( الماكينة ( نص )
كتلة لحم بيضاء .
كتلة لحم بيضاء ومربعة الشكل كصندوق ضخم .
كتلة ضخمة من اللحم الابيض مربعة الشكل كخزينة او صندوق صرف العملات ، وهو النحيف الممصوص يقف خلفها مباشرة ، يعيد تفقدها كأنه يكتشفها للمرة الأولى فى حياته ، رغم السنون الثمانية العجاف التى تربطهما منذ اول ليلة استسلم فيها للوهم .
صندوق ضخم من اللحم الابيض الكريه تشبه ماكينة صرف الاموال ، تدز الكارت ، تكتب الرقم السرى والقيمة ، من الجانب الآخر تنطلق الأوراق النقدية ، يعيد تفقدها هو الهزيل بفانلته الحمالات الممزقة _ كأنما يكتشفها لأول مرة ، رغم انه لا ينسى ابدا انه باع روحه للوهم منذ اول مساء صارحته برغبتها فى الارتباط وهو قال آمين دون حتى ان يسمح لنفسه بلحظة تمعن .
يقف خلفها ويدز كارته المنتصب جيدا ثم ينتظر أن تخرج العملات من فهما المفطوس بين لحم الوجه المنبعج الأبيض .
فارق زمنى مناسب بينهما، قل عشر سنوات مثلا ، ربما تزيد قليلا أو تنقص ، وفارق إنسانى أيضا ، هى إبنة موسر ، تلك اليسرة التى تخدم متطلباتها ، إعتادت شراء واقتناء الحاجات المهمة ، وهو كالعادة ، كأغلب النصوص القديمة ، من الحى الفقير ، لم تربطهما أى حكايات غرامية حتى لا تتسرب لذهنك انجى بنت الباشا ، فهى ليست إبنة باشا ، إنما ميسور ، يعنى تعدى الطبقة الوسطة بمرحلة بسيطة ، إنما لأن ثمة قطارات فاتتها لم تجد أمامها سواه ، فحل من الحى الفقير ربما يقوم بالواجب كما ينبغى ، قطارات كثيرة رغم ذلك فاتتها الحقيقة ، قطار الحب والزواج ،الارتباط بكائن ما بخيوط التناغم ، قطار الجمال والألفة ، كثيرا من القطارات الأخلاقية والإنسانية ، كائن صندوقى الشكل ، لزج ومقرف ، يضع سبابته فى أنفه فى أحرج اللحظات الليلية ، ألة صرف النقود أمام بنك التنمية الزراعى .
يدز كارته ، يخرجه ويعيد تنظيفه ثم يدزه ، معطلة ، ماكينة معطلة ، يقلبها ، يضربها على مؤخرتها ، يحاول رجها ، هو الهزيل المصوص ، دون إستجابة ، يستجمع أنفاسه ، ويحاول ثانية ، ماكينات معطلة ، مثل جميع الماكينات المعطلة التى تعرقل مسيرة الحياة ، ماكينة الميلاد ، ماكينة الإخلاص للعالم ، الإنسانية المشردة ، منحوس من يومه ، شهادة مختومة وموقعة من كلية السياسة والإقتصاد بدرجة مناسبة ، ثم سبيل المقهى يفرز فيه كثيرا من كراهية العاطلين ، كأنه بدورة ماكينة معطلة ، يعيد إكتشاف ذاته ، أبن الحى الفقير أو قل تحديدا الحى الريفى الفقير أو قل الحقير وأرح رأسك ، ماكينة معطلة منذ أن جاهد وإستنزف كل قدراته للبقاء حيا ثم شهادة ممهورة ، لكن ماكينة التوظيف معطلة ، وصراع إنسانى بحت بين الفقر والعوز وبين إستمرار الحياة ، أقرانه ، من هم على شاكلته من الإحتجاج أو قل الإحتياج باعو أنفسهم للتنظيمات الإجرامية ، حتى تلك التى توهمك بنقاء مقصدها ، القاعدة فى افغانستان ، داعش فى العراق ، أنصار بيت المقدس فى سيناء ، نعم ، بيت المقدس فى سيناء ، لكنه كان أقلهم عدوانية فباع نفسه لصندوق من اللحم الأبيض ، باعها لماكينة صرف النقود ، يعافر معها ، يدز كارته المنتفخ المنصوب جيدا وينتظر بشغف خروج العملات الورقية ، يعيد إستجماع روحه المباعة أصلا، يأخذ حمام ، والنصف الآخر من القرص ، يتفقد ماكينته ، مدخل الكارت ومخرج النقود ، يستبعد حملها الى من يجيدوت صيانة ماكينات كهذه ، هل يعيد توصيل مقبس الكهرباء ، تنظر اليه بخوف وحسرة ، كان الوحيد المتاح ، فى عالم يُعطى فيه الحلق للأصم ، بختها ونيلتها السوداء ، ثمان سنوات موزعة بين المعرفة والفشل ، ومحصلتها وحيدان فى بيت كبير دون طفل ينغص عيشتهما ، دعك من تصوراتك عنهما فهى غالبا ستودى بك الى رؤية تقليدية عن إزدواجية قديمة ، وحاول أن تعيد معى إكتشافهما ، ماكينة مربعة الشكل دهنية سمجة ، وصنائعى بليد وفاشل وخبرته معدومة فى التعامل مع الماكينات .
لدينا خجل فى معرفة أنفسنا بديل عن الآخرين ، وكسة قهرية تصاحبنا من الميلاد الى المثوى الأخير ، ماله العالم لو يصير أقل صرامة مما يبدو عليه ، رشاقة فى التعامل ومرونة فى التواصل والمعرفة ، وبلا خبث فى الإدراك أو تجهيل الآخرين على الأقل لحصار الفجاجة ، فى حالات أخرى ينتهى الأمر سريعا ، زوج يقتل زوجته وينتحر لمروره بضائقة ،، تقيده بالسرير أثناء نومه ، تركب فوق جثمانه وتغرس سكينة المطبخ ، يلقى بجثتها فى النهر ف تتعلق به وتجره الى القاع ،، لكنهما لم ينتهيا الى إحدى هذه النتائج بعد ، رغم ثمان سنوات عجاف وكئيبة بينهما ، ربما لعدم وجود بدائل متاحة ، كل ما إقتنته ماعاد إستعماله طبيعيا بعد هجوم التخمة ، التختخة والكلبظة الدهنية المخيفة التى حاصرتها ، يعنى زوج من عود ، عود هزيل ممصوص وأقرع ، مسمار جحا الأبدى ، خاتم الزوجية ، أو ختمها ، لم يحن بعد الدخول الى مرحلة الأرملة ، وهو ، الكحيان العقيم ، كيف يستبدل ماكينته بواحدة أحدث ، بعيدا عن هزاله وإمتصاصه وندرة إمكانياته للولوج داخل عالمها أو أى عوالم أخرى _ من سترضى به ، جثة هزيلة لا ينقصها إلا خروج الروح ، عفوا ، الروح مباعة أصلا من أول مساء ضحك فيه الوهم وأخرج لسانه
يحاول ثانية ، يخرج كارته ، يعيد تفقده وتفقد الماكينة ، محاولة أخرى فاشلة لمعرفة المشكلة ، يدز الكارت ، بمنتهى العنف والعصبية وقل القهر أيضا ، ينظر للماكينة بيأس ، تنظر اليه الماكينة بيأس ، أخيرا وكفعل أو رد فعل طبيعيا ، يترنح و يسقط خلفها فاقدا الوعى .
ما أدرانا إنه لم يفقده قبل النص أساسا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق