الثلاثاء، نوفمبر 04، 2014

قصيدة نثر للشاعر الرا حل أبو القاسم الشابي




" أيْنَ أنْتِ ؟
أيَّتُهَا الأحْلامُ العَذْبَةُ الَّتي كَانَتْ تَبْسَمُ لِي
منْ خِلالِ الظَّلام
فتُفْعِمُ آفاقَ نفسِي
بأنْوَارِ الرَّجَاءِ
وَتَرِفُّ بسكونٍ حَوْلَ قلبِي هَامِسَةً
في مَسَامِعِهِ أنشودَةُ الأمَلِ
في أيِّ وَادٍ تَلاشَيْتِ ؟
وَفي أيِّ لَحْدٍ ضُمَّ صَدَاكِ ؟
أيْنَ أنْتِ ؟
أيَّتُهَا الأجنِحَةُ البيضَاءُ المُتألِّقةِ تَحْتَ أشِعَّةِ الشَّمسِ
كَعَرَائِسِ الشِّعرِ
لقدْ طلبتُكِ بَيْنَ أنْوَارِ الصَّبَاحِ
فلمْ أجِدْكِ
وَفتَّشْتُ عنْكِ بَيْنَ أهْوَالِ الظَّلامِ
فمَا رَأيتُكِ
فتَّشْتُ عنْكِ في ابتسَامَةِ الأزْهَارِ
وَفي قُطوبِ الأشْوَاكِ
وَفي كُلِّ أطْوَاءِ الحَيَاةِ
وَمَظَاهِرِهَا
فَمَا وَجَدْتُكِ ."
وَمنْ هذِهِ النّصوصِ كَذلكَ نَصُّ : الأحْزَان الثَّلاثَة ؛ الَّذي يستهِلُّهُ بقولِهِ :
" أنَا وَالليْلُ كئِيْبَانِ !
وَفي قلبيْنَا شُعْلَةٌ منْ تِلكَ الكَآبَةِ الصَّامِتَةِ
المُتغنِّيَةِ في قلْبِ الحَيَاةِ
بأحْزَانِ البَشَريَّةِ المُعَذَّبَةِ
وَعِنْدَمَا يَسْكُنُ الليْلُ
وَتَخْمَدُ أصْوَاتُ الزَّمنِ
تَتَصَاعَدُ منْ أحْشَاءِ الظَّلامِ أنَّةُ الكَآبَةِ المُوْجِعَةِ
مَعَ عَويْلِ المُنْطَرحِيْنَ
تَحْتَ سَنَابِكِ المَظَالمِ القَاسِيَّةِ
إلى حَيْثُ يُرْسِلُهَا اللهُ شُعَلاً نَاريَةً
تلتهِمُ الأشْوَاكَ
وَالهَشِيْمَ
أمَّا أنَا
فتَتَعَالَى كآبتِي شُعَلةٌ مُتَّقِدَةٌ مُتَمَايسَةٌ
في فَضَاءٍ مُظْلِمٍ
مُفْعَمٍ بمَرَارَةِ الأوْجَاعِ ."

:الذِّكريَات البَاكِيَة 

" بَاركِيْنِي يَا ابنَةَ النُّورِ وَالمَحَبَّةِ
فَلقَدْ تَغنيْتُ باسْمِكِ مُنذُ الأزَلِ ، وَدَعَوتُكِ منْ وَرَاءِ الوجُودِ
بَاركِينِي يَا ابنَةَ النُّورِ وَالمَحَبَّةِ
فَلَقَدْ صَلَّيْتُ لكِ في أعْمَاقِ قلبِي قبْلَ أنْ تبدَأ الأكْوَانُ
وَعَبدتُكِ بَيْنَ الكَوَاكِبِ وَأنَا شُعَاعُ طائِرٍ في الأفقِ البَعِيْدِ
بَاركِينِي يَا ابنَةَ النُّورِ وَالحُبِّ
فلقدْ تَغَنيْتُ باسْمِكِ وَأنَا خَمْرَةٌ سَكْرَى بَيْنَ اليَنَابيعِ الخَالِدَةِ
وَعبيرٌ يَتَطَايَرُ في سَمَاءِ اللهِ
وَدَعَوْتُكِ وَأنَا مَا حَلُمْتُ بأفرَاحِ العَالمِ وَأترَاحِهِ ،
وَلا تَمَثَّلتُ ضَبَابَ الفَجْرِ
وَضَيَاءَ القَمَرِ
بارِكِينِي يَا ابنَةَ النُّورِ وَالمَحَبَّةِ
فلقدْ تغنيْتُ باسْمِكِ حتَّى تَمَخَّضتْ بِيَ الأوْجَاعُ
وَوَلدتْنِي الحَيَاةُ في غُرْفَةِ الأيَّامِ
وَدَعَوْتُكِ حَتَّى قبََّلَ النُّورُ شَفَتَيَّ
وَأنَارَ الصَّبَاحُ عَيْنَيَّ
وَعَلَّمَنِي الحُبُّ الكَلامَ
بَارِكِيْنِي يَا ابنَةَ النُّورِ وَالمَحَبَّةِ
فلقدْ صَلَّيْتُ لكِ في أعْمَاقِ قلبِي
وَأنَا ذَرَّةٌ ضَائِعَةٌ بَيْنَ السُّدُمِ
وَضَبَابٌ هَائِمٌ بَيْنَ الظِّلالِ
وَ دَعَوْتُكِ قبْلَ أنْ يُلامِسَ الليْلُ قلبِي بشَفتَيْهِ
وَيُعَانِقُ الفَجْرُ رُوحِي بجنَاحَيْهِ
بَاركِيْنِي يَا ابنَةَ النُّورِ وَالمَحَبَّةِ
فلقدْ صَلَّيْتُ لكِ في أعْمَاقِ قلبِي
وَأنَا فِكْرَةٌ غَامِضَةٌ تضطرِبُ بيْنَ أعمَاقِ المَوْتِ وَأمْوَاجِ الحَيَاةِ
وَ أنشُودَةٌ خَافِتَةٌ تَرْتَعِشُ في قَلْبِ اللانِهَايَةِ
وَحَقيقََةٌ عَاريَةٌ تأتلِقُ في صَمِيْمِ الوجُودِ
لقدْ عَبَدْتُكِ في حَيَاتِي المَاضِيَةِ
وَسَأعْبُدُكِ في حَيَاتِي البَاقيَةِ
حَتَّى المَوْتِ ."

ليست هناك تعليقات: