السبت، مارس 24، 2012

دستور يا أسيادنا..! بقلم: أحمد طوسون



دستور يا أسيادنا..!

أحمد طوسون

اللحظة الراهنة فارقة بكل المقاييس في مستقبل مصر على كافة الأصعدة.. ليس فقط من أجل الصراع الدائر حول تشكيل لجنة المائة التي ستصوغ دستور مصر بعد واحدة من أعظم الثورات الشعبية السلمية التي شهدتها الإنسانية ، ولكن والأهم من وجهة نظري حسم الصراع الدائر بين عقلية الماضي وبين عقلية الحاضر والمستقبل.
ذلك الصراع الخفي الذي أجهض أحلام وطموحات الثورة المصرية وجعلها تكتفي بالإطاحة برأس نظام وتعيد تجميل جسده المشوه واختيار رأس جديد ضمن سياسة ترقيع الثوب التي ننتهجها منذ 11 فبراير 2011 وحتى الآن.
قد يبدو ظاهر الساحة المصرية أن هناك صراعا ما بين قوى الإسلام السياسي التي حازت أغلبية برلمانية وتريد احتكار لجنة المائة لتصنع دستورا على مقاسها بالمخالفة لكل الأعراف الدستورية في تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وبين قوى ليبرالية وثقافية تقاوم هذا التوجه وتدعو لاختيار أعضاء المائة من خارج البرلمان، وبين مجلس عسكري حاكم للفترة الانتقالية ينظر إليه الجميع بريبة وشك حول نواياه وما يخفيه من خطط لمستقبل الأيام القادمة رغم كل ما يشاع عن تحالفاته مع القوى الإسلامية من أجل محاصة ما ربما تكشف عنها الأيام القادمة أو تبقى في طور الشائعات.
لكن هذا الصراع في حقيقته صراع متوهم، لأن هذه القوى بكافة تنوعاتها وتناقضاتها تمثل قوى الماضي وصراعاتها قائمة على اغتنام المكاسب في النظام الجديد الذي يتشكل.. لذا فهذه القوى ما زالت تقدم نفس الوجوه التي شاخت والتي لا يقل أعمار أغلبهم عن السبعين عاما.
بينما الشباب الذين كانوا شعلة الثورة ووهجها وقدموا التضحيات والشهداء ما زالوا في خلفية المشهد بتواطؤ من كل القوى بكافة تنوعاتها.
ولعل في ترشيحات اتحاد الكتاب للجنة المائة المثل الجلي لاستبيان هذه الصورة.. فاتحاد الكتاب المفترض أنه يمثل الثقافة والمثقفين وبالتالي فهو عقل الأمة وضميرها وقع في ذات نهج التمسك بأذيال الماضي وطرح أسماء لكتاب ومثقفين شاركوا في صياغة عقل الأمة المصرية منذ حقبة الستينات وإلى الآن وما زالوا يتطلعون إلى صياغة المستقبل وفق قناعاتهم وتصوراتهم التي من المفترض أن ثورة 25 يناير قامت بالأساس لإسقاط هذه الرؤى التي قادتنا إلى ما نحن فيه في لحظتنا الراهنة.
إذا كان هذا هو وضع الثقافة فما بالك بالقوى السياسية التي تعني الثورة بالنسبة لها تبادل مقاعد السلطة والمعارضة فيما يشبه لعبة كراس موسيقية لا أكثر.
مثل آخر تبدى في تشكيل اللجان القومية المتخصصة ومنها المجلس القومي للمرأة وما نلحظه من غياب واضح للأصوات الشابة بخلاف الغياب الواضح للمثقفات عن تشكيل هذه اللجان. كذلك الحال في لجان المجلس الأعلى للثقافة وغيرها من اللجان.
أكاد أجزم رغم كل الخلافات التي تطفو على السطح بين القوى الحاكمة والقوى السياسية والثقافية والحزبية أن هناك توافقا ما على إقصاء الشباب طليعة المستقبل وأمل مصر في إعادة الحيوية إلى عصب الدولة المصرية بعد أن ضربت الشيخوخة وأمراضها المزمنة في هذا الجسد لسنوات طويلة.
سيفيض النهر بكثير من الآراء حول تشكيل لجنة المائة وضرورة ألا يشارك أعضاء البرلمان في تشكيل هذه اللجنة وفق القواعد والأعراف الدستورية في كل العالم.
لكن من المهم ألا نغفل في زحام التعارك السياسي استماتة الماضي بكافة تنويعاته السياسية والثقافية وذيوله في التمسك بالوجود ضد تمثيل عادل ومتكافئ للشبان والشابات وضد سنة الحياة ولصالح وأد شباب وربيع هذه الأمة.




* قاص وروائي

ليست هناك تعليقات: