‏إظهار الرسائل ذات التسميات ادب عالمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ادب عالمي. إظهار كافة الرسائل

السبت، أكتوبر 18، 2014

قصائد لآرثر رامبو ... ترجمة آسية السخيري




ترجمة آسية السخيري
آرثر رامبو( جان نيكولا آرثر رامبو: 1854 ـــ 1891)
بوهيميتي
أمضي، القبضتان في جيبي المثقوبين ،
معطفي أيضا يغدو معانقا للكمال،
أسير تحت السماء… ربة القصيد، ملهمتي ! لقد كنت المخلص لك.
أوه ! يا للمحبات المشرقة البهية التي كنت أحلم بها !
سروالي الوحيد كان به ثقب شاسع.
ــــ عقلة إصبع ! متضلعا في الحلم، تماما كما الحب، أدرس آناء عدوي القوافي .
فندقي كان هناك في الدب الأكبر .
ــــ ونجومي في السماء كان لها خفخفة الحرير الناعمة.
جالسا على حافة الطرقات، كنت أسمعها،
في هذه الليالي الفاتنة من أيلول
حيث كنت أحس قطرات الندى على جبهتي،
مثل خمرة من عافية وقوة
هناك، حيث كنت وسط الظلال الغريبة أنظم شعري
كأنها القيثارة، أجذب أوتارا مطاطية
لحذائي المجروح، رجل بالقرب من قلبي !
نائم الوادي
هذه حفرة للخضرة يشدو فيها نهر
بهوس يعلق للأعشاب أسمالا فضية
حيث تسطع شمس الجبل الأبي
إنه واد صغير يرغي ويزبد بالأشعة الدافقة
جندي شاب، فم مفتوح، رأس عار
و القذال المستحم في رطوبة الحرف* الأزرق ينام
ممددا وسط العشب، تحت غمامة
شاحبا في فراشه الأخضر حيث ينهمر (يمطر) الضوء
ينام و القدمان في زهر الدلبوث المخملي.
باسما مثل طفل سقيم يقضي القيلولة:
أيتها الطبيعة الرؤوم، هدهديه وامنحيه الدفء، إن الصقيع يغمره.
الشذا لا يرتعش له أنفه
هادئا، هو ينام في الشمس الشاسعة، اليد على الصدر،
و على جنبه الأيمن ثمة ثقبان أحمران.
الأبدية (1)
( هذه النسخة من نص ” الأبدية ” توقيع رامبو للشاعر جان ريشبان سنة 1872 وهي التي يعتمدها الناشرون)
لقد تم العثور عليها !
ماذا ؟ الأبدية !
إنها البحر الذاهب
مع الشمس .
أيتها الروح المترصدة
لنهمس بالاعتراف
رغما عن الليل الرديء
و النهار الموغل في النار
بشر للتأييد ،
حماسات مشتركة واندفاعات
هنا أنت تنفلتين
وتحلقين وفقا لـ ….
بما أنه منك فقط ،
أنت ، جمرات الساتان
يضوع الواجب
دون أن نقول : أخيرا.
هنا ما ثمة أمل ،
ولا أي فجر جديد
معرفة مع صبر
و النكال أكيد
قد تم العثور عليها !
ماذا؟ ــــ الأبدية.
إنها البحر
المرتحل مع الشمس
الأبدية ( 2 )
( لقصيد رامبو “الأبدية” نسخة ثانية نشرت في “كيمياء الفعل” أحد فروع ديوانه ” فصل في الجحيم” – 1873 – )
لقد تم العثور عليها !
ماذا؟ الأبدية.
إنها البحر
الممتزج بالشمس.
يا روحي الأزلية ،
عايني أمنيتك
رغما عن الليل الوحيد
و النهار الموغل في النار.
إذن أنت تتحررين
من الناس المؤيدين،
من الحماسات المشتركة !
أنت تطيرين وفقا لـ ….
ــــ لا رجاء أبدا.
لا فجرا جديدا.
معرفة وجلد،
والعذاب أكيد.
ما ثمة غد،
جمرات الساتان،
حماسك المضطرم
هو الواجب.
لقد تم العثور عليها !
ـــ ماذا؟ ــــ الأبدية.
إنها البحر
الممتزج بالشمس.
آسية السخيري
تونس

الاثنين، مارس 10، 2014

قصائد لشارل بودلير



قصائد شارل بودلير



Les Litanies De Satan 



أنت يا أجمل وأبرع ملك بين الملائكة 

ياإلهاً خانه الحظ وحُرم من المديح 

أيها الشيطان ارحم بؤسي الطويل 

يا أمير الغربة يا مظلوماً 

يا من إذا قهِر نهض دائماً أقوى وأصلب 

أنت يا من تعرف كل شيء 

يا ملكاً عظيماً للخفايا 

وشافي الإنسانية من قلقها وحيرتها 

أنت يا من تعلّم حتى للبُرص والمنبوذين الملعونين 

تذوّق طعم الفردوس عن طريق الحُب 

أنت يا مَنْ مِنَ المنيّة عشيقة العجوز القوية 

أنجبت الأمل الفاتن المجنون 

أنت يا من تمنح المحكوم بالإعدام 

النظرة الهادئة المتعالية 

التي تدين شعباً كاملاً يلتف حول مشنقته 

أنت يا من يعرف في أي ركن من الأرض المشتهاة 

يخبئ الله الغيور الأحجار الكريمة 

أنت يا من تعرف عينك المضيئة 

الخبايا العميقة 

التي ينام فيها مدفوناً عالم المعادن 

أنت يا من بيدك الكبيرة تستر الهاوية 

التي يطوف حولها السائر في نومه 

أنت يا من تعيد العظام المحطمة 

لسكّير عجوز داسته سنابك الخيل لينة 

أنت يا من علمتنا كيف نخلط ملح البارود بالكبريت 

لتدخل العزاء إلى قلب الإنسان الضعيف 

الذي يعتصره الألم 

أنت أيها الشريك البارع تضع ميسمك 

على جبهة قارون الدنيء القاسي 

أنت يا من تودع عيون وقلوب الفتيات 

عبادة الجُرح وحب الأسمال 

يا عكاز المنفيين ومصباح المخترعين 

والكاهن الذي يتلقى اعتراف المشنوقين والمتآمرين 

أيها الأب الذي تبنّى كل الذين طردهم الله الآب 

بغضبه الأسود من جنة الفردوس 

أيها الشيطان ارحم بؤسي الطويل 

المجد والمديح لك أيها الشيطان 

في أعالي السماء حيث كنت تسود 

وفي أعماق جهنم 

حيث تحلم بصمت بعد هزيمتك 

دع نفسي تسترح يوماً بقربك 

تحت شجرة المعرفة 

في الساعة التي تنتشر فيها أغصانها 

كأنها هيكل جديد 



_________________________________________


La Mort Des Amants 



سيكون لنا مضاجع مفعمة بالعطور الناعمة 

وأرائك عميقة بعمق القبور 

وزهور غريبة على الرفوف تتفتح لأجلنا 

تحت سموات لا أحلى ولا أجمل 

وسوف يكون قلبانا مصباحين كبيرين 

يستنفدان متنافسين البقية الباقية من حبهما 

ويعكسان أنوارهما المضاعفة 

على روحينا: المرآتين التوأمين 

وفي مساء وردي اللون رمزي الزرقة 

سنتبادل وميض الحب الوحيد 

كزفير طويل مثقل بحرارة الوداع 

وسيأتي ملاك مخلص فَرحْ 

ليفتح الأبواب 

فيبعث الحياة في المرايا الخامدة 

واللهب المنطفئ 



__________________________________________


La Mort Des Pauvres 



إنه الموت الذي يعزّي واحسرتاه 

وهو الذي يحملنا على الحياة 

إنه غاية الحياة والأمل الوحيد 

الذي يرفعنا ويبعث كالإكسير النشوة في نفوسنا 

ويزوّدنا بالجرأة التي تجعلنا نتابع الطريق إلى النهاية 

عبر الإعصار والثلج والجليد 

هو الضوء المتموّج في آفاقنا السّود 

إنه الفندق الذائع الصيت 

الذي يوفر الطعام والراحة والنوم 

إنه الملاك الذي يحمل بين أصابعه السحرية 

الرقاد ونعمة الأحلام السعيدة 

ويسوي مضاجع الفقراء والعراة 

هو مجد الآلهة ومخزن الغلال الرمزي 

وكيس نقود الفقراء وموطنهم القديم 

إنه الرواق المفتوح على الآفاق 

المجهولة... 



___________________________________________


Tout Entiere 



زارني الشيطان يوماً في غرفتي العالية 

محاولاً أن يضبطني متلبساً بالخطيئة 

فقال: أتوق أن تخبرني عن أحلى ما فيها 

فبين كل المفاتن التي تصنع سحرها 

ومن الأشياء الوردية والسوداء 

التي تكوّن جسدها الفاتن 

أى شيء هو الأجمل 

أراكِ يا نفسي تجيبين كارهة 

لا سبيل إلى المفاضلة فكل ما فيها بلسم 

فعندما يلفني بسحره كل شيء فيها 

أجدني أجهل الشيء الذي سحرني 

إنها كالفجر تبهىني وكالليل تعزيني 

والانسجام الذي يلف كل جسدها 

بلغ من روعته أن عجز التحليل وقصَّر 

عن تعداد توافقاتها العديدة 

فيا تغيُّر حواسي كلها الذائبة في واحدة 

إن أنفاسها تصنع الموسيقى 

وإن صوتها يصنع العطور 

الثلاثاء، فبراير 18، 2014

الراحل أنسي الحاج مع فاتن حمامة

أنسي الحاج – مع فاتن حمامة

أنسي الحاججريدة الأخبار اللبنانيةالسبت ٢٩ حزيران ٢٠١٣
فاتن حمامة

عينا فاتن حمامة أجمل من عيني الجوكوندا.
ليس في وجه الممثّلة المصريّة غموضُ ابتسامةِ الإيطاليّة، لكنّ فيه إشراق الطفولةِ الخالدة الغموض في شفافيّة براءتها.
تظنّ أنْ ليس في وجهها غير العذوبة والأنوثة، لكنّك لا تلبث أن تكتشف السخرية، سخرية لطيفة أخويّة، وسخريةٌ متمرّدة كهبّةِ نسمةِ حرير، وسخريةٌ إذا غضبت فكشجرةِ وردٍ تُزايدُ على الريح التي تراقصها.
إذا حزنتْ يحزنُ المشاهد ويدمع قبلها. عادةً يقال إنّها جسّدت في السينما «البنت الغلبانة». لا أحبّ هذه الصورة، فيها بؤسويّة لا تُشبه فاتن حمامة إطلاقاً. قل إنّها جسّدت «البنت» في المطلق: البنت التي يُخاف عليها، التي تستثير فيك طبائع الحماية، البنت الوَسَط بين الطفلة والمراهقة والمراهقة ومراهقة أكثر نضجاً، البنت التي، من فرط نضارتها وإدخالها الروح إلى حياتك، لا تريد لها أن تكون إلّا معك. ومَن ذا يودّ أن يسمع اسمه من صوت آخر بعد أن تناديه فاتن حمامة باسمه؟ والارتعاشات أو الدموع غير الظاهرة التي ميّزت صوتها، ارتعاشات كحِيَل الأولاد الخائفين من قسوة الكبار، دموع نجاةٍ تارةً وخوف طوراً، دموعُ مَن خَبِر الحياة قبل أن يولد.
مناسبة هذا الكلام إعادة عرض فيلم «أفواه وأرانب» على إحدى الفضائيّات، ثم مجيء فاتن حمامة إلى بيروت لتسلّم شهادة الدكتوراه الفخريّة من الجامعة الأميركيّة. والحاضر يستسقي الماضي.
في منتصف ستّينات القرن الماضي زارت بطلة «دعاء الكروان» وزوجها عمر الشريف بيروت. كنتُ، إلى جانب عملي في «النهار»، أترأس تحرير مجلّة «الحسناء» التي كادت تتحوّل معي إلى مجلّة أدبيّة. كانت سونيا بيروتي كبرى المحرّرات في المجلّة وعلى صلة بمعظم المشاهير. فاتحتُها، كما فاتحتُ رفيقتنا حنان الشيخ، (ولا أذكر ان كان الزميل رفيق خوري قد انضمّ الينا يومها) في شأن إجراء مقابلة مع فاتن حمامة تكون موضوع غلاف العدد. قالت نحاول. كانت مكاتب «الحسناء» تحتلّ مكان «النهار» القديمة في سوق الطويلة، وكان الوصول إليها يقتضي صعود دَرَج ضيّق معتم من عهد العثمانيّين له أوّل وليس له آخر. وعوض أن أقوم أنا وسونيا وحنان والمصوّر وسائر الفريق بزيارة الفنّانة الكبيرة في الفندق كما يقتضي الواجب والذوق، فوجئتُ بفاتن حمامة تدلف من الدرج العثماني وتسألني: «إزيَّك يا أستاذ أُنسي؟». كان وجهها الملهم قد سكنني كما سكن الملايين من زمان عبر أفلامها، (بدأت أوّل أدوارها في الخامسة أو السادسة من عمرها مع محمد عبد الوهاب في فيلم «يوم سعيد»)، لكنّي لم أكن أتوقّع هذا السحر، هذا القُرب، هذا التواضع المربك. كان وبالاً عليّ أن أسمع اسمي بصوتها، فلم أعد من بعدها أستطيبه من فم أحد.
فاتن حمامة أرقى صورة عن الفنّ المصري، موقظةُ أخطر شعورين في المُشاهد: الإعجاب والذنب.
أمضت فاتن معنا في «الحسناء» بضع ساعات لن أنساها. أجابت عن كلّ الأسئلة وكأنّها تعرفنا ونعرفها من مئة سنة. تحوّلت المجلّة وسوق الطويلة وبيروت إلى حقول مغناطيسيّة خلقها حضور فاتن وعيناها المستعصيتان على الوصف وصوتها الذي، بجاذبياته المتعدّدة، يتحوّل إلى قلب بجانب قلبك، الأوّل يداعب الثاني والثاني يقول لنفسه: إنّها نعمةٌ لا أستحقّها.
كان ذلك أوّل لقاء، وأسعدني الحظ بلقاءاتٍ ثلاثة أخرى وهذه المرّة بصحبة عمر الشريف: مرّة عابرة على غداء في مقهى «الكافي دو لا بريس» بدعوة من المرحوم حبيب نحّاس، ومرّة في سهرة عند ناديا وغسان تويني في بيت مري، والمرّة الأخيرة في سهرة عند فيروز والأخوين رحباني وكانت فيروز قد انتقلت حديثاً من بيتها القديم في أنطلياس إلى دارتها الجديدة في الرابية. لا أنسى مشهد فاتن جالسة قرب يوسف وهبي وهو باسط جناحيه على كتفيها. كانت ترتدي نظّارات بسبب تعب عينيها من البروجكتورات. كان يوسف أكبر من أبيها، وكان يشعر نحوها بأبوّة، وكانت تستملح نكاته، وهو صاحب العبارة الشهيرة «شرف البنت زيّ عود الكبريت ما يولّعش إلّا مرّة واحدة». كنتُ في حينها أنشر له مذكّراته في «الحسناء» حيث يظهر زير نساء من الطراز المخيف. وسألته في السهرة، مغتنماً انشغال فاتن بحديث مع فيروز: «ما يولّعش إلّا مرّة واحدة؟». فأجاب بوقار أكثر هزليّة من الهزل المباشر: «سيبك. هوا ما يولّعش إلّا مرّة واحدة كلّ مرّة».
كانت تلك آخر مرّة أتيح لي فيها السهر في حضور نجمة الشاشة المصريّة.
تغضب في بعض أفلامها («أفواه وأرانب») فتبدو مثل قطّة تخرمش الستائر والهواء. في «دعاء الكروان» لم يجسّد أحد مثلها فتاة الصعيد. وتحبّ الفيلم (بركات) أكثر ممّا تحبّ الكتاب (طه حسين). بنْت مصر بأجمل ما فيها.
زمنٌ لم تعد فيه فاتن حمامة صبيّة السينما ولا أمّ كلثوم مطربة مصر ولا فريد الأطرش مجسّد الرومانسيّة ولا شكري سرحان وأحمد مظهر فتيي الشاشة ولا عبد الوهاب سقف الجميع، زمنُ أيِّ شيء هذا؟
ليتنا لم نعش لنقارن. ليتنا ولدنا في زمن الانحدار كي نرى كلّ هذا الهبوط صعوداً.
■ ذَهَبَ شيء
أقرأُ ميخائيل نعيمة يهاجم منتقدي لغة جبران ويُمسّح بهم الأرض.
أقرأ أنطون سعادة يُفنّد شفيق معلوف ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) وينتف الريش غير هيّاب.
أقرأ أمين الريحاني في محاضرة شهيرة عن المتنبّي ألقاها في حلب أمام شعراء العرب المبايعين أبا الطيّب أميراً وملكاً ومتنبّئاً. أقرأه يخصّص ثلاثة أرباع المحاضرة لتفكيك أسطورة المتنبّي وتعرية أخلاقه، كالبخل والأنانيّة وفَجَع المال وشبق السلطة.
أقرأ نفسي بادئاً حياتي الأدبيّة بمقال سمّيته «إلى سعيد عقل ومَن تحته» تعقيباً على حديث أفضى به لمجلّة «الثريّا» (منتصف خمسينات القرن العشرين) فبطرَكَ فيه هذا وبارَكَ ذاك وغاص في تنظيرٍ بدا لي مضحكاً. مقال ازعر مجنون لولا سعة صدر سعيد عقل لما سامحني مدى الحياة.
أقرأ هجمات أدباء الكتائب والاشتراكيّين والشيوعيّين على «نشوء الأمم» لسعادة ولا أفهم أيّ مجتمعٍ ديموقراطي عظيم كنّا فيه. (رغم أنّ بعض القوميّين ردّوا على أحد منتقدي كتاب سعادة بضربه).
وأقرأ «يسوع ابن الإنسان» ولا أرى تكفيراً لجبران.
أقرأ تحليل شاتوبريان لإحدى روايات جورج صاند (ليليا) وأتدرّج معه من الملاطفة إلى النقد ومن النقد إلى التجريح ومن التجريح إلى الإعدام.
وبدون حقد ولا تصفية حساب ولا أيّ دافع غير إبداء الرأي.
ثم أقرأ ما كتبه شاتوبريان عن داهية فرنسا تاليران، الذي لم يتوقف عن خيانة وطنه وبيعه سواء بعد الهزائم أو بعد الانتصارات ومع هذا استطاع بنفاقه وبساطة المحيط السياسي أن يجعل نفسه الدبلوماسي الذي لا غنى عنه. مسَّحَ به شاتوبريان، الذي عاصر المراحل كلّها من داخل وفي مراكز عليا، مسَّحَ به قدميه. وكان المعروف أنّ نابوليون هو السند الحقيقي لوزيره المنافق، وإذا بي أكتشف في محفوظات نابوليون مخاطباً تاليران يوم 28 كانون الثاني 1809 في جلسةٍ لمجلس الوزراء قائلاً: «أنت لصّ، جبان، شخصٌ عديم الأخلاق. طوال حياتك خدعتَ الجميع. لو تسنّى لك لبعت أباك».
وأقرأُ تذابح فولتير وروسّو، والرومنتيكيّين وبقايا الإتباعيّة، ومؤيّدي اليهود (قبل قضية دريفوس وبعدها) وكارهيهم، وأقرأ كراريس النهضويّين وترجماتهم من الشميّل وفرح أنطون إلى اليازجي والبستاني وفارس الشدياق… ذَهَبَ شيء. ليس هو الحريّة، فالحريّة في توسّع، ولا هي الريادة، فكلّ لحظةٍ يمكن أن تكون رائدة. ذَهَبَ شيءٌ هو النزاهة، وعلى رأسها الموهبة، وإلى جانبهما العمل الرهباني المهيب.
وبعض التواضع.
■وين بدّو يروح
«وين بدّو يروح الواحد وين بدّو يروح».
بدأتُ أردّدها بتأثير مطالعة كتاب لا ضرورة لذكر اسمه يُمجّد فيه المؤلّف نفسه منتصراً فرحاً كسكران يرقص في دائرة مهابيل.
لندع الكتاب وصاحبه. يطفح قلبي بالعبارة السابقة مراراً في اليوم. لا أقصد الذهاب إلى مكان، فكلّ الأماكن مميتة. ولا أقصد السفر، فلم يعد لي قدرة على شروطه. المقصود طبعاً الخروج من الذات ومن العالم. «وين بدّو يروح الواحد وين بدّو يروح». آخر مرّة قلتها، قبل دقائق، كدتُ أُهَبّج نفسي.
طرق الهرب معروفة ومستنزفة. كان الصبا في ذاته حلّاً، أين الصبا؟
النوم. مَن يجرؤ أن يستسلم للنوم بلا منوّم؟ وإلى جانب مَن تتحمّل أن تنام؟
ليت الرياح طوع يدي… ولكنْ إلى أين؟
«وين بدّو يروح الواحد وين بدّو يروح».
■ «أنا هيك»
عندما تقول امرأةٌ عن طباعها: «أنا هيك، والمش عاجبو يصطفل»، تعبّر عن شجاعةٍ كبيرة بموقف يدير ظهره لعادات التكيُّف ولهواجس الإعجاب.
امرأةُ «أنا هيك» لا تعيش تحت رحمة النظر إليها: تعيش في حريّة ذاتٍ نادراً ما عَرَفتها امرأة، وأكثر ما يستحقّ فيها الإعجاب هو استهتارها بما قد تَدْفعه ثمناً لهذه الحريّة.
■ قَشّة قَشّة
جَمَّعَ الغلال قشّةً قشّة وراح يحرسها. غلّةُ معرفةٍ هنا، غلّة اندهاش، غلّةُ أُلفةٍ هناك، وغلالُ تَحفُّظ لا تقلّ حلاوة.
لا تقل إلّا حصاد ظماءاتِ مساءِ العمر.
وفي لحظةٍ واحدةٍ اشتعلت الغلّةُ بعود كبريت بريء، أفتك ما فيه براءته.
سقط الوادي حيث كان، أعمق ممّا كان، يتطلّع بعين الذاكرة المكسورة إلى ما كان جبله.
عابــــــرات
إذا أردتَ «الوقوع» في تجربة، ثابر على الخشية منها.
■ ■ ■
أجملُ ما فيك هو الطفل الذي كان يرفض أن يكبر وفجأةً قرّر أن يبدأ…
■ ■ ■
حافظي على الحاجز بينكما، لعلّه الجامع الأهمّ.
■ ■ ■
يمكن أن نقول الحقيقة دون صدق ويمكن أن نَصْدق دون قول الحقيقة.
■ ■ ■
الملائكة لا يتكلّمون لأنّ الحنان أخرس.

السبت، فبراير 08، 2014

من روائع الشاعر الفرنسي الراحل أرثر رامبو


             أوفيلْيا
 
 
              -1-
 
عَلى الصَّفْحَةِ السّاكِنَة والسَّوْداءْ،
حَيْثُ تَرْقُدُ النُّجومْ،
تَطْفو أوفيلْيا البَيْضاءْ،
مِثْلَ زَنْبَقَةٍ كَبيرَة،
تَطِفو بِكُلِّ هُدوءْ،
مُسَجّاةً في أَشْرِعَتِها الطّويلَة…
- وعِنْدَ "الغُوَيْباتِ" البعيدَة،
نَسْمَعُ هَلاهِلْ.
 
        ***
 
هاهِيَ ذي أَكْثَرَ مِن أَلفِ عام،
وأوفيلْيا الحَزينَة،
تَمُرّ، شَبَحًا أَبْيَض،
على النّهْرِ الأَسْوَدِ المَديدْ.
هاهِيَ ذي أَكْثَرَ مِن أَلْفِ عام،
وجُنونُها اللّطيفْ،
يُوَشْوِشُ حِكايَتَهُ،
لِنَسيمِ المَساءْ.
 
        ***
 
تُقَبّلُ الرّيحُ نَهْدَيْها،
ومِثْلَ تُوَيْجاتٍ تَنْشُرُ
أَشْرِعَتَها الكَبيرَة،
المُهَدْهَدَةِ بِلُيونَةِ المِياه.
ومُرْتَعِشاً على كَتِفَيْها،
يَبْكي الصّفْصاف، 
وعلى جَبينِها الحالِم،
تَنْحَني سُجودًا، أَشْجارُ القَصَبْ.
 
         ***
 
يَتَأَوّهُ النَّيْلوفَرُ مداكاً،
مِنْ حَوالَيْها،
وتوقِظُ أَحْيانًا
في شَجرِ الحورِ النّائمْ،
عُشّا، مِنْ حَيْثُ تَفِرّ،ّ
ارْتِعاشَةُ جَناحٍ، صَغيرَة:
- غِناءٌ عَجيبْ،
يَتساقَطُ مِن كَواكِب ذَهَبْ.
 
         -2-
 
آه أوفيلْيا الشّاحِبَة !
جَميلَة مِثْلَ الثّلْج !
بَلى تَوَفّيْتِ طِفْلَة،
بِنَهْرٍ مَحْمولَة !
- لأنّ الرّياحَ الساقِطَة،
مِن مُرْتَفَعاتِ "النّرْويج" الكَبيرَة، 
قَد كَلّمِتْكِ بِكَلامٍ خافِت،
عَن مَرارَةِ الحُرّيّة.
 
        ***
 
ولأنّ نَفَسٌ، 
عاصٍرٌ لِجَديلَتِكِ الطّويلَة،
إلى ذِهْنِكِ الحالِمْ،
قد حَمَلَ ضَجّةً غَريبَة،
كانَ قَلْبُكِ يَسْتَمِعُ إِلَيْها،
في غِناءِ الطّبيعَة،
في تَأَوّهاتِ الشّجَرَة،
وزَفَراتِ اللّيالي.
 
        ***
 
ولأنّ أَصْواتَ البِحارِ المَجنونَة،
دَمْدَمَةٌ هائلَة،
قد كَسَرتْ نَهْدَكِ الطِّفْلُ،
جِدّ إنْساني وجِدّ حَنونْ.
ولأنّ ذاتَ صَباح أَبْريلْ،
فارِسٌ جَميلٌ، شاحِبْ،
 مَجْنونٌ شَقِيّ، 
جَلَسَ أَخْرَسًا عِنْدَ رُكْبَتَيْك.
 
         ***
 
سَماءٌ ! حُبٌّ ! حُرّيّةٌ !
يا لَهُ مِن حُلُمْ،
أيّتُها الشّقِيّة المَجْنونَة !
وكُنْتِ تَذوبينَ فيه،
كما الثّلْجُ في النّارْ،
رُؤاكِ الكَبيرَة كانَتْ،
تَخْنُقُ كَلامِكْ،
- واللاّنِهايَة الرّهيبَة،
بَهَرَتْ عَيْنُكِ الزّرْقاء.
 
         -3-
 
- والشّاعِرُ يَقول بِأَنّكِ،
عِنْدَ أَشِعّةِ النّجومْ،
سَتَأْتينَ لَيْلاً بَحْثًا عَن الوُرودْ،
التي قَطَفْتِها،
وبِأَنّهُ قَد رَأى على صَفْحَةِ الماءْ،
مُسَجّاةً في أَشْرِعَتِها الطّويلَة،
أوفيلْيا البَيْضاءَ تَطْفو،
مِثْلَ قُرُنْفُلَةٍ كَبيرَة.