السبت، نوفمبر 08، 2014

أدونيس القامة الكاشفة صقر أبو فخر





أدونيس القامة الكاشفة
صقر أبو فخر
في الجامعة اليسوعية (2/10/2014)، وأمام جمهرة من المثقفين والكتّاب والشعراء والصحافيين تكلم أدونيس كمن لكلامه سلطة. كان الأجرأ كعادته، وكان شجاعاً في مواجهة هذا الهول الذي يلف المشرق العربي بأسره. قال إن الإيمان بأن النبي محمد هو خاتم النبيين وأن لا وحي بعد الوحي المحمدي يمكن تأويله على أن الله ما عاد لديه أي شيء ليقوله، وأن العرب، بعد الوحي، ما عاد لديهم أي شيء ليفعلوه. وأضاف: العرب اليوم يقتتلون على الماضي، ويختصمون على الماضي. إنهم شيعة وسنّة وغير ذلك من الفرق التي ليس لديها أي رؤية مستقبلية على الإطلاق. وبهذا المعنى برهن العرب أنهم أسوأ الشعوب في هذا العصر. ورفض أدونيس الخوض في مسألة الأقليات الشائعة جداً اليوم، ودعا إلى فكرة المواطنة التي تتخطى مفهوم الأكثرية الطائفية والأقليات الطائفية نحو رحاب الدولة العادلة والمجتمع المدني والمواطن الحر.
كان عنوان المحاضرة التي قدمه فيها الزميل عبده وازن السؤال التالي: «هل يغيِّر الشعر؟»، فقال أدونيس: الشعر يغيِّر، لكن ليس على المدى القصير، إنه يغيِّر لأنه يسمو بالفرد وبالجماعة على مستوى الشعور والذائقة والثقافة. والشعر إن لم يَذُب الفكر فيه، فلا قيمة له. الأشعار التعبوية انتهت إلى لا شيء في ميدان الإبداع، لأن الحماسة وحدها تموت بموت الأوضاع التي أنتجتها، بينما الشعر الحقيقي يعيش طويلاً في الزمن. وجميع قصائد الحماسة في عهد ثورة أكتوبر الروسية طواها النسيان، بينما قصائد ماياكوفسكي الذي كانت «الجماهير تلعنه وترميه بالطماطم أحياناً، ما برحت نضرة. والشعر، بحسب أدونيس، ليس مجرد تعبير عن الانفعالات وحدها، إنما هو رؤية متكاملة للإنسان والعالم والأشياء، وكل شاعر كبير في تاريخ الشعر هو مفكر كبير: المعري والمتنبي وأبو تمام شعراء كبار لأنهم أسسوا قيماً فكرية إلى جانب القيم الجمالية، وأبو نواس أسس قيم المدينة في مواجهة قيم البداوة، وهؤلاء جميعهم أذابوا الفكر في الشعر. والشعر اليومي يتضمن الحكمة أحياناً لكن من غير جمال. وعلى سبيل المثال:
الرأي قبل شجاعة الشجعانِ
هو أول وهي المحل الثاني
هذا البيت بلا رائحة أو نضارة، بينما يفوح الجمال في بيت للشاعر شريف العقيلي قاله عندما اشتاق إلى حبيبته:
مطرٌ يذوب الصحو منه وخلفه
صحوٌ يكاد من النضارة يمطرُ
بيروت التي وقفت نخبها المفكرة وكتّابها وشعراؤها عشر دقائق متواصلة وهي تصفق لأدونيس في مسرح المدينة قبل سنوات، لم يتورع بعض صحافييها عن الهجوم عليه في اليوم التالي مباشرة، إنها بيروت حقاً. وأدونيس الذي منح هذه العاصمة جانباً مهماً من ألقها وحيويتها الثقافية منذ أواخر خمسينيات القرن المنصرم فصاعداً، ما برح منذ نحو خمسين سنة، يمنح بيروت جانباً من التحفز الثقافي بعدما وصلت الكتابات فيها، ولا سيما الكتابات السياسية، إلى الحضيض من حيث الخفة والضحالة، فالجميع، إلا القليل، مشغول بالاحتراب المحلي على طريقة المختار ورئيس البلدية في الأرياف اللبنانية، أو بالتنافس على المحدلة والماعوص ومزراب العين والناطور. وأدونيس في حضوره المتألق ما برح الأكثر عمقاً حتى حين يكتب في السياسة، وكتاباته السياسية كاشفة حقاً لأنها تقيس ضحالة ما يكتبه الآخرون، تماماً مثل قامته الشعرية والفكرية والنقدية التي تقيس ضآلة كثيرين ممن تتلمذ عليه في حقبة غابرة، ثم راحوا يرمون العوسج في طريقه، وهيهات للعوسج أن يدمي قدميه.
السفير- 21-10-2014





ليست هناك تعليقات: