الأربعاء، يناير 01، 2014

قصة " رنين الصمت" للقاصة / كريمان رشاد الفائزة بالمركز الثاني " قصة " المستوي الثاني



 قصة " رنين الصمت" 
                                                                         للقاصة / كريمان رشاد     كفر الشيخ 

نفس المشهد الكالح يطالعني كلما دخلت المنزل.....نفس الوجوه الكئيبة لنساء العائلة وجاراتنا....دوما يجتمعن داخل منزلنا في حين تصبح أمي الزعيمة التي ترأس هذا المجلس النسائي....تلك الشكاوى التي تخرج من أفواههن كالسيل المنهمر لا تتغير مطلقا...والغريب أن عددهن دوما في تزايد لم أشاركهن يوما في تلك المجالس النسائية... 
الحديث بينهن يدورعن(ليلي).....كانت جارتنا سافرت منذ عامين لتكمل دراستها في الخارج- بمفردها–هذا ما أثار غضبهن أتذكر كثيرا ثورتهن يومها...بالرغم من أن كل واحدة منهن تهفو روحها للحاق بليلي لكنهن لا يصرحن بذلك........ 
التقيت (ليلي)قبيل سفرها كنت أود أن اعلم كيف تتحدي وحدها كل تلك الآراء؟......أخبرتني أنها تريد أن تتحرر من ذلك السجن الذي حبست المرأة نفسها داخله منذ الأزل...لن تضيع عمرها مثلهن وتبقى نادمه عليه حتى الموت 
(اعلم أنى أمراه ولا أريد أن أكون سوى ذلك)
لم تزل عبارتها تتردد داخلي حتى الآن....(ليلي)تلك التي خالفت رغبات كل النساء سافرت تبحث عن ذاتها بعيداعن القيود التي تحكمها المرأة حول حياتها في هذا المجتمع الصامت....أعجبت بـ(ليلي)كثيرا....حلمت دوما باللحاق بها في رحلتها نحو الحرية لأتحرر من مجلس النسوة المنعقد دوما داخل حياتي....كان مجرد ذكر اسمها أمام أمي –ولو على سبيل الخطأ– يشعل ثورتها التي لا تنطفئ إلا بعد أن تجود على بعدد لا بأس به من الركلات والصفعات ونهر من الشعيرات الملقاة تحت قدميها والتي كانت تستقر منذ لحظات فوق رأسي هادئة مطمئنة.....كانت تخشي أن نتمرد على عقيدتهن ونلحق بـ(ليلي)....تعدنا منذ الصغر حتى نصبح مثلهن....
(أنت فتاة....هل تفهمين فتاة)
فتاة....كانت ترددها كثيرا في وجهي وكأنها ذنب اقترفته لا يغتفر....خطيئتي الكبرى....الجريمة التي لا يد لي فيها ومع ذلك أعاقب عليها مدى حياتي..... 
أحيانا اشعر أن أمي تعاني من عقدة نفسية... إلا أنني وجدت كل النساء من حولي يتعاملن بنفس الطريقة...إنها إذن طباعهن...العقيدة الراسخة داخل عقولهن....المرأة هي التي تجدل الحبل الذي يحكمه الرجل حول عنقها...اللعنة عليهن وعلى كل نساء الأرض هن اللاتي أودعن أنفسهن السجون والآن يتلذذن بالصراخ من خلف قضبانها.....
الصمت يغلف المنزل....يضفي على الأشياء من حولي منظر كئيب...تعالت إيقاعاته بعدما قررت اختى الزواج بمن إختاروه لها.....اخبرتنى أنها تريد التخلص من تلك القيود التي كادت تزهق روحها.....ذكرتها ب(ليلي) ألم نتعاهد معها قبل رحيلها ألا نستسلم؟.....لم تجبني...بلهاء....ظنت أنها بذلك ستسترد كيانها المفقود...هيهات أن يحدث ذلك....تخيلت صورتها وهي تشاركهن مجلسهن الأسبوعي.....ترتشف قطرات البن المره وتنهمر عبارات الندم والأنين كالسيل على أرضية الحجرة الصورة أفزعتني لم يعد بيدي شيء 
الاستعدادات تتم على قدم وساق يوم عرسها......أطنان من النساء تغطي أرضية المنزل....عبارات التهنئة تتناثر في كل مكان...السائل الأحمر يدور بين المدعوين...........دماء المسكينة تصب في الكؤوس.....وهن يحتفلن بقربان جديد سيذبح ليروي بدمائه عقيدتهن التافهة.... 
الصمت يرن في أوصالي...رنين لا تسمعه أذناي....يسري داخل عروقي ويجري في شراييني مجري الدم.....يصل إلى روحي فيهتز له كياني....نظراتهن إلي ذات مغزى اعرفه جيدا( أنتي التالية ).....محال....لن استسلم أبداً..اتركوني اصنع حياتي بنفسي بعيدا عن طريقتكن....لم يعد للصمت مكان داخلي بعد اليوم...سأصرخ بكل ما تأجج داخلي من نار..... 
فتحت النافذة....استقبلتني النسمات الليلية الباردة...أحسست بالدماء تجري في عروقي...استحضرت أمامي صورة شقيقتي ومأساتها....حديث(ليلي)...مجلس النسوة قطرات البن المره.....ثرثرتهن التي تثير أعصابي...عندها أدرت ظهري للحجرة... بنسائها...وثرثرتها....وقهوتها...وأناتها...تحررت من أخر القيود المربوطة حول عنقي...أطلقت لساقي العنان....ركضت بكل قوتي وسط دهشتهم..ألقيت بنفسي في أحضان الطريق المؤدي للحرية وقلت له هيت لك...عانقت الرياح بلهفة العشاق متجهة نحو جنتي القادمة...الفردوس الذي سأحيا فيه بلا صمت.....

ليست هناك تعليقات: