قصة .......طهى الوجع .... من المجموعة القصصية تحت الطبع /// عطش السحاب
ليتني أستطيع تقطيع لحمي وطهيه لهم!... أوجعني ابني الصغير عندما قال:
- أمي، أشتهي أكل لحمة.
لأول مرة أرى الحروف مسنونة كسكاكين حادة تمزق، دون أن تعبأ بحجم نزف الجروح، ما أقسى قلة الحيلة، وأن يضع عمرك يده على صدغ حياتك ينتظر لا شيء.
بت أدخر الربع والنصف جنيه، وعندي قطعة قماش جديدة، ووعاءان من الألمونيوم بعتهم لجارتي.
كل يوم أفتح العلبة، التي أدخر فيها، وأشمها حتى توهمت أن رائحة العلبة كرائحة اللحم!... قرب المبلغ من ثمن كيلو لحم بالعظم.
قبلت ابني، وأخبرته أن هناك مفاجأة على الغداء، سرتُ، لا بل طرتُ، وأنا أتشبث بمنديلي، الذي أُخفي فيه جنيهاتي الهزيلة.
انتفخ صدري من السعادة، وأنا أدخل محل الجزارة، وأرى اللحمة المعلقة تنادي الأفواه.
تذكرت... كم مرة مررت أمامها دون أن أعيرها اهتمامًا، فقد دربت نفسي وأدبتها على ألا تنظر إلى ما لا تستطيعه.
فتحت منديلي، وخزينتي، أخرجت النقود، ومددت يدي بها إلى الجزار بمنتهى السعادة وقلت... لا بل صرخت:
- كيلو لحم بالعظم ، ورجاء قلل قطع العظم فهى لأطفالي الصغار.
شعرت وكأنها ساعات مرت!... وهو يخرج اللحم من الثلاجة، ويضعها أمامه، ويحضر السكين، ويضرب اللحم بيده يعدل من وضعها، وبدأ في تقطيعها، وعيني تهرول سبعة أشواطًا مع السكين ذهابًا وإيابًا، حتى تفجرت زمزم فرحتي!... لترقص عيني فوق حدها، وأنا أتخيل أبنائي، وهم يأكلونها وينزعون العظم بسعادة لتخليص اللحم منه!...
يوقظني صوت الجزار:
- أهلا يا باشا تفضل، جهز ياولد طلب الباشا المعتاد، أثنان كيلو لحم بالعظم للكلاب.