الجمعة، يناير 31، 2014

نقلا عن البوابة نيوز " الأحد.. "عبث ماجد سمير" في معرض الكتاب


كتب / حازم حسين 
صدر عن دار روافد للنشر والتوزيع، كتاب "عبث ستان" للصحفي والكاتب الساخر ماجد سمير، مدير تحرير موقع "وطني"، والكتاب هو الرابع في مسيرة ماجد، بعد: الضحك المرّ، مصر المخروسة، ثالثهما الاستعباط، وهو يتناول الأوضاع العامة من منظور شخصي، عبر زوايا وموضوعات اجتماعية تدور في محيط الكاتب دون أن تتخلّى عن قدرتها على اختزال تعقيدات وتشابكات الواقع المصري بشكل عام وكامل، في صياغة سلسة ومتدفقة عبر لغة بسيطة تحمل - عبر السخرية - كشفاً جاداً لكل ما يعتمل داخل المجتمع وناسه من قضايا وأزمات وإحن وسوء فهم، وهو ما يجعل كتابة ماجد وسيلة لإعادة اكتشاف ذواتنا والأشياء وتعريفاتنا لها، حيث تحضر السخرية كأداة أولية من أدوات العقل البشري للقفز على الدوجمائيات والعلاقات غير البسيطة، وتشوية النظام المحكم للهيراركي الحياتي والاجتماعي والإنساني في مستوياته المتعددة، وكنت أرى شخصياً – حتى وقت قريب – أن الكتابة الساخرة في الساحة الثقافية المصرية، هي استجابة حالّة وآنية لتعقيدات اجتماعية وسياسية مرتبطة بالواقع المصري، وأن ازدهارها الشديد المساوق لازدهار القمع والكبت ومصادرة الحريات - الذي ظهر جلياً وقاسياً في أواخر عصر نظام مبارك - هو ازدهار موقوت بتحول الراهن الاجتماعي والسياسي المصري، وأن الحياة في ظلال ظروف طبيعية، ووفق شروط أكثر إنسانية ومنطقية، كفيلة بأن تدفع الكتابة الساخرة خطوة إلى الخلف، لتتقدم عليها الرؤى الأكثر جدية وعمقاً واشتباكاً مع الواقع على أرضية دياليكتيكة عملية، تحفل بتحليل وتفكيك المشكلات، لا بالسخرية منها والقفز عليها فقط، ولكنني أعترف أنني – ربما لاستمرار تعقيد الموقف، أو لبساطة الرؤية التي موضعت الكتابة الساخرة في هكذا حيز، ومنحتها دورا وظيفياً بسيطاً واختزالياً كالذي منحتها إياه – أصبحت أرى أنها أكثر تجذراً وعضوية، وأننا أحوج ما نكون إليها في الظروف المستقرة، ربما أكثر من احتياجنا لها في أمواج الاضطراب التي تعتور حياتنا على فترات. 

وفي تجربة "عبث ستان" لماجد سمير، تقف الكتابة الساخرة موقفاً عضوياً متعاضداً مع الرؤى العميقة والعقلانية للواقع، دون أن تكون السخرية ميكانيزم قفز على المشكلات، بقدر ما هي ميكانيزم قفز إلى عمق المشكلات، حيث تحضر كبقعة ضوء أكثر توهجاً ونفاذاً إلى الجوهر، عبر مقالات مكثفة وكاشفة ولمَّاحة في آن، تأتي في متوالية متواشجة العلائق، متكئة على نمطين بنائيين يتراوحان بين الكتابة المقالية الفكرية العامة، وبين السرد القصصي، مع حضور عابر ومتنامٍ لشخوص وأماكن وسياقات حياتية واجتماعية وبيانية عَلَمِيَّة الطابع، بشكل يعضد من تماسك ووحدة وعضوية مجموعة المقالات كنص واحد، فسيفسائي المبنى، كُلِّي الموضوع والمعنى، معتمداً على السخرية كآلية حافزة للوعي، تشتغل على بنية المفارقة باعتبارها السبيل الأسهل والأعمق لاستيضاح التباينات، وحدود الانزياحات الدلالية والبيانية، وبوصفها الركيزة الأساسية في الكتابة الساخرة، وفي بنية "النكتة" في معناها ومغزاها الشعبي البسيط والعميق، لتوفر هذه الآلية البنائية حدودا من الانتقال السلس بين الموضوعات، وشسوعاً وأريحية في تناول الموضوعات – الأكثر إنسانية وذاتية – والتي ربما تختلف في التصورات الأولية المسطحة مع البنية العامة للكتابة الساخرة.

وكطبيعة الكتابة بشكل عام – والكتابة الساخرة بشكل خاص – تسهم المفارقة، ومحاولة إقامة العلاقات بين الراهن والماضوي، وبين الواقعي والفانتازي، في خلق رؤية استشرافية، ربما تكون أكثر قدرة على استبطان العابر والتاريخي، لإنتاج القادم والمستقبلي، وفق بصيرة بريئة وفطرية، تشبه الكتابة الساخرة في بياضها، واتكائها على الأوليات والتفاصيل غير المعقدة، وهذا ما قد يصيب بشيء من الغرابة إذا عرفنا أن مقالات هذا الكتاب – كاملة – قد تمت كتابتها ما قبل الموجة الثورية الهائلة للشعب المصري في 30 يونيو، والتي ساهمت في تقويض حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان الإرهابية المحظورة، على خلفية اصطدام حقيقي وجذري وتاريخي مع الشعب المصري، بتركيبته النفسية والإنسانية والتاريخية، وهو الاصطدام الذي كان يمثل محوراً عاماً، وخيطاً ناظماً لأغلب موضوعات الكتاب، الذي أتى كوثيقة أدبية – تاريخية، كانت استشرافية وقت تدوينها - وأصبحت الآن سبيلاً لإعادة تقييم السياق الدرامي العبثي الذي أصاب السيناريو المصري، ربما لنستخلص عبرة التعامل الجدي مع الواقع – من أعماق السخرية المرة – حتى لا يتكرر نفس السياق بشكل أكثر هزلية.
ومن أجواء كتاب ماجد سمير نقرأ:
"منذ فترة ليست طويلة، ذهبت مع صديقي المخرج الشاب زياد سعودي لشراء ملابس جديدة من منطقة وسط البلد الشهيرة، ولسوء الحظ، نسي سعودي "بنطلونه" الجديد في سيارتي المتواضعة، الموقف أصابني بفزع "خزعبلي"، فجزء غير قليل من المجتمع بعد ثورة 25 يناير، لم يتغير موقفه الرافض لوجود الآخر، سواء كان دينيا أو عرقيا أو سياسيا أو حتى كرويا.
بكل بساطة، من سيمنع من يطلقون على أنفسهم السلفيين من المطالبة بـ "سروال / بنطلون" أخيهم زياد، كما طالبوا - وما زالوا يطالبون - بأختهم "كاميليا"، وكذا أختهم "عبير"، ومن تستجد من الأخوات، فلا يصح – طبقا لرؤيتهم - أن يستولي "ذمّي" مثلي على بنطلون مسلم، خاصة وأن البنطلون المتنازع عليه مختلف، فهو بـ "زراير" وليس بسوستة كبقية البنطلونات، وربما أستغل الموقف - كذمّي - وأرتدي البنطلون وأذهب به إلى الكنيسة.
لم تخرج هذه الفكرة من دماغي، قلت لسعودي: "تعالى نرجع ناخد البنطلون، حتى لا تحدث فتنة على اللباس"..

ليست هناك تعليقات: