الجمعة، مايو 30، 2014

قصة . انفجار منتصف الظهيرة. للأديب إبراهيم حسين


انفجار منتصف الظهيرة





بهَّزات حنونة من يد أمه صحا..جلس وهو ليزال يغمض عينيه..لو ينام حتى تتحسس الشمس وجهه..يفتح عينيه ..يرتد إليه بصره صورة أبيه..راقداً مفتوح الأعين..يبحث عما يسمونه بالجنون.. استبعد أن يكون بالرأس فالرأس كامل و في مكانه..يحمل جلباب العمل ولفة الطعام ويخرج..السكة المغطاة بندى الليل ناعمة وحانية على الأقدام ..الأفق المحتقن بالاحمرار ذكره ب(صفاء)وبسكة الظهيرة الملتهبة..يمشى بمحاذاة النهر..ورد النيل ذو الزهر الأبيض مغطى بالندى..ثمة طيور تعبر الفضاء فوق رأسه ولكمه لم يلتفت أليها أبخرة بيضاء تتصاعد من مجاري المياه والحقول المروية حديثاوتحت النخل يأكل البلحات الساقطة ليلاً ويدهس الباقي بقدمه كي لا يأكل القادمون خلفه.. لا شك هم آتون خلفه.وهناك يلبس جلباب العمل المشبع برائحة القطن والعرق..حبات الندى تصنع عُقداً طويلاً على الأوراق والنوار ..جمع لوز القطن من مقدمه خطه ,عندما سمع  أصواتهم ..سبابهم..ورائهم عفره تراب, جاءوا وقد نسوا تعب الأمس..يبتلعون كل ما يقابلهم ..حبات الطماطم ..الخيار.. البلح القادم مع النهر.عندما يرونه يصيحون(أبو كسوره...أبو كسوره)يبدأ تحدى العمل صراعهم إلا منتهى على من ينتهي أولا لو يسبقهم مره. سيساعد (صفاء) لو فقط يحاذيهم.. يود لو يفهم كيف يسرعون؟ انه لا يرى إلا أيديهم المسرعة تمتلئ باللوز وتقذف به في أعبابهم ثم تمتلئ من جديد دائما ما يتأخر عنهم ..دائما ما يعوده الإحساس اللعين بالتضاؤل..الشمس تسرع إلى منتصف السماء وحينها تبدأ بالتلكؤ يذهبون حتى (الخص)البارد يشربون ويبقوا هنيهة لا يريدوا أن يبرحوه ..يلاحقهم صوت الريس (خلص يا يولد أنت في بطنك حريقه) شرب كثيرا هذا النهار .. كلما أقام ظهره ليريحه وجد صفاء في مواجهته ممتلئة وبيضاء حولت الشمس بياضها إلى اللون الأحمر الباهت وتشققات دقيقة بالوجنتين.. ينصت إلى صوت عينيها الواسعتين .. يسمعها تناديه .(الريس ) يكرر (ميل ياولد) مع أن الجميع منحنى بالفعل عندما تنحني( صفاء) يلمح بداية الخط الفاصل بين كومتي الزبد هناك لا يعرف كيف يحول فكره . (صفاء)  ثقب اسود قد تبدو ككلهم مغطاة بعرق الظهيرة وعندما يمتلئ حجرها بالقطن تذهب وتفرغه على الحصير القديم وقدميها مغطاة بالطين الجاف ولكنه يعرف أنها من الداخل لا تنتمي للعالم الأرضي  ملائكية القلب . المسافة بينه و بينهم تتسع..الشمس تمارس طقسها اليومي في الجلد ..يصنعون من الغناء سحابة و غمام.(ياولاد الكلب قولو نروحدى بلدنا بعيده تكلنا الديبهياولاد الكلب قولو نروح)المسافة بحر عميق ..الشمس تلملم أشعتها في بؤرة مركزها رأسه..عنكبوت شقي ينسج خيوطه أمام وجهه (صفاء) تستقيم تعدل من وضع طرحتها(دى بلدنا بعيده ....قولو نروح)الغناء بطلب العودة للبيوت مستمر من النوارة الحمراء تخرج نحله .. تتسلق من يده إلى ذراعه ..لا يكترث .. تلدغه .. لا يلقى بها بعيدا ..بعدها تبدأ النحلة دورة موتها البطئ لو يمتلك (صفاء) سينامون حتى تتحسس الشمس وجهيهما (ميل ياابن الكلب) صوت الريس مع الحر تتحول أعواد الحطب إلى خطاطيف من حديد..أحس بها تمسك به.تنغرس في جسده (قولو نروح......قولو نروح) لايزالونتقدم ببطء كساعة الم إلى هناك حيث الظل حيث اللبن والعسل لمن يصل.النحلة تعانى ما تزال.. وراء(صفاء)تماما كان يقف مد زراعه كأنما تحول إلى لهب وجمر ..أحس بجسدها كشيء هلامي زاد من ضغطه ..ابتلعه الثقب الأسود تماما.. (صفاء) لا يعرف إن كانت تصرخ أم لا تزال تغنى.. هم كلهم لا يعرف أتوقف غنائهم أم لا ربما سمع ولم يعبئ صوت الريس(ارجع بابن الكلب .. الواد أتجن زى أبوه) يحاول الجري وسط الخطاطيف .. اشتم رائحة (صفاء) عصى الريس تترك خطوط مستقيمة زرقاء على ظهره..حاول البحث عن الطريق كانت الدنيا بين اللونين الأحمر الاقانى والأسود .وانفكت عقدة حجره ..تبعثرت لوزات القطن في نزيف ابيض طويل.. لم يعد يسمعهم يرددون (ابن المجنون) بل الشمس تجلد والعنكبوت ينسج خيوطه في الأفق وفى المدى أصوات تردد:(دى بلدنا بعيه تكلنا الديبه  قولوا نروح قولوا نروح).



ليست هناك تعليقات: