الثلاثاء، يونيو 11، 2013

الشاعر محمد علاء الدين يكتب : دوائر التاريخ .. ( الماهية والوجود والزمان الوجودي )

الشاعر / محمد علاء الدين

  
 ( الماهية والوجود والزمان الوجودي )

أنا إنسان
أذن أنا حر
أنا حر
أذن أنا موجود

( مع الإعتذار لديكارت )

للماهية وجهان صفات وراثية ( الدنا ) , وصفات مكتسبة ( الحياة ) , وللوجود وجهان , الأول يتمثل في الوجود الفزيولوجي , والثاني يتمثل في الوجود الفعلي للماهية ( تحقيق الذات ) ولكي يتحقق الوجود الفعلي يجب إختيار إحدى الممكنات أو جميعها أن أمكن , تلك التي تتناسب مع الماهية ( الصفات الوراثية \ الصفات المكتسبة ) , من يسبق من أذن الماهية أم الوجود .

العدم والسقوط , مصطلحان مثيران للقلق والريبة , صحيح يمكن أن نصاب بالعدم نتيجة لقلقنا على عدم إختيار إحدى الممكنات المتناسبة مع الماهية , ولكن لا بد لنا من الخروج , الخروج عن الذات , وليس السقوط كما يقول هيدجر , فالجحيم ليس الآخرون , لأننا كائنات إجتماعية بطبعها , كائناتٌ لا يمكن أن تحيا بدون حب وصداقة وعطف وحنان وأتصال مع الآخرين , بدون أسرة وعائلة وجماعات ومجتمعات وأمم  , بدون إنتماء للآخرين ومع الآخرين , ذلك الإنتماء الذي يبدأ بالأسرة وينتهي بالإنتماء للإنسانية , وخلقنا على هذه الصورة لكي نسطيع أن نكون أسراً ومجتمعات وثقافة وحضارة قادرة على إعمار الأرض , عن طريق التربية القائمة على الإتصال المباشر بين أفراد جنسنا , خلقنا على هذه الصورة لكي يكمل بعضنا نقص بعض قدر الإمكان , لكي نتعارف ونتعلم من بعضنا البعض , لا لكي نتصارع أو يسلب بعضنا حق الآخرين .

ليست المشكلة في الموت , المشكلة الحقيقية في أني أموت , هكذا قال الوجوديون , لكني أعتقد أن المشكلة تكمن في الموت وأني أموت وكيف أموت , المشكلة في أني أموت لأن الموت يعد مصيبة يجب على المؤمن تقبلها , وهو مصيبة لأنه لا يمثل فقدان تام للوجود , أي لا يساوي العدم , بل هو محنة لابد منها , لأن هناك حياة أخرى في مكان أخر وهي الحياة الأخرة , المشكلة في الموت لأنه يمثل فقدان لمن أحب , لمن تربطني به جميع المشاعر الإنسانية التي يمكن أن تقال أو لا تقال , بل المشكلة في موت أي إنسان عندما أعلم أن هناك من يشاركني هذا الشعور لأنه فقد من أحب ,  ولإنتمائي له على المستوى الإنساني ,  المشكلة في كيف أموت ويموت من أحب بل ويموت أي إنسان , ليس فقط لأننا حيوانات ميتافيزيقة بطبعها كما يقولشوبينهاور , وذلك لأننا دائمي التفكير في العلة الأولى ومصيرنا بعد الموت , ولكن لأننا نعرف بقلبنا وعقلنا وجود الإله حتى وأن إغتربنا عن ذلك , لذا نخشى من العقاب , الموت أذن هو نبع  القلق الدائم الذي لا ينضب إلا بالإيمان بقضاء الله وقدره ورحمته وغفرانه . 

لكي يتحقق الوجود الفعلي للماهية يجب إختيار أحدى الممكنات - كما ذكرت من قبل - أو جميعها أن أمكن تلك التي تتناسب مع الماهية ( الصفات الوراثية \ الصفات المكتسبة ) وليس مع ما يفرضه الفرد أو المجتمع وبطبيعة الحال الحضارات الأخرى , فهو ناتج عن فعل بشري مغرب إرادياً يؤدي في النهاية إلى الأغتراب القهري للذات , فلا يمكن أن أكون إنسان ما لم أكن حراً في الأختيار من بين الممكنات وما دمت حراً في الأختيار من بين الممكنات أذن أستطيع أن أحقق الوجود الفعلي لماهيتي , أكون أذن أو لا هذا هو السؤال .

الكون قطار , ينشأ فتنشأ الحركة , تنشأ فينشأ الزمن , ويسير من المهد إلى اللحد , ولكل منا محطة ركوب , محطة نزول , للكون أذن زمن واحد , لكنه يحتوي على مجموعة من الأزمنة النسبية , فلكل مجموعة شمسية زمنها , ولكل كوكب , ولكل منا زمن وجوده الخاص , الذي من خلاله يستطيع أن يعي وجود الزمن العام , ( الأول ) أذن جزء من ( الثاني ) , لكن ( الثاني ) وفي نفس الوقت منفصل عن ( الأول ) , ويستمر في التقدم حتى بعد نهايته .




( دوائر التاريخ )



لكي يوجد خير مطلق لابد من وجود شر جزئي
( هكذا علمنا أبن سينا )

نعم الكون كائن عضوي , "فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ", ولأن الإنسان هو الكائن العاقل , هو الكائن العبثي , القادر على الإختيار , الذي لا يؤمن بما يجب أن يكون , الذي لا يؤمن بقانوني التعارف  والتعايش بين البشر , أو حتى بين البشر والطبيعة , فهو الوحيد الذي يكسر القاعدة , لينشأ صراعاً دائماً مابين الخير والشر , الحق والباطل , النور والظلام ,الجمال والقبح ,  لينشأ تاريخاً يسير في دوائر متعاكسة تلتقي عند نقطة الصراع .

علي أولاً أن أميز بين عدة مصطلحات , وعلاقاتها بإدراكنا لهذا العالم , فالديالكتيك يختلف عن الصراع والتناقض , فالعلاقة بين أجزاء الطبيعة تسير بشكل ديناميكي , بمعنى أنها تعتمد على التتأثير والتأثر المتبادل , مع الوضع في الإعتبار أنها تسير وفق آلية محددة ومنضبطة تماماً , ولكن هذه الآلية الديناميكية تقبل أن يكون بداخلها المتناقضات , كوجود الليل والنهار , إلا أن هذه المتناقضات تؤدي دورها بإنتظام ودقة دون أن تتصارع , وهنا يتضح الخلاف الجوهري بين المعان الثلاث , فوجود التناقض ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الصراع , والصراع بطبيعة الخال لا يعني الديالكتيك , لأن الأخير يتميز بصراع بين متناقضين يؤدي في النهاية إلى أختفاء النقيضين ووجود مكون ثالث يضمهما معاً .

العلاقة أذن تسير بشكل ديناميكي في الطبيعة , وتسير بنفس الشكل في المظاهر الحضارية الإنسانية , أي في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها " التكنولوجيا " , وفي العلوم الإنسانية وتطبيقاتها " الحلول المختلفة للمشكلات المتعلقة بحياة البشر السياسية والإقتصادية وغيرها " , مع الأختلاف بينهما في درجة التعميم والدقة , وتسير أيضاً بنفس الشكل في الفنون والآداب , بل وفي العادات والتقاليد والأعراف السوية " وأنا هنا اتحدث عن العادات التي ليس لها أساس أيدولوجي , لكنها غير مغتربة , أي أنها تتفق مع المنطق السليم والحدس السليم , أو بعبارة أخرى مع الفطرة البشرية " , والتي تعتمد في الأساس على الإتصال التبادلي الدائم بين أفراد المجتمع الواحد ,  بل وبين الإنسان والطبيعة في بعض الأحيان .

هنا يجب أن نتسائل هل العلاقات البشرية جميعها تسير بنفس الشكل , وهل التاريخ بطبيعة الحال يسير في نفس الإطار , أعتقد أن العلاقات البشرية تتسم بالصراع , والتي تقتضي وجود إغتراب إرادي وبالتبعية إغتراب قهري في حالة مواجهة مباشرة بين طرفين , تلك الصورة التي تتطابق في علاقة الأفراد ببعضهم البعض , وعلاقة الجماعات داخل المجتمع الواحد , بل وعلاقة الحضارات داخل الحركة العامة للتاريخ , فحتى وأن تصارعة قوتين مغتربتين إرادياً فهما يتصارعان على النفوذ والسلطة والثروة مما يتطلب إستلاب شعوب أخرى حقوقها , وهو ما ينشيء مغترباً قهرياً في المعادلة , كما أن هذه العلاقات لا تتسم أيضاً بالديالكتيك سواء كان مثالياً أو مادياً , فالإنتقال من المجتمع العبودي إلى الإقطاعي إلى الرأسمالي مرتبط بالأساس بإكتشاف الزراعة في حالة المجتمع الإقطاعي , وبالتقدم العلمي والتكنولوجي \ الصناعي  في حالة المجتمع الرأسمالي , هي أذن مظاهر حضارية لها صفة الديناميكية التي تحدثنا عنها من قبل , أما إستغلال الإنسان لهذه المظاهر في علاقته بالإنسان له صفة الثبات , فالعبد والقن والعامل المسلوب الحقوق , يمثلون الطرف المغترب قهرياً , في مواجهة السيد والأقطاعي والرأسمالي السالب للحقوق , الذين يمثلون الطرف المغترب إرادياً , وهذا ينقلنا إلى قضية أخرى وهي أن التاريخ لا يعيد ذاته ولكن أخطاء البشر هي التي تتكرر , وهنا يجب أن نتسائل عن حركة التاريخ  , أعتقد أن التاريخ يسير في حركة دائرية , تتكون من دائرتين تسيران في إتجاهين متضادين , وبطبيعة الحال لهما مراحل رئيسية على خط الدائرة ومراحل كثيرة فرعية , الدائرة الأولى تبدأ بمرحلة الصراع بين طرفين ثم تنتقل إلى مرحلة إنتصار إحداهما ثم مرحلة القوة والضعف وصولاً إلى الصراع من جديد الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى الهزيمة  , والدائرة الثانية تبدأ من مرحلة الصراع مروراً بالهزيمة والضعف والإفاقة وصولاً إلى مرحلة الصراع من جديد الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى الإنتصار , ما أريد أن أقوله ان هناك أمة تستطيع بعد مرحلة صراع أن تنتصر وتكون القوة المسيطرة على باقي الأمم حتى تفيق أمة اخرى وتنتقل من حالة الضعف , لتدخل في صراع معها وتنتصر عليها وبطبيعة الحال تأخذ مكانها , وحتى في حالة تحالف قوتين متضادتين مع بعضهما ضد قوة أخرى , تكون النتيجة الحتمية بعد القضاء عليها صراع القوتين وإنتصار إحداهما على الأخرى , كما حدث من تحالف النظام الستاليني مع القوى الرأسمالية ضد النظام النازي , ذلك التحالف الذي سرعان ما تحول إلى صراع بعد القضاء على النازية في شكل الحرب الباردة التي أنتهت بشكل رمزي مع سقوط سور برلين .

ما الحل أذن , أعتقد أن خلاص البشرية يكمن في كسر هذا الشكل الدائري , والصراع القائم على الإغتراب , والوصول إلى حالة بنائية داخل الأمة الواحدة , وعلاقات قائمة على التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة , لأنها الوحيدة القادرة على بناء عالم جديد يتسم بالتوازن والحفاظ على مصالح الأنا لكل أمة من دون الأعتداء على مصالح الآخر , فلن تتعارض المصالح إلا في حالة إغتراب طرفين وإعتداء أحدهما على الآخر , الحالة الأولى تكون قائمة على نسق واحد يحوي مجموعة من الأنساق الداخلية  التي تعمل جميعها بشكل وظيفي لبناء المجتمع , والخروج من حالة الصراع بين الجماعات , ولن يكون ذلك إلى بخلاص الشعوب من حكوماتها الديكتاتورية والفاشيستية لأنها حكومات تنمي وتغذي هذا الصراع بل والصراع مع الأمم الأخرى  للحفاظ على السلطة , أما العلاقات بين الأمم المختلفة فلن تصل إلى مرحلة التعارف والتعايش السلمي إلا بضغط الشعوب على حكوماتها لبناء عالم جديد قائم على المباديء الإنسانية التي لا يختلف عليها أحد , وبطبيعة الحال لن يحدث ذلك إلا في ظل حكومات ديمقراطية ترضخ لمطالب شعوبها , لذا وجب على الشعوب أن تتخلص من حكوماتها الديكتاتورية والفاشيستية هذا بالإضافة إلى  التواصل الشعبي الذي أصبح يسيراً في عالمنا الآن , والذي نجده جلياً في الإحتجاجات الشعبية التي تصول وتجول في قريتنا الصغيرة مطالبة بالحرية والعدالة الإجتماعية , بما يشبه حالة مخاض لثورة عالمية أولى , وأن لم ترضخ بعض الخكومات الديمقراطية يجب أن تقوم الشعوب بالثورة عليها , وفي حالة عدم رضوخ جميع الحكومات يجب أن تكون هناك ثورة عالمية شعبية , فحتى وأن لم تنجح تلك الأحتجاجات بشكل تام فإنها على الأقل ستكون قادرة على خفض شهية دراكولا,  خلاص البشرية أذن في يديها , فحتى وإن أغتربة الحكومات تظل الشعوب هي الحافظة للضمير الإنساني , فالإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان .




ليست هناك تعليقات: