام - لو هاجم الثورة - بمزاجها!.
من ناحية تانيه - وده الأهم - فإن النظام الذي يحاربونه لم يتشكل بعد (فيه منه رئيس وباقي برلمان وحكومة) ومن ثم لا يمكنني محاربة نظام لم أراه بعد إلا لو كنت مستأجرا أو موتورا (ولازم تعذروا الناس هنا في اتهاماتها)، وحتى لو كنت عارضت رأسه الذي يأمل فيه الناس خيرا. أما من ينخرط ضمن "استحقاقات" حرب الاخوان على السيسي، فهو لا يحارب إلا ثورة يونيو، ولا يسعى إلا لإسقاط الدولة المصرية، ولا يصطف إلا مع الإرهاب.
تحياتي..توقيع
معارض عادي وثوري على قده مش خطير يعني

تعريف بالرواية 

1984 رواية ديستوبية من تأليف جورج أورويل قدمها في عام 1949 والتي كان يتنبأ من خلالها بمصير العالم الذي ستحكمه قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه ولا توفر أحلامهم وطموحاتهم بل تحولهم إلى مجرد أرقام في جمهوريات الأخ الأكبر الذي يراقب كل شيء ويعرف كل شيء،

السبت، نوفمبر 08، 2014

أدونيس القامة الكاشفة صقر أبو فخر





أدونيس القامة الكاشفة
صقر أبو فخر
في الجامعة اليسوعية (2/10/2014)، وأمام جمهرة من المثقفين والكتّاب والشعراء والصحافيين تكلم أدونيس كمن لكلامه سلطة. كان الأجرأ كعادته، وكان شجاعاً في مواجهة هذا الهول الذي يلف المشرق العربي بأسره. قال إن الإيمان بأن النبي محمد هو خاتم النبيين وأن لا وحي بعد الوحي المحمدي يمكن تأويله على أن الله ما عاد لديه أي شيء ليقوله، وأن العرب، بعد الوحي، ما عاد لديهم أي شيء ليفعلوه. وأضاف: العرب اليوم يقتتلون على الماضي، ويختصمون على الماضي. إنهم شيعة وسنّة وغير ذلك من الفرق التي ليس لديها أي رؤية مستقبلية على الإطلاق. وبهذا المعنى برهن العرب أنهم أسوأ الشعوب في هذا العصر. ورفض أدونيس الخوض في مسألة الأقليات الشائعة جداً اليوم، ودعا إلى فكرة المواطنة التي تتخطى مفهوم الأكثرية الطائفية والأقليات الطائفية نحو رحاب الدولة العادلة والمجتمع المدني والمواطن الحر.
كان عنوان المحاضرة التي قدمه فيها الزميل عبده وازن السؤال التالي: «هل يغيِّر الشعر؟»، فقال أدونيس: الشعر يغيِّر، لكن ليس على المدى القصير، إنه يغيِّر لأنه يسمو بالفرد وبالجماعة على مستوى الشعور والذائقة والثقافة. والشعر إن لم يَذُب الفكر فيه، فلا قيمة له. الأشعار التعبوية انتهت إلى لا شيء في ميدان الإبداع، لأن الحماسة وحدها تموت بموت الأوضاع التي أنتجتها، بينما الشعر الحقيقي يعيش طويلاً في الزمن. وجميع قصائد الحماسة في عهد ثورة أكتوبر الروسية طواها النسيان، بينما قصائد ماياكوفسكي الذي كانت «الجماهير تلعنه وترميه بالطماطم أحياناً، ما برحت نضرة. والشعر، بحسب أدونيس، ليس مجرد تعبير عن الانفعالات وحدها، إنما هو رؤية متكاملة للإنسان والعالم والأشياء، وكل شاعر كبير في تاريخ الشعر هو مفكر كبير: المعري والمتنبي وأبو تمام شعراء كبار لأنهم أسسوا قيماً فكرية إلى جانب القيم الجمالية، وأبو نواس أسس قيم المدينة في مواجهة قيم البداوة، وهؤلاء جميعهم أذابوا الفكر في الشعر. والشعر اليومي يتضمن الحكمة أحياناً لكن من غير جمال. وعلى سبيل المثال:
الرأي قبل شجاعة الشجعانِ
هو أول وهي المحل الثاني
هذا البيت بلا رائحة أو نضارة، بينما يفوح الجمال في بيت للشاعر شريف العقيلي قاله عندما اشتاق إلى حبيبته:
مطرٌ يذوب الصحو منه وخلفه
صحوٌ يكاد من النضارة يمطرُ
بيروت التي وقفت نخبها المفكرة وكتّابها وشعراؤها عشر دقائق متواصلة وهي تصفق لأدونيس في مسرح المدينة قبل سنوات، لم يتورع بعض صحافييها عن الهجوم عليه في اليوم التالي مباشرة، إنها بيروت حقاً. وأدونيس الذي منح هذه العاصمة جانباً مهماً من ألقها وحيويتها الثقافية منذ أواخر خمسينيات القرن المنصرم فصاعداً، ما برح منذ نحو خمسين سنة، يمنح بيروت جانباً من التحفز الثقافي بعدما وصلت الكتابات فيها، ولا سيما الكتابات السياسية، إلى الحضيض من حيث الخفة والضحالة، فالجميع، إلا القليل، مشغول بالاحتراب المحلي على طريقة المختار ورئيس البلدية في الأرياف اللبنانية، أو بالتنافس على المحدلة والماعوص ومزراب العين والناطور. وأدونيس في حضوره المتألق ما برح الأكثر عمقاً حتى حين يكتب في السياسة، وكتاباته السياسية كاشفة حقاً لأنها تقيس ضحالة ما يكتبه الآخرون، تماماً مثل قامته الشعرية والفكرية والنقدية التي تقيس ضآلة كثيرين ممن تتلمذ عليه في حقبة غابرة، ثم راحوا يرمون العوسج في طريقه، وهيهات للعوسج أن يدمي قدميه.
السفير- 21-10-2014





الجمعة، نوفمبر 07، 2014

الذكورة سلطة تنكشف في مرآة الكتابة النسوية: الكتابة والمرأة !...حسن إغلان





‘الكتابة والمرأة’ أو ‘التشكيل والمرأة’ أو ‘الإبداع والمرأة’ عناوين تحيل إلى موضوعة واحدة، موضوعة الجندر التي ما فتئ نقاش يتنامى ويتزايد حولها، ليس فقط من حيث الإواليات التي يتأسس عليها ما يسمى ”بمقاربة النوع” بل في المضاعفات التي خلفتها في تاريخ الأدب والمؤسسة بشكل عام.
نحن هنا لا نود الانخراط في الجانب الأول ولا حتى متابعة تاريخ المؤسسة، بما يفيده هذا الأخير من ذكر النساء، في التاريخ الإنساني. وإنما الذي يهمنا هو التفكير في العنوان كأفق للمساءلة والتأمل. لنتأمل العنوان الأول المُنْبني على كلمتين وحرف الوصل. الكتابة / المرأة / والواو.
المرأة مرآة للذات. أو هو الآخر الذي يعكس صورة الأنا الكلمة تفيد ذلك، أي حين لا نضع الهمزة على الألف، فإن الكلمة حاضنة للتأويل والمعنى. إذن بأي صيغة تفيد الكلمة هذا القلب. صحيح أن المرآة تفضحنا، تعكس رؤيتنا إلى العالم.
الأنا متعدد وإن كان واحدا. بهذا المعنى نفهم حكاية الخلق كحكاية ما انفكت تحضر وتغيب في الذاكرة والأثر. ألم يقل القرآن ان ‘حواء’ خلقت من ضلع ادم، ليرى نفسه فيها. إن قصة الخلق تنزاح نحو خروج آدم وحواء من الجنة بفعل الغواية.
الغواية هي الوسيط الذي انحفر في الذات ليعلن عن استقلالية مفترضة. لكن من أي زاوية نظر نربط الحكاية بالمرآة؟ أو على الأقل كيف ننظر إلى الكتابة بكونها مرآة و امرأة؟ ألا يعني هذا السؤال مخاطرة تبتغي المغامرة. بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. هنا تكون الكتابة عريا لصاحبها أو لصاحبتها، ما دامت لعبة المرايا تحجب أكثر مما تظهر. إن اختلاف الجنس في الحدود الذي يمثله بين ذكر وأنثى، حدان متوازيان. إلا أنهما يلتقيان في جنس ثالث مغضوب عليه ومرفوض في المؤسسة القانونية والدينية والاجتماعية…إلخ أي لا هو بذكر أو بأنثى وإن كان هذا الأخير قد أثث المخيال السفلي في الثقافات الإنسانية، سواء عند الإغريق أو في الثقافة العربية الإسلامية (ألف ليلة وليلة، كتاب الأغاني وما تناقلته المأثورات العربية من داخل القصور وغير ذلك) إذن لنزل الطرف الممنوع من تفكيرنا الآن، ولنر ما تخفيه المرأة باعتبارها الآخر الذي يسكننا ولنقل باحتيال شديد أن الكتابة امرأة، ليس من حيث تاء التأنيث محددة لهما، وإنما من حيث هي مرآة تعريها معا، أو على الأقل، تعري الوسط الذي يفيد العلاقة، وهذا هو الأمر الذي نريد الاشتغال عليه كما لو كان هو البياض الموجود بين الكلمتين، بياض يحجب المعنى ولا يظهره أو لا ينكشف إلا حين اقترابه من اللامعنى.
ماذا تكتب المرأة؟ ماذا ترسم وماذا تبدع؟ سؤال يفترض الموضوع كعينة اختيارية تستلزم آليات التحليل والتركيب والنقد وما إلى ذلك. في حكاية قديمة تفرض على الشاعر الجاهلي الوقوف عند الأطلال، لكونها حاملة لأثر الحبيبة/ المرأة. كأن هذه العتبة هي ما تعطي للشاعر هويته. بمعنى أنه لا يقول الشعر إلا إذا وضع المرآة أمامه، ليرى الآخر الذي يسكنه، لكن إذا اعتبرنا المسألة قاعدة في المعلقات الشعرية العربية وحتى في الكتابات المعاصرة كما لو كان المكان الذي لم يؤنث لا يعول عليه بلغة ابن عربي، أو كأن الكتابة بدون امرأة لا يعول عليها.
يمكننا قلب الرؤيا بين امرأة كاتبة وآخرَها الذي يظهر ويختفي في المرآة. هنا يلزمنا جهد خاص يقوم بقراءة النصوص بتركيز شديد لمعرفة هل المرأة المبدعة تبدع بكيانها؟ أم أنها تتلبس السلطة الذكورية لإ يجاد المعنى. قد أقول بأن غالبية النساء يكتبن بطريقة تفيد الذكورة والسلطة والمعنى.
قد تكون الذكورة سلطة تنكشف في مرآة الكتابة النسوية، ربما لتاريخ التهميش الذي عاشته رغم أنها الأصل والأثر، فالمرأة هي التي خلقت في الأساطير القديمة الآلهة، بل هي التي أبدعت وخلقت الرسل والأنبياء في الديانات التوحيدية، إلا أنها بفعل سلطة الذكورة تحتجب بحجاب الغواية، هكذا تخبرنا قصص الأنبياء، مثلما يضعنا كتاب ألف ليلة وليلة في هذا التَّمَاس المروع بين شهرزاد وشهريار، وهي نفس اللعبة التي تستهوينا من فنون تبدعها. لننظر إلى الأمهات المغربيات وهن يخربشن في الهامش أعني؛ حين يكتبن على الجسد وشما مفتوحا على القراءة والتأويل، أي حين يخترقن سلطة اللاهوت وينزحن نحو غواية الآخر/الذكر. بالغواية أو حين يطرزن المناديل والزرابي وما إلى ذلك إنهن يكسرن المرايا ويقمن بتجميعها مرة أخرى. هذا النوع من الإبداع ، يظهر لنا مفعولات الرغبة في السلطة. سلطات متعددة تتجلى في أقصى درجات الهامش. لكننا اليوم أمام الكتابة كسلطة، كحاملة لرأسمال رمزي، توقعها امرأة. وتظهر عريها أمام الآخر الذي يعاكس ويتلبس بها مثلما تتلبسه. في لعبة، يكون الخداع استعارتها واللغة واللون والصورة والموسيقى… إيقاعاتها. توقعه ويقع فيها، كما الحجاب تماما. أليس الغطاء عراء. والعكس صحيح تماما كما تقول إحدى نساء ‘الرشيد’ في زمن ما.
إن لعبة التوقيع (توقيع النص) تحيل إلى إرادة القوة والمعنى، في أكثر الكتابات النسوية العربية، من هنا يكون الصراع بشكل خفي ويكون ‘الهو’ مرتعا له. أليس ‘الهو’ هوية مشتتة لهذه الكتابة. لنتوقف عند مفهوم الصراع ونبين أولا أنه ليس بالضرورة صراعا مع الذكر وإنما هو صراع مع بنيات ثقافية رمزية. تستعير القانون والدين والايديولوجيا لترسيخ هذا الذي نسميه صراعا مادام هذا الأخير يفيد الهيمنة والقمع والسلطة. مثلما يفيد الهامش والخضوع والدونية. صحيح أن العالم تغير… وتغيرت معه القوانين وأشكال الضغط مثلما تبدلت الرموز والعلامات وهي كلها تغيرات صورية أو هي بالأحرى ‘سيمولاكرات simulacres’ لأصل ما فتئ يحضر ويغيب، لقد أعلنت ‘سيمون دوبوفوار’ إبان ثورة طلبة باريس68، شعار التحرر من المؤسسة الذكورية، إلا أن هذا الشعار سرعان ما تلاشى في الفضاءات العامة وإن كانت الدولة الحديثة في أوروبا قد شرّعت للمناصفة والمساواة. إلا أن هذه التشريعات التي تعاقد عليها المجتمع لم تبلغ ما كانت تتضمنه البيانات النسوية لتلك المرحلة، بمعنى أنه لم يكن بالإمكان القطع النهائي مع الأصل. ليس الأصل هنا دينيا واجتماعيا، وإنما في حالة التصور البيوثقافي الذي يؤسس لذلك. المسألة تبتعد مما نريد التوكيد عليه أي مما تعلنه الاجتهادات التحليل- نفسية الجديدة، وكذلك مما تعلنه الاكتشافات البيولوجية الجديدة ‘New-biology’ في أمريكا وبعض دول أوروبا. وهي اكتشافات تخترق الأصل في اللحظة التي تؤزم النسخة وتخلخل كيانها البنيوي.
إلا أننا في العالم العربي والمغربي على الخصوص، تظل المرأة هامشا يرغب في النور والوضوح، وهي مسألة ليست بالسهلة في مجتمع يعود فيه الدين بقوة إلى فضاءاتنا العمومية ويعود فيه فقهاء الظلام لإعادة النساء إلى مكانهن المظلم في كل شيء وهي عوائق تعيق النساء عن الظهور.
هاهنا تظهر لنا القيمة المائزة للنساء اللاتي يبدعن ويبحثن عن صوتهن في مجتمع أصبح فيه الصوت عورة، إنهن مناضلات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قد يطول الحديث بنا لتفسير تضاعف هذه الرغبات في الكتابة والرسم والإبداع، ليس فقط في التركيز على ذلك الصراع الثاوي خلف ذلك النص التشكيلي أو الشعري أو الروائي أو… وإنما في حدود الانفلات الذي ترسمه المرأة لنفسها بين العتمة والنور، بين ‘الهو’ وسلطة الواقع ، بين الأب والرغبة في قتله رمزيا، إننا نعود إلى ذلك القلب الذي مارسناه على كلمة امرأة بحذف الهمزة على الألف، بمعنى أن النص الذي رسمته، كتبته، أو نحثته مرآتها. ما دامت المرآة لا تقول الحقيقة، وإنما تزعج… لهذا فالمرأة الكاتبة تناضل من أجل ترسيخ اسمها من كتابتها ولتكون هذه الأخيرة عيّارا لقوتها أوضعفها، في بعض الأحيان لا أميز بين كتابة وأخرى من خلال الجنس ولكن تثيرني الكتابة النسوية من داخلها، كما الوجع الذي يحيط بها مرة في الشهر أو في فضاءات أخرى، أليس ‘الفن- بهذا المعنى- رحلة إلى الآخر’ على حد تعبير غوته. 
* نص المداخلة التي شاركت بها في المهرجان الأخير لجمعية بصمات للفنون التشكيلية بمدينة سطات آخر شهر يونيو2013 


الاثنين، نوفمبر 03، 2014

الأديب عصام الزهيري يكتب : الفاشية الأصولية و "نظرية الحكم الاسلامي"






الفاشية الأصولية و "نظرية الحكم الاسلامي"
.
نظرية الحكم الأصولي الشمولية الاستبدادية، التي تصفها الفاشية الأصولية زورا بالحكم الإسلامي، والتي يقدمها الأصوليون، فوق ما تحمله من وعود الدم والتنازع والدمار ووعود التقسيم والحرب الأهلية، تتسم بمقدار من الجهل والغموض لابد أن يثير الهزؤ والسخرية.
فـ"سياسة الحكم في الإسلام" - بحسب مصطلحهم الذي يحاولون به الزج بالإسلام في السياسة وتحويل الإسلام لأيديولوجيا ونظام حكم - تقوم عندهم على ثلاثة عناصر مجهولة وغامضة هي: العدل من الحكام - الطاعة من المحكومين - الشورى بين الحكام والمحكومين.
ولك أن تتساءل عن طبيعة هذا العدل المقصود ومن وجهة نظر أي فئة أو طبقة أو مذهب؟ وهل هو "العدل" من وجهة نظر الغني أم من وجهة نظر الفقير أم من وجهة نظر "الإمام المستبد؟ هل هو عدل من وجهة نظر اليمين أم من وجهة نظر اليسار؟.
ولك أن تتساءل عن حدود الطاعة أيضا..هل هي طاعة للأمير على طريقة أحاديث الأحاد التي يسوقونها "وإن أخذ مالك وجلد ظهرك"؟ أم طاعة الرئيس على النمط المدني وعلى طريق الدساتير الحديثة مشروطة بحزمة الحقوق والحريات؟
وقطعا سوف تتسائل عن حدود الشورى، اختيارية أم مفروضة، ملزمة أم معلمة؟ شورى عامة شاملة كل شيء أم شورى محدودة محصورة في أمور بعينها؟
فإذا كانت اجابتك أن المقصود هو العدل بحسب ما يتم تعريفه عبر الصراع الديموقراطي والذي يملي وجود أحزاب وحياة سياسية تعددية، وكانت إجابتك أن الطاعة المطلوبة هي بالمعنى المدني المشروط بالحقوق والحريات وواجبات المواطنة التي تسوي بين الجميع، وكانت إجابتك أن الشورى ملزمة وهي النظام البرلماني بعينه. فذلك هو النظام الديموقراطي. والديموقراطية نظام بشري متطور عبر التاريخ، لذا فإن به مميزات وبه عيوب، ولا معنى إطلاقا أن تسمي الديموقراطية نظاما إسلاميا، اللهم إلا على طريقة من يقرأون النظريات العلمية في الفيزياء والفلك ثم يلوون أعناق نصوص القرآن ليقولوا أنها "نظريات قرآنية"!، دون أن يتسائلوا عن موقفهم في حال ثبوت بطلان هذه النظريات بالعلم، فالعلم البشري يقيم النظريات ويحيطها بالشكوك حتى تثبت صلاحيتها للبقاء أو للتعديل أو تلغى، ثم ما موقف الناس لو اقتنعوا فعلا أن هذه النظريات موجودة في القرآن ثم اتضح بطلانها!.
وواضح طبعا أن حدود العدل والطاعة والشورى التي يعتبرها الغباء وشهوات الحكم عند الأصوليين أساسا لـ"نظرية حكم إسلامي" هي حدود عامة ومبادئ لا يمكن أن تستخرج منها نظرية شاملة مفصلة، إلا لو كانت نظرية بشرية استبدادية في حاجة لترسيخ استبدادها عن طريق استخدام العصمة الإلهية وآيات القرآن المقدسة.
كل النظم في العالم - على ما بها من ظلم - تعتقد أنها تقيم العدل، ويقول بغير ذلك معارضوها، وكل النظم الحاكمة في العالم يدين لها مواطنوها بالطاعة دون أن يعتقدوا أنها نظم إلهية سماوية وإنما لأسباب مادية لا علاقة لها إطلاقا بالكمال فالكمال لله دون البشر، وكل النظم في العالم يمارس حكامها لونا من ألوان الشورى سواء عن طريق البرلمان أو عن طريق مجالس نوعية أو نقابات أو خلافها، وكلها نظم لا يمكن أن تزعم - أو أن يسمح لها أحد أن تزعم - أنها إسلامية. إنما السياسة اجتهادات بشرية تصيب وتخطئ ويحاسبها الناس على صوابها وخطئها، وعلى نتائجها، دون أن يعتقدوا أنها "سياسة الله" أو سياسة الإسلام.
لكن الكارثة الكبرى في معتقد الفاشية الأصولية عن "نظرية الحكم الإسلامي" هو فيما يشترطه الفاشيون في الحاكم لتجب طاعته، وهم يرون أن الحاكم تجب طاعته في حال قيامه على شريعة الله ورسوله، فإذا عصا الحاكم الله ورسوله سقطت طاعته ولم يعد لأوامره نفاذ!.
فإذا كان معروفا وجود ما لا نهاية له من الاختلافات في فهم وتأويل وتفسير كل أبواب الشريعة الإسلامية، فالمفهوم من ذلك أن أي حاكم سوف يكون عرضة دائما في نظر طائفة أو مذهب مخالف لطائفته ومذهبه - هذا إذا ألتزم أحكام طائفة أو مذهب بعينه - للنظر إليه باعتباره عاصيا لله ورسوله!. طالما أن كل فرقة أو مذهب أو فرد أو أفراد سوف يعتبرون - كما يعتبر الأصوليون الفاشيون - فهمهم للشريعة هو الشريعة ذاتها. حينها لا تكون طاعة هذا الحاكم واجبة (شرعا). و..هذا هو ما تعدنا به نظرية الحكم الأصولية (وحاشا لله أن تكون إسلامية) بالضبط - وكما رأينا خلال حكم الاخوان - التنازع والانقسام والتكفير والحروب الأهلية.

الجمعة، أكتوبر 31، 2014

اللص الشريف في ثقافات الشعوب الروائي محمد جمال الدين




اللص الشريف في ثقافات الشعوبمحمد جمال الدين

معظم القصص التي وردت في ثقافات معظم الشعوب والتي تتحدث عن الرجل الذي يسرق الأغنياء ليعطى للفقراء والمحتاجين لم تكن جيدة المعالجة وخصوصا في نهاياتها ، ولست أزعم أنني قرأت كل ما كتب في هذا الموضوع فهذا مبعثه الضحك لأنه لا يمكن لأي إنسان أن يلم بكل ما كتب في موضوع ما،ولكن ما أريد أن أقول أن كل ما وقعت عليه عيني في هذا الموضوع لم يكن مقنعا إلا في قصة وحيدة أراني انفض عنها الغبار بعد قراءتها بما يقرب من أربعة عقود وتقول القصة أنه كان هناك رجل يدعى حمدان وكان يكره بخل الأغنياء وإهمالهم لحال الفقراء.
وأخيرا قرر أن يسرق كل غنى كي يعطى للفقير ولم يكن يأخذ شيئا من ذلك لنفسه أبدا بل كان يوزع كل ما يسرقه على أصحاب الحاجات أما هو فكان يعمل يومين قي الأسبوع يتوقف فيهما عن السرقة كي ينفق من دخلهما على نفسه ، المهم ذاع صيت هذا الرجل عند الفقراء والأغنياء على حد سواء ومابين الحب والكراهية التي يحملها كل فريق للرجل ، بدأ دفاع الفقراء الشديد عن كل أفعاله في الوقت الذي كان الأغنياء يدبرون للإيقاع به ولأن الأغنياء دائما متصلون بالعسس دون الفقراء فقد عرفوا مكان الرجل بعد أن نصبوا له الشرك وهو يتسلق أحد المنازل ولما وجد حمدان أنه سيقع في الأسر لا محالة دعا ربه أن ينجيه لأنه لم يأخذ شيئا لنفسه ، وفجأة بعد أن حاصرته الشرطة بدأت تنفض من حوله وهم يجرون بعيدا عنه ، تعجب الرجل ونزل من فوق سطح المنزل ليجد كل من يقابله يضع يده على أنفه ويهرب بعيدا ، ولما تكرر الموقف قرر الرجل أن يرحل إلى الصحراء وهناك التقى بأحد الزهاد الذي أخبره أن هذه الرائحة التي كانت سببا في نجاته لم تكن إلا أفعاله وأخبره الرجل أن السرقة حرام وأن الله أنجاه ليفتح له باب التوبة ولما سأل لماذا لم أشتم أنا هذه الرائحة ؟ أخبره الناسك لأنك لا تعرف حجم الجرم الذي كنت ترتكب فجهلك بأفعالك مثل جهلك بتلك الرائحة التي يشمها غيرك ولا تشعر بها أنت ، أخيرا دله الزاهد على بحيرة مقدسة ليستحم فيها وسوف تذهب عنه رائحته بشرط أن يكون مخلصا في توبته ففعل الرجل وتاب وصار طيب الأفعال يجتهد في عمله ويواصل رسالته في دعم الفقراء من مال حلال. ومن القصة أجد نفسي متأملا عقودا أربعة مرت وكم لص سرق الناس والوطن ولم يكن يملك أي معنى للشرف فصار قاتلا للفقير بتجويعه والنيل من فرصه في الحياة ففي النظام السابق الذي لم يستمر طويلا والحمد لله تم سرقة كل الفرص لصالح عصابة من متاجري الدين وحمل الجهاز الادارى للدولة بآلاف الموظفين الذين لا يملكون أي كفاءة سوى انتمائهم للجماعة وأصبح من المستحيل التخلص منهم وفى النظام الأسبق كانت رائحة الفساد مثل جيفة قذرة ولا تقدر كل البحيرات المقدسة على إزالة أوساخها، أقول هذا بمناسبة الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في وقت قريب فعلى الشعب إن أراد أن يختار أن يبتعد عن عصابات الكذب والادعاء باسم الدين وعن شلة فساد نظام مبارك ن فالصوت أبدا لا يساوى ربع دجاجة ولا يساوى زجاجة زيت ولكن يساوى الكثير الذي قد يغير الوطن إلى الأفضل ببرلمان شاب وعفي يساعد على منح فرص للجميع على حد سواء وإلا سنجد أنفسنا ندور في نفس الدائرة ونكرر نفس الأخطاء ولكن هذه المرة بإرادة منا

الجمعة، أكتوبر 17، 2014

جورج أورويل بين الأدب ...والسياسة ..ربيع مفتاح






جورج أورويل
بين الأدب ...والسياسة
ربيع مفتاح
الرأي بأن الفن يجب ألا يكون له علاقة بالسياسة هو في حد ذاته اتجاه سياسي ، فإذا علمنا أن الدافع السياسي عند أورويل كان من أقوي دوافع الكتابة لديه ، تبين لنا إلي أى حد مزج هذا الكاتب الإنجليزى بين الحس السياسي والمعالجة الجمالية وقد نجح في ذلك أيما نجاح ، خاصة في روايتيه ( مزرعة الحيوان )
، و(1984 ) . وقد كان أورويل روائيا وناقدا وصحفيا وكاتب مقال متميز كل ذلك في روح تهكمية ساخرة وبأسلوب سلس دقيق محدد ،فالمعني هو الذي يحدد الكلمات التي يختارها ، والتفكير الواضح سيؤدي إلي الكتابة الواضحة ، وقد ساعده ذلك الأسلوب أن يجعل من الكتابة السياسية فنا من الفنون .
لماذا أكتب ؟
بين أورويل بداية قصته مع الكاتبة فقال : ( منذ عمر مبكر جدا أحسست بأنني سأكون كاتبا .. وقد كانت طموحاتي الأدبية مرتبطة بشعور العزلة الذي كان يسيطر عليّ ، وامتلكت القدرة علي التعبير بالكلمات ، والطاقة علي مواجهة الأحداث غير السارة ، فخلفت بذلك عالما خاصا بي أهرع إليه عندما تؤلمني مصاعب الحياة ، وكتبت قصيدتي الأولي وأنا في الرابعة أو الخامسة ، ولم أعد أتذكر شيئا عنها سوي أنها كانت عن نمر .
كنت في الحادية عشرة من عمري عندما اندلعت الحرب العالمية الأولي (1914 ــ 1918 ). فكتبت قصيدة وطنية نشرت في الجريدة المحلية .. وحاولت مرتين كتابة قصة قصيرة وكان فشلا مروعا .
كانت تلك محاولاتي الأدبية وأنا صغير وبعدها أردت أن أكتب روايات طبيعية ذات نهايات غير سعيدة مليئة بالوصف والتفاصيل ، والحقيقة أن روايتي الأولي ( أيام بورما ) والتي كتبتها وأنا في الثلاثين من عمري كانت أقرب إلي هذا النوع من الكتابة ، وأعتقد أن الكاتب إذا حاول الهروب من تأثراته المبكرة كلها .. ( فقد يقتل البواعث الأساسية لديه التي تدفعه إلي الكتابة ) .
صراع مرير
ولد جورج أورويل ــ اسمه الحقيقي .اريك بلير . أما أورويل فهو اسم لنهر جميل في شرق انجلترا
ولد أورويل في البنغال عام 1903 ، وقد كان والده موظفا بسيطا في جهاز الخدمة المدنية بالهند ، الذي كان تابعا للإمبراطورية الإنجليزية آنذاك أما أمه فهي من أصل فرنسي وابنة لتاجر أخشاب في بورما . عقب عودته مع والديه إلى إنجلترا ، أرسل عام 1911 إلي مدرسة اعدادية خاصة ، وقد تعذب أورويل في هذه المدرسة لأن وجوده مع التلاميذ الأغنياء أكد لديه الإحساس بالفقر ، فمال إلي العزلة والانطواء .
بعد أن اجتاز ( أورويل ) هذه المرحلة الدراسية بنجاح . اختار ( أيتون ) ليستكمل تعليمه ، وبقي فيها من 1917 حتي 1921 وكان ( ألدوس هكسلي ) الكاتب المعروف أحد أساتذته ، كانت أولي اسهامته الأدبية في ( أيتون ) من خلال دوريات الكلية ، ولم يقبل أورويل علي التعليم الجامعي ، ولكنه قرر أن يذهب إلي بورما عام 1922 ليعمل هناك في ( البوليس الامبراطوري ) وقد أدرك ( أورويل ) كم المعاناة لدي البورميين من جراء الحكم الانجليزي ، وبدأ في مهاجمة الامبراطورية البريطانية وزعزعة أركان هذه المؤسسة الاستعمارية ، وقد ذكر هذه التجارب والخبرات في روايته الأولي ( أيام بورما ) .
في 1927 قرر أورويل ألا يعود إلي بورما ، وأخذ الخطوة الحاسمة في حياته
فقدم استقالته ، وبدأ في اعداد نفسه للكتابة وقرر أن يغوص بنفسه في حياة الفقراء والبؤساء ، فسافر إلي باريس حيث كان يعيش الأدباء والفنانون عيشة بوهيمية ليكتسبوا الخبرات التي تساعدهم كأدباء وفنانين ، عاش في البيوت الرخيصة بين العمال والشحاذين ، وعمل في غسل الأطباق في فنادق فرنسا ومطاعمها وقد أهدت هذه الخبرات لأورويل مادة كتابه ( مستعطل في باريس ولندن ) .
بعد ذلك عاد إلي انجلترا وخالط المشردين والصعاليك حتي اشتغل معلما خاصا واستقربه المقام أخيرا في مكتبة لبيع الكتب . وفي 1937 ذهب إلي اسبانيا
موفدا من قبل إحدي دور النشر كمراسل صحفي ليكتب عن الحرب الأهلية فيها ولكنه اشترك في الحرب ضد ( فرانكو ) وجرح جرحا خطيرا ، وقد سجل كل هذه الأحداث في كتابه ( الولاء لكتالونيا )
في أثناء الحرب العالمية الثانية كان عضو في الحرس الوطني وعمل فترة لحساب هيئة الاذاعة البريطانية في القسم الهندي لكنه لم يشترك في الحرب لعدم لياقته البدنية ، وقد أثر ذلك في نفسه تأثيرا كبيرا .
في سنة 1943 انضم إلي هيئة تحرير مجلة ( تربيون ) ليسهم في تحرير الصفحة السياسية والأدبية وأخيرا أصبح محررا دائما في ( الأوبزرفر) وفي سنة1945 نشر روايته ( مزرعة الحيوان ) وقد بيع منها أكثر من مليون نسخة وترجمت إلي أربع عشرة لغة أجنبية في ذلك الوقت ( ترجمت حتي الآن إلي 39 لغة ) وقد جلبت له هذه الرواية الثراء والشهرة ورغم أن ( السل ) قد بدأ يدمر جسده إلا أنه أكمل روايته الأخيرة ( 1984 ) وتوفيت زوجته الأولي في 1945 وقبيل موته بوقت قصير تزوج من ( سونيا أورويل ) في يناير 1950 ، وفي السادسة والأربعين من عمره مات أورويل وهو في قمة ازدهاره الأدبي .
لم يكون بوقا
كان ( أورويل ) يجد صعوبة بالغة في نشر مؤلفاته ذلك لأنه لم يكن كاتبا تقليديا بل إن صراعاته مع الأفكار البالية والعادات الراسخة لعبت دورا موثرا .
وتلك الخصيصة هي التي جعلت كتابات أورويل تشع لتفرض نفسها حتي بعد وفاته ولأنه انتقد اليمين واليسار معا فقد تباينت الآراء في تصنيف ذلك الكاتب الفريد والحقيقة أنه لم يكن بوقا لأي اتجاه ، ولم يكتب إلا ما يشعر به ويحسه ويعتقده .
كان يبحث دائما عن عالم لا تمزقه أنياب الجوع ولا يسحق كرامته طغيان الديكتاتورية ، فصار بذلك متسقا مع نفسه متوحدا مع آلامه وآماله مهما تباينت الآراء فيه واختلفت وجهات النظر في تصنيفه وفي بداية رحلته مع الكتابة
خالط البؤساء والمشردين وعايش الطبقة العاملة ، ومن يحيون حياة الكفاف فعرف الجوع وأحس بضراوته فأخذ يصارعه ويصارع من يقفون وراءه ويصنعونه ويباركونه ، وتبلور ذلك الصراع من خلال كتابه ( مستعطل في لندن وباريس ) وروايته ( الطريق إلي ويجان بير ) .
ثم انضم إلي حزب العمال واعتنق الاشتراكية ، ودافع عنها في مقالاته ( الأسد ووحيد القرن ) ، ( الشعب الانجليزي ) ، وغيرهما ، كما طالب بتصفية الامبراطورية البريطانية .
عاد أورويل من اسبانيا بعد أن شارك في أحداث الحرب الأهلية الدامية ورأي بعينيه مآسي الديكتااتورية ، وشعر بضراوتها التي تفوق ضراوة الفقر ، عندئذ كرس نفسه لمحاربة الطغيان ، فكتب الولاء لكتالونيا ، يتضمن هذا الكتاب نقدا شديدا للحكومة التي حارب في صفها وأعلن أنه فقد ثقته في روسيا وستالين وقد بلور ( أورويل ) اتجاهه السياسي حين قال في مقال له بعنوان ( لماذا أكتب ) ؟ :: ( قضيت 5 سنوات في عمل لا يناسبني ( يقصد عمله في البوليس الامبراطوري في الهند ) وعانيت من الفقر والإحساس بالفشل ، وقد زاد ذلك من بغضي الطبيعي للسلطة وأعطتني وظيفتي في بورما فهما ما لطبيعة الامبريالية ــ لكن ــ هذه الخبرات لم تكن كافية لتحديد اتجاهي السياسي ثم جاء هتلر والحرب الأهلية الاسبانية ، هذه الحرب والحوادث التي تاتها حددت اتجاهي السياسي وعرفت أين أقف ، فكل سطر من أعمالي منذ 1936 كتبته بأسلوب أو بآخر ضد الطغيان والحكم المطلق ومع الاشتراكية الديمقراطية كما أفهمها ) .
وهكذا فقد وصف أورويل نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي فهو مع العدالة والحرية وضد الجوع والديكتاتورية لكن صراعه مع الأخيرة استأثر بمعظم أعماله وكتاباته في آخريات حياته .
لقد دافع عن حرية الفرد وحرية الأديب ، وحرية الجماهير والشعوب الضعيفة إذ كان أخشي ما يخشاه أن يستبد انسان بانسان أو جماعة بجماعة ، أو دولة بدولة .
بين ( مزرعة الحيوان ) و .. ( 1984)
في روايتيه ( مزرعة الحيوان ) ، ( 1984 ) ، استطاع أورويل أن يؤلف أفكارا في ثوب روائي ، تعتبر هاتان الروايتان بلورة لمعظم أفكاره وكتاباته السابقة والتي حوتها أغلب مقالاته .
عندما عاد من اسبانيا في 1937 بدأ لأول مرة يفكر في كتابه ( مزرعة الحيوان ) وبالتحديد عندما اكتشف كيف أن دعاوي الاستبداد تستطيع أن تتحكم في الشعوب وأن هناك فئات بعينها لا يرضيها إلا ممارسة السلطة واذلال الآخرين ، ولذا فإن الطغيان قد سيطر وساد ، ورغم أن ( مزرعة الحيوان ) رواية ذات صبغة خرافية إلا أنها محملة بالأبعاد السياسية والاجتماعية العميقة . ولذا لم يجد ناشرا لها إلا بعد عناء .
فالرواية تنتقد الحكم في روسيا ( في الوقت الذي كانت فيه روسيا وبريطانيا في خندق واحد ضد النازية ) .
وفيها مزج أورويل بين الحس السياسي والمعالجة الجمالية وقد نجح في ذلك فهو يري أن الدافع الجمالي من أهم دوافع الكتابة لديه ، ولابد للكاتب أن يدرك الجمال المحيط به وأن يعبر عنه في شعر أو نثر جميل وبالتالي يشرك الاخرين في شئ يمتلكه ، ويحس أنه ذو قيمة أما (1984 ) فهي أكثر هجاء ونقدا من ( مزرعة الحيوان ) ففي تلك السنة التي تجري فيها أحداث الرواية كان العالم مقسما إلي ثلاث قوي عظمي لقد عالج فى هذه الرواية ثيمة الفزع الفكري حيث يصبح التفكير جريمة والحب جريمة ، ويتم التجسس علي كل نشاط انساني ، ففي كل غرفة شاشة تليفزيونية لا يمكن اطفاؤها ، وبهذه الوسيلة تستطيع السلطات أن تراقب كل كلمة بل وكل ايماءة .
ثم يجئ ( ونستون سميث ) وهو الرجل الوحيد الذي يثور ضد حكم الطغيان والديكتاتورية ، ممثلا بذلك الفرد المفكر المثقف ، إلا أنه قد خضع وأذعن بعد الإذلال والتعذيب ــ حتي أنه بكى بكاء مريرا عندما رأي نفسه في المرآة لأنه لم يتعرف عليها من أثر التعذيب .
ــ وهكذا نري ونحس ونتألم لضحايا الارهاب الفكري من أمثال ونستون وغيره .
أورويل ومقالاته
كاتب مقال فذ ، بل إن البعض يري أن مقالاته أقوي من رواياته ، وقد عبر فيها عن نفسه أكثر مما عبر في رواياته ، فكانت بذلك إطارا لتحليل معظم أعماله ، وحملت أيضا روحه التهكمية الساخرة ويقال إن أورويل تأثر كثيرا بالكاتب اللاذع ( سويفت ) لكن أورويل يفوق ( سويفت ) في دهاء سخريته وذكاء تهكمه ،ومن أهم مقالاته ، ( الأسد وحيد القرن )، ( الشعب الانجليزي ) ، (إطلاق النار علي أسد ) ( هكذا.. هكذا.. كانت المسرات . ) ( لماذا أكتب ) وقد جمعت هذه المقالات بين الأسلوب السلس والمغزي السياسي العميق .
كما أنه أعجب بالكاتب الانجليزي ( ديكنز ) ولكنه يري أن ديكنز كتب ببراعة عن الطبقة المتوسطة ولم يكن ناجحا عندما كتب عن الطبقات العاملة وإن كان أورويل روائيا عظيما ؛ فقد كتب لاسمه البقاء ككاتب مقال فذ

الأحد، أكتوبر 05، 2014

غادة هيكل تكتب : لحظة فقط






لحظة فقط 
******
يأتينى العيد وأنا غير مستعدة له ، داخلى نبضات ترقبه ، وأخرى ترفضه ، أحسب أيام سعادتى منذ مضى العام الفائت ، وأحسب أيام حزنى ، وأحسب الدماء التى سالت فى الطرقات ، وأنتظر دماء الغد على أحر من الجمر ، تأتينى التهانى مغلفة بورق سوليفان ، وبعضها يخصنى بالذكر ، أفرح لهذه الخصوصية ، ثم أبحث عنه هو فقط ، فلا اجد تهنئته ، أقول لعلها تأخرت لعطل ما ، ولكن الإنتظار يطول ، والعيد يقترب بسعادته وحزنه ودمائه وانتظارى لتلك اللحظة التى يخفق فيها القلب .

محمد حميده يكتب :- ذكريات العيدية: "ربع جنيه" ذكريات لا تنسى




ومن ذكريات العيدية: "ربع جنيه" ذكريات لا تنسى
وأنا عندي 7 سنين يوم العيد الكبير، وطبعا كان الحال ع القد في الأيام دي، وأخدت عدية يومها ربع جنيه، وقعدت ألعب بيه ،كنت فرحان جدا، وبعد ساعة من اللعب بيه وقع تحت "الزير" وطبعا الزير ده اللي كنا بنملاه مية عشان تبرد، وما لقتهوش تاني.
خدت بعضي وطالع ألعب مع العيال على الشارع الكبير وكان ماشي معايا 2 صحابي.. ببص في الأرض لقيت لوكشة فلوس جنيهات وإنصاص ، ميلت أخدتهم من غير ما حد ياخد باله من اللي ماشيين معايا، وعشان ما يشكوش في الأمر وصلتهم لحد الشارع ورجعت فريرة على البيت ، طلعو 7 جنيه ونص، طبعا ما حدش يقدر يتخيل الفرحة اللي أنا فيها في اللحظة دي قولت الحمد لله ربنا عوض عليا ، كلها 10دقايق ولقيت واحد من جيرانا بيعيط سألته بتعيط ليه
قال :الفلوس ضاعت مني وأمي هتعلقني
: هما كام
: 7 جنيه ونص
: أنا لقيتهم،
المهم عطيتهم له وكنت أنا اللي هعيط في الوقت ده.
بعديها بنص ساعة طلعت على الشارع الكبير تاني ، وأنا بلعب لقيت خمسة جنيه، قلت بس أنا هخدها أروحها وأقعد في البيت عشان ما أشوفش حد بيدور ولا بيعيط وياخدها تاني . المهم قعدت في البيت نص ساعة وطبعا ما استحملتش القعدة في البيت، خبيت الـ 5 جنيه تحت السرير وطلعت تاني للعب ، وأنا رايح عشان ألعب مع صديق ليا كان ميسور الحال وكان بياخد عيدية 5 جنيه أو أكتر ساعتها، قولت له يلا نلعب على الشارع
هو: ماليش نفس ألعب
أنا: ليه
: الـ 5 جنيه اللي خدتها من بابا وقعت وأنا كنت عايز أخرج أتفسح بيها .
ضحكت وبفزلكة : خلاص هتتفسح يا عم ولا تزعل.
: يا عم إنت حيلتك حاجة
: قلت له أه معايا 5 جنيه ، بص ليا وبإستغراب.
: إنت بتاخد ربع جنيه هتجيب الـ 5 جنيه منين .
ضحكت تاني :من واحد صاحبي عبيط فلوسه وقعت منه وانا لاقيتها وهرجعها له، عشان ما يزعلش ويتفسح.
ضحك وفرح :بجد إنت لقيتها.. طيب أنا هديك "ربع جنيه" لو رجعتهالي .
:تعالى خدها يا فالح ،المنحوس منحوس ،هو الربع جنيه ما فيش غيره .
والغريبة إن بعدها بكام سنة وإحنا بنهد البيت عشان نبنيه من جديد لقيت الربع جنيه اللي كان تحت الزير ...
ومن ساعتها وأنا كل ما بشوف ربع جنيه بقعد أضحك هههههههههههههههه
أظن كده أصدقائي عرفو السر ليه أنا كنت بقول لهم عايز عيدية ربع جنيه ..

السبت، أغسطس 02، 2014

محمد رفاعي يكتب :- الثقافة الجماهيرية :هى أمل مصر وعنوان تقدمها




الثقافة الجماهيرية :هى أمل مصر وعنوان تقدمها 

الثقافة الجماهيرية هى التى حافظت على هوية مصر ، وكانت بلسم مصر ولاعبة الدور الرئيس بعد هزيمة عام 67 ،حين تولها الكاتب سعد كامل ،فدفع هذا الرئيس بالمثقفين الجقيقين المؤمنين برسالة وهدف ،فذهب على سالم إلى أسوان واكتشف العشرات من المواهب منهم الكاتب محمد مستجاب رحمه الله العامل فى مشروع السد العالى ،وذهب الفنان والباحث :هانى جابر الى السويس ،وذهب الفنان " هبة عنايت" الى أسيوط وذهب المسرحى الرائع محمود دياب الى الاسكندرية وذهبت الفنانة رعابة النمر الى الجيزة ، الفنان عز الدين نجيب الى كفر الشيخ وغيرها .وكان الفنان المسرحى الفريد فرج مسئولا عن المسرح .أين نحن من ذلك ؟؟.المثقفون مخزون بجوار المخازن الهيئة فى عمارة الاستراند ،ماهو دورهم وما هو موفقهم من العمل الثقافى الحقيقى مع الناس ، نحن نريد حراكا ثقافبا فى الاقاليم نريد مثقفين يؤمنون بالهدف والرسالة .الثقافة الجماهيرية تحتاج إلى رؤية واستراتيجية وتغيير حقبقى فى الروح والرسالة والهدف.
الآن بعد الثورات الشعبية مازال الفساد فى المبانى وبعض القيادات التى لا نؤمن بشيء وأغلبهم لا يملكون الى الجهل والنصب والكلام المجاني ،الثقافة الجماهيرية لابد أن تعمل بروح جديدة وإستراتيجية مغايرة وان تعود لها مشروعها القديم وهو العمل مع الناس وبالناس ،العمل واكتشاف الطاقات الكامنة فى جموع المصرين فى الأدب والفنون التشكيلية والشعبية وكل مجالات الحرف اليدوية وغيرها ،تكتشف المواهب وتقديم الخدمة الثقافية كل الناس .الهيئة تجتاح إلى رجال ومثقفين شرفاء ، ان نعاد النظر قى مشروع النشر مثلا نستطيع ان نقيم عشرات القاعات للفنون التشكيلية التى يحتاجها الهيئة بدلا من مجلة الخيال ، ونجهز قاعات خاصة بالسينما وندعم نوادى السينما بدلا من مجلة ابيض واسود ،نجهز مسارح فى الهواء الطلق ،ونقيم مشروع فى اغلب القصور للرعاية وتنمية الحرف والمشغولات اليدوية نعلم وندرب و بدعم موارد الهبئة
.

الجمعة، يوليو 04، 2014

الأديب عصام الزهيري يكتب :- بلوك نوت (1)





         بلوك نوت (1)
..

"إليك وحدك، يا كلوتيلد، أنسب الفضل خلال عام لا نظير له في ظهور أرق العواطف الإنسانية، التي مع إنها ظهرت متأخرة إلا أنها حاسمة. إن الصحبة المقدسة، الأبوية والأخوية معا، الموافقة لآدابنا المشتركة، هي التي تسمح لي أن اقدر سائر مفاتنك الشخصية، هذا المزيج العجيب من الرقة والنبل، وأكبر الظن أن أي قلب آخر لن يحسهما إلى هذا الحد..إن التأمل المألوف لمثل هذا الكمال يجب أن يضاعف - حتى على الرغم مني - من شوقي المنظم لهذا الكمال الكلي الذي وضعنا فيه أنا وأنت والغاية العامة من الحياة الإنسانية...
لقد رأينا في شرف نحن الاثنين هذا الائتلاف الجميل بين وظيفتين متضامنتين ولكنهما مستقلتان..تتجه إحداهما بالطريق العلمي نحو إنشاء اعنقادات ذكورية فعالة، وتتجه الأخرى بطريق الجمال إلى تنمية عواطف أنثوية عميقة. وإذا كان لا غنى عن مثل هاتين الوظيفتين فلن تحتل أيهما مكان الصدارة.
إن جميع المفكرين الذين يقدرون الاستجابة الذهنية لعواطف المودة سيحترمون الزمن الذي أنفق في نسج هذه الانفعالات الشريفة وبعثها"
..
هذه الكلمات العاطفية الفلسفية كتبها الفيلسوف الفرنسي "أوجست كونت" في إهداء كتابه "نظام في السياسة الوضعية". وهو الكتاب الذي استغرقه التفكير فيه مدة 12 عاما وكرسه لدين طبيعي أو دين مادي، مؤسس على فلسفة "كونت" الوضعية التي خلبت لب أوربا وافلحت في أن تؤسس لنظام من أجل التقدم يعقب فوضى الثورة الفرنسية الكبرى كما كان يريد.
كانت ديانة "كونت" من ذلك النوع الذي يسمى "دين الفلاسفة"، واسمها الذي اشتهرت به "دين الإنسانية"، إذ اعتبرت أن ما قدسه البشر باسم "الله" كان هو الأجداد والأسلاف أو أعمال الإنسانية العظيمة كلها، ومجراها الزماني الأزلي الخلاق. وهي ديانة تخلو من الإله الخالق الذي تألفه أديان الناس، وإن كانت قد صنعت لنفسها في النهاية إلها وأصبح لها ميتافيزيقا. لقد قال "كونت" لمحبوبته وهو في غمار تأليف كتابه:
"إن كتابي القادم سوف يكون عبارة عن أوبرا ضخمة تعلن الأولوية العليا والاجتماعية للحب الكوني ليس فقط على القوة وإنما أيضاً على العقل"
والمهم أن أوربا برغم العبارة الأخيرة من إهدائه لـ"كلوتيلد" - الذي يبدو أن "كونت" استشعر فيه بعض الشيء ما يدور حوله بعد أن جعله حبه في عزلة عقلية عن الواقع - لم تتلفت أو تحترم هذا "الزمن الذي أنفق في نسج هذه الانفعالات الشريفة وبعثها". وفضلت الحضارة الأوربية أن تسير في طريق "منهج العقل" والعلم الكونتي الوضعي بلا منهج "كونت" في القلب، أو فضلت أن تعتاش - بالأصح - على القلب القديم الذي عرفته في المسيحية، وعرفت كيف توظفه لأغراضها المختلفة مادية وروحية. ولم يبق من فلسفة "كونت" إلا إطارها التمهيدي والذي هو مجرد تأسيس - من وجهة نظره - لجوهرة الدين، جوهرة "كلوتيلد".
لم يكتفي "كونت" بأن يجعل من معشوقته المقدسة نبية دينه العلمي الوضعي، بل جعلها إلهته المقدسة، حين تصور معبد الدين على هيئة محراب كبير لتمثال معشوقته التي تجسد، أو تتجسد بها، ألوهية الإنسانية.
وفي الواقع، لا يمكن لأحد اليوم أن يحكم بدقة على طبيعة مثل هذا الانفجار العاطفي في حياة الفيلسوف الفرنسي غير المستقرة، والذي أفرز للعلم دينا أو دينا علميا يقارب المستحيل من جهة توحيد المادة والروح. فمما يقال أن سر ابتعاد "كلوتيلد" عن "كونت" هو تشوه وجهه بمرض الجدري. فالمعروف أنها كتبت له على أثر أول مفاتحة لها بحبه هذه الكلمات: " سوف أكون صديقتك إلى الأبد، ولكن صديقتك فقط، ولن يحصل شيء بيننا". وفيما يحكى أن أول تعليق لها بعد لقائهما الأول كان عن دمامته!.
المهم، أنه وبناء على كل ذلك، كان التقييم الفلسفي العام لعاطفة "كونت" المشبوبة - كما أتى على لسان الفيلسوف الفرنسي "إميل بوترو" - أنها عاطفة مخبول. وشخصت الفلسفة ما لديه من حب مقدس باعتباره "اضطرابا عميقا في العواطف جعله لا يحس وزن الجانب الواقعي للعاطفة في نمو تفكيره الفلسفي".
أما تقييم "كلوتيلد" في العقل الفلسفي الأوربي فقد استقر على أنها امرأة تافهة وأن "ضآلة المحبوب، بالإضافة إلى مزاج كونت الملتهب بالعاطفة، يجعلا من هذه الحادثة سببا عارضا..". والمقصود أن هذا اللقاء العشقي الذي عدّه "كونت" لقاء كونيا فريدا هو من وجهة نظر الفلسفة محض حادث عارض تافه لا يمكن وزنه في تقدير وتقييم الانحراف "الكونتي" الذي جعل من عقله عقلين ومن مذهبه مذهبين.
لكن - في تقدير "كونت" نفسه - أن هذا اللقاء أضاف لعقله قلب، وأضاف لفلسفته روح، وكان طموحه أن تمتد عظمة وتأثير ووهج هذا اللقاء الروحي الكوني الخلاق ليضيف لأوربا، بل للحضارة وللإنسانية كلها، قلبا وروحا.

الجمعة، مايو 23، 2014

الشاعر " محمد العثمان " يكتب عن مفهوم الشعر :


 الشاعر " محمد العثمان " يكتب عن مفهوم الشعر : 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنّ الشعرَ كما يراه مالارميه هو التعبيرُ باللغةِ البشريّة وقَد أُرجِعَت إلى إيقاعها الأساس، إيقاع المعنى البعيد لمظاهرِ الوجود ، بمعنى أنّ شرط الشّعر ينبعُ من اكتساب لغته إيقاعاً خاصاً يتشكّل من قوة الغموض مع الشفافية في الطبقات العميقة للمعنى .
الشعرُ هو صوتُ المُبدِع العميق ، ورؤاه الجماليّة اتّجاه الحياة حينما يكون الشاعر مُنطوياً على هموم وهواجسَ وتفاعلاتٍ و أسئلة ، هو الكشف عن العمق واستشراف الرؤيا عبر علاقاتٍ وبنيات تركيبية نفجرّها من خلال اللغة ، فعندما يَتولّـد العملُ الإبداعي يكونُ قد تَجلّى بعد غيابٍ ، هذا الغياب مصدرُه الصورة الحقيقية للحضور.
فاللحظةُ التي يُغيب بها المبدع عن خلْقِه ومُكتشفه وتشكيلاته الإبداعيّة هي اللحظة ذاتها التي تجمعُ بين الدفين في أعماقه وبين الرؤيا والحُلْم الخلاقَيْن ، نعم هذا هو الشعر ـــ على الأقلّ حسب وجهتي نظري وقناعتي ــ فهو ليس فقط ( كلام موزونٌ له معنًى كما قال قدامة بن جعفر ) وليس تعقيداً وتكثيفاً يُجهِد القارئ في فهم المعنى والقصد ، وليس رصفَ مبانٍ لغوية ونظمية خطابية تلهب حماس القارئ ــــ بعيدأ على الشكل الخارجي وتموضعاتها الموسيقية ـــــ هو الخلق الجمالي للغة ، هو الاحتراف العالي بالتعامل مع المفردات ، ولن ننسى الكمّ الكبير من الإحساس الصادق الذي ينطلق نحو الكشف ليصبَّ في أعماق المتلقي ، جاكبسون قال عن الشعر : ( عنفٌ منظم تجاه اللغة ) نعم هو عنف منظم ؛ ولكن مع حالة عالية من الصدق والإحساس ، ولن يخفى على أحد أنّ أهم
عناصر الحداثة الشعرية هو التشكل اللغوي والفني للشعر مع التعمّق في الصورة الحية والفنية ، لذلك لا أجدُ مبرراً لكل هذه الحرب التي اشتعلت منذ فترة بين أنصار النص العمودي مع أنصار قصيدة النثر ، طالما الشعر والجمال سيفرض وجوده أينما كان دون هذه القيود ؛ والتي كبّلنا فكرنا بها ، لنصبح بعد فترة أسرى لها ومتحجرين ضمن بوتقتها ... الشعر يدلُّك على نفسه ، والنص العميق والمكثّف ــــ الذي يبيّن مهاراتِ الشاعر وقدرتَه في التعامل مع حساسية اللغة والإدهاش في أي شكلٍ كان ــــ يكشف للقارئ عن نفسه ويقول أيضاً (ها أنا ذا ) .
الخلاصة أنا في هذه المجموعة لم أستثْنِ أيَّ نوعٍ أو شكلٍ من الأشكال ، فكلُّ الذي كُتِبَ كان قد كتبَ بماء الروح ، ولم أفرضْ أو أهيّأ نفسي لتموضعٍ في شكلٍ خارجي مُعدٍّ مُسبقاً، لذلك جاء الشكل نتيجةً وحاصلَ تحصيل .

الأحد، مايو 18، 2014

محرر المرأة قاسم محمد أمين



محرر المرأة 

قاسم محمد أمين

مقدمة

اختلف معي بعض السيدات عندما قلت أن المرأة تعيش عصر تحررها الحقيقي وأن المراة كانت جارية حتي وقت قريب أن الدولة المدنية استطاعت أن تناهض أفكار الدولة الثيوقراطية التي أسرت المرأة لعقود طوبلة تحت مسميات مختلفة 
كما كان الاختلاف أيضا أن المرأة التي لم تتحرر لوقتنا هذا هي شريك أساسي في هذه العبودية والقهر الذي تعيشه بل تمارسه علي نفسها هذ القهر وهذا السكون والإنزواء التزاما بعادات اجتماعية بالية 
وها نحن نتعرف علي محرر المرأة قاسم أمين ودوره في منح المرأة رخصة قيادة الحياة كالرجل تماما 

قاسم محمد أمين

 (1280 هـ / 1 ديسمبر 1863م - 1326 هـ / 23 أبريل 1908م). كاتب وأديب ومصلح اجتماعي مصري وأحد مؤسسي الحركة الوطنية في مصر وجامعة القاهرة كما يعد رائد حركة تحرير المرأة.
ولد في بلدة طرّة بمصر في 1 ديسمبر 1863م من أب تركى وأم مصرية من صعيد مصر، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة طارق بن زياد التي كانت تضم أبناء الطبقة الارستقراطية. انتقل مع أسرته إلى القاهرة وأقام في حي الحلمية الأرستقراطي وحصل على الثانوية العامة فالتحق بمدرسة الحقوق والإدارة ومنها حصل على الليسانس عام 1881 وكان أول متخرج وعمل بعد تخرجه بفترة قصيرة بالمحاماة ثم سافر في بعثة دراسية إلى فرنسا وانضم لجامعة مونبلييه وبعد دراسة دامت أربع سنوات أنهى دراسته القانونية بتفوق سنة 1885 م، وأثناء دراسته بفرنسا جدد صلاته مع جمال الدين الأفغاني ومدرسته حيث كان المترجم الخاص بالإمام محمد عبدهفي باريس.
أبوه محمد بك بن أمين ابن أمير كردي أخذ رهينة للآستانة وشغل مناصب حكومية في الإمبراطورية العثمانية في مناطق ولاية العراق في مدينة السليمانية، ثم جاء لمصر في عهد الخديوي إسماعيل وتزوج فأنجبت زوجته المصرية أولادا أكبرهم قاسم، وكان بعض أجداده تولى على السليمانية من قبل السلطان العثماني.
عاد قاسم من فرنسا بعد أن قضى فيها أربع سنوات يدرس بها المجتمع الفرنسي، واطلع على ما أنتجه المفكرون الفرنسيون من مواضيع أدبية واجتماعية، وراقت له الحرية السياسية التي ينعم بها أولاد الثورة الفرنسية والتي تسمح لكل كاتب أن يقول مايشاء حيث يشاء، فأقام مبدأ الحرية والتقدم على أسس من الثقافة المسلمة وكان من المؤيدين للإمام محمد عبده في الإصلاح، ورأى أن الكثير من العادات الشائعة لم يكن أساسها الدين الإسلامي، وكتب في جريدة المؤيد 19 مقالا عن العلل الاجتماعية في مصر ورد على الكونت داركور الذي كتب عن المصريين وجرح كرامتهم وقوميتهم وطعن بالدين الإسلامي في كتاب ألفه عام 1894 بعنوان "المصريون"، وبحث في العلل الاجتماعية التي تعتري المجتمع المصري بأسلوب المصلح المشفق، وقد أيد قاسم أمين بعض آراء كارتور لاحقا في كتابه تحرير المرأة، وقضى أربع سنوات وهو يكتب في المؤيد عن المواضيع التي أطلق عليها "أسباب ونتائج" أو "حكم ومواعظ".

تفجيره دعوة إصلاح وضع المرأة

كان قاسم يرى أن تربية النساء هي أساس كل شيء، وتؤدي لإقامة المجتمع المصري الصالح وتخرج أجيالا صالحة من البنين والبنات، فعمل على تحرير المرأة المسلمة، وذاعت شهرته وتلقى بالمقابل هجوما كبيرا فاتهمه مهاجميه بالدعوة للانحلال.
كان منذ شبابه مهتما بالصلاح الاجتماعي فأصدر سنة 1898 كتاب "أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ وتبعه بكتاب "تحرير المرأة" نشره عام 1899، بدعم من الشيخمحمد عبده، سعد زغلول وأحمد لطفي السيد الذي ترجمه الإنجليز -أثناء وجودهم في مصر - إلى الإنجليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية. الذي تحدث فيه عن الحجاب حيث زعم فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة للسفور ليست خروجا عن الدين. وتحدث أيضا عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساسا من أسس الشريعة، وأن لتعدد الزوجات والطلاق حدودا يجب أن يتقيد بها الرجل، ثم دعا لتحرير المرأة لتخرج للمجتمع وتلم بشؤون الحياة. بهذا الكتاب زلزلت مصر وأثيرت ضجة وعاصفة من الاحتجاجات والنقد ورد على قاسم في نفس السنة زعيم الحزب الوطني آنذاك مصطفى كامل حيث هاجمه وربط أفكاره بالاستعمار الإنجليزي، ورد عليه أيضا الاقتصادي المصري طلعت حرب بكتاب "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" ومما قاله: "إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا" ومحمد فريد وجدي بكتاب "المرأة المسلمة"، ولكن قاسم لم يتزعزع أمام النقاد فواصل يدرس الكتب والمقالات لمدة سنتين ويرد عليهما بكتابه "المرأة الجديدة" عام 1901 ردا على ناقديه، يتضمن أفكار الكتاب الأول نفسها ويستدل على أقواله بأقوال الغربيين. فطالب بإقامة تشريع يكفل للمرأة حقوقها وبحقوق المرأة السياسية وأهداه لصديقه الزعيم سعد زغلول.

وفاته]

فارق الحياة في 23 أبريل عام 1908م وهو في الخامسة والأربعين عاما ورثاه عدد من الشعراء مثل حافظ إبراهيم وخليل مطران وعلي الجارم، وندبه الزعيمان سعد زغلول باشا وفتحي زغلول.
كان قاسم يهتم بالأسلوب والفعل ولايهمه المظهر كما أشار في كتابات متعددة عن المرأة بأنه ليس من المهم أن تكون محجبة إنما المهم في طريقة مشيتها وبتصرفاتها.