الجمعة، مارس 11، 2011

اليوم السابع / روايات مصرية ترصد ممارسات أمن الدولة ضد المصريين



كتبت سارة عبد المحسن


أرخ مجموعة من الروائيين والكتاب لبعض الوقائع التى يمارسها رجال أمن الدولة ضد المواطن المصرى فمنهم من كتب وقائعه بناءً عن تجربة عاشها ومنهم من كان خياله واسع وحاول أن يتخيل بعض ما قد يحدث داخل هذا الجهاز القمعى ولو عدنا بالتاريخ للوراء وقرأنا روايات كبار الأدباء والكتاب سنجد أن وصفهم قد يكون أقل بكثير مما وصل إليه هذا الجهاز من وسائل قمع وتنكيل وتعذيب وأهوالا فى حق المصريين قد لا تخطر على قلب بشر.

وممن تناولوا هذا الجهاز فى أعمالهم الأدبية كان الكاتب جمال الغيطانى فى روايته "الزينى بركات" وصنع الله إبراهيم فى رواية "شرف" والأديب العالمى نجيب محفوظ فى رواية "الكرنك" وعلاء الأسوانى "شيكاغو" ورواية "عضو عامل" لماهر عبد الرحمن وأخرها رواية "لا ..يا شيخ" لسعيد حبيب.

تعد رواية "الزينى بركات لجمال الغيطانى من الروايات العربية البارزة التى عالجت ظاهرة القمع وبينت مظاهرها المرعبة فى الحياة العربية، فقد وضح لنا الغيطانى فى روايته كيف كان يمارس هذا الجهاز القمعى أقسى أشكال العنف والرعب والقهر فى السجن المعاصر ليجد صورة مرعبة لكبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضى ووالى الحسبة الزينى بركات ويكفى أن نقرأ عن تعذيب التاجر على أبى الجود وتدرج الزينى فى التفنن بتعذيبه، والأدهى من ذلك أن وسيلة إرغامه على الإقرار كانت بتعذيب الفلاحين أمامه عذاباً منكراً بغية إخافته وترويعه، على مدى سبعة أيام منها تعذيب فلاح أمام عينيه: "أظهروا حدوتين محميتين لونهما أحمر لشدة سخونتهما، بدأ يدقهما فى كعب الفلاح المذعور، نفذ صراخ الفلاح إلى ضلوع على، وكلما حاول إغلاق عينه يصفعه عثمان بقطعة جلد على قفاه".

وفى اليوم الرابع والخامس ذبح ثلاثة من الفلاحين المنسيين، أسندت رقابهم إلى صدر على بن أبى الجود.
يمكن القول أن الغيطانى قد أنجز رواية تاريخية تثير الحاضر، كما ترهّن الماضى وهو بذلك يعيد ترتيب السلسلة التاريخية أو الاجتماعية، والثقافية، عبر المأساة الوجودية للراهن العربى، وطقوس القمع الشمولية التى يخضع لها المواطنين.
بينما جاءت رواية "شرف" للروائى صنع الله إبراهيم لتوضح لنا تجربة أخرى فى التعامل مع جهاز أمن الدولة.
ويروى لنا "شرف" وهو بطل الرواية قصة كيف تعرض لتعذيب لم يستطع تحمله واعترف بجريمة لم يقترفها بقصد وعمد، وإنما دفاعا عن كينونته وشرفه الذى لم يهدر إلا بعد أن دخل السجن فى جريمة دفاعه عن قيمه وأخلاقه.
ودون شرف الصور الخفية بدقة متناهية ما وراء القضبان من عوالم سريتها الغامقة ليبوح بالفجيعة المريرة المفتقدة على الرغم من أنها مازالت قائمة تثقل كاهل الإنسان وتقيده بجملة مفاهيم بالية مسماة فى السر، وفى العلن "مساومات من أجل العبور".
كما ألقى الضوء على الفساد الإدارى المتراكم فى كل مرفق من مرافق الحياة، بالرشوة التى تصل إلى القضاء بواسطة محامين متمرسين.فثمة فساد إدارى مقيت فى أرفع مراكز الدولة التى تتسلم رشاوى لتمرير الأدوية والأغذية الفاسدة، صفقات غايتها المال، مخلفة وراءها تخريبا متعمدا فى الإنسان، وبنيته لأجل أن تتقلص إنسانيته.
كما ترصد الرواية العالم المحجوب المغيب تحت اسم القانون، حيث تنتشر فى تلك الأقبية أوراما سرطانية أكثر شراسة وفتكا بالمجتمع، حيث لا ممنوع أو محجوب داخله بل تخله كل الموبقات، والآفات الاجتماعية وتنتشر فيه جميع أنواع المخدرات المحلية والمستوردة، تحت بصر الرقيب، وهو المستفيد الأكيد من كل هذا فالحارس هو الذى يهرب إلى عمق السجن الأفيون، الهيروين، الحبوب المخدرة، وكل شىء حيث هناك شراكة متعاقبة، وشبكة منظمة هدفها الكسب المادى، وتخريب أغلى المثل فى الإنسان، الظلام الداجى يعرف كل حاضرة تجرى إضافة إلى الأنباء المحلية وخلفياتها.
فمن داخل السجن يطل (شرف) على العالم بكل ما فيه، ويرى ما لم يستطع رؤيته يتابع أدق الأخبار وأشنع الأفعال، وعلى الرغم من إقصائه البعيد يعرف تمسكه بحقوقه التى تنص عليها مصلحة السجون، وهى قطعتان من اللحم الأحمر لا الجلد، فى اليوم لا فى الأسبوع ويكشف الاستغلال الشنيع للمسجونين كأيدي، مهدورة الجهد، لصالح السجان هناك مساجين آخرون يعملون فى حظيرة مواشى يملكها، بها خرفان، وبط، ودجاج. والمفروض أن يتقاضى الواحد منهم ثلاثة جنيهات من المأمور نفسه طبقا للوائح لكنهم لا يحصلون على شيء كل هذا وأكثر ترويه الرواية.
ورواية الكرنك تتحدث عن الفترة مابين حربين حرب النكسة و حرب التحرير، وما بينهما فضيحة فساد المخابرات المصرية وما نتج عنها من الاتهامات التى تلقى جزافا، ونصيب متلقيها من التعذيب وخاصة الشباب.
ويتعرض الشبان أبطال الرواية إلى اعتقال عدت مرات بتهم مختلفة من انضمام لجماعة الإخوان المسلمين، إلى الشيوعية، ثم يكتشف أن الاعتقال تم على أساس خاطئ فيُطلق سراحهم، ويتعرفون خلال الاعتقال على خالد صفوان رئيس المخابرات والذى يبدع فى أنواع العذابات المرة، فى إجبار المعتقل على الاعتراف يمارس كافة الوسائل، من جلد، والعزل الانفرادى، وحتى اغتصاب الفتيات كما حدث مع زينب، تنتهى الاعتقالات بتجنيد زينب وإسماعيل كمخبرين للمخابرات، وتنتهى القصة باعتقال أخير لإسماعيل و حلمى، يموت فيه حلمى جراء التعذيب.
كما يكشف لنا سعيد حبيب فى روايته الأولى "لا يا شيخ" صورًا ومشاهد من واقع الصراع الأمنى فى المجتمع المصرى، فى لغة سهلة بسيطة، لكنها مرسومة بدقة وعناية.
وقانون الطوارئ وظاهرة الاعتقال المتكرر، والمادة الثالثة من قانون الطوارئ والتى تجيز لها اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام. وتعمل السلطات الأمنية على إعادة اعتقالهم بموجب قرارات إدارية جديدة بمجرد حصولهم على أحكام نهائية بالإفراج عنهم من ناحية أخرى.
وهذا جزء من الرواية الذى يوضح لنا كيف يتعامل جهاز أمن الدولة مع من يتم اعتقالهم تبعا لقانون الطوارئ.
"تتمنى لو كنت تاجر مخدرات أو حتى قاتل أو متهم فى قضية قلب نظام الحكم؛ على الأقل كنت ستعرف التهمة الموجهة إليك والعقوبة التى تنتظرك..
تتذكر المرة التى قلت فيها لحمدى بك:
- سيادتك أنا دكتور.. مش مسجون جنائى.. أنا مسجون سياسى وليا حقوقى.
أجاب بشراسة بدائية:
دا عند أمك، يا روح أمك.. أنت هنا مش داخل بتصريح ومحدش يعرف عنك حاجة يعنى ممكن أموتك دلوقتى عادى.. لأنك مش عندى ومحدش حيسألنى عنك وعلشان تصدق أنا حاحكيلك القصة فى حاجه اسمها الاعتقال المتكرر يعنى إيه بقى؟
يعنى المادة الثالثة من قانون الطوارئ تجيز اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام وأنا ممكن أقول أنك خطر على الأمن والنظام العام بمزاج أمى.
المهم حضرتك بعد ما باعتقلك حتتظلم وبعد ما تتظلم حاطلع قرار جديد من وزارة الداخلية بتاريخ لاحق لتاريخ الإفراج عنك.. وممكن القرارات دى تطلع لمدة عشرين سنة عادي.. بمزاجي.. وعلشان إحنا كويسين وقلبنا رهيف ساعتها حنبلغ أهلك علشان يجولك زيارات وحنقعدك مع بقية المساجين وحتعيش حياتك بقى فى السجن كأنه بيتك.. أتمنى تكون فهمت؟
ترتبك لأن كلامه منطقى فأنت بلا تهمة.. أنت معتقل بموجب قانون الطوارئ.

ليست هناك تعليقات: