‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، يناير 22، 2014

"تيم " قصة قصيرة ...لـ ماجدة حسن

* * تيم * *

قصة قصيرة ...لـ ماجدة حسن________________________

إثرَ خلافٍ بينهما....أتاني يطلب وضعَ ابنهِ , ذي السنتين وجعاً في بيتي .جدّة الطفل ترقدُ في أحد مشافي العاصمة..تستأصلُ عقوق ثديٍ عن شفاه الحياة , يحلمُ بحلمةِ ضوء , لا تكبرُ أورامها في مقتبلِ الحزن.عمّة الطفل الحبلى..أنجبتْ ثاني أولادها ذاك النهار , بعملية قيصرية نُسبت لامبراطور نسيَ أن يختمَ بعد قرن , نزيفَ البشرية.ولادةٌ من الخاصرة كلّ دقيقة , ومازالَ الأطفالُ يتوافدون لهذا العالم نحوَ جرحٍ أكبر , بينما المباضع تتكاثر في سباقٍ مع الأرحام الضّحلة الأمل.حضنتُ * تيم الخائف بحنانٍ بدائيّ , غريزةٌ أزهرتْ للتوّ بسمةً على شفاههِ..كان قلبهُ الصغير -يتكتك -كمنقارٍ.. تعوّدتُ سماعهُ في المدخنة الملغيّة بالجدار ....كانَ عليّ أن آخذ دورَ الحنان والرجاء والوداد ( ليسَ صدفةً أن كانتْ نفس أسماء عمته وجدته وأمه ....! ) وكانَ عليهِ أن يبحثَ بين دموعه الضائعة , عن مأوى لطفولته الهاربة من سياط الكبار , وأن يفتشَ إحساسُ قزامتهِ بين الأرجل عن كومةِ عشب نديّة , ينامُ عليها برعمه الطريّ.شهران...وعيناهُ تغفوان بيننا..كم أغراهُ أحدنا قبلَ الآخر , بقطعة حلوى , لينام قربه ,كان صباح عينيهِ , أشبهُ بولادة ينبوع ضوءٍ صغير , على كتف الليل.. يلثغُ كلماته الأولى.كثيرَ ليالٍ أفاقَ وهو يصرخ ...لزاء لا ..لا تدلبيني ( رجاء لا ... لاتضربيني )..ذاكرة قلبي تكرّر المشهد طوالَ النهار , سرعان ما تحول شعور الشفقة لحبّ صارخ كـ كوابيسه .موعدُ عودته لبيت جدته المعافاة يقترب...جرحها رُتق ....بينما جرحي بدأ يشقّ طريقه من نفس المكان ...!عندما.. أتذكر شهقةَ روحي , خلف الباب الخشبيّ بعدما ودعتهُ...أقولُ لنفسي : كم قيصريّة تنجبُ غصّة بريئة... لا مشرط فيها سوى ...خدر الذاكرة الطفلة .9 \ 8 \ 2010

الجمعة، يناير 10، 2014

للقرية أخبار قديمة... قصة للأديبة كريمان رشاد


للقرية أخبار قديمة


                                                     
إذا مررت يوما على قريتنا ... وقابلت أهلها ... فلا تسأل عن ثلاث .... الرجل الجالس في مقدمة المقابر على الأريكه الخشبيه المتشققه ... ملفوفا بعباءته السوداء ومستندا برأسه إلى بندقيته .... وسلمى أجمل بنات القرية المختفيه منذ عامين ... ومقام الإمام عبدالظاهر المنصوب فى أول البلدة حيث يفترش الناس ساحته الأماميه طوال النهار بينما تبتلعهم الأرض تماما مع غروب الشمس ....
إذا مررت ببلدتنا فى يوم ما ولم تتبع تلك النصائح التى ذكرتها لك سلفاً وتساءلت بحسن نية عن الرجل الجالس فى مقدمة المقابر على الأريكه الخشبيه فسيخبرونك هامسين ومتلفتين حولهم أنه الريس خليفه الطلحاوى أعتى مجرمي الناحية وانقي قلوب الأرض .... ستحك رأسك مستفهما حينها وتنطلق الأسئلة من فمك كالسيل لكنهم سيولونك ظهورهم رافعين أكتافهم ويغادرونك بلا إضافه .... فلا مجال للحديث مطلقاً عن الريس خليفة مع الغرباء أو فيما بينهم ....
أما الحديث عن سلمى سيكون أكثر إفاضه ودون همس أو التفات لكن إلى ذلك فلن تغنيك إجابتهم شيئاً .... فسلمى أجمل بنات القرية كما سيؤكد لك الجميع قد خطفها الجن منذ عامين حينما كانت تغسل ثيابها على شاطئ الترعه الضحلة ....ولك أن تصدقهم حتى وإن كانوا لا يصدقون أنفسهم وهم يقسمون بذلك على مقام الإمام عبدالظاهر ممسكين بلحاهم البيضاء الكثه
أما المقام فلن يخبرك أحد الكثير عنه.... ليس حرصاً وتكتماً ولكن لجهل حقيقي بالأمر ... فقط استيقظت البلدة صبيحة إحدى الأيام لتجده هناك مقاما بعناية فى أول القرية ... حتى الإسم لم يعلم أحد من أين جاء فقط راحوا يرددونه فيما بينهم حتى ألفوه ....
إذا قررت المبيت فى البلدة – بالرغم من أنى لا احبذ ذلك مطلقا – وجلست بالقرب من الحلقات البشرية التى يكونها أهل البلدة في المساء يشعلون النار فى وسطهم ليس لإعطاء قدر من الضوء ليلاً فأهل البلدة لا تعوزهم الرؤية فى شئ ولا يلقون لها بالاً ... ولكن لأسباب أخرى أهمها غلى الشاى الأسود المر الذى يتقاسمونه فيما بينهم على مدار الليلة وكأنه يأتى من بئر جوفي لا ينفذ..
إذا جلست بالقرب من إحدى الحلقات تلك ... بإمكانك سماع همساتهم القلقة حول الريس خليفة الطلحاوي ... لا يعلم أحد فى البلدة منبت رأس الطلحاوى ولا مكان عائلته ولم يتجرأ أحد ممن سنحت لهم الفرصة للحديث معه على سؤاله فظل الطلحاوى لغزاً يهابه أهل البلدة خاصة بعد قتله سبعة من أعيان القرية والقرى والنجوع المجاورة فى أسبوع واحد ....
إذا وصف أحدهم أمامك قوام سلمى وجمالها فامسك عليك نفسك ولا تشتهيها حتى لا يصيبك غضب الجن فسلمى الآن كما يؤكد الجميع زوجة لملك الجن ...بإمكانك تصديقهم أيضا إذا وجدتهم يتهامسون حول مهندس الري الأشقر الذى غوى سلمى فأحبته وانصاعت إليه هناك تحت شجرة التوت البحرية فقتله خليفة الطلحاوى الذى عشق سلمى وألقى بجثته فى الترعه تحت الكوبري ... البعض أيضا سيؤكد لك أن سلمى هربت إلى المدينة ذات ليلة تحت جنح الظلام بينما سيقسم لك البعض أن الطلحاوى قتلها ودفنها تحت شجرة التوت وأنها تظهر هناك للآن  تغوى الرجال وتصحبهم معها إلى باطن الأرض ...
صوتٌ ضعيف يخرج من أقصى الحلقة يؤكد أن المدفون تحت مقام الإمام عبدالظاهر هو شقيق خليفة الطلحاوى الكبير الذى وفد إليه ذات ليلة حانقا ونشب بينهما عراك سمعته القرية بأسرها إختفى على إثره الشقيق الأكبر ولم يعلم أحد مثواه قال البعض أنه خرج فى نفس الليلة عائداً من حيث جاء ... بينما أكد البعض الأخر أن الطلحاوى قتله ووارى جثته الثرى ثم أقام هذا المقام فوق قبرة .... لعلك خمنت الآن من أين جاء إسم المقام ...لاترهق نفسك كثيراً فلن يستطيع أحد تأكيد ظنونك تلك أو نفيها  ...
إذا نعقت الغربان فوق رأسك فاعلم أن الليل قد إنتصف ... لابأس إن نظرت فى ساعتك لتتبين الأمر - هل فعلت ؟.....- إذن عليك الآن وبكل سرعة مغادرة المكان وإيلاج إحدى الدورالتى سيضطر أهلها لاستقبالك  فمن غير المسموح البقاء فى الخارج بعد منتصف الليل ... لا داعى لإخماد كومة النار المشتعلة فستنطفأ بمفردها ....
إذا دخلت إحدى الدور الطينية فى البلدة بعد انتصاف الليل فنام على الفور ولا تطل مطلقا من النوافذ فالجن يحومون الآن فى الشوارع .... بإمكانك سماع حديثهم الطويل كصفير الحشرات الليلية ...
وحده خليفة الطلحاوى يبقى فى الخارج بل متسكعاً فى أزقة القرية النائمة المتلحفة بالسواد واخماد شعلات النار المتبقاه من السهرة الليلية وطرق الأرض بكعب بندقيته المحشوة دوما  واطلاق سعاله الجاف الخشن الذى تهابه الجن فيمسكون عن الحديث ....
إذا طلع النهار عليك فغادر القرية على الفور ولا تلقى المزيد من الأسئلة التعسة ولا تنظر خلفك مهما حدث ولا تنسي نفض أتربة القرية العالقة فى حذائك جيدا عندما تصل للطريق العمومي ..
ملحوظة خانها السطر الأول ولم يصحبها معه .... قم بإغلاق هاتفك المحمول فور دخولك البلدة ولا تخرجه مطلقا أمام أحد حتى لا تثير غضبهم فلم تنسي القرية للآن أن هذا الجهاز المزعج الصغير كان بوابة عبور الجن إلى جسد سلمى 

الأربعاء، يناير 01، 2014

قصة " لاعزاء للبحر " للقاص / أحمد مصطفي الغر الفائز بالمركز الثالث في فرع القصة " المستوي الثاني "



قصة " لا عزاء للبحر"
                                  للقاص  / أحمد مصطفي الغر                 الغربية 

لا أحد فى بلدتنا لا يعرف البحر ، وربما لا يعرف البحر بشراً سوانا ، تتراص منازل بلدتنا كشواهد متلاصقة بغير نظام فى مقبرة جماعية أُنشٍئت على عجل بمحازاة شاطئه ، منازل قد سقط عن حوائطها طبقة البياض فظهر طوبها الآخذ فى التحلل والتآكل ، تلاصق المنازل يجعلها تتساند حتى لا يسقط أحدها غفوة، و نتج شكلاً مشوهاً يزيد من عشوائية المكان ، بينما ترقد القوارب الصغيرة أمام المنازل لتستريح بعض الوقت قبل رحلتها التالية فى صباح الغد .

وقت غروب الشمس على الشاطئ ، تقف النساء لإستقبال أزواجهن الصيادين القادمين بالرزق ، ينظرن إلى البحر بتوجس يخامره القلق ، تتنفس كل واحدة منهن الصعداء عند مشاهدة الزوج أو الابن عائداً ، ترنو إليه بعينيها مستأنسة ومطمئنة ، تسعد بالصيد ولو كان قليلاً ، لكن يسعدها أكثر العودة السالمة للصياد ، فبحر بلدتنا غدّار ، كم سرق من راكبيه من قبل !

كانت ترعبنا قصص الأجداد عن البحر الغدّار الخاطف للأرواح ، فعند عتباته يتربص الموت ، وتسحرنا قصصهم عن الأبطال الذين نجوا من أهواله ، وفى مخيلاتنا الطفولية ننسج قصص أخرى مشابهه .. لكن نحن أبطالها ، سرعان ما يقطعها إنطفاء النار إعلاناً بذهاب القوم إلى النوم !

كنا اطفالاً ، وليس لنا مرتع للهو سوى البحر ، كنا نلعب على شاطئه فى الصباح وحتى غروب الشمس حين تعود القوارب بالرزق ، وكانت الليلة هى موعد عرس إبنة الريس"حمدان" شيخ الصيادين ، وبمجرد العودة .. أسرع الجميع إلى منازلهم كى يستعدوا لسهرة حافلة بالغناء والرقص تبدأ عندما تغرق الشمس الحمراء تماماً فى البحر وتكتسى بلدتنا بستائر الظلمة.

لكننا لم نكن قد إنتهينا من لهونا الذى لا ينقطع على الشاطئ ، إقترح أحدنا أن نلعب "الاستغماية" ، وستوفر المنازل المرصوصة عشوائياً على الشاطئ أماكن ملائمة للاختباء ، لكن "منصور" ــ وهو أكبرنا ــ أصرّ على أن ننزل البحر لنقيم سباقاً فى السباحة ، كان "منصور" يجيد السباحة ويتباهى بذلك كثيراً ، فقد علمّه أبوه ركوب البحر والسباحة فيه منذ صغره ، ليس التباهى وحده هو ما أنتجه حُسن السباحة فى "منصور" .. بل حنقه على البحر الذى غيّب أباه منذ عامين ، فكان "منصور" يرقب البحر دائما بعينين ناقمتين ، كما المقتول يرقب قاتله وهو يحشو مسدسه بالرصاص قبل تصويبه ناحيته ! ، ألم يكن من الأحرى أن يكون "منصور" أكثرنا خوفاً من البحر ؟! ، لكن ( المايه ما تسير على العاف) . 

السباق هو الوصول إلى نهاية اللسان ثم العودة ، والشمس قد أوشكت على الغرق التام وثمة أشعة قليلة تخضب بعضاً من الأفق الذى بدأت بوادر الظلمة تغشاه ، السباق بسيط لمن على الشاطئ .. لكن الأمور تختلف فى المياه ، بحرنا غدّار .. أنسيت ؟! 
إختفت الشمس تماما .. وظهر القمر بدراً وكان المد عالياً ، موج البحر يتهاوى على صخور اللسان يريد أن يحطمها إلى فتات ، كانت السباحة بالقرب من صخور اللسان أمراً مستحيلاً وبالتالى على كل متسابق أن يبتعد قليلاً ليسبح بموازاة اللسان .. لكن دون الاقتراب منه ، دبّ الخوف فى نفوس البعض من هذا الهائج الغدار فإنسحبوا إلى الشاطئ ، ومن قَبِلَ المنافسة منهم لم يكمل منتصف المسافة وعاد بقواه الخائرة مصارعاً الموج ، لكن "منصور" أكمل مساره ، كان هزيز رياح البحر عالياً و الظلمة قد حلت تماما .. ثم إختفى "منصور" !

إعترى الجميع حالة غريبة من الفزع ، لقد تلاشى الضوء وظهر مشهد البحر مرعباً بعد ان كسته الظلمة ، فجرينا عبر اللسان لنبحث عن "منصور" ، و أسرع أحدنا لطلب العون من أهل البلدة الذين قد بدأوا فى الخروج إلى مكان العُرس ، ما هى إلا لحظات وصار كل سكان البلدة على شاطئ بحرها ولسانه ، حاملين القناديل الزيتية والمشاعل ، كان القمر يصارع الغيم فى السماء فتبدد ضوؤه وصَعُبَ عليه النفاذ إلى البحر ، وفى الضوء الشحيح للمشاعل بحثت كل أم عن صغيرها وتفحصته بهلع مع بعض التوبيخ على بقائه حتى هذا الوقت على الشاطئ ، وسرى بين الجميع أن الغائب هو "منصور" وحده ، صاح أحد الرجال :

ــ هؤلاء الشياطين ! ، لماذا ظلوا يلعبون على الشاطئ حتى هذا الوقت ؟ ، ألم يكفيهم طول النهار ؟!

مقولة الرجل أشعلت غيظ بعض الامهات، فتحول التوبيخ إلى بعض اللطمات لصغارهن عقاباً لهم على البقاء حتى هذا الوقت على الشاطئ ، فمن الممكن أن يكون أياً منهم مكان "منصور" ألان أو معه ، زادت تمتمة الرجال الممزوجة بنحيب الصغار و زجر الأمهات ، ولم يقطع كل هذه الجَلَبَة سوى صوت صارم مختصر للريس "حمدان" الذى دعا الجميع إلى البحث عن "منصور" ألان بدلاً من الكلام الذى بلا طائل .

وحدها كانت لا تزجر أحداً ، لا تتمتم ، فقط تنظر إلى البحر بفزع شديد ، عيناها تتحركان كالبندول ، صامتة لم تنبس ببنت شفة .. يصبغ الصمت وجنتيها الشاحبتين بملامح الموت ، ذكرى قديمة قد إستيقظت فى داخلها فجأة .. كان قد طواها الزمن فذكّرها بها البحر ألان ، ذكرى زوجها الذى خطفه البحر قبل عامين ، البحر الخاطف هو هو .. والمخطوف هو كل ما تبقى لها من الدنيا .. إبنها "منصور" ، كلمات الريس "حمدان" زادت من إنخلاع قلبها الفاتر ،و زادت من أنفاسها المضطربة التى تحمل فى طياتها أنين و إستغاثات لا تقوى على الصراخ بها ، فزاغ بصرها .. ثم هوت!

قرر البعض النزول بقارب للتفتيش عنه عند رأس اللسان ، لكن بمجرد تحرك القارب فى المياه بدا كأنه دميه فى مسرح العرائس ، الأمواج عاتية والقارب صغير ، فكرة النزول بالقارب غير سديدة .. فقد يتحطم بهم على الصخور تحت وطأة هذا الموج الهائج .
الوقت يمر بسرعة ومع مروره تتناقص فرص عودة "منصور" ، نتقاسم الذعر والارتباك .. لكن لم نفقد الأمل بعد ، أمل ضعيف صحيح .. لكنه يسمى أملاً ! ، تتزايد نبرات الدعاء والتوسلات كى يعود سالماً ، لا نريد أن نصدق الحقيقة التى صارت ماثلة أمامنا ، حقيقة نألفها فى مثل هذه المواقف ، حقيقة تجوب كل الأدمغة .. لكن لا يجرؤ أى لسان على النطق بها.

سرق البحر "منصور" .. وبَخِلَ علينا بجثته كى ندفنها .. فتركنا رهينة حتى بوادر شمس الصباح كى نسبر أغواره بحثاً عن الجثة ، سرق البحر فرحة أهل القرية بعرس إبنة شيخهم ، وسرق منهم أى أمل باقى فى أن مياهه الحُبلى بأجساد ذويهم قد تتوقف عن إلتهام المزيد منهم ، ألا يشبع البحر ؟!

إنقلب العرس إلى مآتم ، والناس القادمة لتفرح صارت تبكى ، والوقت المسرع صار بطيئاً فجأة كأن الوهن قد أصابه فتمهل فى جريانه الجارف و أبطأ خطاه علّه يدعنا نستوعب مصيبتنا ، الليلة قد فاز البحر.. على عكس حكايات الأجداد ، الليلة أيضا لم يكن "منصور" من أولئك الأبطال الذين قهروا البحر ، فإستسلم لأنفاس الموت. 

فى اليوم التالى وبعد أن إستنفذنا أى أمل فى العثور على جثة "منصور" .. وقف أعمامه لتلقى العزاء بعد صلاة الجنازة ، عزاء غير مرحبٍ بالبحر فيه !

قصة " عوسجة " للأديب /فتحى محمود اسماعيل الفائز بالمركز الثالث في مسابقة المدونة " مستوي أول


عوسجة 
للقاص / فتحى محمود اسماعيل                    سوهاج

تماماً في سرة السماء.. تعبس بوجهها الملتهب ،تنفخ من جوفها حمما قائظة تلسع الجباه ، تحرق انسجة الملابس البترولية ،تكوى اللحم الذى اوهم أن للملابس دورا آخر غير "الستر" ، تتفصد مسام الجسد ملحا مبللاً بالماء ، أو هكذا خالته أمينه ، تسير محتمية بالبنايات التى تحجب عنها الشمس ولا تقيها حرها ... تشوى جلدها ، مناطق ما فى جسدها خالتها علامة تفرد خاصية تخول لها تيها ودلالاً تكاد الآن تلعنهما ، تتوقف أمانيها و أسمى طموحاتها عند حمام شقتهم... تحت الدش الصدئ تحديداً.
تزداد ضيقا بالإيشارب ، يحجز العرق الذي يطوق الرقبة فيصبح حسكا ينغز منابت الشعر تتمنى لو خففت قليلا من ملابسها هذه الأيام ، آلتي لم تكن أبدا كباقي أيامها ، ناراً أُبدلت من قلق شهورا تعانيه ، 
خالته سينتهي ، فإذا به يتحول آتونا مشتعلا ، ينهش صدرها ببخة تنين متعملق يحمل في أحشائه كل من عرفتهم إلا ماجدة
أينك الآن ؟
وحدها فكرت و...و حدها حاولت أن تطفئ النار .
- لكن ... بالنار يا ماجدة ؟
كنا نعتقد أن بالحقيبة أدوات الماكياج
- أو ساندوتشات
- أو رسائل الغزل
- فإذا بها مسدسات
- كيدهن عظيم "
لو كانت معها الآن لردت للمتحذلقين الصاع صيعان ، غصة تخنق بداخلها الريق المزدرد.
- لستم بأقل منه استحقاقا ًللردع .
تهمس بخاطرها...
يجيبها صوت ماجدة من قاع رأسها المترع بالذكريات :
" كائنات ضارة , أشبه بالذباب الذي لا يفرق بين العسل والدم المتخثر "
هكذا بصقتها ماجدة كرة من القرف ... حينها كان يقف أمامهما محتميا بفرع مائل ظلل الرصيف تاركا الأم فى مدخل أحد البنايات الحكومية ، يبتسم البلل على شفتيه ، يهش الذبابة من على الأنف الأفطس ، يتسامق طوله بحدبه تقى شعرًا حالكا لامعا مصفوفا للوراء بعناية وقد شوش بضعه الأمامى وتدلى حتى الحاجبين المزججيين ، يلقى بظله على ايهن ، لا تردعه تأففات الإزدراء ، لا يعنيه كره يطفح على العينين... نار، لا تشعره بذرة ارق ... لا تقلقل ثبات خطواته ، تصطك ركبتا أمينه ، تلتصق بصاحبتها التى ترمقها بعتاب غاضب ، تحدجه بنظرتين يشتعل التقزز فيهما ، تسحب رفيقتها ، تفضل نار الشمس على زمهريره اللزج ؛
تنفخ أمينة في ضيق توجعها الذكرى ، تهتف :
- ليتها ما جرأت .
تسير وكأنها لا تنقل قدميها ، تمل الرنو إلى معلم ، تحفظه ... الزحام يخنقها ، يعرقل خطواتها
الشمس لا تتركها بدون أن تدعس قوامها بيد ملتهبة ، تنحني ، تغرق في عرقها ، خجلها المميت ، تصل موقف السيارات ،
أخيراً ... تزفر في ارتياح سرعان ما يتحول إلى ألم يعتصر قلبها .
هنا كانت تصافح " ماجدة " تتباعدان واليدان متشبثتان ، تتراجعان والأصابع متكالبة ، والأنامل بعد هنيهات الملامسة الأخيرة ... تفترق على وعد باللقاء بعد يوم دراسى لم يتركا للهواء منفذا يحتله أو يعيره بينهما ،
هنا رأتها للمرة الأخيرة ، محاطة بعشرات الأيدي ... تخبط كفا بكف ، تشوّح ، ترتفع للسماء تشير إلى بقعة ما في الأرض ، بمئات الأعين... يندفع منها سائل لزج نحوها ، يعترى جسدها المحطوط في البؤرة ، يأكل أمينة سؤال ، يضعضع حواسها مبهم ، خوف خفي يظلل محيطها ، هلع حقيقي يزلزل كيانها ... يرعش فرائصها يترك فقط في الحلق غصة ، يبسان يحجر فمها ، ترفع يدها ، وصوت متحشرج ، مخنوق :
- " ماجدة "
على عينيها ثبات عجيب ، في وجهها إصرار قوى ، لا ترى صاحبتها آلتي تسأل من حولها بينما تأتيها الإجابة كلمات متناثرة تخرج من أفواه عدة :
- قتيل
- البنت قتلته ... مسكين
- كانت تحمل مسدسا في حقيبة يدها
- معركة انتهت بإطلاق الرصاص
- الشرطة تعاملت مع الموقف
تساءلت و.." مستحيل " تلون كل حروف سؤالها برفض رمادي:
- هكذا تنتهي ماجدة ... ؟؟
- " هكذا ابدأ "
قالتها" ماجدة " للمذيع التليفزيوني ، نصب من نفسه وضيوفه قضاة ، كانت تراها من خلف سرسوب دمع يحرق مآقيها ،
قال أخوها :
- لم يتركن شئ لنا ، حتى الحياة يسلبنها منا ، يقضين علينا بالفتنة وبالموت .
رمقته " أمينة " بغضب مرير منكسر وهرولت إلى غرفتها وتركت للوسادة احتضان ما تبقى لديها من دموع ، في نفس الليلة جاءتها في مدرج خالي من سواهما ، هبطت من أعلى أم انشقت عنها الأرض ؟ لا تدرى
بيدها مسدس تضعه على كفها وتبتسم نفس ابتسامتها العذبة ، في عينيها سؤال سمعته
" أمينة " ولم تفه به " ماجدة ":
- أترينني قاتلة ؟
- لا...
- لماذا تخليت عنى ؟
- ناديت عليك ولم تسمعينني
- سمعتك..
- لم تردى
- كانوا يقيدونني ...سلاسل بعدد عيونهم وقوة رفضهم ، طوقتني ، تخللت جسدي ، فكوا ايشاربي ، سلسلوا خصلات شعرى
- رأيتهم
- لم تمنعيهم
- خجلت
- هكذا أرادوني
- أنت افضل منى
- تريدين علاقتنا تستمر ؟
- نعم ..
- ألا تخجلين منى ؟
- انا ...ا ....ا...
تتعثر الحروف على لسانها بينما تتباعد ماجدة ، تتراجع وكأن شيئا ما يدفعها للخلف حتى تختفي، تصرخ " ماجدة " ..." ماجدة "... , و ...
- "أمينة" ... " أمينة"
يصلها صوت هامس حاني ، يسحبها خلال ممر رمادي تفتح عينيها لتجد أمها تضع يدا على صدرها والأخرى تمسح على شعرها
- حلمت ؟
- ماجدة يا أمي
- لها الله
- لم تذنب
- القتل جرم بشع
تعتدل في سرعة خاطفة ، تراه فوق الدولاب يخرج لسانه لها
- كان يستحق
- ليس لنا الحكم ، وإن كان ...فلا نملك الفعل ، لا يأخذ الروح إلا من خلقها
- لم يكن آدميا
- لايجوز عليه الآن إلا الرحمة
- لن يرحمه الله
- استغفرى الله
- انه شيطان ، شيطان يا أمي
تلقى بنفسها تحت الدش ، تحتضن حلمها بالماء البارد ، تسبل جفنيها ، تثق في الجدران تترك لجسد ها حريته ، يبوح ويتنفس ، ولكن اللحظة تأبى تركها والحلم يهنئان بلا ذكرى يجفل لها قلبها وتتأجج في الجسد نار تؤرقه ، تجرحه ...ولا تفلح المياه في تبريد الجراح فتبقى لترى فيها دموع " ماجدة " التي تبلل خمارها
-" لم اعد أطيق لقد وصلت إلى هنا بصعوبة ، يطاردني أينما ذهبت ، لم يدع لي منفذا ، رنين الهاتف لا ينقطع ، لا يترك أبى وأخي لحالهما ، يطاردهما أيضا ، بات رواد المقهى يعرفونني ، صوري يتناقلها الطائشون ."
- منها لله " مديحة " أسلمتك للشيطان
- بعد أن أسلمت نفسها
- يفرد شباكه القذرة أينما راح
- ولا يعدم وسيله
- فرصة لا تضيعها الساقطات
- على أشكالها تقع الطيور
- خنازير
- أنتِ الصيد الذي تمرد
- يهدد آبي بنشر صوري ولا يترك أمي لحالها ، يطلب مالا ليسكت
- أعطوه إذا ما يريد
- يقول أبي أن في ذلك اعتراف بثمة علاقة
- والعمل ؟
- سأصبر...
و.... تنظر للسماء بعين دامعة وقلب مكلوم ، تشاركها " أمينة " الصلاة صمتاً.....،
لا تدرى أن أرقها جثم على قلب صاحبتها ، بات همها ولما فعلتها انشطرت أمينه نصفين ،
نصف مستريح ونصف يقتله الألم ، نصف يبكى صاحبتها ونصف ينشد فيها الأغانى ، نصف قلق على مستقبلها ، ونصف قرير بنجاتها
- اهو حب ؟
قالتها امينه من داخل أحد المدرجات وهى تنظر من نافذته إلى فناء الكلية ، تتابع الثنائيات المتناثرة تحت ظلال الأشجار والمظلات الخشبية و... همس محيط
نظرت ماجدة نظرة سريعة ثم تراجعت قائلة :
- مودة ... كهذا الحذاء ...
تشير إلى قدميها وتكمل :
- ... أليس مستورداً ؟
تنظر" أمينة " في عينيها لحظات ... ثم تنفرج الشفاه عن ابتسامتين ضالتين ، أكسبتا وجهيهما ملاحة غبرها الحزن .
من شق ضيق في النافذة ينساب شعاع الشمس ، عمود مائل بتراقص الغبار في محيطه الضيق ، يضئ العتمة ، يمنع انكساره عند المرآة أمينه أن ترى وجهها ... لا تهتم ... تتأمل الأسطوانة المفعمة بالغبار ، تمتلئ حجرتها به إذن ، بل الشارع ، الدنيا ، لا يتضح إلا بمفارقة كهذه ، فى قلب العتمة ، يروح شهيقا ، ولا يجئ مع الزفير ، يحط على الأثاث ، الملابس ، العيون ، لا نبالى ..........ونعيش
تقلقنا الحقيقة ، نكره من يكشف عرانا ، والعرى ذاته اختيار ،
كانت تبحث في" شنطة يدها" عن منديل ورقى حينما رأته ، جفلت ....
- ما هذا ؟
ابتسمت " ماجد ة" في ارتباك و أغلقت " شنطتها "
- مسدس ؟ ماذا ستفعلين به ؟
- أدافع عن نفسي
- أخشى عليك منه
- المسدس أم هو
- الاثنان و... مستقبلك
- الذئب لم يترك في الحاضر فرجة أتطلع منها إلى الغد ، أخرج من جرابه اللعبة الجديدة ، حيلة شياطين ... وثيقة زواج عرفي ، طالب بالمال وإلا سيفضح أمري ، لم ينتظر الرد ، نشر الوثيقة بين المعارف ،
بات الكل يرونها لوحته التى تمردت أعلنت أنها لم تزل ورقة بيضاء ، عبثت أصابعه على أوتار السكون فأجج فى محيطها ناراً عبثا ً حاولت إطفائها و...
ليلة حمراء لو قضاها معها سيستريح ، ويستكين الشيطان داخله .
الشرطة لا تقنعها الاتهامات المرسلة ، والشرف لا يستحق الحراسة ،أغلقت بابها وأسلمت نفسها للحبس الاختياري ، عيون الزملاء والجيران والأقارب تهتك رجولة أبيها وأخيها ،تعرى الستائر الكثيفة بينما يستلقي أصحابها على الأرائك يتفرجون ، يتندرون ، يمصمصون الشفاه وهم يرشفون المثلجات في ارتياح وسكينه إلا هي ، وحدها تشعر بصديقتها ، تعانى معاناتها ، تخشى عليها منه وعلى نفسها ، لا تدرى ما يخبئه الغد ، لا تأمن هجمة الذئاب المفاجئة ،تكتظ الصحف بأخبار الاغتصاب ، والطوفان لا يبقى على أحد تعتصرها المخاوف ، تشلها الهواجس الكئيبة ، يلدغها خاطر ... لو صادفها في إحدى الطرق ، لو تخيرها صيدا ، تتوخى السلامة...!! ؟ وتبدل الوداعة بثوب الحيات مثل من توخينها ؟
وتحلق ... فوق هيكل الأب المنكسر والأخ الملتاث ، والأم حين تقرأ الفاتحة فى ساعة لا تكاد تعى ما تنطقه ؟ لا تردع شقيقتها حين تنفلت ... تقطف بين يدى الإثم ورودها الحمراء وتقدمها قرباناً لأمنها ؟

تقرأ في الجرائد...(اصبحت ترى أخبارها بين المغتصبين والقتلة ).........تفرج عنها النيابة بكفالة.
يراودها سؤال ، هل تزورها ؟ تحتضنها كما الأيام الخوالى ؟... ترتعد ، يخفق قلبها بشدة ، تعييها الإجابة ، تلقى رأسها على الوسادة وتروح في إ إغفاءة ...لا تسقطها فى هوة كرى مستقر

قصة " أدمي ودموي "للقاص /حازم سعد الفائز بالمركز الثاني في مسابقة المدونة " المستوي اللأول


ادمي ... دموي 
                                        للقاص / حازم سعد                    دمياط
_عام 1719م _
صوت يباغت آذان المتقاتلين, لا يكاد يميزه من وطأة غمار المعركة, يحيره,
لا يعرف يفرح أم يأسى لما يجود به ذلك الصوت من أخبار تفيد بموت الملكين المتقاتلين
قتلا بعضهما البعض
فاجتمع المتقاتلون على حيرة وحدتهم
انتشوا بفرحة تحررهم
لكنهم لم يألفوا الحرية
كنعاج ربت وتربت على عصا الراعي
أخذوا يتساءلون -ماذا بعد؟.



_عام 1669م _
"القارب متهالك صغير لا يحملنا أنا وولديَّ الرضيعين, سأترك أحدهما على ضفة النهر وأعبر بالآخر"
تعبر بأحدهما وتتركه على الجانب الآخر من النهر
وبينما هي عائدة لتحضر رضيعها الآخر
يهبط بها قاع القارب الخشبي لقاع النهر
وتموت تاركة رضيعيها
يفصل بينهما نهرًا ويجمعهما حاجتهما للوطن...السكن...حضن أمهما .
_عام 1718م _
-لما نقاتلهم يا "سياه" ؟
-يمنعون عنا الري والصيد والسقي وتسألني لما نقاتلهم!
_فلنرحل باحثون عن أرض لا ينازعنا في خيرها أحد.
_تلك أرضنا, ولنا بالنهر ما لهم, ورثناها عن جدودنا
وورثوا هم أيضا أرض الجانب الآخر من النهر
لم يشقوه بأيديهم ليستأثروا به لهم.
أتعرف ما معنى اسمك ؟
_لا, اسم مثل باقي الأسماء.
_لا....لا......سماك أبوك "فاس" وتلك الكلمة باللاتينية تعني "حق"
حري بك أن تقاتل من أجل حقك.
_هو حقي وحقك من وجهة نظرنا
بينما وجهة نظر من بالجانب الآخر من النهر هو حقهم
لما لا نتشارك النهر ؟
_لأن جل ما نريده هو تشاركه
بينما إذا طالبنا به كله لربما نلنا حصة منه.

_عام1670م_
_صوت بكاء الطفل يكاد يقتلني أرقا, أسكتيه يا "توريا".
_لا, أريده رجلا.
_الطفل لم يبلغ الفطام بعد!
_أعرف, لكنه عطية السماء
في رأيك لما وجدناه نحن دونا عن باقي أهل القرية؟
_لم؟ أتكافئنا السماء بعد عام من الجفاف؟
_لا, بل ليكبر ويرث همّ مقاومة استئثارهم بالنفع من "نهرنا" _هل ترددين ما يقوله أهل الجانب الآخر من النهر
عن طفل وجدوه عند ضفة اليم
سيكبر ويأخذ على عاتقه الحفاظ على ما نقبع فيه من ظلم ومعاناة وعطش وجدب.

_عام1720_
_من كان ليصدق أن نجمع شملنا ونصنع قاربا يصل بين ضفتي النهر
ونتشارك ما يجود به من خيرات؟
_عجبا لتضارب قدور الأقدار!
ضاحكةً بصوتٍ عالٍ
_وجوهنا تشبه بعضها البعض
يميزها قَسَمَاتٌ إثرًا لما نمر به .
لنا نفس الأطراف
لنا نفس العدد من العيون والأذن وال......
كلنا نسخ تشبه بعضها البعض
في أشياء تكثر عن نظيرتها التي تميز
مثار النزاع.
_لا آخذ منكِ سوى تفلسف ذائد
ولكن هذا ما يعجبني بكِ
لكنني سعيد أن توحدنا لنواجه عدونا المشترك.

قصة " المهاجر " للأديبة / رولا عبدالرؤوف حسينات/ الاردن الفائزة بالمركز الأول في مسابقة المدونة " المستوي الأول "

المهاجر                           رولا عبدالرؤوف حسينات/ الاردن

رمى السيجارة من فمه وداسها بقدمه، وأمال قبعته مخفيا قسماته الكئيبة، ودس يديه في جيبيه.
انكمش جسدا ضئيلا من شدة البرد، حينها هاج موج البحر، وتلاطمت تتلقف السفينة جيئة وذهابا.
تنادت الأصوات:" هلموا ايها البحارة شدوا الأشرعة، عاصفة تقترب."
رمقه القبطان غاضبا وتعالت الشتائم:" ايها الغر هلم إلى حزم الأشرعة، ويلك من صعلوك جاحد.
ما همه كآبة السماء، فأين هي من ظلمة وجهه المليء بأشواك لحيته؟ التي نسي مذ متى كانت أخر مرة رأى فيها شفرة الحلاقة.
أخذ يمشي الهوينى هازئا بكل المخاطر فإن إلتقمه البحر ودفنه في غياهب ظلماته فأمره بالحياة والممات سيان.
سقطت منه كل مفردات التفاؤل.
أخذ يحزم الأشرعة مع الآخرين بحسرة يطوي دفاتر أيامه، ما رمته أمواج الدنيا إلا حاصلا على تفوق في الحساب، وما راودته الوظيفة عن نفسه بل عشقت ثملي المادة وعشاق الزيف والخداع.
أخذت الأمطار تلفهم والبحر بغطاء من فيضان الأنفس، لتنضح بكل أسى فيهم.
تعلقوا بالصواري وكثير منهم غاص، ومن موج البحر هاجت الأرواح متضرعة بالوصول لبر الأمان.
وأي عذاب يأتيهم بعد هذا ليكشف سوءاتهم؟؟ تملقوا السماء بضراعة، حينها أغمض عينيه وتعلق بأخر أمل له في الدنيا، طريدة المعشوقة رباب.
أين عنترة منه؟ بل هل يجاريه مجنون ليلى؟؟ بل هو إبراهيم (مجنون رباب).
وما ارتمائهم جوف الموت إلا حسرات على من تلقفها زواج ضرع الغنى، فارة من قفير الفقر هازئة بكل تعاليم الحب التي حفظاها معا.
فماذا بعد؟ فقير يلفه جناح القتامة بكل خطى حياته.
فما يضنيه عن هجره مرفأ البلد؟.
صمم في نفسه حين التجأ إلى البحر بحارا، أن يسرد قصته عند خلجان الغربة، ما تعيقه الأسوار.
مضت ساعات طوال وهم في هيجان البحر الغاضب وسأم السماء، غمرتهم الأمواه بشراسة فما استطاعوا طلب النجاة.
و مد البحر بعد حين حملهم إلى صخور الشاطئ بلا أشرعة ولا صواري باسقات.
صحا على صوت النورس محلقا في السماء الزرقاء تيقظت حواسه، وهو يرمق بغشاوة العين خليج وبيوت قابعات، ما هذي البلاد بلاده؟؟
إنها حلم مستقبله، بالكاد أفلت قيده من الماضي التليد، محررا روحه من سقمه، ناظرا إلى الأمل يلوح في الأفق، أبحر بجسده في المياه الضحلة، غير آبه لرفاق السفر فما تعارفهم سوى أشهر قليلات.
وصل مبتغاه وهذا الأهم، حط براحلة قدميه القواعد الأسمنتية، ما درى أين يشير عقرب بوصلته؟؟
البرد قارص يجمد الأوصال المشرئبة بالمياه. بدأ المسير وبدأت الغيوم بالتكاثر ناشطات.
بحث في جيبه عن علبة السجائر وجدها غريقة بالمياه، ألقاها شاتما الحظ العاثر، وسوء الطالع يلاحقه حتى في غربة أسفاره.
ومن بين المحال المتناثرة الجأ نفسه إلى محل رمق فيه ما يسد جوع ليال.
قطعة من الحلوى بتسولها، فالجيب ينتفض من بور أرضه.
مشى متثاقلا، وقف أمام الزجاج، لم يطق رفع عينيه فقد أعجزه السؤال، حينها فتح الباب ورنت أجراسه، إذ بها تنتظره فكأنما تعد خطاه. استقبلته أما، وكأنما عرفها منذ سنين سيدة ما وجد السواد له محلا بين الخصيلات البيضاء.
ووجهها المستدير بعينين ضاحكتين، وكأنهما تحكيان قصص التائهين في الخلجان، بقصرها وسمنتها توصي بكرم الضيافة للمنسين.
ألجأته تائبا طالبا غفران المستعطفين.
أجلسته إلى كرسي خشبي وبابتسامة قدمت له فنجان الشوكولاته الساخنة، وقطعة الحلوى المنقشة بالسكر.
دعته برقة ووداعة تأخذ بما أفضى إليها من ذكريات، فقص عليها ما قد سلف من نكران الزمان.
تأوهت وأبكتها العين بحرقة، فقد تذكرت حبيبا سكنت روحه في جدران المكان، لكم تاقت الروح لحبيبها، هكذا وقعت عليه أول مرة عابرا الشطان.
فتاة شقراء أوقعها في شباكه الصياد وأدخله أبوها حماه فلاذ بقلبها من أول مرة وما لها من كرة.
فقد سلب المفتاح، وعاشا معا دهرا ذابا في حضن الكد ودفئهما حبا ذائبا بعرق الرزق.
أخذت تمر بأناملها على الزجاج تروي حكايا الحلوى الذائبة بالعسل والمحلاة بالحبة السوداء، وغيرها مما زاده لصنعتها في بحر الحلوى المغربية المنصهرة بالحلوى الإيطالية.
صمتت وهمست:" لقد دفن جسدا وروحه ذابت وجدران المكان، اشتم أنفاسه."
انهمرت دموعها انهارا وهي تبعثر بأناملها في أحد الأركان، أخرجتها من عتيق الذكريات علبة سجائر، ما كان غيرها يتمايل بين الشفاه.
أمسكها وكأنما امسك عشيقة تاه عنها بحرا من السنوات، غمزته وكأنها تقول:" نصيبك خبئ لك."
لقد أعجبها اسمه فقد كانت حالمة بين جنباته (إبراهيم رسول كريم).
وكأنها ما فوتت حرفا من الحروف، مسيحية تقبل أديان السماء، ما تميزها عن نساء المغرب بلكنتها ومزحاتها وبريح حلواها، وكأنما جبلت بذرة وساقيها في أرض الله.
صمتت ونبست وكأنما عجلت بذكرا خيفة النسيان.
ولجت إلى الحاسبة بكبر حجمها، وعزمت أمرها أن لك هاهنا طيب المقام، متدبرا صالح أمره وأمرهم.
تركته أمينا في المحل، ودخلت بابا موصدا أغلقت وراءها ريحا دافئة.
اذرف دمع العين:" وي كأنه وميض الأمل يسقط عند قدميه على استحياء."
ما أطالت مكوثه وذكرياته، جالبة ملابس دفيئة ستجمع صبر الأيام، انسل خلف الستارة يلقي غارق الثياب مرتديا ما يدفئ به البدن.
حط قبعته جانبا، فانزلق شعره ناعما يصل الكتفين، وارى الستارة جانبا، وما أن وقعت عيناها عليه حتى صفقت وحضنت كفيها:" آه ما أجملك، تنضح بالفتوة والشباب."
حينها رنت أجراس الباب، وفتاة شقراء تهدل شعرها الذهبي مثقلا بحبات المطر، ومسحت أنامل الريح على وجنتيها حمرة فأضحت حورية في سبيل الحوريات.
هللت السيدة العجوز بها، وبلغتها الإيطالية جمعت لها الحروف والكلمات مبعثرة، عرفتها بالشاب إبراهيم، وجم حينها وتاه في زرقة السماء، وسهما وقع في صدره قطع القلب أشلاء.
وتنادى اسمها (غريتا) نجوم الليل وضوء القمر.
واشتهاها حبيبة تشق بريحها همس الندى، لامست أناملها أنامله، تلاصقتا معا وكأنا قدر قدر حبا أبديا.
أين رباب من غريتا؟ أين الثرى من الثريا؟؟
ومرت الأيام تلعب أنامله على كبسات الحاسبة ضربا على مفاتيح البيانو.
وجلس يوما ظهره إلى باب الزجاج، عاملا أنامله راسما وجوها تقف تتلقف لهفة العشاق أمواج البحر.
أخذت أعينهم تناظره رساما قد أبدع، فجعلوه محجا لأوتار الرسم، وشاهدا على اليوم وتاريخه.
وعلى قماشة ألوانه تناثرت الروبيات تتلألأ صادحة في الصدى.
كل يوم حاله جامعا المال بمهنة وهواية.
ليحفل بغريتا عروسا في حجرة، سقفها الفضا وجدرانها همس الليل وقطرات الندى، يلتحفان السما ووسادتهما خيوط القمر نورا يلفهما نورا.
وفي يوم جاء يشق سكون الفجر، فرأى الباب موصدا وعلت الشمس على استحياء، أرسلت نورها فما نبس الباب بكلمة.
مرت ايام وجم القلب، وتاه في السبل حائرا. أتراه حبا طعن في السراب وتلاشى؟؟
حينها على الطرقات جلس، يتم حب العاشقين بلهفة قيد لا يمحى، وجعل ليله يعتل البضائع المتكدسة في الميناء.
هناك رمق أولئك من كانوا بحارة رفقاء ماجوا وموج البحر غرقى، يعتلون أكداسا تناثرت على الجنبين تنوء من أثقالها الأجساد.
وصف له الألم بردا في رئتيه، فسقمتا تتأوهان بالبلغم والصديد وليفا أياما، وتلاشى من السقم بين الأكداس مستنجدا، جلدا يتبدل جلدا.
وفي سقمه رسم رسمها من خلجات نفسها، تضلعت لوحة ولا أجمل (غريتا يا ضوء القمر).
حج إلى المحل فجرا، وضعها أمانة الباب الزجاجي الموصد، شاهدا على حب أذن له أن يتبعثر.
ومضى يشق سبيله في الدنا، مضى هو، واتت غريتا وأمها ايبتين من (ميلانو).
فقد طارت برقية إلى الأنامل، أخ سلبه الموت موضعا، ولو أنهن ظلمن أنفسهن بميعاد فما خسرن اللقيا.
لقد كانت ثروة طالتهما بعد دهور في الفقر قاصرات، وقفن ينظرن لهفة العاشق، تنبس بها كل ظلة في الوجه.
وناظرتها عين ثالثة معهما، يسرها القدر ناقد باحث في الأرجاء عن مبدع لقد صرخ:" إنها تحفة (المولينيزا) تولد من جديد.
وتلقفها واضعا إياها في متحف الفن، ووزنت بقدر دافق من المال، عنون لإبراهيم.
طفقت تجد تجول في الطرقات، شكت لرمل الشاطئ وعشاق المكان، فوصفوه لها جالسا يرسم هاهنا.
فافترشت الأسوار، وقد تقاسمت:"أن بلهفتها تنجو من سخط عاشق، ودموع عينيها تشق الوجنتين."
بلهيب العشق مضت ساعات، وما أتى أزف الليل أن يستر ظلمة المكان ظلمة غيمه.
آذن لها هيجان البحر العودة، لفت نفسها بنفسها هائمة في الطرقات تتلاشى، ما أوقفها سوى صدى حسيس الخطى، تلفتت فما أخطأت رسم الخطى، عاشقا ثملا بالانكسار.
ارتمت عند قدميه باكية، تمطرها السماء تغسل ما يشوب النفس من الأوجاع.
تلقفها جاثمة يداعب خصلاتها الذهبية، مقبلا الجبين يلفها مندسين في حب فار فما اهتدى.
حينها آذن زواجهما إكليلا فكانت جائزته ثمنا لشرعية وجوده، بذرة لأبناء تجنسوا وتجانسوا في تراب الغربة أجسادا وأرواحا.
فتلك ترتيلة مهاجر رسمت له تقاسيم القدر أهلا ومستقبلا، ما كان ليكون له في ارض منبته حتى لو سقم.

السبت، نوفمبر 30، 2013

رنين الصمت . قصة للأديبة كريمان رشاد


رنين الصمت . قصة للاديبة كريمان رشاد

نفس المشهد الكالح يطالعني كلما دخلت المنزل.....نفس الوجوه الكئيبة لنساء العائلة وجاراتنا....دوما يجتمعن داخل منزلنا في حين تصبح أمي الزعيمة التي ترأس هذا المجلس النسائي....تلك الشكاوى التي تخرج من أفواههن كالسيل المنهمر لا تتغير مطلقا...والغريب أن عددهن دوما في تزايد لم أشاركهن يوما في تلك المجالس النسائية... 
الحديث بينهن يدورعن(ليلي).....كانت جارتنا سافرت منذ عامين لتكمل دراستها في الخارج- بمفردها–هذا ما أثار غضبهن أتذكر كثيرا ثورتهن يومها...بالرغم من أن كل واحدة منهن تهفو روحها للحاق بليلي لكنهن لا يصرحن بذلك........ 
التقيت (ليلي)قبيل سفرها كنت أود أن اعلم كيف تتحدي وحدها كل تلك الآراء؟......أخبرتني أنها تريد أن تتحرر من ذلك السجن الذي حبست المرأة نفسها داخله منذ الأزل...لن تضيع عمرها مثلهن وتبقى نادمه عليه حتى الموت 
(اعلم أنى أمراه ولا أريد أن أكون سوى ذلك)
لم تزل عبارتها تتردد داخلي حتى الآن....(ليلي)تلك التي خالفت رغبات كل النساء سافرت تبحث عن ذاتها بعيداعن القيود التي تحكمها المرأة حول حياتها في هذا المجتمع الصامت....أعجبت بـ(ليلي)كثيرا....حلمت دوما باللحاق بها في رحلتها نحو الحرية لأتحرر من مجلس النسوة المنعقد دوما داخل حياتي....كان مجرد ذكر اسمها أمام أمي –ولو على سبيل الخطأ– يشعل ثورتها التي لا تنطفئ إلا بعد أن تجود على بعدد لا بأس به من الركلات والصفعات ونهر من الشعيرات الملقاة تحت قدميها والتي كانت تستقر منذ لحظات فوق رأسي هادئة مطمئنة.....كانت تخشي أن نتمرد على عقيدتهن ونلحق بـ(ليلي)....تعدنا منذ الصغر حتى نصبح مثلهن....
(أنت فتاة....هل تفهمين فتاة)
فتاة....كانت ترددها كثيرا في وجهي وكأنها ذنب اقترفته لا يغتفر....خطيئتي الكبرى....الجريمة التي لا يد لي فيها ومع ذلك أعاقب عليها مدى حياتي..... 
أحيانا اشعر أن أمي تعاني من عقدة نفسية... إلا أنني وجدت كل النساء من حولي يتعاملن بنفس الطريقة...إنها إذن طباعهن...العقيدة الراسخة داخل عقولهن....المرأة هي التي تجدل الحبل الذي يحكمه الرجل حول عنقها...اللعنة عليهن وعلى كل نساء الأرض هن اللاتي أودعن أنفسهن السجون والآن يتلذذن بالصراخ من خلف قضبانها.....
الصمت يغلف المنزل....يضفي على الأشياء من حولي منظر كئيب...تعالت إيقاعاته بعدما قررت اختى الزواج بمن إختاروه لها.....اخبرتنى أنها تريد التخلص من تلك القيود التي كادت تزهق روحها.....ذكرتها ب(ليلي) ألم نتعاهد معها قبل رحيلها ألا نستسلم؟.....لم تجبني...بلهاء....ظنت أنها بذلك ستسترد كيانها المفقود...هيهات أن يحدث ذلك....تخيلت صورتها وهي تشاركهن مجلسهن الأسبوعي.....ترتشف قطرات البن المره وتنهمر عبارات الندم والأنين كالسيل على أرضية الحجرة الصورة أفزعتني لم يعد بيدي شيء 
الاستعدادات تتم على قدم وساق يوم عرسها......أطنان من النساء تغطي أرضية المنزل....عبارات التهنئة تتناثر في كل مكان...السائل الأحمر يدور بين المدعوين...........دماء المسكينة تصب في الكؤوس.....وهن يحتفلن بقربان جديد سيذبح ليروي بدمائه عقيدتهن التافهة.... 
الصمت يرن في أوصالي...رنين لا تسمعه أذناي....يسري داخل عروقي ويجري في شراييني مجري الدم.....يصل إلى روحي فيهتز له كياني....نظراتهن إلي ذات مغزى اعرفه جيدا( أنتي التالية ).....محال....لن استسلم أبداً..اتركوني اصنع حياتي بنفسي بعيدا عن طريقتكن....لم يعد للصمت مكان داخلي بعد اليوم...سأصرخ بكل ما تأجج داخلي من نار..... 
فتحت النافذة....استقبلتني النسمات الليلية الباردة...أحسست بالدماء تجري في عروقي...استحضرت أمامي صورة شقيقتي ومأساتها....حديث(ليلي)...مجلس النسوة قطرات البن المره.....ثرثرتهن التي تثير أعصابي...عندها أدرت ظهري للحجرة... بنسائها...وثرثرتها....وقهوتها...وأناتها...تحررت من أخر القيود المربوطة حول عنقي...أطلقت لساقي العنان....ركضت بكل قوتي وسط دهشتهم..ألقيت بنفسي في أحضان الطريق المؤدي للحرية وقلت له هيت لك...عانقت الرياح بلهفة العشاق متجهة نحو جنتي القادمة...الفردوس الذي سأحيا فيه بلا صمت...... 

الخميس، مارس 08، 2012

قصة " ليلة الخميس " للقاص/ عيد كامل





                                        ليله الخميس

طوبي للمشائين بجوار الحوائط طوبي لجاعلي اذانهم من طين طوبي للغرباء في اواطنهم وطوبي لهذا الشاب الذي تلقي ابتسامه المدير الخبيثه في حياديه دائما المدير يذكره وهو يعطيه راتبه الاسبوعي انه يتركه يشمي ساعه مبكرا عن معاده دون ان يحاسبه عليها وهو لا يقول ان يعمل ساعتين زياده دون حساب اضافي .
ترك المحل تبابعه ابتسامات العاملين معه العزاب والعواجيز وقف امام محل بائع الجرائد نظر باستغراب الي اولئك الذين يشترون الجرائد القوميه والمعارضه ما الذي يجعلهم يدفعون فلوسهم في تفاهات تذكر مديده الصباحي في المجلس المحلي الذي يشتري الاهرام منذ خمس وعشرون عاما حاول ان يفسر مغزي ذلك
اخذ جريده عن اخبار حوداث الدعاره ومجله اجنيبه اخري لا يعرف اسمها ولا يعنيه الا الصورالتي تحتويها .
مر من امام سينما تعرض فيلم اسمه الرغبه تظهر الممثلات علي الافيش شبه عرايا .انحني عند مقهي صديقه القديم انه اللقاء الاسبوعي الذي يتجتموعون في حجره داخليه تابعه للمقهي يتبادلون سجائر الحشيش واعينهم علي الدش الاوربي يعتبروه زعيمهم لقدرته علي شرب اكبر عدد من السجائر ولفوزه في مبارات الدمينو والطاوله قدم له صاحب المقهي سجايره حبلي بالحشيش قائلا :
جرب الصنف ده يعلي الدماغ ويعلي حاجه تانيه
ايوة واحنا في ليله مباركه
خرج يسير بخط واثقة يستغرب من الأفلام التي تعرض شاربي الحشيش يترنحون في سيرهم .
مر علي صيدليه الواقف فيها صديق من اصدقاء الدبلوم يمر عليه كل خميس يتحدثون عن أحوالهما ويتابعون اخر إخبار أصدقاءهما كل مره يعطيه برشامه خاصة
¬_ المره ديه جرب النوع المصري ده
_ يا راجل احسن يكون مضروبا
_ هم المصريون يعرفوا يعملوا حاجه صح الا ده
مر بمحل الكباب الذي يمر عليه كل اسبوع ابتسم له الشيف القائم علي عمله لن يستطيع ان يشتري كباب اليوم عليه ان يكتفي بلحمه راس .
صعد الي شقته بالدور السابع اخذها عاليه لرخص ثمن ايجارها وضع الصحف وسيجارته والبرشام واللحم ونظر الي زوجته النائمه وبجوراها ادويه الضغط والسكر نظر الي جسمها الذابل من تاثير تصحيح الكراسات ومسح الصحون نام علي الكنبه في خمول .

الأربعاء، فبراير 22، 2012

قصة " الشلال " للقاص / محمد عبد السميع نوح

الشلال ..




أحاول صناعة الحلم ، أستلقي على فراشي ، أغمض عينيَّ ، أطرد الأفكار وأطرد عقلي معها ، أركز فقط على خيال أرسمه بصعوبة لوديان وصحراء ومساحات خضر ، أمر عليها من أعلى ، كما لو بطائرة تتحرك بهدوء ، هذه ترعة ، هذا ضباب ، هذه شواشي الأشجار ، هذا شلال هادر في منحدر نيلي أتوقف فوقه ، أدقق النظر .. أكثر .. أكثر ، أمارس عليه جبروت الفنان ، أحاول أن أنقله شيئا فشيئا من بئر عميقة في بؤرة الخيال .. أستدرجه ليقع على شبكة عيني المغمضة ، هاهو يطيع .. إنه يدنو شيئا فشيئا ، المنظر الثابت يصعب تسليسه للحالة ، المنظر المتحرك فقط يصلح للتجربة ، أفرح حقا حين يقترب المنظر من شبكية العين المادية المحسوسة ، حالة نادرة من الشفافية ، كنز من الراحة والإبداع ، المشهد صار يضيف إلى نفسه ، يتجاوب معي ، كنت أستدرجه وأستميله ، هاهو يدهشني ويقترح عليَّ فنونا من الخلق ، المنظر يتلون ، يتجسد ، بخار الماء بدأ يداعب عدسة نظارتي ، أوشك أن أضع المنظر في فضاء الحجرة وأنادي أولادي ..
فعلتها مرة .. ناديتهم .. أقبلوا ..
ـ فيه إيه يابابا ؟
منظومة عقلي عادت في طاقة أعلى ..
ـ لا أبدا .. العشا جاهز ..؟
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
معلومات عن محمد عبد السميع نوح
السيرة
شاعر وقاص وناقد ومسرحي ... صدر لي عشرة كتب (شعر وقصص ونقد وأعمال مسرحية )
الموقع
طنطا
الاهتمام
القراءة .. السياسة .. الموسيقى
الوظيفة
موجه لغة عربية .. ثم تربية مسرحية بإدارة شرق طنطا التعليمية

الأحد، فبراير 05، 2012

قصة "شفاف " للاديب سمير الفيل





                      قصة "  شفاف"








                        بقلم : سمير الفيل




طلب مدرس التاريخ من تلاميذه وتلميذاته في المدرسة أن يحضر كل منهم كراسة جديدة ويغلفونها بالشفاف . رأى أن يكون لون الشفاف أحمر فهو يناسب المعارك الحربية ، والغزوات الأجنبية ، والثورات الجماهيرية التي مرت بها البلاد حتى تنهي الاحتلال وتعود حرة كريمة.

طلب الولد مفتاح من أمه نقودا للكراسات ، ولأوراق الشفاف ، والمسطرة والممحاة ، وأقلام الجاف والرصاص.

جلست الأم ككل سنة لتجهز كراسات ابنها الصغير . الولد الذي تربى في كنفها بعد أن غاب أبوه سنوات طويلة في العراق . انقطعت أخباره ، ولم تعد تأتيها خطابات تحمل حوالات مصرف الرافدين.

إنها تعمل في بيوت أناس طيبين ، يحسنون إليها ، ويقدرون ظروفها ؛ فهي تطعم ثلاثة أفواه جائعة.

بعد أن تعود لعملها تمر على السوق كي تحضر الأرغفة ، وبعض الخضر الرخيصة التي توشك على التلف.

لم ينقطع أملها في عودة رجلها الغائب ، وكانت كلما دب اليأس في قلبها نظرت لوجوه الصغار فرأت شيئا من ملامحه البشوشة فيها .

غلفت الكراسات ، وبقيت قطعة صغيرة من الورق الشفاف . قبل أن تنزل للخدمة في البيوت جربت أن تنظر للدنيا من وراء تلك القطعة الملونة . جلست قرب النافذة ، وراحت تتأمل الشوارع والبيوت والشجر . كان لونها غريبا . أشاع ذلك الغبطة في نفسها .

في اليوم الثاني اشترت أوراقا شفافة بالأخضر والأصفر والأزرق . كانت تعيد رؤية السماء والهوائيات وأسراب العصافير ، وتعود لتطل على الناس في الطريق.

بمفردها تفعل ذلك فإذا عاد الأولاد من مدارسهم أخفت الأوراق في مكان أمين لا يعرفه غيرها .

رأت العالم بكل الألوان الممكنة ، واحتفظت لنفسها بهذا السر الذي جعل للدنيا ألوانا وأشكالا لم تخطر لها على بال.

كان قلبها مخلصا لزوجها الذي لا تعرف هل مات في معارك الحلفاء على بغداد أم أنه مازال حيا ؟

ودت أن يعود من غربته ، ساعتها ستجلسه على تلك الكنبة التي تجاور النافذة ، وتريه الدنيا عبر الأوراق الشفافة . تضحك في وجهه وهي تعد له كوب الشاي الثقيل الذي يوزن به رأسه ، وتغضب إذا ما لامها على لهوها بالألوان . سيشرب مع كوب الشاي سيجارة واحدة ، وهي ستضع على عينيه لونين مختلفين متلاصقين كي تجرب معه متعا جديدة لا حصر لها .



7/7/2009.


الجمعة، أكتوبر 07، 2011

قصة ..... لعنة الخمسة جنيه ....... للاديب / محمد الشواف

السائق ينفخ والركاب ينفخون, أما الكمثرى فقد وجد مخرجا إلى باب السيرفيس ,الذى امتلأ


وتكدس بالبشر, ليطل منه على نسمات الهواء المتلاطمة. حظه من السماء من يمتلك ورقة أو كشكول ليهوى به عن نفسه, لأنه لو لم يفعل فقد يختنق, أما من يجلس بجوار شباك فهذا بلا شك ابن أم مستجابة الدعاء, وقد دعت له قبل أن يخرج.


خرجت من السيرفيس وأنا ألعن السيرفيس على أصحابه الذين وصل بهم الجشع ليكدسوا الناس بهذه الطريقة فى هذا الحر القائظ.
وفى وسط هذه اللعنات الزافرة مرت أمامى سيارة ميرسيدس مكيفة موديل حديث, بدا لى الأمر وكأنى تائه فى الصحراء يقتلنى العطش, ويمر أمامى ليث يحمل على ظهره قارورة ماء بارد.


لكن سرعان ماأخرجت نفسى من هذه الصحراء, فأنا أخاف الأسود ...
لكن قارورة الماء لم تغب عن مخيلتى وتمنيت لو أن معى بضعة مئات الآلاف من الجنيهات فأشترى قارورة مكيفة.


واسأنفت طريقى إلى البيت, أطرق رأسى نحو الأرض بعيدا عن آشعة الشمس الحارقة, فأرى الأرض تدور تحت قدمى بكل تفاصيلها الرمادية, إلا أنى لمحت ورقة خضراء, فامتدت يدى إليها فإذ هى ورقة بخمسة جنيهات, هيأتها تقول أنها لم تعاشر الأرض كثيرا, وأنها وقعت من صاحبها منذ فترة قصيرة, فالتفت حولى, فلم أجد هيئة وجه يبحث عن خمسة جنيه..
فسولت لى نفسى أن أحملها معى إلى البيت حتى إذا صليت العصر فى المسجد أضعها فى صندوق المفقودات.
صليت العصر لكنى لم أجد أى صندوق. ورجعت البيت ومعى الخمسة جنيه, تحيرت فى أمر هذه الخمسة جنيه, فقررت أن تظل معى حتى أجد حلا مناسبا.


ومر يوما تلو الآخر وأنا أتكاسل عن التصرف فى هذه الخمسة جنيه, حتى اعتُبِرت من مالى الخاص بعد مرور مدة ليست قصيرة, وتم الزج بها فى إحدى مشترياتى.


بعد يومين ذهبت لشراء فلاشة بسعة 4 جيجا من محل أجهزة إلكترونية, ثمنها خمسين جنيه. كانت حاجتى إليها لنقل الملفات التى أحتاجها لدراستى. فى اليوم التالى بعدما رجعت إلى البيت من الجامعة وفتحت جهاز الكمبيوتر لمراجعة الملفات التى على الفلاشة , امتدت يدى إلى جيبى لألتقطها , لكنى لم أجدها فى جيوبى, بحثت هنا وهناك لكن بلا جدوى, فاتصلت بصديقى الذى نقلت منه الملفات, فأكد لى أنى أخذتها معى, سلمت أمرى لله... فقد ضاعت. كان ذلك يوم الخميس, وجاء يوم الجمعة وسأسافر إلى بلدتى, فجهزت حقيبتى وتوكلت على الله وسافرت . قضيت يوما حاولت فيه أن آخذ من بعض المتع قدرا ضئيلا يناسب هذه الفترة المتواضعة. ورجعت السبت عصرا وكانت أمى قد زودتنى بألوان من الطعام, بط ومحشى وكفتة وإلخ مما تشتهى نفسى....
وصلت موقف السيارات وألقيت الحقيبة فوق الميكروباص وانطلقنا... ومضت نصف ساعة حتى انتابنى شعور غريب هو أقرب للقلق, ففكرت فى الحقيبة , لم أربطها, فقط اكتفيت بثقلها يثبتها..... على الفور استوقفت السائق لأطمئن عليها. فنزلت ورفعت بصرى إلى أعلى, ولم أجدها..... فهوت على كما تهوى الصاعقة , وجثم على صدرى شعور بالتيه.
لاأدرى ماذا أفعل, وكيف سأسافر وكان بها كل أغراضى!
فبحثت عنها فى بأس فيما مضى من طريق, ولم أعثر عليها, لقد اختفت تماما. اختفت كما اختفت الفلاشة, شئ غريب !!
فعدت إلى بلدتى, فتعجبت أمى وانزعج أبى, ولما بدا لهما من فاجعتى أشفقا علىَ وأخذا يهونان على من أمرى.
وسافرت فى صباح اليوم التالى بحقيبة صغيرة بها بعض الضروريات التى لاغنى عنها. ووصلت السكن بعد عناء سفر شاق فى الحر قائظ. استلقيت على السرير من شدة الإرهاق, ثم رن هاتفى فالتقطته وما إن فتحت وقلت "آلو" حتى نفذت البطارية, فهممت بشحنه, فتذكرت أن الشاحن كان فى الحقيبة..... إنه النحس بكل معانيه !
كان على شراء فلاشة أخرى فكثيرا ماأحتاجها, فاشتريت واحدة بسعة 8 جيجا ثمنها 85 جنيه.
وجئ يوم الجمعة المنتظر. وجهزت الحقيبة الجديدة وانطلقت إلى الموقف وربطتها بإحكام بواسطة حبل جلبته مخصوص لهذا الغرض وبعدما تأكدت من إحكام ربطتها دخلت الميكروباص وانطلق بنا السائق......
وبعد مضى قرابة الساعة والنصف على الطريق وصلت إلى المدينة والتى تبعد عنها بلدتنا بضع كيلومترات, فأستوقفت تكتك ودللته على البلده وانطلق, كان الطريق غير معبد ملئ بالمئبات فكان التكتك يهتز صعودا وهبوطا بين الحين والآخر وكاد هاتفى ينزلق من جيبى فانتبهت لذلك فأخرجته ووضعته بجوارى بمأمن عن الانزلاق والوقوع.....
وبعد ربع ساعة وصلت المنزل واستقبلتنى أمى بحفاوة وسلمت على أبى, وأخذت أستريح من عناء السفر. أردت الاتصال بصديق لى, فقمت لألتقط الهاتف , لكنى لم أجده فى جيوبى ولا فى البيت,,,,,,, لقد نسيته فى التكتك !!
هنا احمر وجهى وحدث اضطراب فى قلبى, فأخذت هاتف أبى فأتصل على هاتفى فيسمعه من يجده , لكنه "مغلق", إذا لقد انتبه إليه السائق ..
أى نوع من النحس هذا!
العجيب فى الأمر أنه فى أول الطريق توقف سائق التكتك يتحدث مع صديق له وكان الحديث كالتالى:
السائق: أريد منك أن تجد لى هاتف مستعمل, لأن هاتفى قد تهشم ولم يجدى معه إصلاح.
صديقه: سأحضر لك واحد بمائة وخمسين جنيه.
السائق: ياراجل خليها مائة جنيه.
هنيئا له فإن هاتفى بألف جنيه !


غادرت المنزل وسافرت إلى مسكنى ولدى إحساس بأن كل ماأملك يضيع منى .
أول شئ قمت به حينما وصلت,أن أراجع كل ماجئت به, الحمد لله كله موجود...
إلا الفلاشة. بحثت عنها بشى الطرق واتصلت بالمنزل ولم يجدوها, إذن فقد ذهبت إلى المجهول الذى يأخذ منى كل شئ.


جلست أتأمل حالى وأرى ماذا سأفقد بعد ذلك. ذهبت الحقيبة بما فيها, ذهب الهاتف, ذهبت فلاشتين, حتى الشاحن لحق بهم.
كلهم ذهبوا فى أقل من أسبوعين, كيف أستطيع تحمل ذلك, بالتأكيد هذا غير طبيعى.
أخذت أفكر وأتساءل: ماذا فعلت فى دنياى , هل ظلمت أو اعتديت على أحد , هل,,,,,,
هنا تذكرت الخمسة جنيه, تذكرتها وكأنها تقف أمامى تعاتبنى.
فتوقعت أو تيقنت أن كل ماحدث لى هو بسبب تلك الخمسة جنيه, قد يكون صاحبها قد رفع يداه إلى السماء داعيا على من يجدها ولم يردها إليه, وقد استجيب دعاءه باقتدار إلهى .
فأخذت على نفسى عهدا أن أردها, أردها إلى شخص محتاج.
فوضعت فى جيبى اليمين خمسة جنيه منفردة, حتى إذا قابلت محتاج, أعطيها له باسم صاحبها لا باسمى.


فقابلت فى طريقى إلى الجامعة عجوز هرِم يبدو أنه فى أشد الاحتياج. فوضعت فى يده الخمسه جنيه وفرح بها فرحا شديدا وحاول أن يرفع رأسه فى وجه الشمس ليشكرنى, لكنى رحلت ونويت فى نفسى أن تكون حسناتها لصاحبها, ليس لى منها شئ...
وأخيرا تنفست الصعداء, وذهبت لعنة الخمسة جنيه إلى الأبد.