الاثنين، ديسمبر 12، 2011

قصائدي باللغة العربية كعلاقة حب جديدة‎ : للشاعر الدنامركي نيلس هاو




إصطياد السحالي في الظلام

خلال المجازر
نتمشى على طول البحيرات غافلين.
تحدثت أنت عن سيمونسكي,
و راقبتُ أنا غراب القيظ
يلتقط فضلات الكلب.
كل واحد منا منغمس في نفسه
مطوقٌ بقوقعة جهلٍ
تقِي أهوائنا.

يؤمن الهيوليون**
أن فراشة في جبال الهيمالايا
بخفقةٍ من جناحها
بوسعها التأثير على الطقس في القطب الجنوبي.
قد يكون هذا صحيحاً.
ولكن
حيث الدبابات تزحف
والأشلاء والدماء
تتقاطر من الأشجار
فليس ثمة ما يتأثر.

البحث عن الحقيقة
كاصطياد السحالي في الظلام.
العنب من جنوب أفريقيا,
الأرز من باكستان,
البلح ينمو في إيران.
نحن مع فكرة الحدود المفتوحة
من أجل الفواكه والخضروات,
لكننا مهما نلف وندور
فالمؤخرة تظل في الخلف.

الموتي يدفنون عميقاً في طيَّات الصحف,
لهذا,دون أن نتأثر,
بوسعنا الجلوس
على مقعد في ضواحي الفردوس
حالمين بالفراشات.




نساء كوبنهاغن


ها أنا أقع في الحبّ من جديد
خمس مرّات مع خمس نساء مختلفات
وأنا في طريقي بالباص رقم 40
الذاهب من جادّة "نيال" الى ضاحية "أوستربغو".
كيف يتسنّى للمرء أن يسيطر على نفسه في ظروف كهذه؟
كانت إحداهن ترتدي معطف فروٍ، والأخرى جزمة مطّاطٍ حمراء.
الأولى تطالع صحيفة شعبيّة، الأخرى كانت تقرأ "هايدجر".
والشوارع غارقة بالمطر.
عند جادّة "آما" صعدت أميرة مبتلّة بالأمطار،
كانت متّقدة وجامحة، فوقعتُ في غرامها كلّياً
لكنّها ترجّلت عند ميدان البوليس وحلّت مكانها
ملكتان بحجابين كاللّهيب،
ظلّتا تتحدّثان بصخب مع بعضهما بالباكستانيّة
طوال الطريق المفضي الى مستشفى البلديّة،
فيما كان الباص يغلي شِعراً.
كانتا أختين بذات الجمال،
لذا ضاع قلبي بينهما
فخطّطت فوراً لحياة جديدة
في قرية قرب "راوالبندي"،
حيث الأطفال يكبرون
في رائحة الكركدية،
فيما أمّهاتهم اليائسات يغنّين أغاني تقطع القلب
عند حلول الغسق
الذي يغطي سهول باكستان اللا متناهية.
لكنهما لم ترياني!
وتلك التي في معطف الفرو بكت خلف قفّازيها
حين ترجّلت في جادّة "فاريماج".
الفتاة التي كانت تقرأ "هايدجر" أطبقت كتابها فجأة
وتطلّعت نحوي مباشرة بابتسامةِ إزدراء،
وكأنّها لمحت نكرةً ما
في ذروة إنحطاطه. وهكذا انفطر قلبي
للمرّة الخامسة حين نهضتْ وغادرت الباص
مع بقية الأخريات.
يالقساوة الحياة!
واصلت مشواري موقفي باص قبل أن أستسلم.
وهكذا تنتهي الأمور دائماً: أقف وحيداً على جانب الرصيف،
أدخّن سيجارةً، منتشياً وتعيساً قليل





زيارة من أبي


جاء والدي المتوفى في زيارة
وجلس على كرسيه ثانية، الكرسي الذي حصلت عليه.
"حسناً، يا نيلس!"، قال.
كان أسمر وقوياً، شعره يتلألأ مثل طلاء أسود.
كان سابقاً ينقل شواهد قبور الآخرين هنا وهناك بقضيب فولاذي وعربة يد، كنت أساعده.
وهو الآن ينقل شاهدته الخاصة
بنفسه. "كيف حالك؟"، قال لي.
أخبرته بكل شيء، مشاريعي، جميع محاولاتي الفاشلة.
على لوحة الإعلانات ثمة سبع عشرة فاتورة معلّقة.
إرمها بعيداً، ستعود إليك مجدداً بالتأكيد!"، قالها مبتسماً.
"لسنين عديدة كنت شديداً على نفسي"،
قال مسترسلاً، "أضطجع يقظان وأتفكر
كيف أكون إنساناً لائقاً،
فذلك أمر مهم!".
قدمت له سيجارة،
لكنه كان قد أقلع عن التدخين الآن.
الشمس في الخارج تشعل النار في جميع السقوف والمداخن،
جامعو القمامة يصخبون ويصيحون على بعضهم
في الجادة تحت. نهض أبي من مكانه
ومضى نحو النافذة وحدّق إليهم في الأسفل.
"إنهم مشغولون"، قال أبي، "هكذا ينبغي أن تكون،
إفعل شيئاً!".




الحبّ يُعمي


الحبّ يُعمي - وفي كل يوم، حين يمرّ الأعمى من هنا
وهو يدرج بعصاه
تتوقف حركة المواصلات كلياً ربع ثانية
فيما ملائكة الرب تصعد وتهبط
وطبيب العيون يغلق عيادته
الحب يُعمي
لكن الجنس لا يضير: بصري لا عيب فيه
يمكنني رؤية كل شيء
لهذا السبب قصائدي الغرامية فاشلة جداً
بعينين مغلقتين أهمس في التلفون
وعند المحطة يقف الأعمى
مثل رسول إنجيليِّ
ويدندن تحت المطر:
معاق من الحب
العشاق الجدد يقبلون أنامل بعضهم
أعرف ذلك جيداً».




يجب عليك أن تقوله بنفسك


ذلك،
الذي لا يقول شيئاً
يتخيل
أن الصمت الذي يحيط بصمته
يقول كل شيء
ولكن هذا الصمت يتحدث بصوته
هذه هي المشكلة
الأهم هو ما يحدث داخل منطقة الصمت
ولكن لا أحد يستطيع التحكم بهذا
هناك ملائكة و.. تتحدث في الجوقة
إذا أردت شيئاً قالت
يجب عليك أن تقوله بنفسك





الرُّوحُ ترقصُ في مهدها


إذا صَحَّ أنَّ الرُّوحَ تُولَدُ عَجوزًا
وتَغدو، مع مَرِّ الحياة، أكثرَ شبابًا
فأنا وأنتِ أكبرُ، وأصغرُ،
واحدُنا من الآخَر؛
ومِثلُ هذا الاندِماج خَطِر.

لِنَكُنْ صادِقَيْن:

نحن نعيشُ، كلَّ يومٍ، مع القَدَر،
كما أولئك الَّذين يَعيشون في الدِّلتا،
مع المَدِّ والجَزر:
إنَّهم يَتآخَوْن مع القمر؛
ونحن نَعيشُ فيه.

القلبُ يَنبُضُ في حُرِّيَّة،
والرُّوحُ تَرقُصُ في مَهدها.


نقلا عن / مجله النرد
الكتاب: حين يصيرُ أعمى
الكاتب: نيلس هاو
orders@asp.com.lb الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
تقديم: فاضل العزاوي

يلامس "نيلس هاو" في هذا العمل " بقصائده العتمة والضوء بعفوية الشعر نفسه. فجاءت القصيدة عنده شيفرة وتجربة ولغة لها شكل مكاني وزماني تحمل في مقارباتها شيئاً من السرية، تمارس فعلها لحظة القراءة ولحظة التفسير. هي قصائد تنتمي إلى تجارب شاعرنا في هذه الحياة، ودائماً من منظور إنساني
نيلس هاو ــ شاعر من الدنمارك

الأحد، ديسمبر 11، 2011

جريدة المشهد :- فارس خضر يتقدم باستقالته من اتحاد "الراوى" وننفرد بنشر نص الاستقالة

نقلا عن : جريدة المشهد / فارس خضر يتقدم باستقالته من اتحاد "الراوى" وننفرد بنشر نص الاستقالة
11-12-2011 | 16:46
المشهد

القاهرة - مدحت صفوت


تقدم الشاعر فارس خضر، باستقالته من مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، اعتراضا على التدخل "الفج" من قبل أمين صندوق اتحاد الكتاب في تحرير جريدة الكاتب التي يصدرها الاتحاد.


وتنفرد "المشهد" بنشر نص الاستقالة التي قدمها خضر إلى الكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب.


نص الاستقالة


أتقدم إليكم باستقالتى من اللجنة الإعلامية، اعتراضًا على التدخل الفج فى عملى من جانب السيد أمين الصندوق، إذ طلب سيادته أن "أركن" العدد الثانى من جريدة الكاتب بعد أن كنت انتهيت تقريبا من إعداده، وأبدأ من جديد فى تجهيز عدد خاص عن الثورة.. فضلًا عن تهديده بايقاف إصدار الجريدة. وقد وصلنى هذا التهديد عبر السيد "أحمد عنتر مصطفى" مما يعد إهانة لى واستهانة وتحقيرًا لجهدى وعملى قبل أن يكون تجاوزا لهذا المجلس الموقر.


ورغم سعادتى بالحماسة الثورية التى بدت أعراضها واضحة حتى على فلول حزب البعث، الزاعقين بمحبة نظام بشار الأسد داخل أروقة هذا الاتحاد، رغم هذه السعادة فإننى أدعوكم لمراجعة هذه الإدارة المنفردة للاتحاد، والتى آلت للسيد "صلاح الراوى" بعد تخلى أعضاء هيئة المكتب عن مسؤولياتهم.


وقد صرحت فى جلسة سابقة بأن هذه الهيئة لا ترغب فى اصدار جريدة محترمة عن الاتحاد، ربما لأنها لا تخدم مصالحها المباشرة، أو لأسباب أخرى هم أعلم بها منى، وكان أن أصدرت عددين وأنا جالس ببدروم الاتحاد فى حجرة المكتبة التى لا تتجاوز مساحتها عشرة أمتار وإلى جوارى ثمانية أفراد يدخنون بشراهة، فى الوقت الذى يجلس السيد أمين الصندوق بمكتبه المجهز، ويحتجز لنفسه أيضا الحجرة المواجهة للمسرح، رافضا أن يوفر لنا أبسط الامكانيات، اللهم إلا بعض الكلمات الطيبة الودودة فى أجواء خالية من الطيبة والود، خلقتها هذه الإدارة وتحالفاتها.


وكنت عقب الاعلان عن استقالتى ومطالبتى باعادة تشكيل هيئة المكتب قد تعرضت لحملة مكثفة لتشويه السمعة، كتلك الحملات التى كان جهاز أمن الدولة يقوم بها


لتصفية الخصوم، كالطعن فى الدرجة الثورية ـ على اعتبار أن ثوريتى ناقصة شوية ملح ـ أو الادعاء بأنه ليس لدى وقت أو أننى أفلست ولم يعد لدى ما أقدمه، أو أننى تحالفت مع خصوم سابقين.. وغيرها من الترهات والمزايدات الرخيصة التى لا تستحق عناء الرد عليها، وغيرها من تلك الحارات الضيقة التى اتجاوزها الآن لكى أدعوكم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه:


أولا: إعادة تشكيل هيئة المكتب.


وأنتم تعلمون تفاصيل الصفقة التى تشكلت بموجبها هيئة المكتب، وما بنى على باطل يظل باطلا.


ثانيا: الإدارة المؤسسية للاتحاد.


إن هذه الإدارة الشخصية لحفنة قليلة من أعضاء المجلس هى سر احتفاظ بعض الأعضاء بعضوياتهم لعشرات السنين، ذلك لأن أعضاء الجمعية العمومية يحصلون على حقوقهم لا بوصفها حقوقا مكتسبة، بل هبات وخدمات يقدمها هذا البعض للآخرين.


ثالثا: صياغة دور جديد للاتحاد.


لم يعد لائقا أن يؤدى الاتحاد دوره كقصر ثقافة من الدرجة الثالثة، بل علينا التوقف الفورى عن كل الأنشطة والمؤتمرات الكرتونية، والبدء فى صياغة الدور الجديد، ولكن ليس على طريقة الوثيقة الكحيانة التى صدرت من قبل.



وفاة الكاتب الكبير أحمد بهجت عن عمر يناهز 79 عاما

 بوابة الاهرام
 
توفي الكاتب الكبير أحمد بهجت، عن عمر يناهز (79 عاماً) اليوم، بعد صراع طويل مع المرض. ولد أحمد شفيق بهجت في 15 نوفمبر 1932 بالقاهرة، وحصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة وهو متزوج وله ابنان.

وقد عمل الراحل صحفيًا بجريدة أخبار اليوم عام 1955، ومجلة صباح الخير 1957،


قبل أن ينتقل إلى جريدة الأهرام عام 1958، التي ظل يكتب بها حتى وافته المنية،كما عمل رئيسا لمجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون عام 1976، وهو نائب رئيس التحرير للشئون الفنية بجريدة الأهرام منذ 1982، ويكتب عموده اليومي "صندوق الدنيا".


وله أكثر من عشرين مؤلفاً دينياً وأدبياً، منها أنبياء الله، بحار الحب عند الصوفية، مذكرات صائم، مذكرات زوج، أحسن القصص، الطريق إلى الله، قميص يوسف، وغيرها، وطبع من كتابه "أنبياء الله" 36 طبعة عن دار الشروق.


وله برنامج إذاعي بعنوان "كلمتين وبس" كان يذاع علي البرنامج العام من القاهرة.

قصيدة ..............النونو..... و عجز الشياطين ..... للشاعرة / رشا فؤاد



            النونو... و عجز الشياطين 

شجر التوب جواك ياملاك
ليه ع البنى أدم صبار
و لا فيش ضله تمشى عليه
ترويه ع الأرض
الشايفه علينا
شقوق مرسومه
جدار ف جدار
المطره يادوبك
سمعت همسة .... ريقه النشفان
نزلت بتحن لحضن الخضره
و ناس بتموت م الضحك

ضحك

ضحك قليل البخت
بيلعب دور كوتشينه
يفرق ..... راح الواد هربان
ما عرفش يقش
ف كلم نفسه
ارقام ف ارقام
علشام يكسب
طلع الخسران
قام ساب الدور
الراسم كل كروته ب غش
و نده لسماه الصافيه
براءة دنيا زمان
طلع الأول

الأول مين

الأول بنى أاااادم تانى
مالهوش ف العش.....
قام ناده كل اصحابه النونو
ف لفه حنان
و بيكبر حبه ب حبه مع المراجيح
ف يخاف زهقان
بيوشوش لسا علاء الدين
علشان يصغر......
يتمنى عليه دنيا الأطفال
أحسن مايموت بحالات العجز
حساب ف شيوخ هزيان !!!

شيوخ هزيان

شيوخ هزيان الماضى
لسا بتحلم ع المستقبل روح
قادر تتخيل إنك ممكن
تبقى ضريح الروح
من فتوى غريبه يادوب
مالهااااااش .....على
أرض الرحله جذور
و النبت شيطانى
عشان ف الأصل جبان
قادر تتنصل م الهذيان
و لا .....ياعينى عليييييك
ملبوس بالجاااااان
على ضحكه قديمه
بريق نشفان....
مالقتش صباح الخير
جواها ملايكه بجد
ف بتطرح ليك الإختيارات
ياتعيش نونو جواك انسان
ياتموت بحالات العجز شيطان !!!!

بينهم الراحل عبدالعزيز الدوري .. مؤسسة سلطان بن علي العويس تعلن أسماء الفائزين بجائزتها






بينهم الراحل عبدالعزيز الدوري .. مؤسسة سلطان بن علي العويس تعلن أسماء الفائزين بجائزتها

الاحد, 2011.12.11 (GMT+3)

وكالة أنباء الشعر – الإمارات

أعلنت الأمانة العامة لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية أسماء الفائزين في دورتها الثانية عشرة (2010/2011)، وبحسب البيان الصادر عن الجائزة فقد فاز بجائزة الشعر الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين، وفازت بجائزة القصة والرواية والمسرحية الروائية المصرية رضوى عاشور، وفاز بجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية المؤرخ العراقي الراحل الدكتور عبد العزيز الدوري، وفاز بجائزة الدراسات الأدبية والنقدية الناقد الفلسطينى الدكتور فيصل دراج.


وقال أمين عام المؤسسة سعادة عبد الحميد أحمد في مؤتمر صحفي عُقد صباح اليوم الأحد 11 ديسمبر 2011 أنه "سيتم لاحقًا الإعلان عن جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي بعد أن ينتهي مجلس الأمناء من اختيار الفائز بها حيث لا تخضع هذه الجائزة للتحكيم مثل باقي الجوائز الأخرى".


وأوضح الأمين العام أن عدد المرشحين في حقل الشعر بلغ 218 مرشحاً، وفى حقل القصة والرواية والمسرحيـة 271 مرشحاً، وفى حقل الدراسـات الأدبية والنقـد 220 مرشحاً، وفى حقل الدراسات الإنسانيـة والمستقبلية 366 مرشحاً، وفى حقل الإنجــاز الثقافي والعلمي 162 مرشحاً، وبذلك يكون مجمل المتقدين لنيل الجائزة لهذه الدورة (1237 مرشحاً).


وأضاف الأمين العام أن تجربه الشاعر محمد علي شمس الدين تجربة عربية أصيلة منفتحة على العالم ومتجددة ويتآزر فنياً مفهوم اللغة المتطورة والتصوير الشعري المبتكر.


وعن رضوى عاشور قال عبد الحميد أحمد إنها تكتب بأساليب سردية متنوعة وتعي هويتها الأصيلة إسلاميا وعربيا وتحتوى رواياتها على لحظات متداخلة بين الأمس واليوم وهي تستحق الجائزة لما أحدثته من منعطف واضح في الرواية العربية.


وعن الفائز الراحل عبد العزيز الدوري قال عبد الحميد أحمد لقد قدم إنتاجا علمياً متميزاً وأسس مدرسة في علم التاريخ تقوم على الرؤية المنهجية الشاملة عبر دراسة كل حقبة بجميع معارفها الاقتصادية والثقافية والفكرية وهو يستحق جائزته رغم رحيله عن عالمنا في 19 نوفمبر 2010.


وعن الفائز فيصل دراج اختتم الأمين العام مؤتمره قائلاً استطاع فيصل دراج أن يضع لنفسه منهجاً نقدياً متميزاً خاصة في نقد الرواية العربية وامتاز خطابه النقدي بدقه المصطلح ووضوح الرؤية متجاوزاً النقد الأدبي إلى النقد الثقافي العام.

بقدم واحدة ........قصيدة ل/ صبري رضوان


             بقدم واحدة ....


ماذا كان بوسعي ان افعل ؟

وهذا الذباب التافه يحوط غرفتي

كلما اصنع كوب شاي

يساقط بقدم واحدة

هل كان من الادعي ان اعطيه الفرصة كي يحتل مطبخي ؟

واغمس قدمه الاخري بشئ من الراديكالية

ام اهشه من طريقي باللعنة المستديمة

هو يعرف انه ذباب

يعرف انه يحط دائما علي عرق الكائنات

وفي غيبوبة ربات البيوت

لكنه هذه المرة يفكر جديا في الترشح للرقي

ليكون مثلا طائرا مغردا

او صقرا يقود الاسراب الي غية هادئة

.......................

....... من الواضح

ان احدا لن يلتفت بجدية الي الملامح الحقيقية

كلما ازدادت مساحيق التجميل

كلما انبهروا بالجراد

الذي لن يتواني للحظة

عن سحق الندي

بعد ختام الصلاة مباشرة
                                    3 يوليو، 2011

السبت، ديسمبر 10، 2011

الاديب محمد علام يكتب :- توجيه الثقافة هو دستور الأحزاب الدينية لاستمرار شرعيتها










توجيه الثقافة هو دستور الأحزاب الدينية لاستمرار شرعيتها

بقلم الاديب محمد علام

في عام 1919 كان المصريون جميعاً على قلب رجل واحد يهتفون للثورة ضد المحتل الانجليزي وكان شيوخ الأزهر مع رجال الكنيسة من أهم الدعاة للثورة والمحرضين عليها . بإستثناء رجل واحد لم يكن لحسن الحظ مشهوراً وقتها ولم يكن لحسن الحظ يملك من النفوذ والتأثير أثناء حياته بنفس التأثير بعد وفاته
هذا الرجل هو الشيخ " محمد حامد الفقي " كان عالماً شاباً من الأزهر خالف زملاءه في ميولهم الوسطية والوطنية واعتنق المذهب السلفي واسس مع اثنين من زملاءه هما " عبد الرازق عفيفي " و " محمد علي عبد الرحيم " وآخرون جماعة السنة المحمدية والتي كانت أول كيان تنظيمي للسلفيين في مصر وقد أصدرت مجلة " الهدى النبوي " وكانت الأفكار التي اعتنقها الشيخ هي دافعه لأن يواجه الثورة بالعداء واطلاقه على النساء المصريات لمشاركتهن لأول مرة عبر التاريخ في ثورة جماعية جنب إلى جنب الرجال بعد ما خلعت البرقع التركي واكتفت بالحجاب فقال الرجل : " إن خروج الإحتلال لا يكون بالمظاهرات التي تخرج فيها النساء متبرجات
وهكذا كان سيادة الشيخ العبقري تاركاً لكل أسباب الثورة وأهدافها وهذا الحدث العظيم الذي بهر العالم ضارباً به عرض الحائط اعتراضاً فقط على مشاركة النساء وليس ذلك فقط بل اعتراضه أيضاً على مشاركة المسلمين إلى جوار المسيحين مستنكراً على الثورة أن يكون شعارها الرئيسي " الدين لله والوطن للجميع!
وهكذا منذ بداية تاريخ الأحزاب الدينية في مصر والتي تسعى دائما لتوجيه نظرة المجتمع للأحداث بنظرة عنصرية تستمدها من شرعية القرآن والسنة ، ومثلما حدث في ثورة 19 حدث في ثورة يناير حينما رفض السلفيون الخروج على الحاكم ثم اتجاههم لتشكيل حزب سياسي بعد الثورة " حزب النور " والتطلع للمشاركة في الحياة البرلمانية والسياسية كان بالكافي أن يفسر ذلك حقيقة نظرتهم للثورة وقيمتها بالنسبة لهم
وكعادة الشعب المصري قليل من الوعي كثير من التعاطف خاصة مع رجال يستمدون أوامرهم من القرآن والسنة ويعملون تحت لواء الإسلام أكمل الديانات وأطهرها وكذلك الإخوان المسلمون منذ بدايتهم على يد حسن البنا والجدل الذي ساد فترة بأنها جماعة دعوية دينية أم حزبية سياسية ؟ وأعتقد أن التاريخ قد حسم هذه المسألة على مر السنين ويمكننا أن ندراكه بوضوح اليوم
وبالتأكيد إن الأحزاب الدينية ( إخوان وسلفيون ) يدركون تماماً أهمية بقائهم تحت لواء الدين الذي يعطيهم الشرعية لدى الناس . فهم يدركون تماماً طبيعة العقول المصرية وعجزها عن المعارضة المنطقية السليمة لنقع فخاً للفزاعة ( أنا أعترض أنا كافر إذاً أنا في النار ) . ولعل هذه القوة هي علاقة ارتباط للداخل بالخارج ، الباطن بالظاهر داخل وعي المتلقي أو المواطن ، في برهة هي العناصر المكونة للموضوع فكل من هذه العناصر لها وجودها المستقل في وعي المواطن ولكن القوة هي التي تتخذ من تلاشي العناصر المكونة للموضوع من أجل اندثارها أو بالأصح [ نفيها ] ، وحين نبقي الوحدة المباشرة على هاتين البرهتين في داخلهما لايمكن التمييز بينهما إلا في التفكير ، ولنأتي لهذه القوة ذاتها التي تنجح في أن تكون هي الوسط الكلي لبقاء عناصر الموضوع غير متمايزة للحفاظ على وحدة الموضوع وهنا تفقد العناصر استقلاليتها فتنتفي أو تلتغي . وبالتالي فإن هذه الغيرية الأخروية هي مايلغي التعبير الخارجي للقوة أي أنها قوة ارتدت إلى نفسها فالنفي فقط من أجل التمظهر
فالدين بأركانه من قرآن وسنة وصحابة هي البرهات الكلية التي لايجوز الإقتراب منها في عقل المواطن لأنه تلقاها وحدة كاملة وهذا ما تفعله الاحزاب الدينية لاتسمح لأحد بأن يفند عناصر هذه الوحدة حتى لا يمكن استيعابها أونقدها أو توسيع مفهومها وحتى تظل بشرعيتها الدينية
لأن كسر وحدة البرهات الكلية هذه تكسر الوحدة الدينية التي تلقاها العقل وتبدأ في تجاوبه مع مؤثرات فكرية وتطلعات تسمح له بالفصل بين الدين والسياسة والفن والأخلاق ومعيار الصلاح والحرية المكفولة للجميع . وهذا ماتدركه الأحزاب الدينية جيداً ، وتعلم أنه لن يحدث ذلك إلا بثقافة موسعة تشمل كتب الفلسفة والمنطق وعلم النفس والإبداعات العربية والغربية والانفتاح على الثقافات السياسية والاجتماعية والانخراط فيها ومنها بالمثيلوجيا الإغريقية الرومانية والهندية والخ .. ولذلك فطبقا لدستور هذه الأحزاب : كله حرام لأنها كتب للكفر والزندقة
ربما أنني لست من متابعي السيد/ حازم صلاح جيداً ولكن من الواضح من حواراته وكل ممثلي التيار الإسلامي أن النظرة الشاملة للمجتمع في نظرهم هي أن الإنسان ليس سوى مسلم أو مسيحي فقط ؟ .. وتقسيم كل الحقوق والواجبات على هذا النحو [ الهوية دينية فقط ] ، دون نفي شرعية الدين الممولة لذلك ، ولعل هذه النظرة الدونية للقائمين على الدين هي الممهد الحقيقي لفتنة بين الطوائف الدينية في مصر وتأكيد نزعة عنصرية تشكل وعي الأجيال القادمة
السيد/ حازم صلاح قال بأننا نحترم الإخوة الأقباط . أو نسي سيادة المتطلع لرئاسة الجمهورية أن القبطي تعني مصري وتشمل مسيحي مع مسلم ؟ .. وإن كان يقصد سيادته الإخوة المسيحين .. فهل نسي بأن في مصر يهود ؟ ونسي أنه في مصر هندوس وبوذيين وبهائيين وملحدين ؟ هل احترام الانسان الذي بثه الرسول منذ فجر الدعوة الإسلامية وفكرة الحرية التي دعمها القرآن ووسعها على أعلى مستوى كانت تحاكم الفرد بناءاً على اتجاهاته العقائدية
إحترام الإنسانية هي السمة الأسمى والتي تميز بها الغرب عنا منذ مئات السنين ونحن لانزال نعاني من العنصرية والقبلية والفاشيستية الدينية ، ونزن معيار فساد الشخص بشربه للخمر أو كونه شاذا جنسياً ؟ أو نسوا أن عباقرة العالم وعلمائه كانوا شاربي للخمر ؟ أو نسوا أن دافنشي الذي ابهر العالم وتربع على عرش الفن التشكيلي كان شاذا جنسيا ؟ والأمثلة تتعدد ولانحصيها
المشروعات الإصلاحية في نظر السيد/ حازم صلاح لم تتعدى فكرة النظرة الدونية لعمل المرأة وفرض الحجاب والنقاب وإغلاق شواطئ العراة بإعتبار المرأة هي الأم والقدوة ؟ أيظن أن معيار صلاح الأبناء في رداء المرأة أو مايسميه حشمتها ؟ وله من الأمثلة كثيرة ما تتنافى مع هذه النظرية عن أمهات غير محبات وخرجوا أجيالاً لمصر والعالم!
وربما هذا ما يفسر إكتساح الإخوان لبرلمان الثورة تأكيداً على وعي الشعب الذي لم ينزل لينتخب حزباً سياسياً لأنهم بطبيعة الحال لا يملكون ( الحرية والعدالة وحزب النور ) حتى الآن خططا سياسية واقتصادية وثقافية ، الشعب الذي لم يهتم بقراءة إسم المرشح ومعرفة تاريخه بقدر ما آمن أنه في معركة لإنتخاب الدين ذاته وليس انتخاب رمز سياسي!
الدين الذي بيده صلاح الفساد في البلاد ، ذلك الإصلاح العبقري الذي يتمثل في إغلاق الكباريهات والخمارات وشواطئ العراة وفرض الحجاب بالقوة ومنع كتابات محفوظ والسباعي وعبد القدوس وسيد القمني لأنها كفر وجنس وإلحاد.
عاشت مصر متقدمة .. عاشت مصر متدينة!

فصل من رواية " أولاد حارتنا "..................لنجيب محفوظ





أدهم




1
كان مكان حارتنا خلاء . فهو امتداد بصحراء المقطم الذي يربض في الأفق . ولم يكن بالخلاء من قائم إلا البيت الكبير الذي شيده الجبلاوي كأنما ليتحدى به الخوف و الوحشة وقطاع الطريق . كان سوره الكبير العالي يتحلق مساحة واسعة , نصفها الغربي حديقة , و الشرقي مسكن مكّون من أدوار ثلاثة . ويوماً دعا الواقف أبناؤه إلى مجلسه بالبهو التحتاني المتصل بسلاملك الحديقة . وجاء الأبناء جميعاً , إدريس و عباس و رضوان و جليل و أدهم, في جلابيبهم الحريرية , فوقفوا بين يديه وهم من إجلاله لا يكادون ينظرون نحوه إلا خلسة . وأمرهم بالجلوس فجلسوا على المقاعد من حوله , وراح يتفحصهم هنيهة بعينيه النافذتين كأعين الصقر , ثم قام متجهاً نحو باب السلاملك . ووقف وسط الباب الكبير ينظر إلى الحديقة المترامية التي تزحمها لأشجار التوت و الجميز و النخيل , وتعترش في جنباتها الحناء و الياسمين , وتثب فوق غصونها مزقزقة العصافير . ضجت الحديقة بالحياة و الغناء على حين ساد الصمت بالبهو . وخيِّل إلى الأخوة أن فتوة الخلاء قد نسيهم , وهو يبدو بطوله و عرضه خلقاً فوق الآدميين كأنما من كوكب هبط . وتبادلوا نظرات متسائلة . إن هذا شأنه إذا قرر أمراً ذا خطر , وما يقلقهم إلا أنه جبار في البيت كما هو جبار في الخلاء وإنهم حياله لا شيء . التفت الرجل نحوهم دون أن يبرح مكانه و قال بصوت خشن عميق تردد بقوة في أنحاء البهو الذي توارت جدرانه العالية وراء ستائر و طنافس :
- أرى من المستحسن أن يقوم غيري بإدارة الوقف ...
وتفحّص وجوههم مرة أخرى , ولكن لم تنم وجوههم على شيء . لم تكن إدارة الوقف ما يغري قوماً استحلوا الفراغ و الدعة و عربدة الشباب , وفضلاً عن هذا فإدريس الأخ الأكبر هو المرشح الطبيعي للمنصب , فلم يعد أحد منهم يتساءل عما هناك . وقال إدريس لنفسه : " ياله من عبء , هذه الأفكار لا حصر لها , وهؤلاء المستأجرون المناكيد ! " , أما الجبلاوي فاستطرد قائلاً :
- وقد وقفع اختياري على أخيكم أدهم ليدير الوقف تحت إشرافي ..
عكست الوجوه وقع مفاجأة غير متوقعة , فتبودلت النظرات في سرعة و انفعال , إلا أدهم فقد غض بصره حياءً و ارتباكاً , وولاهم الجبلاوي ظهره وهو يقول في عدم اكتراث :
- لهذا دعوتكم ..
تفجر الغضب في باطن إدريس , فبدا كالثمل من شدة مقاومته , ونظر إلى أخوته بحرج , ودارى كل منهم – عدا أدهم طبعاً – غضبه لكرامته باحتجاجه الصامت على تخطي إدريس , الذي كان تخطياً مضاعفاً لهم . أما إدريس فقال بصوت هادىء كأنما يخرج من جسم آخر:
- ولكن يا أبي ..
قاطعه الأب ببرود وهو يلتفت نحوهم :
- ولكن ؟ ! .
فغضوا الأبصار حذراً من يقرأ ما في نفوسهم , إلا إدريس فقد قال بإصرار :
- و لكنني الأخ الأكبر.. فقال الجبلاوي مستاء " :
- - أظن أنني أعلم ذلك , فأنا الذي أنجبتك .
فقال إدريس وحرارة غضيه آخذة في الارتفاع :
- للأخ الأكبر حقوق لا تهضم إلا لسبب ..
فحدجه الرجل بنظرة طويلة كأنما يمنحه فرصة طيبة لتدبر أمره وقال :
- أؤكد لكم أنني راعيت في اختياري مصلحة الجميع ..
تلقى إدريس اللطمة بصبر ينفذ . إنه يعلم كم يضيق أبوه بالمعارضة , وأن عليه أن يتوقع لطمات أشد إذا تمادى فيها , ولكن الغضب لم يدع له فرصة لتدبّر العواقب , فاندفع خطوات حتى كاد يلاصق ادهم , و انتفخ كالديك المزهو ليعلن للأبصار فوارق الحجم و اللون و البهاء بينه و بين أخيه , و انطلق الكلام من فيه كما ينطلق نثار الريق عند العطس بغير ضابط :
- إني و أشقائي أبناء هانم من خيرة النساء , أما هذا فابن جارية سوداء ..
- شحب وجه أدهم السمر دون أن تنّد عنه حركة , على حين لوح الجبلاوي بيده قائلاً بنبرات الوعيد :
- تأدب يا إدريس ..
ولكن كانت تعصف به عواصف الغضب المجنونة فهتف :
- وهو أصغرنا أيضاً , فدلني على سبب يرجحني به إلا أن يكون زماننا زمان الخدم و العبيد ..
- اقطع لسانك رحمة بك يا جاهل ..
- إن قطع لساني أحي إلي من الهوان ..
ورفع رضوان رأسه نحو أبيه و قال برقة باسمة :
- نحن جميعاً أبناؤك , ومن حقنا أن نحزن إذا افتقدنا رضاك عنا , و الأمر لك على أي حال .. و غاية مرامنا أن نعرف السبب ..
وعدل الجبلاوي عن إدريس على رضوان , مروّضاً غضبه لغاية في نفسه فقال :
- أدهم على دراية بطباع المستأجرين , ويعرف أكثرهم بأسمائهم , ثم إنّه على علم بالكتابة و الحساب ..
- وعجب إدريس من قول أبيه كما عجب أخوته . متى كانت معرفة الأوشاب ميزة يفضل من أجلها إنسان ؟ ! . و دخول الكتّاب , أهو ميزة أخرى ؟ ! . و تساءل إدريس متهكماً :
- أتكفي هذه الأسباب لتبرير ما يراد به من مذلة ؟
فأشار الجبلاوي نحوه بضجر و قال :
- فأشار الجبلاوي نحوه بضجر و قال :
- هذه إرادتي , وما عليك إلا السمع و الطاعة ..
و التفت الرجل التفاتة حادة صوب أشقاء إدريس وهو يسأل :
- ما قولكم ؟
فلم يحتمل عباس نظرة أبيه , وقال وهو واجم :
- سمعاً و طاعة ..
و سرعان ما قال جليل وهو يغض طرفه :
- أمرك يا أبي ..
و قال رضوان وهو يزدرد ريقه الجاف :
- على العين و الراس ..
عند ذاك ضحك إدريس ضحكة غضب تقلصت إلى أساريره حتى قبحت وجهه و هتف :
- يا جبناء , ما توقعت منكم غلا الهزيمة المزرية . وبالجبن يتحكم فيكم ابن الجارية السوداء ..
فصاح الجبلاوي مقطباً عن عينين تتطاير منهما النذر :
- إدريس !
ولكن الغضب كان قد اقتلع جذور عقله فصاح بدوره :
- ما أهون الأبوة عليك , خلقت فتوة جباراً فلم تعرف إلا أن تكون فتوة جباراً , ونحن أبناؤك تعاملنا كما تعامل ضحاياك العديدين ..
اقترب الجبلاوي خطوتين في بطء كالتوثب , و قال بصوت منخفض وقد أنذرت أساريره المتقبضة بالشر :
- اقطع لسانك !
ولكن إدريس واصل صياحه قائلاً :
- لن ترعبني , أنت تعلم أنني لا أرتعب , وأنك إذا أردت أن ترفع ابن الجارية عليّ فلن أسمعك لحن السمع و الطاعة .
- ألا تدرك عاقبة التحدي يا ملعون ؟
- الملعون حقاً هو ابن الجارية ..
فعلت نبرات الرجل و اخشوشنت وهو يقول :
- إنها زوجتي يا عربيد , فتأدّب و إلا سويّت بك الأرض ..
وفزع الأخوة و أولهم أدهم لدرايتهم ببطش أبيهم الجبار , ولكن إدريس كان قد بلغ من الغضب درجة لم يعد يدرك معها خطراً كأنه مجنون يهاجم ناراً مندلعة , فصاح :
- إنك تبغضني , لم أكن أعلم هذا , ولكنك تبغضني دون ريب , لعل الجارية هي التي بغضّتنا إليك , سيد الخلاء و صاحب الأوقاف و الفتوة الرهيب , ولكن جارية استطاعت أن تعبث بك , وغداً يتحدث عنك الناس يكل عجيبة يا سيد الخلاء .
- قلت لك اقطع لسانك يا ملعون .
- لا تسبّني من أحل أدهم , طوب الأرض يأبى ذلك و يلعنه , وقرارك الغريب سيجعلنا أحدوثة الأحياء و الحواري ..
فصاح الجبلاوي بصوت صكّ الأسماع في الحديقة و الحريم :
- اغرب بعيداً عن وجهي ..
- هذا بيتي , فيه أمي , وهي سيدته دون منازع .
- لن تُرى فيه بعد اليوم , وإلى الأبد ..
و اكفهر الوجه الكبير حتى حاكى لونه النيل في احتدام فيضانه , و تحرك صاحبه كالبنيان , مكوراً قبضة من الصوان . وأيقن الجميع أن إدريس قد انتهى . ماهو إلا مأساة جديدة من الماسي التي يشهدها هذا البيت صامتا . كم من سيدة مصونة تحولت بكلمة إلى متسولة تعيسة . وكم من رجل غادره بعد خدمة طويلة مترنحاً يحمل على ظهره العاري آثار سياط حملت أطرافها بالرصاص و الدم يطفح من فيه و أنفه . و الرعاية التي تحوط الجميع عند الرضا لا تشفع لأحد وأن عزّ جانبه عند الغضب . لهذا أيقن الجميع أن إدريس قد انتهى . حتى إدريس بكري الواقف و مثيله في القوة و الجمال قد انتهى . و تقدم الجبلاوي خطوتين أخريين وهو يقول :
لا أنت ابني ولا أنا أبوك , ولا هذا البيت بيتك و ولا أم لك فيه ولا أخ ولا تابع . أمامك الأرض الواسعة فاذهب مصحوباً بغضبي و لعنتي , و ستعلمك الأيام حقيقة قدرك وأنت تهيم على وجهك محروماً من عطفي و رعايتي ! .
فضرب إدريس البساط الفارسي بقدمه و صاح :
- هذا بيتي , ولن أغادره ..
فانقضّ عليه الأب قبل أن يتقيه , و قبض على منكبه بقبضة كالمعصرة , و دفعه أمامه و الآخر يتراجع مقهقراً , فعبرا باب السلاملك , و هبطا السلم و إدريس يتعثر , ثم اخترق به ممراً تكتنفه شجيرات الورد و الحناء مفروشاً بالياسمين حتى البوابة الكبيرة فدفعه خارجاً و أغلق الباب . وصاح بصوت سمعه كلّ من يقيم في البيت :
- الهلاك لمن يسمح له بالعودة أو يعينه عليها ..
ورفع رأسه صوب نوافذ الحريم المغلقة وصاح مرة أخرى :
- و طالقة ثلاثا من تجترىء على هذا ..


2
منذ ذلك اليوم الكئيب و أدهم يذهب كل صباح إلى إدارة الوقف في المنظرة الواقعة إلى يمين باب البيت الكبير . وعمل بهمة في تحصيل أجور الأحكار و توزيع أنصبة المستحقين و تقديم الحساب إلى أبيه . وأبدى في معاملة المستأجرين لباقة و سياسة , فرضوا عنه على رغم ما عرف عنهم من مشاكسة و فظاظة . وكانت شروط الواقف سراً لا يدري به أحد سوى الأب , فبعث اختيار أدهم للإدارة الخوف أن يكون هذا مقدمةً لإيثاره في الوصية . و الحق لأنه لم يبد من الأب قبل ذلك اليوم ما ينم عن التحيز في معاملته لأبنائه . و عاش الأخوة في وئام و انسجام بفضل مهابة الأب و عدالته . حتى إدريس – على قوته و جماله و إسرافه أحياناً في اللهو – لم يسيء قبل ذلك اليوم إلى أحد من أخوته . كان شاباً حلواً كريم المعشر حائزاً الود و الإعجاب . ولعل الأشقاء الأربعة كانوا يضمرون لأدهم شيئاً من الإحساس بالفارق بينهم و بينه , ولكن أحداً منهم لم يعلن هذا ولا اشتم منه في كلمة أو إشارة أو شلوك . ولعل أدهم كان اشد إحساساً منهم بهذا الفارق , بين سمو أمهم وضاعة أمه , ولعله عانى من ذلك أسى مكتوماً و ألماً دفيناً , ولكن جو البيت المعبق بشذى الرياحين , الخاضع لقوة الأب و حكمته , لم يسمح لشعور سيء بالاستقرار في نفسه , فنشأ صافي العقل و القلب .
و قال أدهم لأمه قبيل ذهابه إلى إدارة الوقف :
- باركيني يا أمي , فما هذا العمل الذي عهد به إليّ إلا امتحان شديد لي و لك ..
فقالت الأم بضراعة :
- ليكن التوفيق ظلك يا بني , أنت ولد طيّب و العقبى للطيبين ..و مضى أدهم على المنظرة ترمقه العيون من السلاملك و الحديقة ومن وراء النوافذ , و جلس على مقعد ناظر الوقف و بدأ عمله . وكان عمله أخطر نشاط إنساني يزاول في تلك البقعة الصحراوية ما بين المقطم شرقاً و القاهرة القديمة غرباً . و اتخذ أدهم من الأمانة شعاراً , و سجل كل مليم في الدفتر لأول مرة في تاريخ الوقف . وكان يسلم إخوته رواتبهم في أدب ينسيهم مرارة الحنق ثم يقصد أباه بحصيلة الأموال . و سأله أبوه يوماً :
- كيف تجد العمل يا أدهم ؟
فقال ادهم بخشوع :
- ما دمت قد عهد به إليّ فهو أعظم ما في حياتي ..
فشاعت في الوجه العظيم البشاشة , إذا أنه على جبروته كان يستخفّه طرب الثناء .وكان أدهم يحب مجلسه . وإذا جلس إليه اختلس منه نظرات الإعجاب و الحب . وكم كان يسعده أن يتابع أحاديثه وهو يروي – له ولأخواته حكايات الزمان الأول , و مغامرات الفتوة و الشباب , إذ هو ينطلق في تلك البقاع ملوحاً بنبوته المخيف غازياً كل موضع تطأه قدماه . ولعد طرد إدريس ظل عباس و رضوان و جليل على عادتهم من الاجتماع فوق سطح البيت , يأكلون و يشربون و يقامرون . أما أدهم فلم يكن يطيب له الجلوس إلا في الحديقة . كان عاشقاً للحديقة منذ درج , وكان عاشقاً للناي . ولازمته تلك العادة بعد اضطلاعه بشئون الوقف وإن لم تعد تستأثر بجل وقته . فكان إذا فرغ من عمله في الوقف افترش سجادة على حافة جدول , و أسند ظهره إلى جذع نخلة أو جميزة , أو استلقى تحت عريشة الياسمين , وراح يرنو إلى العصافير وما أكثر العصافير , أو يتابع اليمام وما أحلى اليمام , ثم ينفخ في الناي محاكيا الزقزقة و الهديل و التغريد وما أبدع المحاكاة , أو يمد الطرف نحو السماء خلال الغصون وما أجمل السماء . ومرّ به أخوه رضوان وهو على تلك الحال فرمقه بنظرة ساخرة وقال :
ما أضيع الوقت الذي تنفقه في إدارة الوقف !
فقال أدهم باسماً :
لولا إشفاقي من غضب أبي لشكوت ..
فلنحمد نحن المولى على الفراغ !
فقال أدهم بساطة :
هنيئاً لكم ..
فسأله رضوان وهو يداري الامتعاض بالابتسام :
أتود أن تعود مثلنا ؟
خير ما تمضي الحياة في الحديقة و الناي ..
فقال رضوان بمرارة ك
كان إدريس يود أن يعمل
فغض أدهم بصره وهو يقول :
لم يكن عند إدريس وقت للعمل , ولاعتبارات أخرى غضب , أما السعادة الحقة ففي هذه الحديقة تجدها ..
ولما ذهب رضوان قال أدهم لنفسه : " الحديقة , وسكانها المغردون , والماء , و السماء , و نفسي النشوى , هذه هي الحياة الحقة . كأنّني أجد البحث عن شيء . ما هذا الشيء ؟ الناي أحياناً يكاد يجيب . و لكن السؤال يظل بدون جواب . لو تكلمت هذه العصفورة بلغتي لشفت قلبي باليقين . و للنجوم الزاهرة حديث كذلك . أما تحصيل الإيجار فنشاز بين الأنغام " .
ووقف أدهم يوماً ينظر على ظله الملقى على الممشى بين الورود , فإذا بظل جديد يمتد من ظله واشياً بقدوم شخص من المنعطف خلفه . بدا الظل الجديد كأنما يخرج من موضع ضلوعه . و التفت وراءه فرأى فتاة سمراء وهي تهّم بالتراجع عندما اكتشفت وجوده , فأشار بالوقوف فوقفت , و تفحصها ملياً , ثم سألها برقة :
من أنت ؟
فأجابت بصوت متلعثم :
أميمة ..
إنه يذكر الاسم , فهو لجارية و قريبة لأمه , وكما كانت أمه قبل أن يتزوج منها أبوه .
ومال إلى محادثتها أكثر فسألها :
ماذا جاء بك على الحديقة ؟
فأجابت مسبلة الجفنين :
حسبتها خالية ..
لكن ذلك محرم عليكن ..
فقالت بصوت لم يكاد يسمع :
أخطأت يا سيدي ..
و تراجعت حتى توارت وراء المنعطف , ثم ترامى إلى أذنيه وقع أقدامها المسرعة , وإذا به يغمغم متأثرا " ما أملحك ! " . و شعر بأنه لم يكن قط أدخل في خلائق الحديقة منه في هذه اللحظة . و إن الورد و الياسمين و القرنفل و العصافير و اليمام و نفسه نغمة واحدة . و قال لنفسه : " أميمة مليحة , حتى شفتاها الغليظتان مليحتان , و جميع أخوتي متزوجين عدا إدريس المتكبر , وما أشبه لونها بلوني , وما أجمل منظر ظلها وهو مفروش في ظلي كأنه جزء من جسدي المضطرب بالرغبات , ولن يسخر أبي من اختياري وإلا فكيف جاز له أن يتزوج من أمي ؟ ! . "










3
وجع أدهم إلى إدارة الوقف بقلب مفعم بجمال غامض كالعبير . و حاول كثيراً أن يراجع حساب اليوم , ولكنه لم يرى في صفحة عقله إلا السمراء . ولم يكن عجيباً أن يرى أميمة اليوم لأول مرة , فالحريم في هذا البيت كالأعضاء الباطنية يعرفها صاحبها على نحو و يعيش بفضلها و لكنه لا يراها . و استسلم أدهم إلى تيار أفكاره الوردية حتى انتزع منه على صوت مرعد قريب كأنما انفجر في المنظرة نفسها وهو يصيح : " أنا هنا , في الخلاء يا جبلاوي , ألعن الكل , اللعنة على رؤوسكم نساءً و رجالاً , وأتحدى من لم تعجبه كلماتي , سامعني يا جبلاوي ؟ ! " . وهتف أدهم : " إدريس ! " و غادر المنظرة إلى الحديقة فرأى أخاه رضوان متجهاً نحوه في اضطراب ظاهر , و بادره قائلاً :
إدريس سكران , رايته من النافذة مختل التوازن من السكر , أي فضائح تخبئ الأقدار لأسرتنا ؟
فقال أدهم وهو يغضي ألماً :
قلبي يتقطع أسفا يا أخي ..
وما العمل ؟ ! إن كارثة تهددنا !
ألا ترى يا أخي أنه يجب علينا أن نحدِث أبانا بالأمر.. ؟
فقطب رضوان قائلاً :
أبوك لا يراجَع في أمر , و حال إدريس هذه لا شك ضاعفت من غضبه عليه ..
فغمغم أدهم في كآبة :
ما كان أغنانا عن هذه الأحزان !
نعم , النساء يبكين في الحريم , عباس و جليل معتكفان من الكدر , و أبونا وحده في حجرته لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه ..
فتساءل أدهم في قلق وهو يشعر بأن ملابسات الحديث تدفعه إلى مأزق :
ألا ترى أنه ينبغي أن نعمل شيئاً ؟
يبدو أن كل واحد منا يود أن يلوذ بالسلامة , ولا يهدد السلامة مثل طلبها بأي ثمن , غير أني لن أجازف بمركزي ولو انطبقت السماء على الأرض , أما كرامة أسرتنا فتتمرغ الساعة في التراب في ثوب إدريس ..
لماذا قصدتني إذن ؟! بين يوم و ليلة انقلب أدهم غراب بين ينعق . وتنهد قائلاً :
إني بريء من كل هذا , ولكن لن تطيب لي الحياة إن سكتّ ..
فقال رضوان وهو يهم بالذهاب :
لديكك من الأسباب ما يوجب عليك العمل ..!
ومضى راجعاً . و لبث أدهم وحده و أذناه ترددان هذه العبارة " لديك من الأسباب ..." نعم . إنه المتهم دون ذنب جناه . كالقلة التي تسقط على راس لأن الريح أطاحت بها . وكلما أسف أحد على إدريس لُعِنَ أدهم و اتجه ادهم نحو الباب ففتحه ومرق منه . رأى إدريس غير بعيد يترنح دائراً حول نفسه , يقلب عينين زائغتين , وقد تشعث رأسه وانحسر جيب جلبابه عن شعر صدره . ولما عثرت عيناه على أدهم توثب للانقضاض كأنه قطة لمحت فأراً , ولكن أعجزه السكر فمال نحو الأرض وملأ قبضته تراباً ورمى به أدهم فأصاب صدره و انتثر على عباءته . و ناداه أدهم برقة :
أخي ..
فزمجر إدريس وهو يترنح :
اخرس يا كلب يا ابن الكلب , لا أنت أخي ولا أبوك أبي , ولأدكنّ هذا البيت فوق رؤوسكم ..
فقال أدهم متودداً :
بل أنت أكرم هذا البيت و أنبله ..
فقهقه إدريس من فيه دون قلبه و صاح :
لماذا جئت يا ابن الجارية ؟ عد إلى أمك و أنزلها إلى بدروم الخدم ..
فقال أدهم دون أن تتغير مودته :
لا تستسلم للغضب , ولا توصد البواب في وجه الساعين لخيرك . فلّوح إدريس بيده ثائراً و صاح :
ملعون البيت الذي لا يطمئن فيه إلا الجبناء , الذين يغمسون اللقمة في ذل الخنوع , و يعبدون مذلهم , لن أعود إلى بيت أنت فيه رئيس , فقل لأبيك أنني أعيش في الخلاء الذي جاء منه , وإنني عدت قطاع طريق كما كان , و عريبداً أثيماً معتوياً كما يكون , و سيشيرون إلّي في كل مكان أعيث فيه فساداً و يقولون : " لبن الجبلاوي " بذلك أمرغكم في التراب يا من تظنون أنفسكم سادة و أنتم لصوص ..
وتوسل أدهم قائلاً :
أخي أفِق , حاسب نفسك على كل كلمة توجب اللوم , ليس الطريق مسدوداً في وجهك إلا أنم تسده بيديك , وإني أعدك بأن يعود كل شيء طيب إلى أصله ..
فخطا إدريس نحوه بصعوبة كأن ريحاً ترجعه و قال :
بأي قوة تعدني يا ابن الجارية ؟
فقال وهو يرمقه بحذر :
بقوة الأخوة !
الأخوة ! قذفت بها في أول مرحاض صادفني ..
فقال أدهم متألماً :
ما سمعت منك من قبل إلا الجميل ..
طغيان أبيك أنطقني بالحق ..
لا أحب أنم يراك الناس على هذه الحال .
فأرسل إدريس ضحكة معربدة و صاح :
و سيرونني على أسوأ منها كل يوم , العار و الفضيحة و الجريمة ستحلّ بكم على يدي , طردني أبوك دون حياء فليتحمل العواقب ..ورمى بنفسه نحو أدهم فتنحّى هذا عن موقفه دون تردد , فكاد إدريس يهوى على الأرض لولا أن استند إلى الجدار , و لبث يلهث حانقاً , وينظر في الأرض مفتشاً عن حجر , فتراجع أدهم بخفة إلى الباب ودخل . و اغرورقت عيناه من الحزن , وكان صياح إدريس ما زال صاخباً . و حانت منه التفاتة نحو السلاملك فلمح أباه خلال الباب وهو يعبر البهو , فمضى نحوه وهو لا يدري و متغلباً على خوفه بحزنه . ونظر إليه الجبلاوي بعينين لا تفصحان عن شيء . وكان يقف بقامته المديدة ومنكبيه العريضين أمام صورة محراب نقشت على جدار البهو خلفه . وأحنى أدهم رأسه قائلاً :
السلام عليكم ..
فتفحصه الجبلاوي بنظرة عميقة ثم قال بصوت نفذ إلى أعماق قلبه :
صرِّح لما جئت من أجله ..
فقال أدهم بصوت مهموس :
أبي , إن أخي إدريس ..
فقاطعه الأب بصوت كضربة الفأس في الحجر :
لا تذكر اسمه أمامي ..
ثم وهو يمضي إلى الداخل :
اذهب إلى عملك !


4
توالى مشرق الشمس ومغيبها على هذه البقعة الخلاء و إدريس يتردى في مهاوي الشقاوة . في كل يوم يسجل في كتابه حماقة جديدة . كان يدور حول البيت ليقذفه بأقذع الشتائم . أو يجلس على كثب من الباب , عارياً كما ولدته أمه كأنما يتشمس , وهو يترنم بأفحش الأغاني وكان يتجول في الأحياء القريبة في خيلاء الفتوات , يتحدى كل عابر بنظرات هجومية , و يحترش بكل من يعترض سبيله , و الناس يتحاشونه كاظمين , وهم يتهامسون " ابن الجبلاوي " ولم يحمل لغذائه هماً , فكان يمد يده بكل بسلطة إلى الطعام حيث وجده . في مطعم أو على عربة , فيأكل حتى يكتظ ثم يمضي دون شكر من ناحيته أو محاسبة من الآخرين و إذا تاقت نفسه إلى العربدة مال إلى أول حانة تصادفه , فتقدم إليه البوظة حتى يسكر , ثم ينطلق لسانه كالنافورة بأسرار أسرته و أعاجيبها , و تقاليدها السخيفة و جبنها المهين , منوهاً بثورته على أبيه , جبار هذه الأحياء جميعاً , ثم يدخل في قافية ليغرق في الضحك , و يغني إذا لزم الحال و يرقص , و تتناهى مسرته إذا ختمت السهرة بمعركة , ثم يذهب مشيعاً بالتحيات . وفي كب مكان اشتهر بهذه السيرة , فتحاماه الناس ما استطاعوا , و لكنهم سلموا بأمره كأنه مصيبة من مصائب الدهر . ونال الأسرة ما نالهم من الغم و الكرب . وغلب الحزن أم إدريس فشُّلت و احتضرت . وجاء الجبلاوي ليودعها فأشارت نحوه بيدها محتجة و فاضت روحها بأسى و غضب , و خيم الحزن على الأسرة كخيوط العنكبوت , فتوقف سمر الأسرة فوق السطح , وسكت ناي أدهم في الحديقة .
و يوماً تفجر غضب الأب عن ثورة جديدة كانت ضحيتها هذه المرة امرأة . غذ تعالى صوته الجهير وهو يلعن نرجس الخادمة و يطردها من البيت . وعُلم في نفس اليوم أن أعراض الحمل ظهرت على المرأة , فقُررّت حتى أقرت بأن إدريس اعتدى عليها قبل طرده . و غادرت نرجس البيت وهي تصوت وتلطم على خديها . وهامت على وجهها سحابة النهار حتى عثر عليها إدريس فألحقها بركابه دون ترحيب , ودون جفاء كذلك إذ لم تكن تخلو من نفع عند الحاجة .
على أن كل مصيبة وإن جلّت لا بد يوماً و أن تؤلف . لذلك أخذت الحياة تعود إلى مجراها المألوف في البيت الكبير كما يعود السكان إلى ديارهم عقب زلزال أكرههم على الفرار منها . عاد عباس و رضوان و جليل إلى ندوة السطح , كما عاد أدهم إلى سهرة الحديقة يناجي الناي فيناجيه . ووجد أميمة تضيء خواطره و تدفىء مشاعره , و صورة ظلها المعانق لظله ترتسم بوضوح في مخيلته . فقصد مجلس أمه في حجرتها حيث كانت تطرز شالاً , فأفضى إليها بذات نفسه , إلى أن قال :
إنها أميمة يا أمي , قريبتك .
فابتسمت أمه ابتسامة باهتة دلت على أن فرحة الخبر لم تستطع التغلب على عناء مرضها فقالت :
نعم يا أدهم , إنها فتاة طيبة , نصلح لك كما تصلح لها , و ستسعدك بمشيئة المولى .
ولما رأت تورد البهجة في وجنتيه استدركت قائلة :
لا ينبغي أن تدللها يا بني حتى لا تفسد حباتك , و سأخاطب أباك في الأمر لعلي أنعم برؤية ذريتك قبل أن يدركني الموت ..
وعندما دعاه الجبلاوي إلى مقابلته وجده يبتسم ابتسامة لطيفة حتى قال لنفسه : : " لا شيء يعادل شدة أبي إلا رحمته " . و قال الأب :
ها أنت تطلب زوجة يا أدهم , ما أسرع الزمن , وهذا البيت يحتقر المساكين ولكنك باختيار أميمة تكرم أمك , لعلك تنجب ذرية صالحة . لقد ضاع إدريس , وعباس و جليل عقيمان , و رضوان لم يعش له ولد حتى اليوم , و جميعهم لم يرثوا عني إلا كبريائي , فاملأ هذا البيت بذريتك , و إلا يذهب عمري هباء .
و كانت زفة ادهم لم يشهد لها الحي نظيراً من قبل . و حتى اليوم يجري ذكرها مجرى الأمثال في حارتنا . تدلت ليلتذاك الكلوبات من غصون الشجار ومن فوق السور حتى بدا البيت بحيرة من نور وسط الخلاء المظلم . و أقيم سرادق فوق السطح للمغنين و المغنيات . و امتدت موائد الطعام و الشراب في البهو والحديقة و الخلاء المتصل بمدخل البيت الكبير . و بدأت زفة أدهم من أقصى الجمالية عقب منتصف الليل . سار فيها كل من يحب الجبلاوي أو يخافه حتى انتظمت الجميع . و خطر أدهم في جلباب حريري ولاسة مزركشة بين عباس و جليل , لأمل رضوان فسار في المقدمة , وعلى اليمين وعلى اليسار حاملو الشموع و الورود , و تقدم الموكب مجموعة كبيرة من المنشدين و الراقصين , و تعالى الغناء , و تبعته تأوهات المطربين و تحيات المعجبين بالجبلاوي و أدهم , حتى استيقظ الحي و دوت الزغاريد . وسار الموكب من الجمالية فالعطوف ثم كفر الزغاري و المبيضة , ينهال عليه الترحيب حتى من الفتوات , وحطب من حطب , و رقص من رقص , ووزعت الحانات البوظة مجاناً فسكر حتى الغلمان , و تهادت الجِوز من جميع الغرز في طريق الموكب هدية للمحتفلين فعبق الجو بحسن كيف و الهندي .
وفجأة لاح إدريس كمارد انشقّت عنه الظلمة في آخر الطريق . لاح عند المنعطف المفضي على الخلاء على ضوء الكلوبات التي تتقدم الموكب فتوقف حاملو الكلوبات عن السير و انتشر التهامس باسم إدريس . ولمحته أعين المنشدين فاعترض الخوف حناجرهم فكّفت عن الغناء , ورآه الراقصون فجمدت أوساطهم . و سرعان ما سكتت المزامير و خرست الطبول , و غاضت الضحكات . و تساءل الكثيرين عم يفعلون , فهم إن استكانوا لم يأمنوا الأذى و إن ضربوا لم يضربوا غلا ابن الجبلاوي . ولوح إدريس بنبوته وهو يصيح :
لمن الزفة يا حثالة الجبناء ؟
فساد الصمت واشرأبت الأعناق نحو أدهم و إخوته , وعاد إدريس يتساءل :
متى كنتم لابن الجارية أو لأبيه أصدقاء ؟
عند ذلك تقدم رضوان خطوات و هتف قائلاً :
أخي, من الحكمة أن تدع الزفة تمر ..
فصاح إدريس مقطباً :
أنت آخر من يتكلم يا رضوان , أنت أخ خائن وابنٌ جبان , وذليل يشتري رغد العيش بالكرامة و الأخوة ..
فقال رضوان بإشفاق :
لا شأن للناس باختلافاتنا ..
فقهقه إدريس قائلاً :
الناس يعلمون بخزيكم , ولولا جبنهم العريق ما وجدت هذه الزفة زامراً أو منشداً ..
فقال رضوان بعزم ثابت :
أبوك عهد إلينا بأخيك , ولا بد أن نحفظه ..
فعاد إدريس يقهقه وهو يتساءل :
أرأيت أنك تدافع عن نفسك لا عن ابن الجارية ؟
أين رشادك يا أخي ؟ بالحكمة وحدها تعود إلى بيتك .
إنك كاذب , وتعلم أنك كاذب .
فقال رضوان في حزن :
لن ألومك فيما يخصني , ولكن دع الزفة تمر بسلام ..
فكان جوابه أن انقض على الموكب كالثور الهائج . وأخذ نبّوته يرتفع و يهوي فتتحطم الكلوبات و تتصدع الفوانيس و تبعثر الورود , و راح الناس يولون مذعورون كالرمال أمام العاصفة . و تكاتف عباس و رضوان وجليل أمام أدهم فتضاعف غضب إدريس :
يا أنذال , تدافعون عمن تكرهون خوفاً على الطعام و الشراب .. وهجم عليهم , فتلقّوا ضرباته بنبابيتهم دون أن يردوا عليها وهم يتراجعون , وإذا به يرمي بنفسه فجأة بينتهم فيشور سبيلا إلى موقف ـدهم فعلا الصوت في النوافذ , وهتف أدهم وهو يتحفز للدفاع عن نفسه :
إدريس , لستُ عدوا لك فارجع إلى عقلك .
ورفع إدريس نبوته . وهنا صاح صائح : " الجبلاوي " . وصاح رضوان مخاطباً إدريس :
أبوك قادم ..
فوثب إدريس إلى جانب الطريق و التفت إلى الوراء فرأى الجبلاوي قادماً وسط هالة من الخدم يحملون المشاعل . وعض إدريس على أسنانه ثم هتف ساخراً :
سأهبك عمّا قريب حفيداً من الزنا تقر به عينك .
و اندفع نحو الجمالية والناس توسع له الجانبين حتى ابتلعته الظلمة . وبلغ الأب موقف الأخوة وهو يتظاهر بهدوء تحت آلاف الأعين المحدقة فيه , ثم قال بلهجة آمرة :
ليعد كل شيء إلى أصله ..
ورجع حماة الكلوبات إلى مواقعهم , و دقت الطبول , وعزفت المزامير , ثم غنى المنشدون , ورقص الراقصون , واستأنفت الزفة مسيرها ..
وسهر البيت الكبير حتى الصباح في طرب و شراء و غناء . وعندما دخل أدهم حجرته المطلة على خلاء المقطم وجد أميمة واقفة إلى جانب المرآة و النقاب الأبيض ما يزال يغطي وجهها . كان مخموراً مسطولاً لا تكاد تحمله قدماه , فاقترب منها وهو يبذل جهداً شديداً ليتمالك أعصابه . ورفع النقاب عن وجهها الذي طالعه في أحسن رواء , وهوى برأسه حتى لثم شفتيها المكتنزتين , ثم قال بلسان مخمور :
لتهم الهموم جميعاً مادمت حسن الختام ..
واتجه نحو الفراش , يستقيم خطوة و يترنح خطوة , حتى استلقى على عرض السرير باللاسة و المركوب , و كانت أميمة تنظر إلى صورته المنعكسة على المرآة وهي تبتسم في إشفاق و حنان






5
مجد أدهم في أميمة سعادة لم يعرفها من قبل . و لبساطته أعلن عن سعادته بأقواله و أحواله حتى تندّر به إخوته . وعند ختام كل صلاة كان يبسط يديه هاتفاً : " الحمد لصاحب المنن , على رضا أبي الحمد له , على حب زوجتي الحمد له , على المنزلة التي أحظى بها ون من هم أجدر مني بها الحمد له , على الحديقة الغناء و الناي الرفيق الحمد له " . و قالت كل امرأة من نساء البيت الكبير إن أميمة زوجة واعية , فهي ترعى زوجها كأنه ابنها , وتوادد حماتها و تخدمها حتى أسرتها , و تراعي مسكنها العناية التامة كـنه قطعة من جسدها . أما أدهك فكان زوجاً مترع القلب بالمحبة و حسن المعاشرة . وكما شغلته إدارة الوقف عن جزء من ملاهيه البريئة في الحديقة من قبل , فقد شغل الحب بقية يومه , و استبد به حتى نسي نفسه . و توالت أيام هانئة . وامتدت فوق ما قدر رضوان و عباس و جليل الساخرون , ولكنها ارتطمت في النهاية بذاك الهدوء الحكيم كما تنتهي مياه الشلال المتدفقة الراعدة المزبدة في النهر الرصين . وعاد التساؤل يحتل مكانه في قلب أدهم , فشعر أن الزمن لا يمر في غمضة عين , وأن النهار يعقبه الليل , وأن المناجاة إذا تواصلت إلى غير نهاية فقدت مل معنى , وأن الحديقة ملهاة صادقة لا يجدر به أن يهجرها , وأن شيئاً من هذا لا يعني بحال من الأحوال أن قلبه تحول عن أميمة , فما تزال في صميمه , ولكن للحياة أطواراً لا يخبرها المرء إلا يوماً بيوم . و عاد إلى مجلسه عند القناة , وأجال بصره في الأزهار و العصافير ممتناً و معتذراً . وإذا بأميمة تلحق به مشرقة بالبهجة , فجلست إلى جانبه وهي تقول :
نظرت من النافذة لأرى ما أخّرك , لماذا لم تدعُني معك ؟
فقال باسماً :
خفت أن أتعبك
تتعبني ؟..طالما أحببت هذه الحديقة , أتذكر أول لقاء لنا هنا ؟ وأخذ يدها في يده , واسند رأسه على جذع النخلة مريلاً طرفه إلى الغصون , وإلى السماء خلال الغصون , و عادت هي تؤكد له حبها للحديقة , و كلما أمعن في الصمت أمعنت في التوكيد , إذ أنها كانت تكره الصمت بقدر ما تحب الحديقة , وكان حديث حياتها أطيب حديث . ولا باس بالوقوف بعض الوقت عند أهم الأحداث في البيت الكبير , خاصة ما يتعلق بزوجات رضوان و عباس و جليل , ثم تغير صوتها مائلاً نحو العتاب وهي تقول :
أنت تغيب عني يا أدهم ..؟
فابتسم إليها قائلاً :
كيف و أنت ملأ القلب !
ولكنك لا تصغي إلي ..؟
هذا حق . ومع أنه لم يرحب بمقدمها فإنه لم يضق به . ولو همت بالرجوع لأمسك بها صادقاً . و الحق أنه يشعر بأنها جزء لا يتجزأ منه . وقال كالمعتذر:
إني أحب هذه الحديقة , لم يكن في حياتي الماضية أطيب من جلستها , وتكاد أشجارها الباسقة ومياهها المفضفضة و عصافيرها المزقزقة تعرفني كما أعرفها , وأود أن تقاسمني حبها , أرأيت على السماء كيف تبدو خلال الغصون ؟
فرفعت عينيها مقدار لحظة ثم نظرت غليه باسمة و قالت :
إنها جميلة حقاً , وجديرة بأن تكون أطيب ما في حياتك ..
فانس من قولها العتاب دون إفصاح و بادرها قائلاً :
بل كانت كذلك قبل أن أعرفك ..
والآن ؟
فضغط على يدها بحنوّ قائلاً :
لا يتم جمالها إلا بك ..
فقالت وهي تحدّ بصرها نحوه :
من حسن الحظ أنها لا تؤاخذك على انصرافك عنها إليّ
فضحك ادهم و جذبها نحوه حتى التصق خدها بشفتيه , ثم سألها :
أليست هذه الأزهار أجدر بالتفاتنا من الكلام عن زوجات أخوتي ؟ ! .
فقالت أميمة باهتمام :
الأزهار أجمل لكن زوجات أخوتك لا يكففن عن الحديث عنك , إدارة الوقف , دائماً إدارة الوقف , و ثقة أبيك فيك , يبُدئن و يُعدن في هذا ..
و قطب أدهم غائباً عن الحديقة , و قال بحدة :
لا شيء ينقصهن !
الحق أني أخاف عليك العين ..
فهتف أدهم غاضباً :
لعنة الله على الوقف , أرهقني و غيّر القلوب عليّ و سلبني راحة البال , فليذهب في داهية ..
فوضعت إصبعها على شفتيه وهي تقول :
لا تكفر بالنعمة يا أدهم , إن إدارة الوقف شأن خطير , وقد تجر وراءها نفعاً لا يخطر بالبال ..
جرت حتى الآن المتاعب .. , وحسبنا مأساة إدريس ..
فابتسمت , لكن ابتسامتها لم تنّم عن بهجة وإنما دارت بها اهتماماً جدياً تجلى في نظرة عينيها , و قالت :
انظر إلى مستقبلنا كما تنظر إلى الغصون و السماء و العصافير ..
وواظبت أنينة على مشاركته جلسته في الحديقة . ولم تكن تعرف الصمت إلاّ في النادر , لكنه اعتادها , كما اعتاد الإصغاء بنصف انتباه أو دون ذلك , وعند الحاجة يتناول الناي لينفخ فيه ما شاء له من الطرب .
و استطاع أن يقول في رضى تام أن كل شيء طيب . حتى شقاوة إدريس باتت شيئاً مألوفاً , لكن المرض اشتد على أمه . و عانت آلاما لم تعرفها من قبل تقطّع لها قلبه و كانت تدعوه على جانبها كثيراً فتسبغ عليه أكرم الدعاء . ومرة قالت له بتوسل حار : " أدع ربك دائماً أن يقيك الشر و يهديك سواء السبيل " . ولم تدعه يذهب . و ظلت تراوح بين الأنين و بين مخاطبته و تذكيره بوصيتها حتى فاضت روحها بين يديه . و بكاها أدهم و بكتها أميمة , وجاء الجبلاوي و نظر في وجهها ملياً ثم سجّاها باحترام وقد تجلت في عينيه الحادتين نظرة كئيبة مليئة بالشجن .
و ما كاد ادهم يعود رويداً إلى مألوف الحياة حتى ارتطم بتغير طارىء على أميمة لم يعرف له علّة . بدأ بانقطاعها عن مجلسه في الحديقة فلم يسر بذلك كما كان يتوهم أحياناً . وسألها عن سر انقطاعها فاعتلّت بأعذار شتى كالعمل أو التعب . ولاحظ أنها لم تعد تقبل عليه بالاندفاع المعهود , فإذا أقبل هو عليها لاقته دون عاطفة حقيقية , كأنما تجامله , وكأنما مجاملته عناء . و تساءل عما هنالك ! لقد مر بشيء شبيه بهذا , و لكن حبه صمد له و تغلب عليه . و كان بوسعه أن يقسو عليها , وود أحياناً لو يفعل ذلك ولكن منعه انكسارها و شحوبها و مغالاتها في التأدب معه . أحياناً تبدو حزينة , وأحياناً تبدو حائرة , ومرة باغت في عينيها نظرة نافرة حتى ركبه الغضب و الجزع معاً . فقال لنفسه : " فلأصبر عليها قليلاً , إما أن ينصلح حالها أو فلتذهب في ألف داهية ! " .و جلس إلى أبيه في مخدع الرجل ليعرض عليه حساب الشهر الختامي و تفحصه الأب دون أن يعنى بمتابعته و سأله :
نالك ؟
فرفع ادهم رأ

وزير الثقافة : المصريون بحاجة لثورة داخلية ضد الفوضى

وزير الثقافة :
المصريون بحاجة لثورة داخلية ضد الفوضى
 
محيط
 
السبت: 10 ديسمبر 2011 , الساعة 2:23 مساء
أ ش أ 

أكد وزير الثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد أن الوعي الثقافي ، واعلاء قيمة الابداع والابتكار أمر متشعب يرتبط بالمجتمع ككل ، وبالأفراد والمؤسسات معا ، وأنه من الصعب أن يتحمل شخص بعينه تبعات التأخر الثقافي لدى الشعوب ، وأن الشعب المصري يحتاج إلى ثورة داخلية على الأخلاق السلبية والسلوكيات المتسببة في الفوضى وحالة الانفلات الأخلاقي .

وعما تمر به مصر أوضح أن هناك جانبين ، الأول ايجابي والآخر سلبي ، والأمور الايجابية تتمثل في ثورة المجتمع المكبوت والمقموع ، أو كما كانوا يقولون "المغلوب على أمره" طوال ثلاثين عامًا مضت هي فترة حكم الرئيس السابق مبارك ، لقد ثاروا بعدما كانوا لا يستطيعون التحدث وبعد خوف وقهر واستبداد الا أن ارادة الله جعلت هذا الشعب ينتفض ويتحرك ويتفاعل من أجل الرغبة في التنفس والعيش الكريم والاحساس بالأمان بدلاً من الخوف الداخلي ، وبالازدهار والنمو الاقتصادي بدلا من الفقر والاحتكار .


اما الجوانب السلبية فتتمثل في المطالب الفئوية التي لا تتمهل ، وفي حالة الفوضى الأخلاقية للأسف ، والتي أرى أنها تحتاج من الشعب الى ثورة داخلية لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، وعلينا أن نعلم جيدًا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .


واعتبر أن الايجابيات والسلبيات لا يتوازيان مع بعضهما ، وهو ما تسبب في حالة الخلل ، والاضطراب الحالي ، وهو ما نسميه في علم النفس حالة من الفقدان الموقت في الاتزان الوجداني الجمعي ، ولكي يعود هذا المجتمع متزنًا مرة أخرى فلابد من الحوار والتشاور ، والتركيز على النظرة المستقبلية ، بعيدًا عن الماضي ، وعن المصالح الشخصية، فالكثير من القوى تسعى لاقتسام غنائم الثورة، والاستيلاء على السلطة.


وأشار فى حديث لصحيفة " السياسة " الى أن الفترة منذ قيام ثورة 25 يناير حتى الآن قصيرة جدًا ، لم تتجاوز العشرة أشهر ، ومن الصعب أن نصدر حكمًا على حركة الترجمة أو الكتب والمؤلفات فيها ، ومن الطبيعى فى اى ثورة أن يقل الابداع والتطور ، والأمر يحتاج الى وقت حتى تعود تلك الحركات لسابق عهدها ، وتنضج أكثر مما كانت.


ووصف الدكتور شاكر عبد الحميد المجلس الأعلى للثقافة بانه مجمعً لعقول الأمة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ، وهو يضع الخطط والبرامج لتطوير المجتمع ثقافيًا، واكتشاف المواهب والمبدعين ، وبث روح الاتحاد والتعاون والديمقراطية ، واعلاء ملكات الابداع والتذوق الجمالي ، مطالبا بانشاء ، ومد جسور الثقافة بين المؤسسات الثقافية والتعليمية والاعلامية .


وأشار الوزير إلى أننا نمتلك شبكة من القنوات المتخصصة "شبكة النيل" الا أنها واحدة فقط بين أربعين قناة هي التي تهتم بالثقافة ، فلا توجد بالتلفزيون أي خطط للاهتمام بتقديم الوعي الثقافي المناسب في الشكل والأسلوب ولا يوجد تشجيع ثقافي حقيقي للشباب من أجل تنمية ابداعاتهم ، في الوقت الذي لا يحظى المبدعون والمبتكرون أنفسهم بالدعم والاهتمام اللازم لاستمرارهم ، أو بالتكريم المناسب والمكانة اللائقة ، على العكس تمامًا من لاعبي الكرة والممثلين والمغنيين ممن يحصدون الجوائز والملايين ، ويحظون بالشهرة والتغطية الاعلامية المكثفة لذلك فمن الضروري أن تكون هناك وزارة للشباب ، يتولاها أحد أبناء هذا الجيل وتعمل على نشر الوعي والتثقيف وترعى الأنشطة التي تزيد من وعيهم وثقافتهم ، فالثقافة لا تعني فقط الأدب أو الفن التشكيلي ، الثقافة ترتبط بالكثير من مناحي الحياة .

وشدد على أن الثقافة هي أسلوب حياة يتسم بالرقي والتهذيب ، وهذا الأسلوب يرتقي بنا، ويعمق من مشاعرنا وأفكارنا ، ويدفعنا نحو الأفضل ، ويستمد الانسان ثقافته ويكتسبها من القراءة ، والفن التشكيلي ، والشعبي ، ومن السينما ومن البيئة التي ينشأ فيها ، والتي يتواصل معها عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ، والثقافة هي التي تهذب أخلاقنا ، وتجعلنا نرتقي في تعاملاتنا مع كل الفئات العمرية المختلفة، كما أنها تمنح الانسان القدرة على الابتكار والابداع، فالقراءة لا تكون لمجرد جمع المعلومات فقط، وانما للاستفادة من المعلومات المجموعة، والبناء عليها.

وعن تراجع دور المسرح في نشر الوعي المجتمعي ، واحجام الجماهير عنه ، قال وزير الثقافة إنه توجد أسباب داخلية متمثلة في قلة الامكانيات فالانتاج المسرحي يحتاج إلى مبالغ كبيرة وطائلة ، والمسارح تحتاج إلى نفقات لتطوير أجهزتها وأدواتها ، ومن الصعب توفير هذه الأموال ، كما أن المسرح عانى خلال السنوات الأخيرة من عدم وجود مؤلفين مسرحيين كبار كما كان في الماضي ، من أمثال توفيق الحكيم، ومحمود دياب، وأبو العلا السلاموني ، بالاضافة إلى التطور الرهيب في مجال الميديا ، والمتمثل في السينما ، والتلفزيون ، والانترنت فالناس تذهب الى هذه الوسائل أكثر مما تفكر في المسرح.

وأشار وزير الثقافة المصرى الدكتور شاكر عبد الحميدالى أن هناك تقدما في الوعي الثقافي ، وخاصة في دولة الكويت التي أصدرت سلسلة "عالم المعرفة" التي توزع في أنحاء الوطن العربي كافة ، كما يوجد فيها مجلس وطني للثقافة والفنون .