الأحد، ديسمبر 12، 2010

في حوار خاص مع وكالة أنباء الشعر الشاعر الإماراتي الكبير راشد شرار للوكالة : قصيدة النثر بدعة والناس يقلدونها .. وأمسيات " مهرجان الشارقة " مختلطة هذا العام ..






وكالة أنباء الشعر / الأردن / أحمد الصويري




يمثل جيلاً من رواد القصيدة الشعبية في الإمارات في العصر الحالي ، اهتم بدراسة الأدب والتراث الشعبي فجمع الكثير من أعمال رواده ، آمن بالمواهب الشابة وأهمية رعايتها كي يبقى صوت الشعر الإماراتي يملأ الآفاق ، فوجّه مسيرة الكثير من الشعراء الشباب وقام بتسليط الأضواء عليهم من خلال تقديمه لبرامج شعرية تلفزيونية ، ومن خلال مركز الشعر الشعبي في الشارقة الذي يتولى إدارته ، تم تكريمه لما يحمله من فكر إبداعي ونهوض بالساحة الشعرية في الإمارات فكان أول شاعر توضع قصيدته في نصب تذكاري في برج فيستيفال سيتي التجاري في دبي ، ونظراً لأهمية ما يقدمه في مجال الشعر الشعبي تم تعيينه رئيساً للجنة الشعر الشعبي في مركز زايد للبحوث والدراسات في أبو ظبي ، الشاعر والإعلامي الإماراتي الكبير راشد شرار في حوار خاص لوكالة أنباء الشعر العربي ....


المحاورة نوع من أنواع الفنون الشعرية التي كانت سائدة ، اليوم نلحظ تراجعاً لهذا النوع ، إلام تعود الأسباب برأيك ؟


المحاورة الشعرية تنقسم إلى نوعين ، محاورة فورية ومحاورة مؤجلة ، المحاورة الفورية تتمثل عندنا في الإمارات بفن الحربية ، كما أنها تتمثل في السعودية والكويت وقطر بفن القلطة ، وأما المحاورة المجلة فتعتمد على أن يرسل لك شاعر ما قصيدة أو أبياتاً معينة ، تقرؤها وتتمعن فيها وتبصر جوانبها كاملة ثم ترد عليها ، وهذا الجانب من شأنه إذكاء روح التنافس بين الشعراء .


المحاورة فن جميل وأحاول دائماً حث الشعراء عليها من موقعي كمدير مركز الشارقة للشعر الشعبي وكذلك صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة يحثني عليها دائماً .


أما عن أسباب الابتعاد عنها حالياً فربما يعود بشكل أساسي إلى حلم بلوغ القمة بسرعة ، فتجد الشاعر لا يجد وقتاً لكتابة قصائد محاورة وانتظار الرد عليها ومن ثم متابعة المحاورة أثناء هذا السعي السريع باتجاه القمة ، وربما أيضاً بسبب خوف الكثيرين من مستوى الرد على القصيدة ، فيستسهل الشاعر الابتعاد عن هذا الطريق ، وما أسهم في ذلك أيضاً إمكانية الظهور بأية حال من الأحوال فبات الشباب الآن يكتبون لمجرد الظهور مما ابتعد بكتاباتهم عن هدف الرقي بالكلمة وتقديم روح القصيدة في كتاباتهم .


وجود قصيدة التفعيلة في الشعر الشعبي ، ماذا كان له من انعكاسات على الحالة الشعرية ؟


برأيي فإن ما ورثناه هو أن الشعر الشعبي مقفى وموزون ، ولو قرأت تاريخنا الأدبي القديم لن تجد فيه إلا الشعر المقفى الموزون وهذا ما وردنا عن شعرائنا القدامى ، التجديد والإضافة بلا شك هي ظاهرة جميلة وقصيدة التفعيلة كذلك إبداع جمالي ، أما ما تعدى التفعيلة واصطلح على تسميته بالشعر الحر ، وهذا النوع أرفض تسميته شعراً سواء كان شعبياً أم فصيحاً ، وإنما هو خاطرة ، هناك من يكتبون الخواطر الجميلة وهذا بلا شك إبداع وله خواصه وبلاغته وهو شيء جميل ، وهناك كذلك من يفتقرون إلى المقدرة على كتابة القصيدة الموزونة المقفاة فكتبوا الخواطر ووجدوا من يصفق لهم وأطلقوا على هذه النثريات اسم الشعر وصنفوها على أنها كذلك بحجة التجديد والإضافة ، ومطلوب منا الرضوخ لهذا الأمر ، وهذا الكلام ليس موجوداً على صعيد الشعر وحسب ، بل كذلك الحال بالنسبة للفن إذ نلاحظ موجة من الانحدار أخذت بالأذواق عن منحاها السليم .


باختصار فإن قصيدة النثر هي بدعة وأخذ الناس يقلدونها


ومن المسؤول عن موجة الانحدار هذه بكل جوانبها ؟


الإعلام المتكسب .


وما المطلوب من الإعلام العربي لمحاربة مثل هذه الظواهر ؟


المتكسب لن تستيطع مطالبته بشيء ، وأما غير المتكسب فمن واجبه الدفاع عن الهوية الثقافية العربية من أدب وفن وتراث وفلكلور أصيل .


وهل نملك في الوطن العربي إعلاماً حراً لدرجة تساعده على الالتزام بهذه القضايا ؟


ينبغي على كل دولة وضع رقابة حقيقية على المنابر الإعلامية ، بحيث تمنعها من تشويه أذواق المتلقين .
ولكن أجهزة الرقابة موجودة فعلاً ، فما تقول ؟
المصيبة تقع حينما يكون الإعلام مزاجياً ومتقلباً ، فعلى سبيل المثال لو تم تعييني وزيراً للإعلام ، وأنا لا يعجبني فلان من الناس شاعراً كان أو فناناً أو إعلامياً بارزاً ، أستطيع إقصاءه عن أي منبر يمكنه من خلاله تقديم أفكاره أو تجربته ، لا بد لنا من الابتعاد عن أحكامنا الشخصية المزاجية والاتجاه إلى الإنصاف ، قلت في إحدى الندوات حول الإعلام : إن إعلامنا ينقسم ثلاثة أقسام : الأول مدفوع ، والثاني مادي متكسب ، والثالث نايم في العسل بعد أن تفرغ الناس من التصفيق والغناء يأتي فيطبّل وراءها . وهذه هي حال إعلامنا وواقعه الآن ، لا بد من وجود خطوط إعلامية دفاعية .
نحن أمام واقع تفشّت فيه بعض الظواهر السلبية في أدبنا ، فما هي سبل تطبيق هذه الخطوط الدفاعية التي تكلمت عنها بوصفك من الشعراء والإعلاميين البارزين ، وكذلك من خلال دورك كمدير لمركز الشعر الشعبي في الشارقة ؟
راشد شرار لا يستطيع أن يعدل اعوجاجاً ، ليس كشخص فقط بل وكمدير لمركز الشعر الشعبي ، فما طاله الاعوجاج قد طاله .
وهل نسلّم لهذا الاعوجاج ونقف متفرجين ؟
بكل تأكيد لا ، وإنما أنا لن أستطيع العودة إلى الوراء وإصلاح ما فات ، بل أتطلع إلى الواقع بحيث أمنع وجود هذه الظواهر كي لا تستمر مستقبلاً ، ويقول المثل : إذا زاد الماء على الطحين فسد العجين .
وما الخطوات أو الأفكار التي حاولتم تطبيقها لإصلاح شيء ما ؟
تكلمنا قبل قليل عن المحاورات وتطرقنا إلى فن الحربي الخاص بمنطقة الإمارات ، الخطوة التي في ذهني هي إقامة مسابقة خاصة بقصيدة الحوار أو المرادات الشعرية ، وكذلك عندي حلم بإقامة مسابقة على مستوى دول الخليج العربي تختص بالقصيدة الشعبية الإماراتية ، وهذا من شأنه تعريف الجيل الصاعد من الشعراء بالتراث الذي يكادون يبتعدون عنه ، فكرة مسابقة القصيدة الإماراتية جاءت من هذا الباب ، فكما تلاحظ إن الشعر في الكويت والسعودية وقطر والبحرين هو نهج واحد وخط واحد ، لدينا في الإمارات ألوان وبحور خاصة بالمنطقة ، وفي سلطنة عمان كذلك هناك ألوان خاصة بالمنطقة .
وما الذي جعل هذه الألوان أو البحور المعينة خاصة بعمان والإمارات دون باقي مناطق الخليج العربي ؟
أنت تتكلم عن تشابه أسلوب كتابة القصيدة في الكويت وقطر والسعودية والبحرين ، واختلافه في الإمارات وعمان وهذا في وقتنا الحالي ، لكن هذا الأمر متوارث عندنا ، بأمانة أنا لا أعرف ما الذي دفع سابقاً إلى اختلاف الأسلوب لدينا عن إخواننا في المناطق الأخرى ، بل هو أسلوب أدبي توارثناه عن أجدادنا له ملامح واضحة من حيث المفردة أو الوزن ، ونشوء فكرة لإقامة مثل هذه المسابقات جاءت من حيث أن الشاعر الإماراتي يستطيع كتابة اللون الشعري السعودي أو الكويتي أو القطري ، لكني أود الدفع بشعراء الإمارات وغيرهم إلى كتابة اللون الإماراتي كي نضمن استمرارية هذا اللون مستقبلاً إلى جانب الألوان المعروفة .
ذكرت لنا في حديث سابق أن غالبية نجوم الشعر في الإمارات هم من تخريج راشد شرار ، هل هناك نجوم جدد ننتظر أن يخرجهم راشد شرار ؟
بكل تأكيد ، هذا المشروع مستمر وغير قابل للانتهاء ، أنا لا أدعي فضلاً لنفسي على أي من شعراء ولا منّة ، وكذلك لا أستطيع صنع شاعر من لا شيء ، هم بالفعل شعراء متمكنون ، ربما كان دوري في تسليط الضوء عليهم بالشكل الذي يستحقون ، وأما النجوم المنتظرون فأقول لك انتظر خمس سنوات فقط وسترى نجوماً حقيقيين قدمهم راشد شرار وسيكون لهم حضورهم في الساحة الشعرية الخليجية ، وهؤلاء أقدمهم من خلال مركز الشارقة للشعر الشعبي ومن خلال برامجي التلفزيونية ، الآن في برنامج بيت القصيد ظهر لدي مجموعة من الشعراء الشباب أستطيع القول بأنهم " فلتات " كلهم في سن أولادي لكنهم يملكون التمكن بكل أدواته .
من خلال مسيرتك في العمل الإعلامي ، ما الذي ترى أنه ينقص الإعلام الثقافي ؟
سأجيبك حسب خبرتي عمّا ينقص الثقافة الشعبية أولاً ، في هذا الجانب ينقصنا التخصص فقط ، إذ لا نملك حتى اليوم نقداً شعبياً ، ولا أدري ما الأسس التي يعتمدونها حينما يطلقون على أحدهم صفة ناقد ، النقد الشعبي أصلاً لم يتم إدراجه في برامجنا التعليمية من قبل وزارات التربية ، في حين أن النقد الأدبي العربي موجود .
أما عن الثقافة العربية بشكل عام ، فالمثقفون العرب بالصورة الظاهرية يبدون متكافلين إلا أنهم في واقع الأمر متفككون ، ليس بينهم أفكار مشتركة أو متقاربة ، ولكن حينما يقام مهرجان عربي يمثلون دور التكامل والتضامن ، إذاً ينقص الثقافة العربية توحيد الأفكار والجهود لتثمر بما يخدم الصالح الثقافي العام .
ذكرت أنه لا يوجد لدينا نقّاد شعبيّون متخصّصون ، كيف لنا إذن أن ندرّس هذا التخصص ؟
هنا لا بد من الرجوع إلى أصحاب الخبرة في هذا المجال فالخبرة هي التي تمثل التخصص في حال غيابه ، وإنما كتدريس ومنهجية وشهادات إلى الآن لا نملك هذه المقومات ، يجدر بنا جمع أصحاب الخبرة على مستوى العالم العربي ممن يتابعون ويهتمون بالأدب الشعبي بكل جوانبه وأساليبه للاستفادة من خبراتهم وخلاصات تجاربهم في صياغة معايير للنقد الشعبي ووضعها في كتاب أو مجموعة كتب كي نحصل في المستقبل على مرجع يمكن تدريسه لنمتلك التخصص ، بل وأدعو إلى تدريس الأدب الشعبي في المدارس .
بعض الدول تمنع إقامة الأمسيات الشعبية على منابرها بحجة أنه يؤثر على اللغة الأم ، كيف تنظر إلى مثل هذا الأمر ؟
هي وجهة نظرهم فقط ، رغم أن الشعر الشعبي غالباً ما يكون مسالماً إنما لو خشيت بعض الأنظمة على أمنها فالخطاب الفصيح المثقف هو الأعمق والأكثر تأثيراً بالنسبة للجانب السياسي ، لكن من وجهة نظري فإن هذا موروث لا يقل أهمية عن الشعر الفصيح أو عن أي جانب تراثي أو فكري آخر ، ولا أرى جدوى من أي قرار مثل هذا لأنه لن يتمكن من منع إقامة أمسيات الشعر الشعبي وسوف تبقى قائمة لأن اللهجة الشعبية هي لغة التخاطب في المجتمع ، ببساطة ، الكثير من الدول تمنع شرب الخمر ومع ذلك هناك من يشربون الخمر داخلها .
واقع الإقبال على الأمسيات الشعرية في الإمارات هل تراه بخير ؟
الشعراء دائماً يقبلون على الأمسيات ، أما الجمهور فهو عازف عن الحضور إلا حين تكون برعاية لأحد أصحاب السمو الشيوخ أو الحكام ، وهذا العزوف يرجع لعدة أسباب منها النهضة العمرانية السريعة وضغط العمل وضيق الوقت الذي قد لا يتيح للشخص حضور فعالية في ازدحام الحياة وضجيجها ، وبات ضرورياً لاستقطاب الجمهور أن تلجأ إلى الدعايات والإعلانات والترويج إعلامياً للأمسية التي تقيمها .
أخيراً نود الحديث عن مهرجان الشارقة للشعر الشعبي ، هل من تطوير أو مفاجآت ننتظرها في دورته القادمة ، وما هي التحضيرات حتى الآن ؟
المهرجان كما تعلمون سيقام في 16 يناير المقبل ، بالطبع الخطوط العريضة موجودة بشكل كامل فقد بات موعد انطلاقه قريباً جداً ، سيشارك فيه شعراء من معظم البلدان العربية ، لدينا أفكار جديدة سترونها أثناء المهرجان ، وكذلك ستكون أمسياته مختلطة لأول مرة حيث سيشترك في الأمسية ذاتها شعراء وشاعرات ، فسابقاً كانت النساء تمتنع عن حضور الأمسيات الخاصة بالشعراء الرجال من باب الحرج ، ومن هنا توجهنا لإقامة أمسيات مختلطة كي يتسنى لجمهور الطرفين الحضور والمتابعة دون وجود عوائق ، وكما هو معروف فإن المهرجان يكرم ثلاثة من رواد الشعر الشعبي في الإمارات بدعم من صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة ، عزمنا في هذه السنة إضافة إلى هذا التقليد على تسليم وشاح الشعر لشخصية شعرية مرموقة ، قد لا يسعفنا الوقت لتنفيذ الفكرة هذا العام وفي هذه الحال سنؤجلها إلى العام المقبل ، وسيتم أيضاً خلال المهرجان الإعلان عن مسابقة الشعر الشعبي الإماراتي التي تحدثنا عنها وسيكون فيها اختلاف عن باقي المسابقات بحيث لن تعتمد على التصويت ، وإنما ستعتمد على لجنة تحكيم فقط .

ليست هناك تعليقات: