الاثنين، ديسمبر 12، 2011

قصائدي باللغة العربية كعلاقة حب جديدة‎ : للشاعر الدنامركي نيلس هاو




إصطياد السحالي في الظلام

خلال المجازر
نتمشى على طول البحيرات غافلين.
تحدثت أنت عن سيمونسكي,
و راقبتُ أنا غراب القيظ
يلتقط فضلات الكلب.
كل واحد منا منغمس في نفسه
مطوقٌ بقوقعة جهلٍ
تقِي أهوائنا.

يؤمن الهيوليون**
أن فراشة في جبال الهيمالايا
بخفقةٍ من جناحها
بوسعها التأثير على الطقس في القطب الجنوبي.
قد يكون هذا صحيحاً.
ولكن
حيث الدبابات تزحف
والأشلاء والدماء
تتقاطر من الأشجار
فليس ثمة ما يتأثر.

البحث عن الحقيقة
كاصطياد السحالي في الظلام.
العنب من جنوب أفريقيا,
الأرز من باكستان,
البلح ينمو في إيران.
نحن مع فكرة الحدود المفتوحة
من أجل الفواكه والخضروات,
لكننا مهما نلف وندور
فالمؤخرة تظل في الخلف.

الموتي يدفنون عميقاً في طيَّات الصحف,
لهذا,دون أن نتأثر,
بوسعنا الجلوس
على مقعد في ضواحي الفردوس
حالمين بالفراشات.




نساء كوبنهاغن


ها أنا أقع في الحبّ من جديد
خمس مرّات مع خمس نساء مختلفات
وأنا في طريقي بالباص رقم 40
الذاهب من جادّة "نيال" الى ضاحية "أوستربغو".
كيف يتسنّى للمرء أن يسيطر على نفسه في ظروف كهذه؟
كانت إحداهن ترتدي معطف فروٍ، والأخرى جزمة مطّاطٍ حمراء.
الأولى تطالع صحيفة شعبيّة، الأخرى كانت تقرأ "هايدجر".
والشوارع غارقة بالمطر.
عند جادّة "آما" صعدت أميرة مبتلّة بالأمطار،
كانت متّقدة وجامحة، فوقعتُ في غرامها كلّياً
لكنّها ترجّلت عند ميدان البوليس وحلّت مكانها
ملكتان بحجابين كاللّهيب،
ظلّتا تتحدّثان بصخب مع بعضهما بالباكستانيّة
طوال الطريق المفضي الى مستشفى البلديّة،
فيما كان الباص يغلي شِعراً.
كانتا أختين بذات الجمال،
لذا ضاع قلبي بينهما
فخطّطت فوراً لحياة جديدة
في قرية قرب "راوالبندي"،
حيث الأطفال يكبرون
في رائحة الكركدية،
فيما أمّهاتهم اليائسات يغنّين أغاني تقطع القلب
عند حلول الغسق
الذي يغطي سهول باكستان اللا متناهية.
لكنهما لم ترياني!
وتلك التي في معطف الفرو بكت خلف قفّازيها
حين ترجّلت في جادّة "فاريماج".
الفتاة التي كانت تقرأ "هايدجر" أطبقت كتابها فجأة
وتطلّعت نحوي مباشرة بابتسامةِ إزدراء،
وكأنّها لمحت نكرةً ما
في ذروة إنحطاطه. وهكذا انفطر قلبي
للمرّة الخامسة حين نهضتْ وغادرت الباص
مع بقية الأخريات.
يالقساوة الحياة!
واصلت مشواري موقفي باص قبل أن أستسلم.
وهكذا تنتهي الأمور دائماً: أقف وحيداً على جانب الرصيف،
أدخّن سيجارةً، منتشياً وتعيساً قليل





زيارة من أبي


جاء والدي المتوفى في زيارة
وجلس على كرسيه ثانية، الكرسي الذي حصلت عليه.
"حسناً، يا نيلس!"، قال.
كان أسمر وقوياً، شعره يتلألأ مثل طلاء أسود.
كان سابقاً ينقل شواهد قبور الآخرين هنا وهناك بقضيب فولاذي وعربة يد، كنت أساعده.
وهو الآن ينقل شاهدته الخاصة
بنفسه. "كيف حالك؟"، قال لي.
أخبرته بكل شيء، مشاريعي، جميع محاولاتي الفاشلة.
على لوحة الإعلانات ثمة سبع عشرة فاتورة معلّقة.
إرمها بعيداً، ستعود إليك مجدداً بالتأكيد!"، قالها مبتسماً.
"لسنين عديدة كنت شديداً على نفسي"،
قال مسترسلاً، "أضطجع يقظان وأتفكر
كيف أكون إنساناً لائقاً،
فذلك أمر مهم!".
قدمت له سيجارة،
لكنه كان قد أقلع عن التدخين الآن.
الشمس في الخارج تشعل النار في جميع السقوف والمداخن،
جامعو القمامة يصخبون ويصيحون على بعضهم
في الجادة تحت. نهض أبي من مكانه
ومضى نحو النافذة وحدّق إليهم في الأسفل.
"إنهم مشغولون"، قال أبي، "هكذا ينبغي أن تكون،
إفعل شيئاً!".




الحبّ يُعمي


الحبّ يُعمي - وفي كل يوم، حين يمرّ الأعمى من هنا
وهو يدرج بعصاه
تتوقف حركة المواصلات كلياً ربع ثانية
فيما ملائكة الرب تصعد وتهبط
وطبيب العيون يغلق عيادته
الحب يُعمي
لكن الجنس لا يضير: بصري لا عيب فيه
يمكنني رؤية كل شيء
لهذا السبب قصائدي الغرامية فاشلة جداً
بعينين مغلقتين أهمس في التلفون
وعند المحطة يقف الأعمى
مثل رسول إنجيليِّ
ويدندن تحت المطر:
معاق من الحب
العشاق الجدد يقبلون أنامل بعضهم
أعرف ذلك جيداً».




يجب عليك أن تقوله بنفسك


ذلك،
الذي لا يقول شيئاً
يتخيل
أن الصمت الذي يحيط بصمته
يقول كل شيء
ولكن هذا الصمت يتحدث بصوته
هذه هي المشكلة
الأهم هو ما يحدث داخل منطقة الصمت
ولكن لا أحد يستطيع التحكم بهذا
هناك ملائكة و.. تتحدث في الجوقة
إذا أردت شيئاً قالت
يجب عليك أن تقوله بنفسك





الرُّوحُ ترقصُ في مهدها


إذا صَحَّ أنَّ الرُّوحَ تُولَدُ عَجوزًا
وتَغدو، مع مَرِّ الحياة، أكثرَ شبابًا
فأنا وأنتِ أكبرُ، وأصغرُ،
واحدُنا من الآخَر؛
ومِثلُ هذا الاندِماج خَطِر.

لِنَكُنْ صادِقَيْن:

نحن نعيشُ، كلَّ يومٍ، مع القَدَر،
كما أولئك الَّذين يَعيشون في الدِّلتا،
مع المَدِّ والجَزر:
إنَّهم يَتآخَوْن مع القمر؛
ونحن نَعيشُ فيه.

القلبُ يَنبُضُ في حُرِّيَّة،
والرُّوحُ تَرقُصُ في مَهدها.


نقلا عن / مجله النرد
الكتاب: حين يصيرُ أعمى
الكاتب: نيلس هاو
orders@asp.com.lb الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
تقديم: فاضل العزاوي

يلامس "نيلس هاو" في هذا العمل " بقصائده العتمة والضوء بعفوية الشعر نفسه. فجاءت القصيدة عنده شيفرة وتجربة ولغة لها شكل مكاني وزماني تحمل في مقارباتها شيئاً من السرية، تمارس فعلها لحظة القراءة ولحظة التفسير. هي قصائد تنتمي إلى تجارب شاعرنا في هذه الحياة، ودائماً من منظور إنساني
نيلس هاو ــ شاعر من الدنمارك

ليست هناك تعليقات: