السبت، نوفمبر 08، 2014

إلبسي ثوب القصيدة وآتبعيني / عبدالجبار الجبوري




إلبسي ثوب القصيدة وآتبعيني / عبدالجبار الجبوري

الريح تحمل حزن الغيم ...،
                         الى شفة البحر..
وتشدُ رحال طفولتها...،
                   للخيل المتعبة...
وانا اشد رحالي اليك...
وجعي يسبقني.
وناي مكسور..
توقظني ..
عيناك غريبا ...          
اتلو لوجهك نشيد العشق المنقوش على جبهتها الخيل...
لتنام النجمة على راحتي..
وتنام على شفتيك القبلة...،
                           ملتهبة ...
قالت للريح...
قم نلتقي..
يأخذنا البحر الى عمق الليل..
لكي نضيء بعض ما تبقى من ظلام..
قلت...
تعالي الخمرة غائبة هذا اليوم ..
وآلبسي ثوب القصيدة المهاجرة الى ..،
                                 موسم الكلام...
فهناك يرتجف الليل من البرد..
وتخضر عناقيد الجراح..،
                   ويرحل القمر...
اجلسي الان على اريكة قلبي...
قبل ان يهطل المطر...
وافتحي نوافذ الصباح ..
وقولي للقصيدة ...تعالي ولا تأتين...
مشغولة بك النوارس ..
وأنا مشغول بحضورك الحزين...
الان قومي...
وانسفحي على وجعي...
أيتها الغيمة الشاردة..
فمن بين نهديك تخرج الفراشات الى ..،
                                   سماء روحي ..
وترسم بيرقا من بقايا جروحي...
قومي....
واملأي إنائي بالصهيل..
والعسل المعتق، فالطريق طويل ...
وأتركي فوق قبري ..
شارة للرحيل ..،
             وشارة للزمن الحريق..
هنا لقد مات القمر...

أدونيس القامة الكاشفة صقر أبو فخر





أدونيس القامة الكاشفة
صقر أبو فخر
في الجامعة اليسوعية (2/10/2014)، وأمام جمهرة من المثقفين والكتّاب والشعراء والصحافيين تكلم أدونيس كمن لكلامه سلطة. كان الأجرأ كعادته، وكان شجاعاً في مواجهة هذا الهول الذي يلف المشرق العربي بأسره. قال إن الإيمان بأن النبي محمد هو خاتم النبيين وأن لا وحي بعد الوحي المحمدي يمكن تأويله على أن الله ما عاد لديه أي شيء ليقوله، وأن العرب، بعد الوحي، ما عاد لديهم أي شيء ليفعلوه. وأضاف: العرب اليوم يقتتلون على الماضي، ويختصمون على الماضي. إنهم شيعة وسنّة وغير ذلك من الفرق التي ليس لديها أي رؤية مستقبلية على الإطلاق. وبهذا المعنى برهن العرب أنهم أسوأ الشعوب في هذا العصر. ورفض أدونيس الخوض في مسألة الأقليات الشائعة جداً اليوم، ودعا إلى فكرة المواطنة التي تتخطى مفهوم الأكثرية الطائفية والأقليات الطائفية نحو رحاب الدولة العادلة والمجتمع المدني والمواطن الحر.
كان عنوان المحاضرة التي قدمه فيها الزميل عبده وازن السؤال التالي: «هل يغيِّر الشعر؟»، فقال أدونيس: الشعر يغيِّر، لكن ليس على المدى القصير، إنه يغيِّر لأنه يسمو بالفرد وبالجماعة على مستوى الشعور والذائقة والثقافة. والشعر إن لم يَذُب الفكر فيه، فلا قيمة له. الأشعار التعبوية انتهت إلى لا شيء في ميدان الإبداع، لأن الحماسة وحدها تموت بموت الأوضاع التي أنتجتها، بينما الشعر الحقيقي يعيش طويلاً في الزمن. وجميع قصائد الحماسة في عهد ثورة أكتوبر الروسية طواها النسيان، بينما قصائد ماياكوفسكي الذي كانت «الجماهير تلعنه وترميه بالطماطم أحياناً، ما برحت نضرة. والشعر، بحسب أدونيس، ليس مجرد تعبير عن الانفعالات وحدها، إنما هو رؤية متكاملة للإنسان والعالم والأشياء، وكل شاعر كبير في تاريخ الشعر هو مفكر كبير: المعري والمتنبي وأبو تمام شعراء كبار لأنهم أسسوا قيماً فكرية إلى جانب القيم الجمالية، وأبو نواس أسس قيم المدينة في مواجهة قيم البداوة، وهؤلاء جميعهم أذابوا الفكر في الشعر. والشعر اليومي يتضمن الحكمة أحياناً لكن من غير جمال. وعلى سبيل المثال:
الرأي قبل شجاعة الشجعانِ
هو أول وهي المحل الثاني
هذا البيت بلا رائحة أو نضارة، بينما يفوح الجمال في بيت للشاعر شريف العقيلي قاله عندما اشتاق إلى حبيبته:
مطرٌ يذوب الصحو منه وخلفه
صحوٌ يكاد من النضارة يمطرُ
بيروت التي وقفت نخبها المفكرة وكتّابها وشعراؤها عشر دقائق متواصلة وهي تصفق لأدونيس في مسرح المدينة قبل سنوات، لم يتورع بعض صحافييها عن الهجوم عليه في اليوم التالي مباشرة، إنها بيروت حقاً. وأدونيس الذي منح هذه العاصمة جانباً مهماً من ألقها وحيويتها الثقافية منذ أواخر خمسينيات القرن المنصرم فصاعداً، ما برح منذ نحو خمسين سنة، يمنح بيروت جانباً من التحفز الثقافي بعدما وصلت الكتابات فيها، ولا سيما الكتابات السياسية، إلى الحضيض من حيث الخفة والضحالة، فالجميع، إلا القليل، مشغول بالاحتراب المحلي على طريقة المختار ورئيس البلدية في الأرياف اللبنانية، أو بالتنافس على المحدلة والماعوص ومزراب العين والناطور. وأدونيس في حضوره المتألق ما برح الأكثر عمقاً حتى حين يكتب في السياسة، وكتاباته السياسية كاشفة حقاً لأنها تقيس ضحالة ما يكتبه الآخرون، تماماً مثل قامته الشعرية والفكرية والنقدية التي تقيس ضآلة كثيرين ممن تتلمذ عليه في حقبة غابرة، ثم راحوا يرمون العوسج في طريقه، وهيهات للعوسج أن يدمي قدميه.
السفير- 21-10-2014





حزن في ضوء القمر.. للشاعر محمد الماغوط




أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها
أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر
خذني إليها
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر
فأنا متشرّد وجريح
أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده
من أعماق النوم أستيقظ
لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم
لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر
قل لحبيبتي ليلى
ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين
أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها
انني ألمح آثار أقدام على قلبي .
دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه
وأنا راقدٌ في غرفتي
أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره
من قلب السماء العاليه
أسمع وجيب لحمك العاري .
عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا
ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح
تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ
ورياحُ البراري الموحشه
تنقلُ نواحنا
إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
نبكي ونرتجف
وخلف أقدامنا المعقوفه
تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...
وافترقنا
وفي عينيكِ الباردتين
تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله
أيتها العشيقةُ المتغضّنة
ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر
أنتِ لي
هذا الحنينُ لك يا حقوده !
. .
قبل الرحيل بلحظات
ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده
عن الليل والخريف والأمم المقهوره
وتحت شمس الظهيرة الصفراء
كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ
وأترك الدمعه
تبرق كالصباح كامرأة عاريه
فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه
وقربَ الغيوم الصامتة البعيده
كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره
تندفع في نهر من الشوك
وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه
تحدقُ بي
بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .
. .
يا نظراتِ الحزن الطويله
يا بقع الدم الصغيرة أفيقي
إنني أراكِ هنا
على البيارقِ المنكَّسه
وفي ثنياتِ الثياب الحريريه
وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام
تحت سمائك الصافيه
أمضي باكياً يا وطني
أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف
والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين
كامرأتين دافئتين
كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول
تحت أظافري العطريه
يقبعُ مجدك الطاعن في السن
في عيون الأطفال
تسري دقاتُ قلبك الخائر
لن تلتقي عيوننا بعد الآن
لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه
سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده
كالسحابةِ التي لا وطن لها .
. .
وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل
أيتها الشبابيكُ الارجوانيه
انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب
عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..
جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،
أودُّ أن أموتَ ملطخاً
وعيناي مليئتان بالدموع
لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر
فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه
في طفولتي ،
كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب
وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه
أما الآن
وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح
انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع
اشتهي جريمةً واسعه
وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،
إلى بلادٍِ بعيده ،
حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،
وفتاةٌ خلاسيه ،
تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .

محاوﻻت لترويض النمر ـ المقاله اﻷولى : للأستاذ الشاعر محمد نسيم ( صائد النصوص..قراءة في مجموعة : نمر يشرب النسكافيه لعلاء عبد الرحمن





محاوﻻت لترويض النمر ـ المقاله اﻷولى : للأستاذ الشاعر محمد نسيم ( صائد النصوص )
( قراءة في مجموعة : نمر يشرب النسكافيه )

*********************************************
(المحاولة الأولى ــ المفاتيح)
... ... ...
كان يمتهن الطب حينا
وحينا يحب البنات
ويفرش منديله فوق عشب الحديقة
يبني لهن قصورا..
من الكلمات
ولا يلحق الطائرة
في إحدى قصائد ديوانه (نمر يشرب النسكافيه)، وبهذه الكلمات، يكشف لنا الشاعر الدكتور علاء عبد الرحمن جزءا من شخصيته.
لا يحتاج القارئ إلى معرفةٍ شخصية بصاحب الديوان، لكي يعرف أنه طبيب، وأنه مغترب.
وأيضا لا يحتاج إلى كثير من التعمق في القراءة وإمعان النظر، لكي يعرف أن الشاعر من الشعراء (الشفافين)، الذين لا يؤمنون بالعبارة الشهيرة، التي تقول إن (أجمل الشعر أكذبه).
أضعتُ كثيرا من الوقت
في مدح من يأمنون إلى الواضحِ
وبالنسبة للشعراء (الشفافين)، فإن الحديث عن أشعارهم كثيرا ما يؤدي إلى الحديث عن شخصياتهم.. ولأن هذا يخالف قواعد النقد السليم وأهداف القراءة الواعية، فإن الحرص الشديد ينبغي أن يكون حاضرا عند الكتابة عن هذا الديوان.
وها نحن قد وقعنا في المحظور، حتى الآن، مرتين.. مرة عندما قلنا إن الشاعر طبيب، والأخرى عندما قلنا إنه مغترب.. ولكن، لا بأس، إذا كنا سنتخذ من هاتين المعلومتين مفتاحين للدخول إلى عالم الديوان.
مفتاح ثالث يقدمه النص، نستطيع أن نستخدمه أيضا، بالإضافة إلى المفتاحين السابقين.. يتمثل في كلمة سحرية محورية، تكررت كثيرا في قصائد الديوان، وسيطرت على الكثير من أجوائه.. وهي كلمة (عفريت).!!.
أنا عفريت القوافي
غير أني
كلما أدخل م الباب الأمامي لعينيك
تدحرجت
من الخلفي
عريانا..
وحافي..!
عموما، يستطيع القارئ، ببعض التأمل، أن يكتشف محورية هذه الكلمات الثلاث (الطبيب، والعفريت، والغريب)، بالنسبة لنصوص الديوان.
(1)
العديد من المصطلحات الطبية، وأسماء الأمراض، والحالات، والأدوية، والوصفات، والكتب التراثية الطبية.. فضلا عن أجواء المستشفيات وغرف العمليات.. كل هذا ينتشر بكثرة عبر أكثر من 16 قصيدة، من أصل 32 قصيدة يضمها الديوان.
وأكثر من 25 نصا يستطيع القارئ أن يجمعها، تدخل فيها الكلمات التي تنتمي للمعجم الطبي أو الأجواء الطبية.
بحيث إنه من الممكن عمل معجم طبي كامل، خاص بالديوان.. نستطيع، من خلال دراسة مفرداته فقط، في سياق النصوص التي وردت بها، أن نكوّن فكرة كاملة عن رؤية الشاعر لنفسه وللعالم كله.
أضعت كثيرا من الوقت
في مدح من يأمنون إلى الواضحِ
وما كنت أدرك أن النهار أصيب بداء الفيلاريا
وأن الشباب به يمَّحي
وأني أسير
ــ كما يقسمون ــ بنومي
إلى بارد المفردات
من الأحمر اللافحِ..
هكذا، وفي أول صفحة من صفحات الديوان، يطالع القارئ هذه الكلمات، ليعلم من بداية القراءة أنه في حاجة إلى تنشيط معلوماته الطبية، لكي يتمكن من فهم الشاعر.
صورة شعرية كاملة، يرسمها الشاعر مستخدما مصطلحات وتعبيرات، تتعلق بثلاث حالات مرضية (مرض الفيل، والشيخوخة، والسير أثناء النوم).
الكثير من الصور المبتكرة والمميزة يزخر بها الديوان، نظرا لتميزه بهذا المعجم الطبي الخاص.. كتلك التي نجدها في قصيدة بعنوان (باثولوجي) ــ والباثولوجي هو علم الأمراض.
حيث نجد الشاعر يعاني من (الاكتئاب الدواري)، منذ ثلاثين شهرا، بالإضافة إلى وضع قلبه في إناء زجاجي مليء بـ(الفورمالين) استعدادا لتشريحه، وقد شخص الأطباء حالته بأنه مصاب بالـ(كارديوميو باثي) ــ اعتلال عضلة القلب.. ولكن عندما تزوره حبيبته، يسترد القلب حياته، كاسرا البرطمان الزجاجي، راكلا عكازه، قافزا نحو يدي المحبوبة الزائرة.
فأهلا وسهلا..
بهذا النهار السعيد
الذي فيه قلبي المغطس بالفورمالين
لتشريحه
كان تشخيص من عالجوني
بأني مصاب بأعراض «كارديوميوباثي»
الذي لا شفاء له.. غير موتي
خاب ظن خبير علوم الخلايا
ومجهره
والحجج..
قال قلبي السعيد له قد نفذت بجلدي
وقد كسر البرطمان الزجاجي
يقفز نحو يديك
ويركل عكازه..
والعرج.
وإذا ذكرنا بعض المصطلحات الطبية التي وردت بالنصوص، مثل: (فسيولوجيا، ترامادول، بارانويا، فوبيا، سونار، فيروس، فورمالين، ملاريا، إكتوبلازم، كارديوميوباثي) وغيرها.. فإنه ينبغي أن نحسب للشاعر ــ بلا شك ــ قدرته على استخدام تلك الكلمات والمصطلحات بمنتهى السلاسة، في سياق الجمل الشعرية، دون أن يؤثر ذلك سلبًا على موسيقية النصوص، التي تمكن من الإتيان بها بشكل رائع.
غير أن الأجواء الطبية في القصائد لا تكتفي بما ذكرناه، ولكنها تسهم بما هو أكثر من ذلك، حيث تساعدنا في الاسترسال في فهم وقراءة النصوص.. عندما تمكننا من وضع أيدينا على مفتاح من أهم مفاتيح الديوان.
في قصيدة أخرى، مشبعة بتلك الأجواء، بعنوان (anasethia) ــ وهو مصطلح طبي يعني التخدير ــ يقدم لنا الشاعر صورًا رائعة، ومحورية، من داخل غرفة العمليات.
في القصيدة، نجد المريض، وقد دخل في هلاوس ذهنية وبصرية.
طاقم التمريض
في الركن
يشدون استشاريا ــ حليق الرأس ــ للبورنو
اخلعوني من سريري
قلت..
لم يسمع صراخي أحد
والمخرج انضم إلى المشهد
ألقى الكاميرا فوقي
أُجنُّ
هل يُجنُّ الميتون؟!
إلى أن يدرك المريض أخيرا أنه يحتضر، ويسجل لحظات موته بنفسه.
اندفعت دفقة دم من فمي
ــ ما تبقى من دمي ــ
فلتطمئنوا
خرجت روحي من نافذة
ساحبة محبوبتي
من شعرها
تاركة صلصالها
في جسدي
مستوطنا.
وهكذا، تضع تلك القصيدة أيدينا على الوجه الثاني من وجوه الشاعر الثلاثة.. حيث تقدمه لنا وقد تحول، عن طريق موته، وخروج روحه من جسده، إلى صورة (العفريت).!.
(2)
تتكرر كلمة (العفريت) في نصوص الديوان 6 مرات، بالإضافة إلى قصيدة من القصائد المحورية، تأتي بعنوان (العفريت الأزرق).
العديد، أيضا، من الكلمات المشابهة يمتلئ بها الديوان، مثل كلمة (الجن) وأشباهها.. مع امتلائه أيضا بالصور الخيالية المأخوذة من العوالم السحرية للجن والعفاريت.
تلك الكلمات لا تكتفي فقط بالتردد والتكرار عبر نصوص الديوان، ولكنها تصر على تقديم الشاعر في صورة سحرية عفريتية.
ويتخذ هذا العفريت صورا طوطمية مختلفة، فنراه مرة في صورة خفاش.
أنام
كما شاءت الجاذبية
رجلاي تلتصقان بسقفي
وعيناي مغمضتان
وقلبي يقظان
حتى: يصيد القوافي
ومرة أخرى، نراه في صورة سحرية على هيئة غراب.
مشيت إلى قاتلي
في المرايا
وكان ارتحل
فجلست على القبر ــ قبري ــ
كطير الغراب أنادي
وليس يجيب الطلل
وبمزيد من القراءة والتأمل، نستطيع أن نكتشف المزيد والمزيد عن طبيعة هذا العفريت.
الصفة الأولى من صفات هذا العفريت أنه ليس عفريتا من الجن، ولكنه ــ اتفاقا مع التراث الشعبي ــ عفريت إنسان ميت.!.
إنسان خرجت روحه من جسده ــ عنوة ــ وأصبح، فجأة، غريبا عن نفسه وعن العالم المحيط.. يهيم في هذا العالم متخذا صورًا وأشكالا مختلفة، غير أنه سرعان ما يعود إلى صورته العفريتية الأصلية.
بينما يقسمني لاثنين
ابناي..
وأمطار على بحر بلادي
أنبتت عشبا على قبري..
لينشق
وأرتدّ كعفريت
له في الليل.. عسَّة.!
أما الصفة الثانية من صفاته، فهو الشغب.!.
لا شك أننا أمام عفريت مشاغب جدا، يملأ أجواء الديوان بالكثير والكثير من العفرتة والشغب.. فيما يعتبر سمة أساسية من سمات الديوان نفسه.
العديد من الصور الشعرية تتميز بتلك السمة: العفرتة أو الشغب.. وكذلك صورة الشاعر نفسه، من بداية الديوان إلى نهايته.
قمت أرقص
مثل الهنود على النار
مبتهجا أن شِعري
به البرتقال الربيعيُّ
سربُ الكناريا
ونهر الشُّعل
أما الصفة الثالثة من صفات ذلك العفريت، فتظهر في علاقته بالعالم.. تلك العلاقة المضطربة، المتأرجحة بين الرغبة في الفكاك منه وعدم القدرة على التأقلم معه من ناحية، وبين الحنين الشديد إليه وإلى الاتحاد به من ناحية أخرى.
وهي علاقة متسقة تماما مع كونه عفريت إنسان ميت أو مقتول، خرجت روحه منه عنوة، رغم امتلائه بالرغبة في مواصلة الحياة.
وهو ما تتجلى بعض صوره في إحدى القصائد، التي يظهر فيها محاولا العودة إلى جسده مرة أخرى.
مشيت إلى جسدي مرتين:
مشيت له منذ عشرين عاما
وأغلقت كل الهواتفْ.....
وأمس، مشيت إلى جسدي غامضا
وتسلل وجهك
في شارع (النصر)
عبر زجاج (التويوتا) الذي كان منخفضا
قدر شبر
يتيح مرور العصافير من شفتيك
إلى طبلة الأذن
حين رأيتك تبتسمين لوجهي المناكفْ
تتضح هنا غربة هذا العفريت عن العالم، وحنينه إليه، وغربته عن جسده، ورغبته في الاتحاد به.
وهكذا، يأخذنا الشاعر (الطبيب/ العفريت) إلى الوجه الثالث من وجوهه الأساسية: (الغريب).!.
(3)
هناك عشرات الصور والألوان للغربة والاغتراب، تتردد وتنتشر عبر كل نصوص الديوان.
نستطيع أن نقول إنه إذا كانت لغة الديوان وأساليبه عفريتية، فإن قلب الديوان وروحه هي الغربة.. بحيث لا يوجد نص واحد ولا صورة شعرية واحدة، إلا ونستطيع أن نلمح فيها ملمحًا من تلك الروح.
وتلك الغربة ليست غربة سطحية، ولكنها أصيلة جدا، وقد كان الأمر واضحًا من البداية، وقد رآه الشاعر وعرفه وتنبأ به منذ ثلاثين عامًا وأكثر.
من ثلاثين عامًا
رأى أنه سيموت
بلا سبب واضحٍ
مُفردا
سيزور البلاد ــ جميعا ــ
ويتركها.. مُبعدا
مرة.. سارقا زوجة
مرة.. مشعلا ثورة
مرة.. حين أخر في الدفع فاتورة
مرة.. للتأنق فيما ارتدى..!
غير أن هذه الغربة أعمق من ذلك بكثير، فهي ليست مجرد التشرد بين البلاد، والبعد المكاني عن الأهل والوطن.. والديوان حافل بأسماء البلاد التي ينقلنا إليها الشاعر في جولاته وفتوحاته الشعرية: (ليبيا، سوريا، جدة، مانيلا، شرق آسيا، اليونان، الخليج، وغيرها).
من ألوان الغربة العميقة التي نستطيع ملاحظتها، في العديد من النصوص: الغربة النفسية أو الذاتية.. ربما يتضح ذلك اللون، بشكل ما، في الصورة الشعرية التي يحاول فيها المشي إلى جسده والاتحاد به.. وأيضا في قصيدة (مواطن صالح).
كان كالماء
لا لون.. لا طعم
لكنهم صنفوه بطائفة الخطرين
تعجب..
راجع سحنته في المرايا
فأبصر فيها البلاهة واضحة
قال: هم يفهمون..
لعلي أكون غدا.!
عموما، فإن هذا اللون من الغربة داخل ضمنًا في كل ألوان الغربة الأخرى التي نستطيع ملاحظتها في بقية النصوص.
ومنها، أيضا، الغربة الاجتماعية: (عن الأهل، والأصدقاء، والأم، والمحبوبة، وغيرهم).
سأنزل عبر المواسير
كي لا يرى الدائنون جيوبي
وحين أدق على الباب
ــ في آخر الليل ــ
لا تفتحي.
العديد من الصور يصب في هذا المعنى، فالطريق إلى حضن أمه محاصرة بالعساكر.. وبالرغم من أنه يضحك في وجوه العابرين، ويعرفه القهوجية والبلطجية والنساء الجميلات، إلا أنه محروم من المعاني الصافية والعميقة للحب والصداقة.
عاد من شارع في الخريطة
للبحر والأصدقاء
وطول الأظافر
واللحية المزهرة
رحلوا
واحدًا.. واحدًا
باتجاه الشماتة.. والثرثرة
وهو ظل يمد يديه
إلى الحلوة العابرة..!
ويتسع معنى الغربة ويتعمق، حتى نلاحظ ما يمكن أن نسميه بـ(الغربة الحضارية).
كُتبت قصائد هذا الديوان في الفترة بين عامي 2011 و2014.. وبالتوازي مع غربة الشاعر عن الوطن، وغربته الذاتية، جاء إحساسه بالعالم العربي، وبالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأزمته الحضارية التي يمر بها.
عن أجواء الثورات والحروب، والعصابات والميليشيات، والحكومات الفاسدة، والسلطات المستبدة، تأتينا العديد من النصوص والصور الشعرية الرافضة للواقع المأزوم.
وأيضا عن امتداد هذا الواقع في التاريخ العربي، تأتينا نصوص وصور شعرية رافضة لهذا التاريخ.. لتتعمق غربة الشاعر، وتتحول إلى غربة زمنية تاريخية ممتدة عبر الزمكان العربي، بكل ما يحمله من تاريخ وجغرافيا وحضارة.
فزُر حصة الماضي ترَ الكل راسبًا
وإن أخرسوا التاريخ، وقتك زاعقُ
شيوخ على ذبح الحسين توافقوا
إلى لحمه فوق الثريد تسابقوا
وقالوا هو الحَجَّاجُ تاب بحجةٍ
وهيهات.. ما تاب الشقيُّ السوابقُ
... ومن كان بستان الجماجم بيته
فلا الورد وهّاج.. ولا العطر صادقُ
وأخيرا، تزداد الغربة اتساعا وعمقًا، لتصل إلى أقصى مداها، فيما يمكن أن نسميه بـ(الغربة الكونية).. تلك التي تشمل الوجود الذاتي للإنسان، وعلاقته بالوجود الكوني اللانهائي.
الموت والحياة، والمصير والقدر، والزمن والتاريخ، والعالم، والكرة الأرضية كلها، هي المساحات التي يملأها هذا اللون من الغربة.
في قصيدة بعنوان (روليت) ــ لعبة القمار المعروفة ــ يرسم لنا الشاعر لوحة فنية كونية رائعة، تُعبر بشكل مُركّز جدا عن هذا اللون الكوني للغربة.
في تلك القصيدة، نجد الأرض نائمة في رقاد طويل، والجبال هي بيوت أحلامها، ثم نراها عجوزا متصابية، ذاهبة إلى الكوافير، وثيابها منشورة على الغيوم، والبحيرات أحذية مصقولة لأقدامها.. ونظل نتابع تلك اللوحة الفنية إلى آخرها، إلى أن نكتشف أنه: إذا كان الأمر كذلك،
إذن..
فلنتابع رهان الروليت
مع الموت
دون ارتعادٍ
وتجري..
كما شاءت الكرة الألعبانُ
على زيت أرقامها.
وهكذا، فإن الغربة تظل تتمدد وتتسع، عبر صفحات الديوان، حتى تصبح أكثر سماته عُمقا وأصالة.
والآن، وبعد أن وصلنا ــ فيما نعتقد ــ إلى المفتاح الأخير، والأكثر عُمقا، فإننا نستطيع ــ أخيرًا ــ أن نفتح هذا الديوان، لنبدأ في قراءته.
... ... ...
الجزء الثاني: أسرار العنوان
الجزء الثالث: الرموز والتنبؤات

رحيل الكاتب والمترجم محمد ابراهيم مبروك





كتب / محمد حميدة
توفى ظهر اليوم السبت الكاتب والمترجم محمد ابراهيم مبروك، بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي.
صدر له المجموعة القصصية الأولى والوحيدة الراحل «عطشى لماء البحر».
ترجم مبروك، اعمالا قصصية للعديد من كتاب امريكا اللاتينية، منهم "بورخيس.. لوجونيس.. إيزابيل الليندي.. خيرار دو ماريا.. إييارجنجوتيا.. أرتور.. أوسلار بيتري،نشرها في اصدارات المشروع القومي للترجمة كما نشر بعضها في سلسلة كتاب اليوم وسلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب والتي نشر فيها ـــ مجموعتين قصصيتين من أعمال الكاتبة المكسيكية «أمبارو دابيلا» هما «حين تقطَّعتْ الأوصال» و «أشجار متحجرة»

الجمعة، نوفمبر 07، 2014

ياسر الششتاوي يفوز بجائزة أفضل قصيدة عن البطالة

ياسر الششتاوي يفوز بجائزة أفضل قصيدة عن البطالة





فاز الشاعر ياسر الششتاوي بجائزة أفضل قصيدة عن البطالة من موقع دردشة ـ الجزيرة الخضراء ـ عن قصيدتة (البطالة تخنق ) وتعد هذه هي المرة الثانية التي يفوز بها الشاعر بجائزة من الموقع ذاته ، فقد سبق وفاز بالمركز الأول في المسابقة الشعرية التي أقامها الموقع عام 2011م
ويقول الشاعر في قصيدته الفائزة (البطالة تخنق)

لا تنتظرْ
لوظيفةٍ
أو مهنةٍ
تعلو على قدر القمرْ
ابدأْ بسيطًا
فالجبال من الحصى
والصبر مفتاح الظفرْ
نسج البدائل
واجبٌ
لهزيمة الأزمات
والإفلات من ناب الخطرْ
إن البطالة 
تخنق الإنسان
تجعله يحسُّ
بأنه دون البشرْ
طوّرْ يديكَ
لكي تلائم فرصة ً
في لقمةٍ
تشتاق لذتها
مصابيح المطرْ
طوّرْ خطاكَ
لخافق المسعى المضيء
لعيشةٍ
لحصاد شهد أمانها
لا تفتقرْ
أوقفْ خطى تفكيرك المنداح
خلف كآبةٍ
تدمي به
ا بعد النظرْ
إن لم تجد عملاً
يليق بما تريد
فلا تقمْ
في اليأس
إن قصوره
من لوعةٍ
لا من حجرْ
كنْ واثقًا
في ربك الرزاق
لا تؤمنْ
بما يحوي الضررْ
حاولْ
وحاولْ
فالأماني نيلها
يحتاج
ألا تحتمي
بعباءة الأعذار
أو كهف 

الذكورة سلطة تنكشف في مرآة الكتابة النسوية: الكتابة والمرأة !...حسن إغلان





‘الكتابة والمرأة’ أو ‘التشكيل والمرأة’ أو ‘الإبداع والمرأة’ عناوين تحيل إلى موضوعة واحدة، موضوعة الجندر التي ما فتئ نقاش يتنامى ويتزايد حولها، ليس فقط من حيث الإواليات التي يتأسس عليها ما يسمى ”بمقاربة النوع” بل في المضاعفات التي خلفتها في تاريخ الأدب والمؤسسة بشكل عام.
نحن هنا لا نود الانخراط في الجانب الأول ولا حتى متابعة تاريخ المؤسسة، بما يفيده هذا الأخير من ذكر النساء، في التاريخ الإنساني. وإنما الذي يهمنا هو التفكير في العنوان كأفق للمساءلة والتأمل. لنتأمل العنوان الأول المُنْبني على كلمتين وحرف الوصل. الكتابة / المرأة / والواو.
المرأة مرآة للذات. أو هو الآخر الذي يعكس صورة الأنا الكلمة تفيد ذلك، أي حين لا نضع الهمزة على الألف، فإن الكلمة حاضنة للتأويل والمعنى. إذن بأي صيغة تفيد الكلمة هذا القلب. صحيح أن المرآة تفضحنا، تعكس رؤيتنا إلى العالم.
الأنا متعدد وإن كان واحدا. بهذا المعنى نفهم حكاية الخلق كحكاية ما انفكت تحضر وتغيب في الذاكرة والأثر. ألم يقل القرآن ان ‘حواء’ خلقت من ضلع ادم، ليرى نفسه فيها. إن قصة الخلق تنزاح نحو خروج آدم وحواء من الجنة بفعل الغواية.
الغواية هي الوسيط الذي انحفر في الذات ليعلن عن استقلالية مفترضة. لكن من أي زاوية نظر نربط الحكاية بالمرآة؟ أو على الأقل كيف ننظر إلى الكتابة بكونها مرآة و امرأة؟ ألا يعني هذا السؤال مخاطرة تبتغي المغامرة. بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. هنا تكون الكتابة عريا لصاحبها أو لصاحبتها، ما دامت لعبة المرايا تحجب أكثر مما تظهر. إن اختلاف الجنس في الحدود الذي يمثله بين ذكر وأنثى، حدان متوازيان. إلا أنهما يلتقيان في جنس ثالث مغضوب عليه ومرفوض في المؤسسة القانونية والدينية والاجتماعية…إلخ أي لا هو بذكر أو بأنثى وإن كان هذا الأخير قد أثث المخيال السفلي في الثقافات الإنسانية، سواء عند الإغريق أو في الثقافة العربية الإسلامية (ألف ليلة وليلة، كتاب الأغاني وما تناقلته المأثورات العربية من داخل القصور وغير ذلك) إذن لنزل الطرف الممنوع من تفكيرنا الآن، ولنر ما تخفيه المرأة باعتبارها الآخر الذي يسكننا ولنقل باحتيال شديد أن الكتابة امرأة، ليس من حيث تاء التأنيث محددة لهما، وإنما من حيث هي مرآة تعريها معا، أو على الأقل، تعري الوسط الذي يفيد العلاقة، وهذا هو الأمر الذي نريد الاشتغال عليه كما لو كان هو البياض الموجود بين الكلمتين، بياض يحجب المعنى ولا يظهره أو لا ينكشف إلا حين اقترابه من اللامعنى.
ماذا تكتب المرأة؟ ماذا ترسم وماذا تبدع؟ سؤال يفترض الموضوع كعينة اختيارية تستلزم آليات التحليل والتركيب والنقد وما إلى ذلك. في حكاية قديمة تفرض على الشاعر الجاهلي الوقوف عند الأطلال، لكونها حاملة لأثر الحبيبة/ المرأة. كأن هذه العتبة هي ما تعطي للشاعر هويته. بمعنى أنه لا يقول الشعر إلا إذا وضع المرآة أمامه، ليرى الآخر الذي يسكنه، لكن إذا اعتبرنا المسألة قاعدة في المعلقات الشعرية العربية وحتى في الكتابات المعاصرة كما لو كان المكان الذي لم يؤنث لا يعول عليه بلغة ابن عربي، أو كأن الكتابة بدون امرأة لا يعول عليها.
يمكننا قلب الرؤيا بين امرأة كاتبة وآخرَها الذي يظهر ويختفي في المرآة. هنا يلزمنا جهد خاص يقوم بقراءة النصوص بتركيز شديد لمعرفة هل المرأة المبدعة تبدع بكيانها؟ أم أنها تتلبس السلطة الذكورية لإ يجاد المعنى. قد أقول بأن غالبية النساء يكتبن بطريقة تفيد الذكورة والسلطة والمعنى.
قد تكون الذكورة سلطة تنكشف في مرآة الكتابة النسوية، ربما لتاريخ التهميش الذي عاشته رغم أنها الأصل والأثر، فالمرأة هي التي خلقت في الأساطير القديمة الآلهة، بل هي التي أبدعت وخلقت الرسل والأنبياء في الديانات التوحيدية، إلا أنها بفعل سلطة الذكورة تحتجب بحجاب الغواية، هكذا تخبرنا قصص الأنبياء، مثلما يضعنا كتاب ألف ليلة وليلة في هذا التَّمَاس المروع بين شهرزاد وشهريار، وهي نفس اللعبة التي تستهوينا من فنون تبدعها. لننظر إلى الأمهات المغربيات وهن يخربشن في الهامش أعني؛ حين يكتبن على الجسد وشما مفتوحا على القراءة والتأويل، أي حين يخترقن سلطة اللاهوت وينزحن نحو غواية الآخر/الذكر. بالغواية أو حين يطرزن المناديل والزرابي وما إلى ذلك إنهن يكسرن المرايا ويقمن بتجميعها مرة أخرى. هذا النوع من الإبداع ، يظهر لنا مفعولات الرغبة في السلطة. سلطات متعددة تتجلى في أقصى درجات الهامش. لكننا اليوم أمام الكتابة كسلطة، كحاملة لرأسمال رمزي، توقعها امرأة. وتظهر عريها أمام الآخر الذي يعاكس ويتلبس بها مثلما تتلبسه. في لعبة، يكون الخداع استعارتها واللغة واللون والصورة والموسيقى… إيقاعاتها. توقعه ويقع فيها، كما الحجاب تماما. أليس الغطاء عراء. والعكس صحيح تماما كما تقول إحدى نساء ‘الرشيد’ في زمن ما.
إن لعبة التوقيع (توقيع النص) تحيل إلى إرادة القوة والمعنى، في أكثر الكتابات النسوية العربية، من هنا يكون الصراع بشكل خفي ويكون ‘الهو’ مرتعا له. أليس ‘الهو’ هوية مشتتة لهذه الكتابة. لنتوقف عند مفهوم الصراع ونبين أولا أنه ليس بالضرورة صراعا مع الذكر وإنما هو صراع مع بنيات ثقافية رمزية. تستعير القانون والدين والايديولوجيا لترسيخ هذا الذي نسميه صراعا مادام هذا الأخير يفيد الهيمنة والقمع والسلطة. مثلما يفيد الهامش والخضوع والدونية. صحيح أن العالم تغير… وتغيرت معه القوانين وأشكال الضغط مثلما تبدلت الرموز والعلامات وهي كلها تغيرات صورية أو هي بالأحرى ‘سيمولاكرات simulacres’ لأصل ما فتئ يحضر ويغيب، لقد أعلنت ‘سيمون دوبوفوار’ إبان ثورة طلبة باريس68، شعار التحرر من المؤسسة الذكورية، إلا أن هذا الشعار سرعان ما تلاشى في الفضاءات العامة وإن كانت الدولة الحديثة في أوروبا قد شرّعت للمناصفة والمساواة. إلا أن هذه التشريعات التي تعاقد عليها المجتمع لم تبلغ ما كانت تتضمنه البيانات النسوية لتلك المرحلة، بمعنى أنه لم يكن بالإمكان القطع النهائي مع الأصل. ليس الأصل هنا دينيا واجتماعيا، وإنما في حالة التصور البيوثقافي الذي يؤسس لذلك. المسألة تبتعد مما نريد التوكيد عليه أي مما تعلنه الاجتهادات التحليل- نفسية الجديدة، وكذلك مما تعلنه الاكتشافات البيولوجية الجديدة ‘New-biology’ في أمريكا وبعض دول أوروبا. وهي اكتشافات تخترق الأصل في اللحظة التي تؤزم النسخة وتخلخل كيانها البنيوي.
إلا أننا في العالم العربي والمغربي على الخصوص، تظل المرأة هامشا يرغب في النور والوضوح، وهي مسألة ليست بالسهلة في مجتمع يعود فيه الدين بقوة إلى فضاءاتنا العمومية ويعود فيه فقهاء الظلام لإعادة النساء إلى مكانهن المظلم في كل شيء وهي عوائق تعيق النساء عن الظهور.
هاهنا تظهر لنا القيمة المائزة للنساء اللاتي يبدعن ويبحثن عن صوتهن في مجتمع أصبح فيه الصوت عورة، إنهن مناضلات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قد يطول الحديث بنا لتفسير تضاعف هذه الرغبات في الكتابة والرسم والإبداع، ليس فقط في التركيز على ذلك الصراع الثاوي خلف ذلك النص التشكيلي أو الشعري أو الروائي أو… وإنما في حدود الانفلات الذي ترسمه المرأة لنفسها بين العتمة والنور، بين ‘الهو’ وسلطة الواقع ، بين الأب والرغبة في قتله رمزيا، إننا نعود إلى ذلك القلب الذي مارسناه على كلمة امرأة بحذف الهمزة على الألف، بمعنى أن النص الذي رسمته، كتبته، أو نحثته مرآتها. ما دامت المرآة لا تقول الحقيقة، وإنما تزعج… لهذا فالمرأة الكاتبة تناضل من أجل ترسيخ اسمها من كتابتها ولتكون هذه الأخيرة عيّارا لقوتها أوضعفها، في بعض الأحيان لا أميز بين كتابة وأخرى من خلال الجنس ولكن تثيرني الكتابة النسوية من داخلها، كما الوجع الذي يحيط بها مرة في الشهر أو في فضاءات أخرى، أليس ‘الفن- بهذا المعنى- رحلة إلى الآخر’ على حد تعبير غوته. 
* نص المداخلة التي شاركت بها في المهرجان الأخير لجمعية بصمات للفنون التشكيلية بمدينة سطات آخر شهر يونيو2013 


سبع عشرة قصيدة هايكو خورخي لويس بورخيس





سبعة عشرة قصيدة هايكو

1
الجبل والليل
قالا لي شيئاً
لم أعد أعيه.

2
الليل الشاسع
هو، الآن،
عطر واحد.

3
أوُجِد أم لم يوجد،
ذاك الحلم الذي أنساه
عندما يعود الفجر؟

4
أيتها الأوتار الخرساء،
إن الموسيقى تدري
بما أحس.

5
ليس لشجرات لوز الحديقة
أي فرح؛
لا شيء سوى ذكراك.


6
وبشكل غامض
هناك كتب، وررسوم غرافيكيّة،
ومفاتيح تتبعني كقدري.

7
منذ ذاك النهار
ما لامستُ قطعة
من رقعة الشطرنج.

8
في الصحراء
يصّاعد نور الفجر.
رجل ما يدري بذلك.

9
السيف الذي لاهدف له
يحلم بالمعارك،
أما حلمي فشئ آخر.

10
مات هذا الرجل؛
لحيته لا تدري بذلك؛
أظافره تواصل نموّها.

11
ها هي اليد
التي تداعب، أحياناً،
شعرك.
12
تحت السقف،
لا تحاكي المرآة
سوى القمر.

13
تحت القمر
هذا الظلّ الذي يتمدد
وحيداً.

14
ضوء خفيف ينطفئ.
أهي ممالك تنطفئ،
أم يرقة؟

15
إنه الهلال.
هي أيضا تتملاّه
من الباب الآخر.

16
أيتها التي في البعيد،
أيدري العندليب
أنّه يسلّيك؟

17
اليد القديمة
ما زالت تخط بيت الشعر نفسه،
حدّ النسيان.