الأربعاء، يوليو 27، 2016

شهدان الغرباوي تكتب : أبي



أبى
....
ليت أبى كان أكرشا كموظف أميرى
له صلعة لامعة ،أكلت عليها الشمس وأنجبت صغارها
ليته كان يدخل علينا البيت ، متعرقا ومتربا
فى يده ثمرة بطيخ كبيرة وعشرة أرغفة من الخبز البلدى ، وجريدة " الأخبار"
يلتهم وجبة الغداء كاملة وينام القيلولة ثم يصحو ليشاهد مسلسل الثامنة إلا الربع وهو يتناول فشار الذرة
يؤدى صلاة العشاء ثم يخلد إلى سبات عميق -بدون أحلام-ليستيقظ فى الصباح الباكر للعمل
..
ليت أبى كان يفضل البدينات من النساء بأرواح البقر
من كانت لهن مؤخرات موقوتة على وشك الإنفجار
ولا خصور لديهن محددة المعالم
يلبسن قمصان النوم وملحقاتها حمراء لامعة ،بلون شريط الشعر وطلاء الشفاة و (الشبشب) المنزلى
تنطق تضاريس أنوفهن ببلاهة غوغائية وبجهل مطبق بقواعد النحو والصرف
ليت أبى كان أميا و مسالما كنخلة قصيرة
تؤتى أكلها المرء وهو جالس تحتها
ليت أبى كان ينهرنى لتأخرى إلى ما بعد التاسعة مساء فى بروفات المسرح التجريبى ،أو بين الكتب القديمة بشارع "النبى دانيال"
ليته لم يكن شفيفا درجة أن ينبذنى عشرين قرنا كاملة
بجوار حائط الكون ،فى وضع جنينى
ريثما تتهيأ روحه لاستقبالى كطفلة حديثة الولادة
..
ليت أبى لم يكن نتوء بين الناس
يحمل تغربه على ظهره كصليب لزج
يفكر كثيرا و يبكى كثيرا
ولا يضحك أبدا
النوم وجعه الأعلى
واليقظة فوضى رصاصات الذكرى فى صدره
ابى لم يكمل كرسيا بدأ فى صنعه ولا أكمل يوما كتابا مدرسيا
..
ليت أبى لم يكن فائرا كالتنور، ينجب البنات خاصة ويهديهن لليلة الماجنة
ويغتم منها باقات التيوليب الأبيض ، وهمهمات فيروز
ليته لم يختر أمى عود ياسمين وقطعة موسيقى
يغازلها مرة فيرفعها إلى مقعد عند سدرة المنتهى ،وتأتى بى
ومرة يخونها مع فكرة العدمية ويمضى فى فوضاه حول مدى اختلاف "جون بول سارتر " بشأنها مع "أبى العلاء المعري"
خزائن أبى خاوية من الخطايا
ليت بوابة ليله لا تقف أمامها جحافل جيش من وخزات الضمير 
ليت أول ليله لم يكن قلقا على قلق
و ليت آخره لم يكن ذهولا
ليت أبى لم يكن 
شاعرا

ليست هناك تعليقات: