السبت، أكتوبر 18، 2014

عندما ينزف القلب .. قطرات أنوثه قراءة فى مجموعة نظرة ثاقبة لابتسام الدمشاوي......محمد جمال الروح




عندما ينزف القلب .. قطرات أنوثه
قراءة فى مجموعة نظرة ثاقبة لابتسام الدمشاوي
في مجموعتها القصصية الجديدة (نظرة ثاقبة) الصادرة عن دار التيسير للطباعة والنشر استطاعت القاصة الرقيقة ابتسام الدمشاوي صاحبة المشوار الادبي والفني المشرف أن ترسم لنا نهرا هادئا من الابداع والعذوبه ينساب إلى الأفق يفيض ذكريات وشجن ,,, تأخذك قصص هذه المجموعة المكثفة إلى رحابة السماء واتساع الأفق لتجد فيها الكثير من أحلام الأنثى المسافرة والكثير من أوجاع الروح وتباريح الجسد .
على مدار تسعة عشر نصا قصصيا قدمت لنا القاصة ابتسام الدمشاوي لغة سردية اقتبستها من ريش اليمام الأبيض وغزلت خيوطها بمهارة السارد المبحر في غيابات الأنثى بما تحمله من معاناة ومراره بل وتمرد أيضا . حاولت الدمشاوى أن تكسر قوالب الادب النسوي وتقدم لنا نصوصا مغايرة مزجت فيها بين هموم الذات الانثوية وهموم الواقع .
كم كنت أتمنى أن تحمل هذه المجموعة الرقيقة عنوان (قطرات أنوثة ) وهذا عنوان لواحدة من أجمل قصص المجموعة وأصدقها وأكثرها عمقا ً. سيجد القارئ نفسه يتوقف كثيرا عن هذه القصة ويعاود قراءتها مرات ومرات, تقول بطلة القصة ( أنبت الحزن بصدري شجرة مرض أثمرت بالرحم نزيفا وبالثدي ورما يتساقط شعري خصلة خصلة اجتهد لألملم ما تبقي ... ) ما هذا التكثيف الذى يصيب القارئ في مهجته ألما ومرارة على نزيف الروح وتداعي الجسد وتساقط الأمل قبل خصلات الشعر . تركها زوجها بعد تطليقها بحثاً عن الإنجاب لتقع فريسة بين أنياب المرض يستبيح جسدها ويقضم جزءا من أنوثتها فبأي ذنب تعذبت و كيف لها أن تتحمل مرارة العقم وجرح الطلاق وتخلي الزوج والحبيب وبعد ذلك تقع فريسة لخبث المرض ......( يقولون في الموروث الشعبي أن المرأة لا تتحمل مثل الرجل حقا أنهم واهمون ... قطعا الانثي تتحمل ما تنوء به الجبال ليس في طبيعتها البيولوجيه التى تحيض وتختن وتنزف وتلد بل ان روح الانثي خلقت لتحمل ألم القيد ووضاعة القهر وعبودية عادات المجتمع التى تسجنها خلف قبضان صماء تجعل منها كائن مهيض مسلوب الارادة والحريه ....... والغريب ان هذه الحالة ليست نادرة الحدوث في مجتمعاتنا الظالمة الحالكة شديدة القتامة بل ان كل شارع من شوارعنا ينطوى على العشرات أمثال هذه الأنثى المكبودة مع اختلاف القصص والحواديت ومع اختلاف طعم المرارة ونكهة الألم.
استطاعت الكاتبة ان تقدم لنا فيما يقل عن مائة كلمة ما قد لا تستطيع عشرات الروايات ان تحكيه فى تكثيف ينم عن حرفيه عاليه . ووضع المشهد القصصي في وسط الصورة
في قصة نظرة ثاقبة والتي تحمل عنوان المجموعة تطالعنا ابتسام الدمشاوى بقصة أدريسيه بها خصائص النموذج التي نحته الدكتور يوسف ادريس فاعتمدت على تكثيف الحدث ورصده والذى ينتهي بمفارقة مفاجئة تصيب المتلقى بالدهشة والاعجاب وتتطرح فى نفسه تساؤلات عديدة فالرجل الذى يحملق في تلك السيدة بنظرات ثاقبة لا نعرف لها مبرر نكتشف في النهاية انه كفيف..
(تقول الروح تعبت من حملك أيها الجسد اشعر انك جسد ميت ).. قصه انهيار تبرز بذكاء علاقة النزق بين الروح والجسد وكان الموت في حد ذاته حالة طلاق بين الروح والجسد بعده تنطلق الروح لعالم اكثر رحابه بعد ان تخلصت من اثقال الجسد .
في قصة تداع وقصة صداقة تحاول القاصة تعريه المجتمع القاسي المريض فالتفكك الاسري الذى يقلي بفتاة الى برانس الشارع فيباع الجسد بعد أن تنطفئ شموعه وتتجلط جروحه ويصبح مسخا متحجرا بلا حس .والمراة العجوز التي تاكل من القمامة مع القطط لفقرها وللفظ هذا المجتمع البائس لها في محطة انتظار الموت .
لا يغيب الحس الثورى عن كاتب عاش على ظهر هذا الوطن الكليم تجرع همومه واحلامه مع ماء النيل وارتوى من احزانه حتى الثمالة ... ففي قصة سحب رمشه ورد الباب مزيج من نقاء الحب وعذوبه الشباب الثائر الباحث عن وطن جديد اكثر ترتيبا والقصه لا تحمل في تميتها أي تعقيدات فنيه او فذلكات... في بساطه شاب فقد حبيبيه في ميدان التحرير لولا ان حماس الكاتبه دعاها للتطويل والمباشره في أخذ الشاب للعلم من يد حبيبته وترديده عبارة تحيا مصر تحيا مصر ..... أنه الحماس والانفعال فلابد ان هذه القصه مكتوبه في ذروة الأحداث عندما كانت الثورة بكرا حالمة لم يمسسها بشر . ساعتها لم نكن نسمع عن الطرف الثالث او مروجى الاشاعات او الدوله العميقة او تكالب العسكر والاخوان على ودج الوطن .ويستمر العزف في قصة قله مندسه هنا قد بلغ انفعال الكاتبه نهايته وفوجئت بالخبث الذى ظهر على السطح بعد الفعل الثورى الذى اخذ في غماره أرواح شباب انقياء لنكتشف بعد ذلك بيزنس الجماعات الثوريه وقسوه العسكر في سحل البنات وكشوف العذريه وفشلهم في إدارة فتره انتقاليه وبيع الاخوان للوطن وانهيار الشعوب العربيه واحدا تلو الاخر .
قدمت لنا ابتسام الدمشاوي مجموعه قصصية رائعة ابتعدت فيها عن الاسهاب والتهويم و استطاعت ان تنحت صورها السردية بعناية بالغة وتحولت قصصها إلى تجسيدات واضحة إضافة لمعاناة النفس البشريه عامة والانثى خاصة وحضورالشعرية الفياضة في كل القصص ، مما جعلها منفتحة واسعة على تعدد المعنى ، وتنوع الدلالة ، وقنص اللحظة القصصية كما ان القاصة دائماً ما تتركنا أمام حيرة التلقي وإشراكنا بطرح الأسئلة الوجودية عن عذابات
الانثى بين رحايا الالم ... كشفت لنا القاصه عن قدراتٍ كتابية خاصة ومتطوّرة على مستوى البناء والبعد الثقافي واللغة وانعكاس المقروء في الذات المبدعة
محمد جمال الروح

ليست هناك تعليقات: