السبت، يناير 10، 2015

حكاية قصيدة : المركب السكران ... من قصائد الشاعر الفرنسي رامبو..... بين عادل رزق وصبري رضوان





المركب السكران 


بما أنني أنحدر من الأنهار اللامبالية

لم أعد أحسني منقادا من طرف ساحبي المراكب:

هنود حمر صياحون اتخذوهم هدفا

بعد أن سمروهم( ثبتوهم) عراة على أعمدة من ألوان.

.

كنت غير مكترث بكل طواقم السفن،

حمالا للقمح الفلامندي أو للقطن الإنجليزي

عندما مع ساحبي تنتهي تلك الجلبة

تتركني الأنهار أنزل حيث أبتغي.

.

في هدير مد البحر وجزره الغاضب

أنا الشتاء الآخر الأكثر صمما من عقول الصبيان

جريت ! ولم تحتمل شبه الجزر المنطلقة (السيارة)

اختلاطا وفوضى أكثر انتصارا

.

باركت العاصفة يقظاتي البحرية

أخف من سدادة فلين، رقصت فوق الموج

لينادوا الناقلين الأبديين للضحايا عشر ليال،

دون تحسر على عين المشاعل (الفوانيس) الحمقاء !

.

أكثر رقة مما لدى الأطفال، لحم التفاح حامض المذاق

الماء الأخضر ينفذ إلى هيكلي الصنوبري

ولطخات خمور خضراء وقيء

غسلني مشتتا (مبعثرا) الدفة و المرساة

.

ومذ ذلك الحين، وأنا أستحم في قصيد البحر،

منقوعا بالنجوم، ولبنيا

ملتهما اللازوردات السماوية حيث طوف السفينة الشاحب

مشرقا بالفرح، غريقا متأملا ينحدر أحيانا

.

هناك حيث تخضب فجأة الزرقات، هذيانات

و إيقاعات وئيدة تحت نضارات النهار الساطعة

أقوى من الكحول، أشسع من قيتاراتنا

تخمر صهبات الحب المريرة

.

أعرف السماوات المتصدعة بروقا و أعاصير مائية

أعرف ارتداد الأمواج و التيارات (السيول)، أعرف المساء،

الفجر الممجد كما أعرف شعب اليمام

و أبصرت في بعض الأحايين ما ظن الإنسان أنه رآه

.

رأيت الشمس واطئة، مبقعة بهلع رؤيوي،

مضيئة تجمدات ممتدة بنفسجية

شبيهة بممثلي دراما ضاربة في القدم

كانت الأمواج تدحرج ارتجافاتها ذات المصاريع !

.

حلمت بالليل الأخضر ذي الثلوج المنبهرة،

القبلة الصاعدة ببطء إلى عيون البحار

جريان أنساغ خارقة ليس لها مثيل

ويقظة الفوسفور الصفراء المغنية !

.

تتبعت، لأشهر ممتلئة، هياج هجوم أمواج الرصيف الصخري

الشبيه بجنون البقر الهستيري

.

دون أن أخمّن أن أقدام ماريات المنيرة

تحمل الفظ مرغما إلى محيطات يعوزها الإلهام !

.

لقد إصطدمت , هل تدرون , بفلوريدات عجيب

.

تمزج الأزهار بعيون نمور ذات جلود رجال !

أقواس قزح مشدودة مثل أعنة ( ألجمة)

تحت أفق البحار , لقطعان خضراء مزرقة (مغبرة)!

.

رأيت المستنقعات الهائلة تهيج،

شبكة حيث بكليته يتعفن في الأسل لوياثان

يساقط الماء وسط رخاوات البحر وهدوئه

و البعيدون نحو اللجج ينهمرون كشلالات

.

جليد، شموس من فضة، أمواج لؤلئية، سماوات من لهب

جنوح بشع في عمق الخلجان السمراء

حيث الأحناش العملاقة يلتهمها البق

و الأشجار الملتوية بعطور سوداء تنهار

.

كنت أود لو أنني أرشد الأطفال إلى هذا المرجان ا

في الموج الأزرق، هذه الأسماك الذهبية، هذه الأسماك المغنية

- زبد (رغوة) الأزهار يهدهد سحبي بعيدا عن المرسى

رياح خارقة كانت قد جنحت بي في لحظات.

.

شهيدا، أحيانا، ضجرا من الأقطاب والمناطق

البحر الذي نشيجه يحدث (يصنع) تحركي الوديع

يرفع نحوي أزهار الظل ذات الفنتوزات الصفراء

وأظل كما امرأة تجثو على ركبتيها...

.

شبه جزيرة*، تقذف على حافاتي

تناقر العصافير الصياحة (النابحة) ذات العيون الشقراء، وذرقها) سلحها)

وأنا أجدف، لما خلال علاقاتي الواهية

ينزل الغرقي ليغفوا وهم يدبرون القهقرى (ناكصون)

.

غير أنني، المركب الضائع تحت شعر الخلجان الصغيرة،

رماني الإعصار في الهواء النقي دون عصفور،

أنا الذي لن تقدر مبانيه المدرعة ومراكبه

على صيد الهيكل السكران من الماء

.

حرا، نافثا دخانه، ممتطيا الضباب الكثيف،

و أنا الذي أثقب السماء المحمر كما الحائط

الذي يحمل، مربى شهيا للشعراء الجيدين،

أشنات الشمس ورعام السماء اللازردية،

.

أنا الذي يعدو، مبقعا ببياض الهلال المكهرب

خشبة مجنونة، مخفورا (محروسا) بأحصنة البحر السوداء،

عندما بضربات هراواتها، تهدم أشهر تموز

السماوات الفوق بحرية ذات الأقماع المضطرمة.

.

أنا المرتجف، أحس على بعد خمسين ميل

نواح رغبة الوحوش الشيطانية و التيارات البحرية اللزجة،

غزال أزلي للجمودات (السكونات) الزرقاء

تترعني الحسرة على أوروبا بمتاريسها العتيقة

.

شاهدت أرخبيلات كوكبية ! وجزرا

سماواته الهاذية مفتوحة على المجدف في البحار

- أفي هذه الليالي البغير قاع تنام

- وتنفي مليون عصفورا، يا أنت، أيها البأس الآتي؟

.

بيد أني، حقيقة، بكيت كثيرا ! الأفجار مدمية للفؤاد.

كل قمر فظيع وكل شمس مرة:

الحب اللاذع ضخمني بأخدار مسكرة

يااااااااااه ! ليت عارضة سفينتي تنفجر ! ليتني أذهب إلى البحر !

)يااااااااااه ! فلتنفجر عارضة سفينتي ! فلأذهب إلى البحر !)

.

إذا تقت إلى ماء أوروبي، فتلك البركة

سوداء وباردة حيث الغسق المعطر (المحنط)

طفل مقرفص مملوء أحزانا وخوفا، مسترخ

مركب واه تماما مثل فراشة آيار

.

لم أعد أقدر البتة، أنا المستحم بذبولكم، أنتم ذوو النصال،

على الإبحار في ممخر حاملي القطن

و لا عبور زهو (عجرفة) الرايات ذات اللهيب،

ولا السباحة تحت لأنظار الرصيف الرهيب

*

ترجمة : آسية السخيري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التعليق
عندما نشرت هذه القصيدة في أحد المنتيديات الأدبية كان الهجوم حادا من قبل بعض الأعضاء وكان للصديق الشاعر عادل حسنين رزق رأي آخر وكان ذلك قبل ست سنوات عام 2009

عادل حسنين رزق كتب:
الشاعر الموسوعة / صبرى رضوان
أحييك بشدة لاختيارك مقطوعات الشاعر العظيم رامبو
وأحب أن أنوه إلى أن الشعر الغربى وشعر رامبو بنوع خاص يحتاج إلى قارئ مثقف ومطلع على الثقافة الغربية حتى يستطيع أن يتواصل مع النص
ولو كنت أود منك بصفنك النقدية أن تحاول اضاءة عدة مقطوعات من خلال إظهار مواطن الإبداع فيها
وأنا على يقين أنك تستطيع تسهيل القراءة على الأخوة الذين لا يتواصلون مع النص
وبعدين ياأخى العزيز أحنا مش خالصين من قصيدة النثر العربية وزى ما أنت شايف كأننا من كوكب تانى
جاى أنت برامبو وعايز الناس تقبله ههههههههههههههههه
عموما لك كل الشكر والإمتنان لهذا العمل الرائع


صبري رضوان كتب 

مرحبا بك اخي الغالي الشاعر الجميل عادل حسنين رزق
بمناسبة شاعر موسوعة هذه فأنا أود ان تعرف أنني هنا لاتعلم من الاخرين واضيف ثقافة جديدة بتبادل الاراء عن طريق نقاش ليبرالي حضاري هدفه الاثراء وليس الاقصاء وخشيت حقيقة وانا افتش عن هذه اليبرالية ان اسقط او يسقط احدنا في سلة الجدل العقيم الذي ينتج النزاع الشخصي بعد ان نمزق او يمزق احدنا راية شاهقة وهي ( الاختلاف في الراي لا يسفسد للود قضية )
فليسمح لي احبابي هنا ان يختلفوا معي لان ارائي ليست صوابا دائما فعليهم الاختلاف والقاء هذه الاراء في اقرب نار مستعرة او اقرب مستنقع راكد
وليسمحوا لي ان افعل ذلك ايضا حيال ارائهم المهم ان نخرج في الاخير بيدين متشابكتين دون توظيف الاقلام في هجوم علي اشخاص لمجرد اختلاف الاراء
.......
قصيدة رامبو المركب النشوان او السكران هي قصيدة لشاعر فرنسي بدات مراهقته بتسلق الحياة وانتهت ميتا بعد اصابته في احدي ساقية بالتهاب ادي الي بترها ثم توفي بعدها مشردا تائها يجوب كل الاقطار ويراقب صور الحياة فيصنع منها القصائد التي تختلف عن قصائد الاخرين وان كان رامبو الامتداد الحقيقي للشاعر الفرنسي بودلير الا انه استطاع ان يطرح نظرية جديدة في الشعر الفرنسي والعالمي وهي نظرية الرائي او نظرية الرؤية وتتلخص هذه النظرية في رؤية رامبو الشاعر الاشياء بعين مختلفة غما يراها الاخرون فهو مثلا يري في السماء سفنا وخلف السفن جبالا وبين الجبال بشرا اخرين يعيشون في عوالم اخري ويلمح في البحيرة احجارا ويري السفن تسير فوق القطارات وتبحر المدن في الفراغ وهو بهذه النظرية انما يبحث في المطلق ويبحث عن اللامتناهي وعن القطب المتعالي او المتعالي الاجوف الذي ابتكر كل هذه الاشياء المدهشة
وهو شاعر مختلف اذ يري في الجمال قبحا ويري في القبح جمالا فها هو يصور فينوس الجميلة في صورة امراة بشعة يطفو راسها المقروح من مغطس من الصفيح ودهنها يلمع نحن الجلد ولها استدارة اسفل الظهر تبدو شديدة الانتفاخ وان جسدها كله ينشر رائحة مفزعةغريبة ويختتم رامبو هذه القصيدة عن فينوس قائلا
الجسد كله يتحرك ويمد خلفينه العريضة
التي يزيد من جماله البشع قرح في الشرج
فقيمة التناقض الواضح عند رامبو هي سمة اصيلة في جل قصائدة مهشما الذاكرة
وفي هذة القصيدة هناك سفينة او قارب كبير يحمل الاحداث جميعا وهي المعادل المقابل للانسان الذي يعيش بين امواج متلاطمه ويتحرك الي جهات لا يعرفها ولا يحددها مسبقا فيتجه الي المجهول والمطلق بحثا عن شئ ميتافيزيقي غير محدد سلفا وتتجه هذه السفينة النشوانة او السكري اتجاها واحدة وتنطلق ببطء ولكنها تبدأ في التأجج والتحول الي الانطلاق الشديد العنيف بحركة كالانفجار المدمر ثم ينزلق القارب الي النهر بهدوء نسبي بعد الانطلاقة القوية وبعد ان مات الملاحون موتة فظيعة لتبدا مرحلة من التفكك والتحلل ثم نجد رامبو الشاعر يكتب عن رحلاته عبر هذه السفينة السكري عبر المجهول والمطلق/تركت الامواج تسوقني الي حيث اشاء/
ويتقمص الشاعر دور السفينة او هذا القارب فالسفينة الي انزلقت الي النهر بدوء نسبي كانت ترقص بينما هو يرقص ايضا في رحلاته الطويلة بين البلدان والاقطار ينتهي به الامر متسولا ضائعا يبحث في القمامة عن بقايا طعام
/ احيانا كنت اراني كالشهيد المتعب من الاسفار/
بين القطبين وفي المناطق البعيدة /
ثم يقول
/ احن الي اوربا ذات الاسوار العجوز /
ويقول
/ اتنام منفيا في مثل هذه الليالي التي لا يسر لها غور/
ولا ينسي الشاعر ان يصطدم مع واقع رحلاته وهجرته يعيدا عن بلاده عبر هذه السفينة النشوانه او السكري فهو يعبر بحرقة عن هذا الفقد والضياع ويرسم صورة التسول والتحلل النفسي فيقول مجروحا ونادما :
/ ان كنت ما ازال اشتهي من اوربا ماء.
فهو المستنقع البارد المظلم البعيد الذي يلقي فيه طفل محني
عند الغسق يفيض قلبه بالحزن واالشقاء
وتتضح قدرة رامبو علي خلق صورة شعرية فارقة تستطيع ان تفجر لغته البسيطة وبناء عبارته الميسرة انها قصيدة الحنين الي اوربا راجيا الابحار اليها من جديد عبر هذه السفينة . لكنه حنين لا يعبر عن شوقه الي وطن من الاوطان بعد ان عرف اوربا قد ضاقت عليه فلا ينتظر منها ماء _1_
ويختتم القصيدة التي بدات بغياب او موت البحارة يختتمها بتحطم السفينة علي صخور اللامحدود بعد ان اصبح القارب هادئا غير مقنع فهو بلا بحارة وبلا قبطان فهو يتمايل بين الامواج حتي يسقط دون الوصول الي هدف ما
وتبرز هذه القصيدة ملامح رئيسية في شعر رامبو وهي:
الاندفاع والتمرد
الانطلاق الي المطلق واللامتناهي
الهدوء المحطم
وهذه الملامح الثلاث عي التي تحدد علاقة الشاعر بالواقع وبالمتعالي الاجوف الذي سبق الاشارة اليه فهو يغير الواقع ويشوهه تماما كما في قصيدة _ فينوس _ وبعد ان يهشم ويشوه هذا الواقع ينطلق بحثا عن المطلق والمجهول واللامتناهي ثم يتوقف ويعود مصابا بخيبة امل بعد فشله الذريع في ملاحقة هذا المطلق اللامعروف وهو الهدوء المحطم الذي يفجر صلابة الشاعر ومحاولاته الدؤبة المستمرة في البحث والتقصي والابحار بسفينة هائمة نشوانة بلا بحارة
في صورة للحياة التي لم يجد المتعالي الاجوف فيها بعد ان بحث عنه وليس في النهاية دائما الا العدم والموت والفناء
ارجو ان اكون قد وفقت في قراءة القصيدة مع تحياتي
هوامش
1_ اخذا عن( كتاب ثورة الشعر الحديث) للناقد والفيلسوف/ عبد الغفار مكاوي

ليست هناك تعليقات: