الثلاثاء، ديسمبر 30، 2014

(رسالة الشاعر)).....دراسة في قصيدة رحالة الشعر العربي /عبد المجيد فرغلي ((ويلاه يا ريفي )) بقلم الناقد /أسعد أبو الوفا..




(رسالة الشاعر))
دراسة في قصيدة رحالة الشعر العربي /عبد المجيد فرغلي ((ويلاه يا ريفي ))
بقلم الناقد /أسعد أبو الوفا
شاعر وناقدوعضوعامل في نادي أدب أسيوط 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
يقول الحكماء :تكلم حتى أعرفك 
فما دام الإنسان صامتا لم نعرف كنهه ولا مقصوده ولانستطيع أن ننسبه إلى هوية بعينها ،فالإنسان إذا تكلم أفصح عما بداخله وحسبك من علم الفراسة أنه لن يفي بالمطلوب من معارف ويجمع معلومات عن الشخص الماثل بين يديك ، وهذا ما حدث مع أبي حنيفة الإمام الفقيه الذي كان على قوة واضحة في الفراسة وجاءه رجل عليه وقار العلماء وهيئتهم فقدم له الإمام فروض التواضع وخفض الجناح ولم يعرف كنهه إلا من كلامه فقال قولته التي صارت مثلا لكل من غبن في شخص ثم عرف حقيقته (آن لأبي حنيفة الآن أن يمد رجليه ).
وإذا كان القوم متحدثين فخير متحدثيهم الشعراء منهم .
حسبنا البيئة الجاهلية وما كان يحدث في حلة بدا فيها شاعر فصيح وكأنهم يجعلون من يوم نطقه الشعر وجريانه على لسانه عيدا قوميا لهم فيذبحون الذبائح ويقيمون الموائد احتفاء واحتفالا بشاعر يذب عن قبيلته ويرفع من قدرها .
وإذا كان الشعر سجل العرب بما كانوا يعيشونه من صراعات وأفراح فإنه سجل لشخصية شعرائنا الأفذاذ رواد الكلمة وفرسان الأدب 
وفارسنا الشاعر الكبير الراحل /عبد المجيد فرغلي واحد ممن سطروا حروفا ونقشوا زخارف في الشعر المعاصر لكأني به متمثلا قول البارودي :
فَاحْمِلْ بِنَفْسِكَ تَبْلُغْ ما أَرَدْتَ بِهَا 
فَاللَّيْثُ لا يَرْهَبُ الأَخْطَارَ إِنْ وَثَبَا(1)
فهو شاعر نشيط يحمل هم أمة بما فيها من قضايا ومشاكل .
شاعر يتحمل أعباءرسالة يؤمن بها ويدافع عنها ألا وهي (الشعر دواء لكل قضايانا وهمومنا )فأخذ الشاعر يغوص في بحار الألفاظ ليأتي لنا بالدرر اللامعات ويزين لنا حياتنا وهذه هي وظيفة الشاعر كما يقول إيليا أبو ماضي :
عندما أبــــــــدع هذا الكون ربّ ا لعالمينا
و رأى كــــــــــــلّ الذي فيه جميلا و ثمينا
خلق الشاعر كي يخلق للناس عيونـــــا
تبصر الحسن و تهواه حراكا و سكونــــــــا
وزمانا و مكانا و شخوصا و شئونـــــــــــــــا
فارتقى الخلق و كانوا قبله لا يرتقونــــــــا
واستمر الحسن في الدنيا ودام الحبّ فينا(2)
إن شاعرنا عبد المجيد فرغلي شاعر يقتحم مجال السياسة فيستنهض عزم أمته العربية فتراه يقول :.
أمة المجد والنضال العريق **بك عدنا إلى سواء الطريق 
كم عشقنا إلى رحابك عودا **تحت ظل من الإخاء وريق 
قد سئمنا حرب الشقاق ورمنا **وحدة الصف لا يد التمزيق 
يا شعوبا من أمتي مزقتها **قسوة الأحداث من خلف أفيقي
ويتحدث عن الشيشان بهمة من يهتم بأمر المسلمين في أقصى الأرض فيتحدث عن الشيشان ويشخصها في غادة جميلة ناعمة لكنها قاسية على عدوهافيقول :
قد رفرف تيار النهر 
وعربد طوفان البحر 
وأخرق من ند وعرار 
طاسات نحور 
يتصاعد منهن دخان 
يتلوى في درج الأفق 
وفاتنتي ماخلعت عن 
جسد ثوبا 
أو ألقت فتنتها في حضن 
الأمواج 
ولا ننكر أن الرحالة القدير كتب عن ثورة يوليو وعن بور سعيد وعن النكسة وعن أكتوبر فكان سجلا لأحداث عظام مرت بها مصر بل ولسانا ناطقا عن العرب في مختلف الأحداث فكان شاعرا سياسيا ووطنيا في آن واحد تغنى للوطن العربي وحلم كغيره باتحاده .
كتب عن شوقي يرثيه وعن حافظ وعن محمود حسن إسماعيل وعن المنفلوطي وعن نجيب محفوظ وعن أبي القاسم الشابي وحلم بالنهضة والازدهار في توشكا 
بحق كتب عن كل شئ عن الحب وعن الوصل وعن الهجر ،عن الوطن العربي عن مصر عن أسيوط عن النخيلة قريته وكاسية لحمه فصاحة ورجاحة 
ولا ننسى شعر الرحالة الاجتماعي 
ومن شعره الاجتماعي لنا وقفة مع قصيدة لها قيمتها في مجتمعنا الصعيدي الذي يجمع بين عادات وتقاليد وأعراف بعضها غث وبعضها سمين .
ومن عاداتنا الغثة قضية الثأر التي ما زالت تشغل بالنا ويورثها الآباء للأبناء بل يورثها الأجداد للأحفاد .
وقد حذرنا الله تعالى منها في آيات عد يدة فقد قال تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون)(3)
فالحق ليس معناه اندفاع أهل القتيل وتهورهم بل إن هناك ولي دم يطلب ذلك الدم المسفوح من الحاكم .
وحذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم –من هذا الخطب في أحاديث كثيرة وفي حياته الدعوية كلها بل حتى في خطبة الوداع –وهي آخر ما خطب –فقال :لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )(4)
بين يدي قصيدة :ويلاه ياريفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختار الشاعر لقصيدته اسما قاسيا يفي بما سيترتب عليه بناء قصيدته فيما بعد من معاناة ومكابدة فقد أجاد ذلك باستخدامه نداء الندبة الذي تضمنه في قصيدته في البيت السادس في قوله :
ويلاه ياريفي الحبيب لما جرى **من حادثات وقعهن مهول 
ويبدأ الشاعر قصيدته بداية جادة بلا زخارف لفظية ولا تمهيد وذلك لجلل الموقف وشدة الخطوب فيقول :
في كل صبح بالعراء قتيل **وبكل بيت أنة وعويل 
فقد اشتمل الحزن بيت القاتل والمقتول.
وكأني بالشاعر محمود غنيم الذي يقول :
أَدرِكْ بِفَجـــــــرِكَ عَالماً مَكروبا
عَوَّدتَ فَجــــــرَكَ أنْ يَكونَ كَذوبا
يا أيُّها السِلمُ المُطِلُّ علــى الوَرى
طُوبـــــى لِعَهدِكَ إنْ تَحقَّقَ طُوبى
ما بــــالُ وَجهُكَ بَعدَ طُولِ غيابِهِ 
يَحكي وُجوهَ العـــــاشِقينَ شُحوبا
لَمْ يَبقَ في مَجــــرى الدِّماءِ بَقيةٌ 
شَكَت العروقُ مِن الدِّمــــاءِ نُضوبا
طَحَنَت فَريقَيها الحروبُ بِضِرسها 
لا غالبــــــــــاً رَحَمتْ ولا مَغلوبا(5)
قال الشاعر محمود غنيم هذه الأبيات في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي راح ضحيتها عشراتُ الملايين مِن البشر
والفرق واضح بين غنيم الذي يتحدث عن الحرب العالمية الثانية بين دول الحلفاء و بين دول المحور وبين شاعرنا الذي يتحدث عن مشكلة اجتماعية –حتى وإن انتشرت في أماكن أخرى.
لكن ما نرجوه في كلا الأمرين(الحرب /الثأر ) إحلال السلام ونبذ الفرقة
ويقول الشاعر الرحالة :
الثأر أصبح آفة في ريفنا **ما عاد عنها يستطاع عدول 
وهذا هو حال أهل الصعيد المندفعين بلا تريث ولا أناة ولايضعون الأمور في مواضعها الصحيحة ،بل إنهم تأخذهم حمية العرف وينسون تعاليم الشريعة .
فإن كان الشاعر الجاهلي / قريط بن أنيف التميمي يعيب قومه على خذلانهم إياه بقوله :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي 
بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشنٌ 
عند الكريهة إن ذو لوثةٍ لانا
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم 
طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا
لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد 
ليسوا من الشرّ في شيء وإن ها نا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةً 
ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأنّ ربّك لم يخلق لخشيته 
سواهم من جميع النــــــاس إنسانا(6)
فإننا نرى شاعرنا الرحالة يقول :
لا يابني قومي رويدا مهلكم **وجه الحياة مع السلام جميل 
إني ليؤلمني ويفزع خاطري **أن يفجع الصبح الجميل قتيل 
أو أن يريق دم الأخوة قاتل **فظ الطباع ضميره مقتول 
فالمقتول عند شاعرنا ضمير القاتل قبل قتيله .
بل قد يقع المكروه بجمع من يحب في خطب واحد ولنقرأ قول الشاعر قيس بن زهير :
شفيت النفس من حمل بن بدر
وسيفي من حذيفة قد شفاني
فإن أك قد بـــردت بهم غليلي 
فلم أقطع بهم إلا بنـــــــــــاني(7)
وهكذا يبين لنا الشاعر مغبة الثأر التي تلازم الفرد والقبيلة .
ويحدثنا الأصمعي أنه نقل عن الحارث بن وعلة الجرمي
أن أعرابيا قتل أخوه ابنه فقدم إليه ليقتاد منه فألقى السيف من يده وهو يقول :
أقول للنفس تأساء وتعزية ..إحدى يدي أصابتني ولم ترد
وقال الحارث بن وعلة الجرمي في موقف آخر :
قَوْمِي هُمُ قَتَلُوا أُمَيم أخِي
فإذا رمَيْتُ يُصيـبني سَهْمـي
فلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَللاً 
ولَئِنْ سَطَوتُ لأُوهِنَنْ عَظْمِي(8)
أما عن شيخنا الشاعر فإننا أمام شاعر كبير من بني جلدتنا يبث همومنا وأحزاننا في شعره كأقرب ما يكون من الصعيد ومشاكله بل ومن كبرى مشاكله التي تناولتها الدراما (سينمائيا وتليفزيونيا وإذاعيا )والكثير من الكوميديا التي تسخر من الصعيد وأهله وقضية الثأر وتناولها في سخافة من أجل الاستهزاء لا أكثر.
ولا غرو في ذلك أليس هو واحد منا 
فشاعرنا يعاتب أهل قريته بل كل من خاض في بحر الدماء ومن يفكر في خوضه فيقول :
هذا فتى قد مزقته رصاصة ..وعليه من ثوب الوقار دليل 
أبصرت فيه العلم يطعن في الحشا ..ودم البراءة من حشاه يسيل

ويتمنى الرمي بنفسه فداء للدم المسفوح من المتخاصمين فيقول :
لو كان في وسعي اقتحام مكانه ..ما حاق شر بالجميع وبيل
البناء الموضوعي :
بنى الشاعر قصيدته من اثنين وسبعين بيتا كالبنيان المتماسك لا يخرج فيه عن هدفه ولا يحيد فهو يتحدث عن موقف انفعل معه ودعاه لكتابة نصه 
فقد ذكر في ديوان (وستبقى يا وطني حيا )أنه في عام 1977نظم الرحالة هذا النص إثر حوادث ثأر أمام منزل الشاعر قتل فيها خمسة أفراد .
هكذا يكون عبد المجيد فرغلي ليس شاعرا يحمل آلام أمة ممتدة من المحيط إلى الخليج فحسب بل ويكون أيضا شاعر الموقف الذي يتفاعل مع الأحداث من حوله كبارا أو صغارا .
إنه يساوي بين الجميع بالنداء ب(يا)لقربهم منه فهم أبناء بلده ويستميلهم فيقول :
يا إخوتي في الريف ماذا خطبكم ؟ولم التناحر للإخاء يهول ؟
ويأتي باستفهامين للإنكارفهو ينكر عليهم وقوعهم في براثن الثأر وويلاته 
ويبين أن وراء الثأر والتناحر ربما أمر يسير لا يستدعي استعداءهم فيقول :
من أجل ماذا تسفكون دماءكم ..ويهد ركن للإخاء أصيل ؟
ألأجل عود أخضر أو يابس ..أو شبر أرض فيه شق مسيل؟ 
أم أن يسب أخ أخاه تطاولا ..فتظل تقرع للخصام طبول ؟
معتمدا على الاستفهام كذلك للتهوين من سبب المنازعات 
ولم يفرق الآثمون بين كبير ولا صغير للنيل منه فيرمي الشاعر إلينا بصورة تمزق الكبد لفتى وقور ممزق برصاصة فيقول :
هذا فتى قد مزقته رصاصة ..وعليه من ثوب الوقار دليل
وكأنه قتل ليكون هو الدافع في تأثر شاعرنا بقتله ونظمه فها هو شاعرنا ينقل لنا صورة قمة في الروعة فيقول :
أبصرت فيه العلم يطعن في الحشا ..ودم البراءة من حشاه يسيل
فالشطر الأول كناية عن استهانة القاتل بالعلم وبأهله والشطر الثاني كناية عن تنزه المقتول عن الخوض في غمار التنازع والعداوة .
وإذا كان شاعر الجاهلية عمرو بن كلثوم يتعامل مع هذا الحدث بعنف فيقول :
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا... فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا(9)
فإن شاعرنا الكبير الذي تخلق بخلق القرءان واتخذ رسوله الكريم قدوة له وظهر ذلك جليا في نزعته الدينية في شعره نجد له رأيا آخر فهو يقول :
وإلام تبقى الجاهلية ديننا ..وبها ينشأ في الجهالة جيل 
الثأر فيك غدا السيل لرفعة ..مقبوحة فيها العزيز ذليل
بل إنه يتعجب من سفك الجفاة أصحاب القلوب المتحجرة دماء من أقاموهم أعداء لهم بسبب تافه 
وعلام يقتل الجفاة مشاعرا ..من أجل شئ زائف سيحول
والشاعر يجود بماله بكل رضا لدفع الضرر عن أهل ريفه 
يبذل الغالي والرخيص لأجل إنهاء الخصومة الثأرية فنراه يعلنها صراحة :
هاكم خذوا مالي :فلست بباخل ..إن كان فيه فدية وقبول
ويصور لنا شاعرنا مشهدا غاية في الحزن والأسى والأسف فيقول :
جو تلبد بالصراخ وباللظى ..وسياط ومت شرع ومثول 
وصياح أطفال يفتت أكبدا ..أمي وأبي والقاذفات تهول
ثم يقول :
ونساء حي مطلقات أعنة ..كوفود غربان لهن عويل 
من كل نائحة تولول حسرة ..وبكفها قد لوح المنديل
صورة شديدة التأثير في القارئ استخدم فيها الأفعال المضارعة (يفتت-تهول –تولول )ليصور الحال في ذهن السامع فتستقر الصورة عنده بل إنه عمد إلى اسم الفاعل(مطلقات )وجاء منونا عاملا وإن جاء بهذا الشكل فهو في الحال يعمل عمل الفعل المضارع فيدل على الحال أيضا
**صاغ الشاعر قصيدته على بحر الرمل:
ولا ننسى قدرة شاعرنا على النظم في مادة العروض والقافية نفسها إذ أنه جعل متنا لذلك يدرس فعمل ما عمله الجهابذة فكتب (ذكرى )في الوافر و(حبيبي )في الكامل و(عند الوداع )في المنسرح و(عاصر الحب )في السريع و(ليته عاد ) في المديد و(حديث على الهاتف )في المتقارب و(صواحب يوسف )في الطويل و(إذا غبت يدنو طيفك )في البسيط.
لكنه لم يتم بقية البحور فياليته فعل .
نجد الشهاب يقول من نظمه في بحر الرمل :
إن رَملتُمْ نحـو ظَبْـيٍ نافرٍ** فاستَمِيلوهُ بدَاعِـي أُنسهِ
فاعِلاَتُـنْ فاعِلاَتُـنْ فاعِلَـنْ**( وَلَقَـدْ رَاوَدَتهُ عن نفسـِهِ)
وصفي الدين الحلي يقول عن ذات البحر :
رَمَـلُ الأبحـرِ تَرويهِ الثَّـقاتُ** فَاعلاتُـن فاعلاَتُـن فـاعِلاَتْ
وقد أمتعنا شاعرنا الكبير بعقد عروضي أيما إبداع به موسيقا العروض وانتباهات الأضرب وأجراسها الرنانة وبها موسيقا اللفظ والزخارف.
وقد عمد الشاعر لنهاية أبياته للبيت وابن عمه فهو يبدأ قصيدته بنهاية البيت الأول بـ(عويل )ثم بأخيه (يسيل )ثم يلجأ إلى ابن عمه(ذهول )ويتنقل في ذلك تنقلات عدة بين البيت وأخيه ثم البيت وابن عمه(مقتول /أقول /موصول /يزول /..........)
وقد ورد في رسائل الجاحظ مقولة مفادها إن “من كانت غايته انتزاع الألفاظ حمله الحرص عليها، والاستهتار بها إلى أن يستعملها قبل وقتها، ويضعها في غير مكانها. ولذلك قال بعض الشعراء لصاحبه: أنا أشعر منك! قال صاحبه: ولم ذاك؟ قال: لأني أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمه”. فقد حمل هذا بعض القدامى على جعله وسيلة يلجأ إليها الشاعر فتضعف صنعته ولكن أنا مع من يقول بضد هذا وجعله من التوسع في اللغة والتناغم الموسيقي فشاعر الصنعة الذي يلجأ إلى البيت وأخيه ويترك ابن عمه يكون في خندق مغلق عليه يغلب فيه اللفظ على المعنى.(10) 
جماليات النص : 
لا نكاد ننعم بصورة بيانية نتعمق في الإبحار في خيالها حتى تأخذنا صورة أخرى لاتقل جمالا عنها إنه نص يعج بالصور البيانية ولا غبار على شاعرنا في ذلك لطول النص الذي بلغ اثنين وسبعين بيتا وإلا دفعنا إلى الملل 
ومن الصور التي جذبتنا في هذا النص:
(
الثأر أصبح آفة )تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه ووجه الشبه معا وسر جماله التوضيح ويوحي بتفشي الثأرومضاره.
*(
الثأر فيك غداالسيل)تشبيه مجمل بحذف وجه الشبه وسر جماله التجسيم ويوحي بالحركة والتدفق وأن الثأر يجرف من في طريقه ونجد قوة الشاعر البلاغية ومقرته الفائقة في استخدام أداة تشبيه غير صريحة مثل (الكاف المستعملة للجر والتشبيه أو كأن المستعملة في النصب والتشبيه أو أفعال التشبيه الصريحة مثل /شابه/ ضاهى /حاكى /ماثل /........)
*(على النخيل أرى الكئابة ) استعارة مكنية وسر جمالها التشخيص وتوحي بالحزن والألم 
*(
فما من نسمة هزت جناحيها )استعارة مكنية وسر جمالها التجسيم وتوحي بالجمود والسكون 
*(
ظلت قذائفه تولول نوحا ) استعارة مكنية وسر جمالها التشخيص وتوحي بالألم .
*(
وعليه من ثوب الوقار )استعارة تصريحية وسر جمالها التجسيم وتوحي بالهيبة والاحترام .
*(
حشوه جمر الردى )كناية مبتكرة ورائعة فهي كناية عن موصوف وهو الرصاص وسر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا عليه بالدليل في إيجاز وتجسيم .
*(
يباح سفك دم )مجاز مرسل علاقته السببية فسفك الدم وإهراقه سبب في القتل .
المحسنات البديعية :
يبدأ شاعرنا الكبير في قصيدته بالتصريع ليطرب الأذن (قتيل ،عويل)
ثم نرهف السمع ليمتعنا بالطباق كما بين :
-(
التناحر والإخاء )
-(
أخضر ويابس )
-(
الأمان والتقتيل )
والطباق جاء ليوضح المعنى ويبرز الفكرة .
ويمتعنا بالجناس كما بين :
-(
الوجوم و الوجوه )جناس ناقص 
-(
أخو و أخاه )جناس ناقص 
الأساليب :
*
جاءت منوعة بين الخبرية لتفيد التقرير كما في قوله :(أسفي عليك )،(هذا أخي الباكي علي بحرقة )
وبعضها طلبي مؤكد بمؤكد واحد مثل ):قد لطخت بالطين قمة رأسها )و(إني سئمت من الحياة )
ويختم قصيدته بالإنكاري المؤكد بمؤكدين (إني عليك لموجع مغلول )إذ أنه ينكر على من ظن أنه تكلف في تعبيره عن حزنه العميق على ريفه جراء الثأر المنغمس فيه .
*
وأكثر شاعرنا –رحمه الله –من الأساليب الإنشائية لحاجته إلى :
-
التنبيه كما في ندائه :(يا إخوتي في الريف )و(أبني )الذي استخدم فيه للمنادى القريب الهمزة وهو قرب ربما يكون قرب مكان بالإضافة لكونه قرب مكانة .
كما استخدم المنادى محذوف حرف النداء في آخر أبيات قصيدته (ريفي الحبيب )
-
التمني بالاستفهام المجازي كما في (ماذا لو اتبعوا السبيل )و(ماذا عليهم لو صغوا لعقلائهم )
الرحالة حكيما :
قضية الثأر تجعل من المتعرض لها في شعره حكيما ببصيرة متقدة ورأي سديد وفكر رشيد .
وقد ضمت قصيدة (ويلاه من ريفي )أبيات عدت من أبيات الحكمة ومنها :
وإذا الجهالة ما سرت في أمة ..فاعلم أن بها الفناء يزول 
وفي :
ما حيلتي يارب فيما قد جرى ...إن المصاب على الصغار ثقيل 
نهاية المطاف :
لقد كنا بين يدي شاعر يمتلك ناصية الإبداع ويدلي بدلوه في كل شئ شاعر حصيف ساق الله له الألفاظ كالماء العذب المتدفق من من نهر فياض .
لكأني بالشاعر الكبير يتنفس شعرا بل ويبعثه نسيما عليلاللناس من حوله .
و هكذا تكون رسالة الشاعر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
ديوان البارودي
(2)
ديوان إيليا أبي ماضي
(3)(
سورة الأنعام آية 151
(4)
السيرة النبويةلابن هشام الجزء الثاني و البداية والنهاية لابن كثير الجزء الخامس وصحيح البخاري الجزء الثامن
(5)
ديوان في ظلال الثورة للشاعر محمودغنيم قصيدة فجرالسلام
(6)
شرح ديوان الحماسة للتبريزي
(7)
المرجع السابق
(8)
المرجع السابق
(9)
تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي للدكتور /شوقي ضيف
(10)
الرسائل للجاحظ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم الشاعر الناقد :أسعد أبوالوفاأحمد
عضو عامل في نادي أدب أسيوط
معلم اللغة العربية في مدرسة منقباد الثانوية 
مصر *أسيوط *منقباد
2/12/2013
إهداء إلى أ/عماد عبد المجيد فرغلي أخينا الفاضل وابن الشاعر البار


ليست هناك تعليقات: