الأحد، فبراير 05، 2012

قصة "شفاف " للاديب سمير الفيل





                      قصة "  شفاف"








                        بقلم : سمير الفيل




طلب مدرس التاريخ من تلاميذه وتلميذاته في المدرسة أن يحضر كل منهم كراسة جديدة ويغلفونها بالشفاف . رأى أن يكون لون الشفاف أحمر فهو يناسب المعارك الحربية ، والغزوات الأجنبية ، والثورات الجماهيرية التي مرت بها البلاد حتى تنهي الاحتلال وتعود حرة كريمة.

طلب الولد مفتاح من أمه نقودا للكراسات ، ولأوراق الشفاف ، والمسطرة والممحاة ، وأقلام الجاف والرصاص.

جلست الأم ككل سنة لتجهز كراسات ابنها الصغير . الولد الذي تربى في كنفها بعد أن غاب أبوه سنوات طويلة في العراق . انقطعت أخباره ، ولم تعد تأتيها خطابات تحمل حوالات مصرف الرافدين.

إنها تعمل في بيوت أناس طيبين ، يحسنون إليها ، ويقدرون ظروفها ؛ فهي تطعم ثلاثة أفواه جائعة.

بعد أن تعود لعملها تمر على السوق كي تحضر الأرغفة ، وبعض الخضر الرخيصة التي توشك على التلف.

لم ينقطع أملها في عودة رجلها الغائب ، وكانت كلما دب اليأس في قلبها نظرت لوجوه الصغار فرأت شيئا من ملامحه البشوشة فيها .

غلفت الكراسات ، وبقيت قطعة صغيرة من الورق الشفاف . قبل أن تنزل للخدمة في البيوت جربت أن تنظر للدنيا من وراء تلك القطعة الملونة . جلست قرب النافذة ، وراحت تتأمل الشوارع والبيوت والشجر . كان لونها غريبا . أشاع ذلك الغبطة في نفسها .

في اليوم الثاني اشترت أوراقا شفافة بالأخضر والأصفر والأزرق . كانت تعيد رؤية السماء والهوائيات وأسراب العصافير ، وتعود لتطل على الناس في الطريق.

بمفردها تفعل ذلك فإذا عاد الأولاد من مدارسهم أخفت الأوراق في مكان أمين لا يعرفه غيرها .

رأت العالم بكل الألوان الممكنة ، واحتفظت لنفسها بهذا السر الذي جعل للدنيا ألوانا وأشكالا لم تخطر لها على بال.

كان قلبها مخلصا لزوجها الذي لا تعرف هل مات في معارك الحلفاء على بغداد أم أنه مازال حيا ؟

ودت أن يعود من غربته ، ساعتها ستجلسه على تلك الكنبة التي تجاور النافذة ، وتريه الدنيا عبر الأوراق الشفافة . تضحك في وجهه وهي تعد له كوب الشاي الثقيل الذي يوزن به رأسه ، وتغضب إذا ما لامها على لهوها بالألوان . سيشرب مع كوب الشاي سيجارة واحدة ، وهي ستضع على عينيه لونين مختلفين متلاصقين كي تجرب معه متعا جديدة لا حصر لها .



7/7/2009.


ليست هناك تعليقات: