الأربعاء، أغسطس 24، 2011

اشرف البولاقي يكتب :- عندما يتحول المبدع إلي واعظ وخطيب









قليلونَ هم هؤلاء الذين يرونَ في رواية " عزازيل " للكاتب الدكتور يوسف زيدان أنها روايةٌ سيئةٌ أو متواضعةُ المستوى ، بل يمكن حصرُ هؤلاء القليلين في بعض الأقباط وبضعةِ نفرِ من كارهي الإبداع والحاقدين ، أما دون ذلك فهناك اجماعٌ على ما تتمتعُ به الروايةُ من جمالياتٍ فنيةٍ وأسلوبيةِ ،أفرَدَ لها النقادُ والمهتمون بالشأن القصصي والروائي


ما أفردوا من صفحاتٍ في الصحف والمجلات منذ الاعلانِ عن فوز الرواية بجائزة البوكر العربية العام الماضي وحتى الآن ، ولا تزال أصداءُ الاشتباكِ الثقافي والعقدي بين الكاتب الدكتور يوسف زيدان وبعض الأقباط المصريين قائماً ومشتعلاً حتى يومنا هذا على خلفية المادة التاريخية التي استندَ عليها المؤلف في نسج روايته ودون الدخول في تفاصيلَ طويلةٍ يرى بعضُ هؤلاء أن المؤلفَ أساء في روايته للمسيحية ولقداسة فكرة الرهبنة وأظهرَ من صراعات وخلافات بعض الفِرَق والطوائف المسيحية ما يُعَدُّ من وجهة نظرهم تجنياً وقصداً مُبَيَّتاً من الكاتب المسلم للإساءة إلى المسيحيين وعقيدتهم ..... ودارتْ مساجلاتٌ ومناظراتٌ كثيرةٌ ومتعددة بين أنصار المؤلف ومعارضيه كما دارت نفسُ المساجلات والمناظرات مباشرةً بين الكاتب وبعض القساوسة وغير القساوسة من الإخوة الأقباط تدور كلها حول شروط الفن وضوابطه تارة ، وحول الحقائق التاريخية والادعاءات تارة أخرى ، ومن خلال متابعتي لكثير مما تنشره الصحف والمجلات ووسائل الاعلام السموعة والمرئية لاحظتُ أن المؤلفَ – الذي أحبه وأقدِّرُه – يكاد من خلال مطاردات الميديا والمكتبات يكادُ لا يهدأُ يوماً واحداً ليلتقطَ أنفاسَه فمن مكتبة الاسكندرية لمكتبة مبارك بالقاهرة ، ومن دار الشروق لدار ميريت ، ومن مكتبة إيوان لدار نشر العين – لا أقصدُ تحديداً تلك الأسماءَ بعينها – والغريب أنه يكرر في كل لقاءٍ ما سبق له أن أعلنه من قبل حتى أصبح كلامُه معاداً ومحفوظاً ومكرراً ، ولم يكدْ يطرحُ كتابه الجديدَ " اللاهوت العربي وأصول العنف الديني " حتى تجددت مرة أخرى اشتباكاتُه وتزايدت تنقلاته بين دور النشر والمكتبات للمناقشة ولحفلات التوقيع وللدعاية والترويج له ولمؤلفاته .... وكل هذا يمكن غض الطرفِ عنه باعتباره شأناً خاصاً بالكاتب هو أعلم منا بخطورته وأثره لكن ما نظنه ليس شأناً خاصاً هو بعض تصريحاته وعباراته التي ترِد على لسانه وهو يدافعُ عن بعض أراءه المبثوثةِ في كتابيه ومن ذلك ما صرح به في لقاءه الأخير بدار الشروق منذ أيام أثناء الندوة التي أقيمت لمناقشة كتابه اللاهوت العربي عندما قال ما نصه " عمرو بن العاص واحدٌ من أكبر القادة العسكريين في التاريخ " إلى هنا والكلام يمكن أن يتفق معه فيه الجميعُ مثقفين وعسكريين مسلمين وأقباطاً رجالاً ونساء ... لكنه أضاف قائلا : " ولو أن الكنيسةَ المرقصية أنصفتْ لصنعتْ له تمثالاً لِما قدمه لها من .....الخ " وهي العبارة التي أثارت اندهاشَ الكثيرين ليس من ناحية صحتها أو خطأها لكن من ناحية علاقة الدكتور يوسف زيدان بمثل تلك الأمور ....! خاصة وأن كلاماً كثيراً قيل في فترات السجال الماضية أن مؤلف " عزازيل " مسلمٌ متطرف يريدُ أن يسيء للمسيحية ، وعبارة كعبارته الأخيرة تلك تؤكد تحول المبدع يوسف زيدان إلى واعظ أو خطيب ...! خاصة وأنها – أي العبارة – جزءٌ لا يتجزأ من خطاب السلفيين المسلمين ولسنا في حاجة لتذكير الدكتور يوسف زيدان بأن تجربة عمرو بن العاص في مصر ليست بيضاءَ تماماً ولا بريئةً إلى هذه الدرجة حتى تقيم له الكنيسةُ المرقصيةُ تمثالاً وإنْ كنا نفهم إحالتَه المضمرةَ لظلم الرومان واضطهادهم للمسيحية والمسيحيين لكن كتاباتِ كثيرٍ من المؤرخين المسلمين أنفسِهم ومن البحاثة العرب أشارت إلى كثير مما نعتقدُ أن الدكتور الأكاديمي المبدعَ يعرفُه أكثرَ منا .
فلماذا يُصِر على أن ينزع قبعةَ الكاتب والمبدع ليرتدي عباءةَ الشيخ ؟ ولماذا يزج بنفسه في خطاب بعيد عن خطابه ؟ ولماذا يريد أن يؤكد لمعارضيه ومخالفيه ما ننفيه نحن عنه بشدة وبقوة لأن إيماننا به كاتباً ومؤلفاً ومثقفاً أكبرُ وأجلُّ عندنا من أن نتصوره سلفياً أو وهابياً كما يقولون .

ليست هناك تعليقات: