الطائر الحارق... قصة للأطفال بقلم: ياسر الششتاوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عشه الذي يعيش فيه من أجمل أعشاش الطيور، يقع في شجرة متوسطة الطول، لاهي بالقصيرة ، فتكون عرضة للصعود الحشرات الضارة والمفترسات التي قد تدعوها القليل من الشجاعة لصعود الشجرة ، ولا هي بالعالية التي ترهقه في الصعود والنزول، وكذلك تكون عرضة للعواصف العاتية، كما تطل تلك الشجرة على قناة مائية توفر له الكثير من الغذاء الشهي من الأسماك الطازجة.
يستيقظ من النوم، ما عليه سوى أن ينظر نظرة ثاقبة في الماء حتى يهجم على أي سرب من أسراب السمك الذي لا يخلو منه ذلك المجري المائي.
لكنه عشه تقادم مع مرور الزمن، وفقد رونقه، وأصبح شكله قديماً،بل أمسى أسوأ عش في الغابة ، ويحتاج إلى الكثير من الجهد والزينة كي يرجع كما كان .
كل عام يقول: سوف أغير هذا العش ، سوف أجدده ، كي يصبح عشاً جميلاً ،ولكنه يتكاسل ، ويتكاسل، ثم ينسى ، ولا يتذكر عشه إلا عندما يرى عشاً جديداً تم بناؤه بصورة جميلة تخطف الأبصار ، وتذهل العقول !!
قرر أن يضع نفسه أمام الأمر الواقع،وأن يواجه المشكلة ، ولكن كيف يواجه المشكلة بهذا الأسلوب؟!! إن هذا الأسلوب أسلوب انتحاري!! كيف يفعل هذا ؟!! فهذا الذي فعله لا يفعله أي طائر عاقل ،بل لم يفعله أي طائر في الغابة من قبل، إنها فكرة مجنونة، فلقد أحضر عوداً من الحطب ،وأمسك به بين فمه ، وطار حتى وصل إلى منزل قريب من الغابة، ودخل من النافذة ، وكان الموقد مشتعلاً ، فأشعل عود الحطب ، وطار مسرعاً إلى عشه ، بل طار بأقصى سرعة لديه كي لا تصل النار إليه من عود الحطب ، فيضطر إلى إلقائه ، وقبل أن تصله النار من عود الحطب ، كان قد وصل إلى عشه، فقام بحرق العش كي يضطر أن يصنع عشاً آخر أجمل منه!!
هكذا كان يرى أن هذا هو علاج الكسل والتراخي، رأى عشه يحترق بيديه ، ولو كان أحد غيره هو الذي يحرقه ، لأقام الدنيا ولم يقعدها ، أو لما ترك البكاء ليلاً ونهاراً ، ولكن لأنه هو من فعل ذلك بنفسه ، فهو يصطنع لنفسه العديد من المبررات!!
أحترق العش كله، وكان في غاية السعادة؛ لأنه سوف يبني عشاً جديداً، وكانت طيور الغابة في غاية الحزن ، لأنه قد يتعلم منه غيره تلك العادة السيئة، وخاصة الطيور الشابة التي قد تقلد أي فعل مجنون، فالشباب عادة يكون أكثر اندفاعاً وطيشاً ، ولا تهمه عواقب الأمور بقدر ما يهمه ،أن ينفذ ما في رأسه، مع أن هذا الطائر لم يكن من الشباب ، فقد تجاوز مرحلة الشباب ، وإن لم يكن يبدو عليه ، فهو دائم الاهتمام بنفسه والرعاية لصحته ومنظره العام، ولكن لا يهتم إلا بذلك فقط ، حتى ليخيل لمن يراه أنه لم يتجاوز مرحلة الشباب!!
بعد أن أحترق العش، أراد أن يبدأ في بناء العش الجديد، ولكن الوقت قد قارب على دخول المساء، ولن يستطيع أن ينجز شيئاً، فقرر أن ينام لأنه قد تعب في إحراق العش ، وأن يبدأ من الغد في بناء العش الجديد، فلم يقبل أي طائر أن يبات عنده كعقاب له، فلقد كانت الغابة غاضبة من بسبب ما فعل وسموه (الطائر الحارق)، إلا طائر واحد ، كان الطائر الحارق قد أسدى له معروفاً من زمن، فلقد كان أحد أبنائه مريضاً، فدله الطائر الحارق على طبيب حاذق من أفضل الأطباء في الطيور، فعالج ابنه، وتم شفاؤه، فظل يحفظ له هذا الجميل، مما جعله لا يستمع إلى أي كلام ممن أرادوا إلا يبات عنده ذلك الطائر الحارق، لكنه وعده ألا يبات إلا ليلة واحدة فقط.
وجد عشه جميلاً ونظيفاً من أروع ما رأى سواء في الداخل أو الخارج ، كما أنه يتعهد عشه بالتجديد الدائم ، والعناية بكل جزء فيه، فحسده على هذا العش، وأحب أن يكون له عش مثله.
قال لنفسه: سوف أبني عشاً أجمل من هذا العش ،أنا أستطيع أن أفعل ذلك ، المهم أن أبدأ ، ولا أتكاسل ، أو أتأخر،سوف أبدأ مع أول إطلالة للفجر.
استيقظ متأخراً ، فقلّ حماسه، ثم قال لنفسه: ما الذي يدعوني إلى أبني عشاً جديداً وأتعب نفسي، والعش موجود، العش تحت أقدامي،وبدلاً من أبني العش في أسابيع أو شهور، سوف يصبح ملكي أجمل الأعشاش في دقائق، ما عليّ سوى أن أطرد صاحبه منه، فهذه هي أخلاق الغابة ، وكل من في الغابة يفعل ذلك ، لماذا أكون أنا الشريف الوحيد في هذه الغابة؟!!
احتل العش، وأعلن ذلك صراحة في وجه الطائر الذي استضافه، فحاول طرده بما لديه من إمكانيات، فلم يستطع، فراح يبحث عن وسيلة ، هي الحل الأخير بالنسبة له.
استنكرت كل طيور الغابة ما حدث من جانب الطائر الحارق، راح البعض يساعد في طرده، فاستنجد الطائر الحارق بأقاربه من غابة أخرى، فبهروا بجمال أعشاش الطيور في تلك الغابة ، وأردوا أن يفعلوا مثلما فعل الطائر الحارق ، ويحتلوا ما يستطيعون من أعشاش، فقامت معركة لم تشهدة الغابة من قبل،لكنهم هزموا شر هزيمة ، ففروا هاربين، تاركين الطائر الحارق يعاني من جروح بالغة في جناحيه وسائر جسده،والموت أصبح أقرب شيء له.
قام شيخ طيور الغابة، وخطب فيهم قائلاً : إن هذا جزاء من يتخلى عن عشه ، ولو كان سيئاً، وما حدث لأقاربة من عار وهزيمة سوف يظل يرددها التاريخ هو جزاء من يساند الخطأ ،وهو يعلم أنه خطأ.