الخميس، يناير 29، 2015

المركز الثالث : قصة " أعيش مثل كلكامش ".. عبدالحسين صالح نجم السباعي.




 عبدالحسين صالح نجم السباعي / .... العراق

- - كلكامش لا تعرض. انك لمن الخاسرين، واقصص ما جرى لك في دار السلام على الناس، لكل الناس.
- انا الشاطر كلكامش اني لمن الخاسرين سأقص عليكم مارأيت وما شعرت به تماماً كما رأيته وشعرت به، انه حدث بالطريقة التي اقصها عليكم:
لقد كنت من الخائبين، كنت خائباً في كل شيء، انا خائب حتى في العاب البنات، اذ كانت بنات محلتنا يتفوقن عليّ في كل العابهن، اه كم كنت خائباً ولحد الان مازلت خائباً، خائب انا في كل شيء وكما تعلمون الناس لا تريد العصفور الذي يزقزق بل تريد الاسد الذي يزأر وبالنسبة لي انفقت وقتي كله عصفوراً لا يزقزق، كثيراً ما حاولت في حياتي بلوغ النجاح، النجاح في اقتناص فرصة لتغيير نمط عيشتي ولكن فشلت في ادراك الطريقة الوحيدة التي توصلني الى ذلك الا وهي الخروج من طوق الدعة والراحة. وقد اتبعت حكمة ابناء قريتي \" الطائر الذي يلوذ بعشه لا خطر عليه من الصياد \" ولاول مرة خالفت حكمتي وقصدت مدينة السلام واعلموا انا بطبيعتي حمار، حمار لانني اتعثر بالاشياء ذاتها مرتين ولقد انفقت جل وقتي وان في رد الفعل ولم اكن ابداً فعلاً.
نحن في نهاية عام القرد ، وسندخل في سنة الارملة، وقلما تتشكل النجوم في برجي برج الجوزاء على نحوٍ ايجابي كما هو عليه حالياً، فالمريخ والمشتري يتحدان ليبعثا في نفسي الشجاعة انا الشاطر كلكامش، كانت غلطتي بألف حاولت ان احيط نفسي بالمجد مثل ايروسترات اذ دمر احدى عجائب الدنيا السبع بأحراقه معبد دلفي في اثينا كي يخلد اسمه!
فكانت لوعتي على نفسي مثل لوعة الشموع وهي تنير الزوراء اول ما يفعله المرء في بغداد شراء الكتب، قمت بشراء كتب كثيرة بعد تجوالي الطويل في مكتباتها ورزمتهن في كيس بلاستيكي اصفر، صارت الرزمة اشبه بصندوق والصندوق داخل كيس بلاستيكي، كنت انوء بحمل كتبي الثقيلات فرحاً، احملهن مسروراً بعدها حاولت الاستمتاع في هذا الجو المنعش بمنظر نصب الحرية وبعدها اعرج على حديقة الملك غازي سابقاً وحالياً حديقة الامة بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام ثمانية وخمسين وتسع مئة بعد الالف لاشاهد تحفة خالد الرحال تمثال الأم وبعدها اتطلع الى رائعة فائق حسن محاولة مني لتذكر ايام دراستي في معهد الفنون الجميلة وانا في طريقي لمرآب النهضة استعداداً لمغادرة بغداد كان الجو ينبي بالمطر كنت احب المطر فرائحة المطر تذكرني برائحة من احب، زليخة، كان شتاءً ممطراً خصباً وكان نهاري نهاراً وردياً جديداً نهضت دار السلام على مثله من قبل، هكذا بدأ الامر في مدينة السلام لم يكن يوماً ربيعياً استثنائياً بل كان يوماً شتائياً لم يكن خياري استمرار الرقابة رقابتي في يومي هذا امرٌ محتوم الا انني كسرته بالسير والتطلع الى نصب الحرية وجدارية فائق حسن بينما تغذ الشمس مسيرتها نحو نهاية الاخرى من يومي كان نهاري ممتعاً جداً في بغداد جاء في كتاب (بغداد مدينة السلام) لابن الفقيه الهمداني ان المفكر والفيلسوف احمد بن الطيب السرخسي احد تلامذة الكندي ذكر في كتاب له بغداد : (( انها مدينة العلم، شريفة المكان، كثيرة الاهل، واسعة الشكل، بعيدة القطر، جليلة الولاية، نبيهة السلطان، ينبوع الادب ومنبت الحكم، اهلها برد الافاق وخطباء البلاد، مافعل فيها من خير فمشهود وما اعلن فيها من شرً فمستور، منها الفقهاء والقضاة والامراء والولاة، اعتاد الخلافة ودار اهل الدعوة، وان لها جنساً من السعادة، ولاهلها نوع من الرياسة، وذلك انه قلما اجتمع اتنان متشاكلان، وكان احدهما بغدادياً، الا كان هو المتقدم في لطف الفطنة، وحسن الحيلة، لين المعاملة، جميل المعشر، حلو اللفظ ، فليح الحركات، طريف الشمائل)).
بدأت الشمس ، شمس الزرواء اليوم علية ومتعبة كان الجو فيها يتراوح ساعتها من خفيف ذي لون اصفر مشرق الى خفيف ذي لون اسود غامق، السماء مرشوشة بغيوم بنية بلون الطين، غيوم رصاصية ، وغيوم حمر، تلك كانت سماء بغداد اذ احتشدت فيها الغيوم مؤثثة بحشود المطر، ستمطر مطراً مترعاً بشقائق النعمان، تلك هي سماء دار السلام، بينما اسير فيها مثل سير عقرب الساعة في ساحة التحرير، امام نصب الحرية وقفت اتطلع خاشعاً ومبهوراً كمن يشاهد نصب الحرية لاول مرة في حياته موجودات النصب كانت بلون سحنتنا سمرتنا بلون طيننا من قبل كنت اتصور ان اللون يتحلل بالموشور ولانها مشغولات جواد سليم ومفردات جداريته، فعلمت ان اللون يتأتى وينبثق من الطين ذلك الخلق الهائل حيث خلق منه الانسان : (( انا خلقناه من طين لازب )) فتذكرت اليوم الذي مات فيه استاذي جواد سليم وانا بعد طالب في معهد الفنون الجميلة كان الجو فيها مثل هذا الجو الان اصفر معتم الى خفيف ذي لون بني لذيذ كان يتقدم المشيعين الشاعر الكبير المرحوم محمد مهدي الجواهري وكان استاذي الراحل الفنان خالد الرحال يبكي وبقوة سار المشيعون من منزل المرحوم في الوزيرية مروراً بالكسرة ومن امام معهدنا قلت مخاطباً نصب الحرية واعني جواد سليم:
- اذا عدت للحياة الان ماذا ستبدع؟
فتذكرت ما قرأته ذات يوم ، يوم زار ضابط الماني الفنان بيكاسو ايام الحرب العالمية الثانية في منزله يوم كانت المانيا تحتل اسبانيا، نظر الضابط الالماني للوحة الــ ((جيرنيكا)) فاعجب بها الضابط الالماني ايما اعجاب، فقال لبابلو بيكاسو:
- احسنت صنع الــ ((جيرنيكا)) ياسيد بيكاسو.
اجابه بيكاسو بذكاء:
- لم اصنعها يا سيدي الضابط بل انتم الذين قد صنعتمونها.
كنت منذهلاً ماذا لو استفاق جواد سليم من رقدته الابدية؟ ماذا سيبدع في حياتنا الان؟ شاهدت سيارة همفي فوقها جندي امريكي صوب فوهة قناصته الى صدري فوق القلب فأكتشفت بأنني اكبر مغفل على وجه الارض اعيش كالنعامة . مثل النعامة كنت نعامة تدفن رأسها الصغير في الرمال ، فتظن انها بمنآى عن الخطر خطر الاخرين والاخرون هم الخطر، واذا بي مكشوف امام اذى الاخرين، والاخرون هم الاذى والخطر يداهمني من كل مكان يحيط بي ويترصدني. كنت نعامة تدفن رأسها الصغير توهم نفسها بأني في مأمن. قلبي يؤلمني. يؤلمني حين ارى امامي الجندي الامريكي من الفرقة الرابعة مدرعات يقف هو الاخر امام نصب الحرية في دار السلام مصوباً فوهة قناصته ذات الشعاع الليزري الاحمر فوق قلبي انه قدرنا ان نعيش حروباً لانهاية لها استدرت فأعطيت ظهري للجندي الامريكي على طريقة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، رمال السلام ، فتذكرت مقطعاً شعرياً لشاعر سومري اسمه (( دنجي رامو)) رحت اردده انشده وانا اتفحص تفاصيل نصب الحرية، حتى كأن ما قاله قبل خمسة الاف سنة هو نفسه ما يقوله شعراء العراق اليوم، فأي دوامة لعينةٍ لم يبرأ منها هذا الوطن:
وا حسرتاه على ما اصاب \" لكش \"
وكنوزها
ما اشد ما يعاني الاطفال من البؤس
اي مدينتي
متى تستبدلين الوحشة بالفرح؟
امس، واليوم اطل الصباح البنفسجي نفسه، بنفسجي خالص مطلي بلون الزعفران وهدوء غريب يسود ساحة التحرير مازلتُ اعطي ظهري للجندي الامريكي معها ارتفعت نبضات قلبي احس به وكأنه يكاد ان يتوقف، انه قد توقف. اجل! يكاد ان يتوقف، فأبصرت لون السماء: كان بنفسجياً خالصاً وتارة ليلكاً او زعفرانياً مفرطاً في الجاذبية وكان الفضاء ايضاً بنفسجياً مائلاً الى الليلكي الجميل، يزداد انفراجاً حتى يتسع فينداح ، ينداح فيتسع ثم يتسع حتى يحل اول الضحى ، كان نهاراً زعفرانياً بأناقة باردة، وتحد بارد، وعقرب ساعتي يهرول مسرعاً ناحية الضحى ، ضحى هذا اليوم ببريق قصف الرعد الجاف، شعرت انني ازداد توتراً بدأت يداي بالارتجاف لزمن قصير، صمت فتوقفت ثم واصلت سيري ناحية حديقة الامة حالياً، وحديقة الملك غازي سابقاً ، تلك الحديقة التي غير اسمها مرتين مرة غير اسمها منذ ثورة الرابع عشر من شهر تموز سنة ثمان وخمسين وتسع مئة بعد الالف، وتغيرت معالمها بعد الخراب والتدمير عقب احداث عام الفين وثلاثة . ضوء الشمس مازال بنفسجياً ساطعاً من خلف غيوم زعفرانية قلت بما يشبه الاحتجاج:
- كيف هي الحياة يا ايها الشاطر كلكامش؟
ازداد اشتعال حتى صار بارقاً غزيراً كثير البرق، والسماء التي شطرها الى نصفين مكفهرة مبللة، منفرة وثقيلة ذات لون ازرق رمادي كلون حمامة اورفلية.
اصطبغت الاشياء كلها بلون الزعفران، معالم حديقة الامة ونافورةالبط والناس وتمثال الام والشجر والموجودات تلونت رؤوسها بالازرق الممزوج بالوردي المائل الى الليلكي، رحت اصغي الى ضربات الخوف التي اخذت تحتلي ولا يزال الخوف يسكنني ، فعلمت لحظتها ان الموت بشكل عام يجعلها اكثر يقظة لنبض الحياة وانا رجل يعيش على معتقدات قلبه وقناعاته تحت شمس ضحى الجمعة، غرة ضحى الجمعة كانت ساحة الطيران ضاجة مثلنا كالحة، والناس في الساحة يحثون الخطى مقتربين من بعضهم البعض ومبتعدين عن بعضهم البعض.
ما اروعك يا دار السلام وصلت مكان اصطفاف سيارات النهضة، لا احد في سيارة الكيا الا السائق خارجها ينادي: نهضة .. نهضة. صعدت السيارة بيدي كنزي الثمين: كتبي، داعبت مسامعي انشودة الهام المدفعي الجميلة جداً والمحببة الى قلبي : موطني .. موطني .. موطني. وضعت كيس كتبي الاصفر على المقعد الذي خلف السائق مباشرة بانتظار مجيء الاخرين القاصدين مرآب النهضة، في مثل هذا الوقت وقبل خروج الموظفين من اماكن عملهم يكون عدد الركاب قليلاً وكون اغلب عامة الناس من الكسبة في اعمالهم، والاغلب الاعم من الناس يتبضعون في مثل هذا الوقت، رحت انتظر ، طال انتظاري فترجلت من سيارة الكيا واجهتني مهيبة شامخة رائعة للفنان الكبير المرحوم فائق حسن، رحت اتأملها ، العمال الذاهبون للعمل والفلاحون الذاهبون للحقل، القفص مفتوح والطيور المتحررة بيد زليخة . اهٍ يا زليخة ياللاسى في تلك البارحة القديمة قادتني الحرب من ياقتي، ياقت قميصي المدني بعيداً عن زليخة ، زليخة التي احب كنت غض العود شاباً ارتديت الخاكي وهناك، هناك فقط في الحرب في جبهة القتال اثناء المنازلة واشتداد القصف تعود احزاني الى الناصرية، وملامحي السومرية التي تتجعد كالحمامة الاورفلية تعودان الى زليخة، لان زليخة التي اعشق كانت بداخلي حية، حية زليخة تنبض حلوة سمراء كنخلة عراقية لها عينا سوداوان واسعتان مثل شبعاد شابة ابداً تعزف على قيثارة قلبي، كانت زليخة شبعاد شابة ابداً مثل حياتي التي سرقتها الحروب.
وصلت امام جدارية استاذي فائق حسن انحنيت بكل قامتي لها ، انحنيت فتذكرت ذات يوم حينما كنت في النمسا وانا اتجول في احد شوارع فينا القديمة كان الجو بنياً مشوباً بالصفرة مر موكب امبراطور النمسا فتوقف كل من في الشارع، جاء وقوفي لتحية الامبراطور قرب بتهوفن، كان بتهوفن واقفا على الرصيف وانا بجانبة، الحظه بطرف عينّي السومريتين مسروراً، مر موكب الامبراطور من امامنا رفع الناس قبعاتهم احتراماً للامبراطور كما هي عادتهم للتعبير عن احترامهم للشخصيات السياسية والاجتماعية الكبيرة، مثلهم انا فعلت رفعت قبعتي انا عربي. لكن بتهوفن لم يرفع قبعته وبقي متوتراً عند مرور موكب الامبراطور التفت رجل واقف الى جانبه، وقال لبتهوفن:-
- ياسيد بتهوفن. لماذا لاترفع قبعتك احتراماً للامبراطور؟ اجابه بتهوفن باعتزاز:-
- اسمع ياهذا اذا مات الامبراطور فهناك الف رجل يستطيع كل واحد منهم ان يكون امبراطور. لكن اذا مات بتهوفن فمن يستطيع ان يخلفه من ابناء الجنس البشري في الموسيقى؟ فتساءلت في نفسي من سيخلف جواد سليم، فائق حسن، خالد الرحال، ومحمد مهدي الجواهري، بدر شاكر السياب، محمود بريكان، بلفد الحيدري، غائب طعمه فرمان، محمود جنداري، مهدي عيسى الصقر، وجليل القيسي في صورة الفنان الحقيقي؟ من؟ وقفت وجدارية فائق حسن مواجهين للحياة لاتجاه شروق الشمس، بعد شروقها، الشمس التي لمست بعد شروقها رأسينا، اعلى الجدارية، وراسي، وانزلقت على جسدينا: جسد الجدارية، وجسدي ثم التقت علينا لمعانها البهيج مثل بساط لامع تحت اقدامنا حقا كنت مبهورا ومبتهجا بتلك الرسومات ذوات الالوان الجميلة التي ابدعتها انامل فائق حسن، رغم الجو المنبي بالمطر ارتجفت خشوعا، انخلع قلبي من مكانه، نظرت وتلفت بشدة حولي، عاودت الالتفات بريبة وقلق كبيرين، كانت ساحة الطيران صامتة خالية الامن صوت الهام المدفعي واياي، وقف الناس بعيدين جدا قرب قواعد تماثيل ثورة مايس نظرت اليهم بقلق، وكان سائق سيارة الكيا التي حجزت فيها كان اكثرهم اصرارا وانفعالا على مناداتي، في البدء لم افهم الامر جيدا، ولم افسر حركاتهم ونداءاتهم التي تدعوني للقدوم ناحيتهم، فانا حمار بطبيعتي، المهم، فقد بدا الامر طبيعيا بل اكثر من الطبيعي، طبيعي جدا، طبيعي كمعرفتي تفاصيل وجهي، لم يكن الامر غريبا ان يناديني الاخرون، وليس بامكاني ان اخمّن سر اصرارهم على مناداتي، رايتهم مصرين على ان اكون بقربهم ان اذهب حيث هم، حثثت الخطى نحوهم بعد ان غادرت روحي بلادها، مشيت بمشي ازدادت التساؤلات، سالتهم بصوت تخالطة رعشة واضحة:-
- ماذا هناك؟
صمت الناس، صمتا مجبرين عليه، تغيرت معه الوانهم، الوان وجوههم كان خوفهم اسطوريا بينما كان الناس يتصورون بلادتي مشاكسة صبيانية، قال سائق الكيا محتّداً وبعصبية واضحة جدا حد الصراخ علي وعيناه جاحظتان في وجهي، ووجهه يستعير صفرة وجوة الناس الخائفين قربة، صرخ:-
- هناك عبوة ناسفة في سيارتي!!!
قالها وقد بانت طبقة بيضاء في زاوية فمة وهو يشير باصبعه الغليظ طويل الاظفر الى سيارته، الاطفال المشاكسون مرعوبون من حديث العبوة الناسفة، حديث الموت كانت راحات ايدي المشاكسين الصغار تجفف خوفهم في عيونهم قبل خوفهم في وجوههم لازالت غارقة في ما صنعت، فيما يجري وجدارية فائق حسن تنطلق منها طيور الحرية الى الخلف حيث تمثال الام الى الوراء حيث نصب الحرية، اعاد السائق ماقاله عليه ثانية:- رأيت العبوة الناسفة في سيارتي موضوعة خلف مقعدي مباشرة. التفت خلفي، ناحية سيارة الكيا، تقع عيناي على زليخة المراة المياسة التي حررت الطيور من جدارية فائق حسن، تبتسم المياسة تضحك ضحكاً مسموعاً تنشر موسيقاه في اذني، كنت اسمعها ابتسمت، تركتهم مغادراً تجمعهم لاجلب كتبي، كنزي، وانا اضحك بفرح طفولي مشاكس، شككت ان قطرات من المطر بدات تتساقط، ابتعدت عن حشد الناس قليلا، وقطرات المطر تقذفني الحمائم البيض تحلق عاليا، بعيدا، بعيداً جداً، عالم غريب قد داهمني، ابتعادي وضحكي ازاد غضب الناس امسكوني عنوه وبقوة محاولين منعي من الذهاب، وكسر عزمي، الحمائم البيض والغيوم مع الحمائم ذوات اللونين الازرق والرمادي تضرب سماء بغداد، انكسرت نظراتي، سالت نظراتي من جدارية فائق حسن على الاسفلت المترب على ساحة الطيران، وتجمدت عند حذائي، تساقطت فجاة قطرات من المطر محدثة صوتا عاليا، كان الشتاء مدرار المطر، رفعت راسي ولمحت تلك الاضاءة النادرة التي برقت على محيا الناس رغم الخوف، حدث استنفار كامل، استنفرت عيونهم وجذور قلوبهم، وهناك في الشرق امامي بدا شق وردي ضيق يقسم السماء نصفين وعلى جانبه كانت الغيوم الرمادية تمرح بجذل، فكانت السماء(القت مافيها وتخلت) فكان بالفعل شتاء كريما ومدرار المطر، فقلت ببلادة:-
- اتقصد الكيس الاصفر البلاستيك الكبير؟
اجاب بنفاد صبر:- نعم
قالها بشدة ونفاد صبر، فكررت عليه سؤالي ثانية وبكل برود وبلادة غليظتين:-
- اتعني الكيس البلاستيكي الاصفر الكبير الذي خلف مقعدك؟ يرفع صوته وعجب كبير يلتمع في عينيه اللوزتيين، وخداه اللذان عادا بلون الطين. لكن نبرة العجب واضحة في صوتة يصرخ بعنف وهيجان:- نعم. نعم.
سحبني من ذراعي اليسرى، لم اعارضة، لم اساله ثانية عسى ان يفصح عن غضبه وعلام هو غاضب، امسك بخانقي وراح يخنقني بقوة يخنقني كانت اصابع يدية قوية غليظة متسخة ويضغط بقوة، بقوة.
ينظر السائق بعيني بحدة وقد تغيرت سحنة وجهي كثيرا لم افكر بسقوط المطر، سقط المطر فلم اكترث لسقوطة، لقد افسدوا علي استنشاق رائحة جسد زليخة حبيبتي مع رائحة المطر، شاهدت طيور فائق حسن السجينة وهي تغادر قفصها وتغني اغنية الحرية، طار قلبي هلعن حين اقتربت منه، الجميع ينظرون اليه والي مندهشين، كان يريد ان يميتني لبلادتي، ان يهشم راسي الغبي ليسفح دمي فوق ساحة الطيران فوق بقايا قواعد التماثيل المسروقة لقادة ثورة مايس، فوق جدران فائق حسن فوق الناس حتى تصبغ دار السلام كلها بلونِ دمي الاحمر القاني، اللون الاحمر هو الملائم الان. الموضة اليوم لون الدم الاحمر كل شئ يفضح دمنا الاحمر تدخل الناس في تهدئته معها قل انتفاخ أوداجه وناشدوه بان يتركني لحال سبيلي قبل ان اموت بين يديه شخص بصره نحو البعيد وهو يستغفر الله، فحمدت الله لتركه رقبتي رحت اعب الهواء عبا توقف امامي مباشرة لازال غضبه رطبا مبللا بالمطر المدرار الذي انهمر علينا، دفعت عيناة باستنشاق الهواء ثانية، لم تدمع عينا السائق ركز نظرة رجولية متحدية بعينين الدامعتين رأيت من بين دموعي شفتيه تتمتمان بحنق: مشاكس فاجبتة من خلال دموعي:-
- المشاكسون هم المقدامون في الحرب.
الشمس تسحب خيوطها مع اخر حبات المطر تتجمع في بقعة حمراء تخلف في رمادية السماء لوناً وردياً خفيفاً كأنها لون بني يذكرني بلون الطين توقف انهمار المطر تماماً ابيضت اعين الناس في ساحة الطيران لسماعهم ما قلت:
- انه كيسي وفيه كتبي التي اشتر.....
في البداية كان الصمت، بعدها سرى النبأ في ساحة الطيران فحرك سكونها وترقبها تراكض الناس نحوي واستجابوا لتلك الجلبة فشارك النبأ برفع اصواتهم وراح صغارهم يقذفونني بأقذر الشتائم، فاض السيل ، سيل الكبار متدافعاً بالاكتاف يضربوني انا بالتأكيد لم اقل شيئاً يجعلهم يضربوني وعيونهم قاسية تشع غضباً عنيفاً قد اشعل النار والغضب في عيونهم واوقدها في قلبي بعد ان كان لون وجوههم شاحباً صار لونهم احمر، ارتجفت، ارتجفت اصبحت الوان وجوههم حمر بلون الغضب، وفاض سيل الكبار متدافعاً بالاكتاف وبالايدي وبالمناكب يضربوني وبالرؤوس ينطحونني ويركلونني على شكل جماعات غير منظمة وعضوية، حزينة هي المرأة المياسة زليخة حبيبتي التي حررت الطيور من قفصها في رائعة فائق حسن لانهيال مطر الضربات والركلات والبصاق والشتائم عليّ، سحبت يدي اليمنى التي تقطر دماً سحبتها ومددتها بصعوبة بين الضربات والركلات التي تعصف بوجهي وجررت أذني اليمنى النازفة دماً شددتها، بقوة ،سحبتها كي لا اعيد ما فعلت لانني ندمت بعد ان اكتشفت بأنني الخاسر الوحيد في كل الذي قد جرى لانني لم التزم بحكمة ابناء قريتي: \" الطائر الذي يلوذ بعشه لا خطر عليه من الصياد \".
فكنت بعد ضربات الناس وتقريعهم لي مثل صاحب الحوت منبوذاً في ساحة الطيران . الجندي الامريكي من الفرقة الرابعة مدرعات اشاهده من بين اقدام وايادي وسقيان الناس، قبالتي، وقد جعلته امامي وجعله كل الناس خلفهم وجعلنا كلنا تحت فوهة رشاشة وما زالت انشودة الهام المدفعي تصدح في رأسي : موطني ... موطني ... موطني ، وابناء وطني يضربونني ويصرخون بصوت غاضب هادر عالٍ: ارهابي.


المركز الثاني : قصة " ألسنة من لهب " ، للقاصة / غادة هيكل

        


ألسنة من لهب 
غادة هيكل     مصر
هناك من البشر من تكون ألسنتهم من شرر كلما تطاير أحرق، وهناك من تلتهب ألسنتهم من مجرد إشارة تعكر مزاجهم الصباحى، وهناك من تصير ألسنتهم لهباً يلسع ولا يحرق فهو كالناصح المذكر، وغيرها السنتهم من لهب هادئ لا تتوهج مع مر الريح، وبعضها عندما يلتهب يضئ الكون من حولك بالنور.
الصوت الانسانى هو هبة من الله حبا بها الإنسان كى يعبر عن نفسه وعما يحيط به، أو كى يعبر عن غيره، أو يتواصل مع غيره، ومن أجمل النعم التى حبا بها اللسان هى حلو الكلام، ويصل حلو الكلام إلى ذروته عندما يتمكن العشق من القلب ويبدأ فى إرسال إشاراته لهذا اللسان فينطلق بالسنة اللهب التى تشعل الجسد من فرط العشق ويحدث التماهى المطلوب بين المحبين.
ولكن عندما تنعدم تلك الهبة الجميلة من اللسان لأن من ينبغى التواصل معه قد أصابه الخرس ولم يعد ينطلق لسانه إلاّ بشرارات اللهب التى تؤلم حد الحرق هنا فقط لابد أن تبحث عن وسيلة أخرى تتواصل بها مع روحها التى انغلقت بفعل بفاعل، وأن تترك العنان للسانها أن يبيح بشكل مختلف، بشكل سري، وسري جدا.
الأيدي.. العين.. المسام..  كلها لغات تواصل، وهى تملك تلك الأدوات جيدا، جسد مكتمل الأنوثة، عيون حوراء تنطلق سهامها فتدير الرؤوس، كل مسام جسدها مولعة بتقديم نفسها، الرسم، الكتابة، الرقص، ثلاث لغات للتواصل استخدمت فيها الجسد بشكل كامل، وحددت ما تريد منها، إنها رسالة صماء تتحدث بكل اللغات، هذا القمقم الذى حبسها فيه بكل جبروته وصلفه،لم يمنع عنها الهواء ولا الموسيقى ولا أن ترى الشمس وهى تطلق أشعتها وتبعث لها الدفء، مع بعض التكنولوجيا الحديثة التى ساعدتها على ارتقاء روحها خارج إطار الجدران، الفرشاة والألوان، اسطوانة الموسيقى، القلم والأوراق، وباب خلفى.
عندما طالت فترة الصمت بينهما، اختارت حجرة بعيدة فى آخر الرواق المزين بصور الحيوانات، والتى تطل على الشارع من الجهة الاخرى البعيدة، والتى أيضا شباكها يطل على تلك الدار البسيطة التى لا ينطفئ نورها ليلا اونهارا، والتى بالمصادفة كان لها باب للخروج لا يعرفه أحد.
ظن أنها لا تريد حياته الزوجية، وأن عقلها الصغير لا يتحمل مسؤوليات الحياة المدنية بكل متطلباتها، لأنها تلك المرأة الصغيرة الفقيرة الإمكانيات، بينما هى رأت أن حياته جامدة متعجرفة، صماء لا روح فيها ولا ارتياح، كالحمار الذى اعتاد صاحبه أن يحمله من مكان لآخر دون أن يتعب نفسه فى توجيهه فقد اعتاد الحمار الطريق،واعتاد هو على الحمار الذى يركبه، أما هى فكان عقلها ينتشى يوميا بعقول أخرى تستقى منها تجربتها وترسمها فوق الاوراق كلمات أو ألواناً أو حتى موسيقى تطلقها داخل الروح الحيرى.
على كل، فقد اتخذ كل منهما طريقه، هو فى أول القصر وهى فى آخره ، هو انتقى له خليلة تلاقت أرواحهما، وهى سارت فى درب بابها الخلفي، أمسكت ريشتها وبدأت ترسم هذا الفراغ الممتد حتى ظل الباب الآخر الذى يبعد عنها مجردأمتار يفصل بينهما أخدود صغير للماء العذب، ثم رسمت الباب الدائرى الكبير الذى يحدث أزيزاً كلما فُتح لدرجة أنها تسمعه من مكانها، وفوقه هذا الرسم الكبير لهيئة الاسد وكأنه تجسم فوق الباب، ثم توقفت لا تدرى ما ترسمه بعد، فهناك خلف الباب حياة لا تدرى عنها شيئا سوى ألسنة من لهب يتصاعد دخانها ليلا وفى بعض ساعات النهار.
كان عليها لكى تكمل رسمها أن تعرف ما يدور خلف هذا الباب، وما عليها سوى أن تفتح بابها الخلفي وتدلف إلى الشارع وتعبر الأخدود لتصل إلى الباب الآخر، دفعها الفضول بعد طول تفكير وفتحت بابها برفق، ثم قطعت الشارع بسرعة وعبرت الأخدود فى قفزة واحدة ووقفت أمام الباب.
اليوم فى آخره والشمس لوحت لها وغربت، فزعت من رؤية هذا الأسد فوق الباب الذى يقف بكل كبريائه، وأصدرت صوتا جعل من بالداخل يهرعون إلى الخارج ، كادت تقع فى أخدود الماء لولا تلك اليد التى سحبتها وارتمت بين أحضانها، وبعد برهة جاء الصوت يقول لها مرحبا، ففطنت إلى وقفتها واعتدلت وسحبت نفسها من تلك الذراع القوية ونظرت إلى الأرض خجلة، ولكن تورد خديها وبراءة محياها جعلا القلوب تُفتح لها وتجذبها للدخول إلى عالم المجهول الذى تود معرفته.
خلف الباب عالم من البساطة التى لم ترها من قبل، أرضية خشبية تحدث أزيزا عندما تسير عليها،اعتادوا على موسيقاها، بُسط مفروشة بعناية ووسائد مزركشة، فى أعلى البيت قبة يتخللها فتحة ينطلق منها دخان الموقد المشتعل دائما، بأطايب الطعام المشوى من جراء الصيد، لعله هذا مفتول العضلات هو من يصطاد من الغابة القريبة من السكن والتى تلوح لى أشجارها العالية من بعيد، ولكن كيف لا يهاب الدخول فيها وقد رويت عنها الاساطير التي ترهب العقل والقلب،تدور الاسئلة في عقلها وتدور بها الدنيا وهى تتلفت حولها لترى معالم رسمتها القادمة، وكأن العالم من حولها قد انحصر فى قصرها وهذه التحفة الفنية التى تبغى التعرف عليها وهى مثل سندريلا عليها العودة قبل اكتمال القمر فى الأفق وقبل أن تصل الساعة لمنتصف الليل، أى قبل أن يبتعد عن سيدها رفاقه ويصير وحيدا بالليل فقد يأتيه هاتف يجعله يبحث عنها، أمامها بضع ساعات تقضيها فى هذه القطعة الفنية تنتقل من السقف الجريدى المرصوص بعناية فائقة وانتهاءً بتلك الباحة التي تراها يعبث فيها الصغار مع حيواناتهم الأليفة، ثم تدور بعيونها حول هذا الواقف الممتد من السقف وحتى الأرض كلما علا نظرها استطال حتى عجز بؤبؤها عن الوصول إليه ، ولكن كيف ترسم بريشتها هذه العجوز التى لم تبارح مكانها إلاّ بعيونها الحادة التيفحصتها من شعر رأسها حتى أخمص قدميها، ثم أشارت لهذا العملاق فقدم لي بعض الحساء من القدر الموضوع فوق النار، ما أطيبه، كانت أولى كلماتها التى فغرت الأفواه لها، ثم أعقبت السيدة الوقور التى تقف دائما فى الخلف، يا له من صوت عذب لو سكن هذا الصوت هنا لتحول هذا السرك إلى قصر له نظام وأتيكيت ، صدمتنى تلك المقولة عن القصر والأتيكيت وهمست لنفسي، لو يبادلوني القصر بهذا الفن، توجهوا لى بأسئلة عدة، الفضول الذى حاصرونى به منعنى من النطق، اكتفيتُ بهذا القدر من اللوحة واعتذرت عن البقاء مطولا، ودّعونى على أمل اللقاء مرة أخرى، وودعتهم على أمل أن يكون لريشتى مخبأ فى هذا السرك المفعم بالحياة، خرجت مسرعة، غبت فى الظلام الحالك متجهة نحو الباب الخلفى للوحة، على أطراف أصابعي ممسكة بريشتي، نقلت السيرك إلى حجرتى الفضفاضة، أتى كروان وغرد فوق الشجرة العجوز التى تحيط القصر،  وكأن الحياة دبت فيه من جديد بعيدا عن ألسنة اللهب التى خمدت تلك الليلة بعد معاقرة الخمر لها.

المركز الأول : قصة ملامح حزينة للقاص / جمال فتحي عبد الرحيم بربري

    

                      ملامح حزينة          
  للقاص / جمال فتحي عبد الرحيم بربري .... أسوان 
   (وجوجة) خرجت ممزوجة بمخاط أنفه ولعابه .. أطلَقها على بعض الفتيات المارات أمام عينيه ,هُن يضحكن ويثرثرن من الهاتف الموجود تحت الإيشارب .. يرتدين ملابس ضيقة وقد وضعن في وجوههن كمية كبيرة من المساحيق .. ارتعن منه وولين فرارا ...
   أخذ يضحك بصوت عال قائلا كلمته ( وجوجة ) ...
   يقفز حافي القدمين كطائر ، فاردا جناحيه في الهواء .. يسمح بمرور رياح السعادة والحزن من تحت إبطيه .. سابحا في ظلمات بحر أيامِه، وعيناه لا تريان شعاع الأمل !! ...
   الليل يعلن كالعادة في  يناير عن شتاء قارس ..الناس يرتدون ملابس ثقيلة ..وهو مازال بجلبابه المتسخ ,والصديرى .. استسلم للنوم على الحشائش الجافة  ، ينظر إلى السماء قائلا , متى سوف ينتهي هذا العذاب ؟! .. وأغمض عينيه .
   مجموعة من الشباب خرجوا من ملهى ليلى , يترنحون , تفوح منهم رائحة الخمر, أرادوا أن يكون هو تسليتَهم .. أشعلوا قرطاسا ورقيا ووضعوه بين أصابع رِجليه .. أفاق على لسعة النار ..اكفهر وجهه ولبس قناع الكلب المسعور ,أطلق صوت نباحه أمامهم , ففروا مفزوعين .. عاد لنومه مِن جديد ناظرا إلى القمر والنجوم ...
   أشعة الشمس الصفراء تخترق مسام جسده , خلع ملابسه  وألقى بنفسه في أحضان النيل ...
السائحون الواقفون على متن الباخرة أردوا تصويره فأشار لهم بيديه وقال: لا
.. استجابوا لطلبه .. قال في نفسه : محترمون !! ... خرج من النيل ,ارتدى جلبابه ..أحس بالجوع , راح يجوب الشوارع يبحث عن الطعام  ,دخل السوق, امرأة تنحني وتبدو  تضاريس جسدها ..وجبة شهية من اللحم الأبيض تتهيأ أمامه , تشترى الخضرواتِ من البائع الجالس فوق الأرض .. سال لعابه أرد أن يروى ظمأه ,أمسك بمؤخرتها ككلب مسعور, انهال عليه المارة والبائعون بالضرب ,المرأة تصرخ وتولول ولا أحد يقدِر على فصله منها ,انتهت شهوته قائلا (حمولة وفضيناها) .. الناس تضرب كفا بكف، منهم مَن أخذ الموقف بسخرية، ومنهم مَن أراد ضربه .. عادوا مِن جديد قائلين إن الضرب في الميت حرام , تركوه ينصرف مِن أمامهم .. عاد مِن جديد للمشي , تذهب به أقدامه حيث دورات مياه المسجد ,امرأة عجوز تلبس جلبابا أخضرَ , تفترش مساحة من الأرض أمام المسجد , بجوارها  كوب شاي ساخن ,وسيجارة سوبر .. اقتنصهما منها  ودخل بهما الحمَّام ,المرأة مِن خلف الباب تدعو عليه قائلة (حسبي الله ونعم الوكيل ) (غور بيهم في ستين داهية ) !! ...
   زجاجات الدواء الفارغة ,وشرائط العقاقير ,تملا جنبات الدورة .. قام بتنظيف المكان , وفتح خرطوم المياه على جسده ، ثم خرج .. مؤذِّن المسجد يعلن عن صلاة الظهر ... الناس تركع وتسجد . هو ينظر في ثبات إلى القِبلة ,انسحب في هدوء مِن صفوفهم , دخل الضريحَ الملتصق بالمسجد ,أخذ يلف حوله صامتا , يسمع كلام النسوة اللاتي أتين مِن آماكنَ متفرقة  يشكون أحوالهن لصاحب المقام  والدموع تسيل من العيون ...
   خرج ليحتسى الشاي مِن ( الغرزة التي بجوار المسجد , ينظر بتأمل لتلك الوجوه الجالسة  الذين يصطنعون أساليبَ غريبة للتسول .. شباب في عز قوتهم وبأسهم  يبيعون المناديل، وآخرون يلفون بالبخور .. نظر إلى الصبي الذي يحاول سرقة إحدى الدراجات البخارية .. أقبلَ عليه دون أن يتكلم  . نظر إليه الصبي فخاف وهرب ...
   أتى صاحب الدراجة حتى يشكره على حُسن صنيعه , وأعطاه ورقة فئة العشرة جنيهات . أمسكها بقبضة يده . ذهب بها إلى المرأة العجوز الجالسة بجوار المسجد
.. تركها .. وانصرف ..
عاد مِن جديد يجوب الشوارع , يعشق تقبيل الكلاب ومصاحبتهم، وعندما يمل منها , يقطع ذيولها ...
   هو العارف بمواعيد الموالِد المختلفة في جميع الأنحاء، يذهب إليها دون أن يقوده أحد ..صعد إلى قمة الجبل , جلس بجوار مقام السيدة زينب , جموع مِن النسوة أتت للزيارة ومعهن عروس يوم الخميس  مِن حولها البنات يغنين
 ( يا شيخ يا اللي على الجبل ... يا شيخ ندرك عليّ ..عجلين وأربع دبايح ... عجلين والدم سايح ..ياحوشي يا نيابة يا ده احنا غلابه )
 العروس  ترقص ويداها مخضبتان بالحنَّاء .. نزلت دموعه المتحجرة ومخاط أنفه , ولعابه .. أخرج من جيب الصديرى كيسا أسودَ به دِبلة ومحبس وخاتم .. أشعل أعقاب السجائر التي يحتفظ بها وشرب معها برشامة ( ابتر يل ) .. أمشير يعلن عن غضيه حاملا عواصف مليئة بالأتربة .. تتغير أمام عينيه المناظر والرؤى ..يجد نفسه شابا وسيما يرتدى أغلى الثياب وينثر على جسده أزكى العطور ، صاحِبَ شهادةٍ عُليا .. أراد استكمال حياته مع فتاة عشقها مِن كل قلبه، كانت تبادله نفس المشاعر .. اجتمعت العائلتان وحددا موعد الخطوبة ..
   لفظ البحر أخبارا سيئة ..تم القبض على أُمِّه في شقة دعارة, أخذ يتخبط بين تلك الأمواج المتلاطمة , غير مصدق لِما حدث  , تغيرت ملامح وجوه أهل العروس
دون أن يتكلموا، فتحوا قبضة يده ووضعوا فيها علبة الذهب بكيسها الأسود
حمل لقب ابن المومس ..عزف عن الكلام .. أصبح الصمت طريقه الذي لا يقف في أماكن السعادة .. اصطنع التلعثمَ في الكلام  والتظاهرَ بالعبط حتى ينسى الناس سيرة أُمِّه المومس , ينزل مِن الجبل ويعود للسوق، يلمح أختَه ترتدي النقاب  خوفا من نظرات الناس إليها .. أشفق عليها لقد حملت وِزرَ أمِّها .. يراقبها باهتمام  , دون أن تراه  حتى تذهب إلى أول الشارع , يعود مِن جديد يساعد عم صبحي بائع الفول في تجهيز أدواته ، ويرش الماء أمام العربة .. يعطيه الرجل طبق الفول،  وبعدها كوب الشاي والسيجارة و ...
   عمَّال الفراشة ينصبون معدات الفرح .. يأتي الليل وينتظر المغنية السمراء
رقصَ في حركة دائرية تلف حوله كل المشاهد التي مرت في  حياته أمامه .. ولمَّا تعِب مِن كثرة شرب كل شيء ألقى بجسده خلف المسرح .. صمت عن كلمة          ( وجوجة )
 صعدت المغنية على المسرح  ... فين العريس ؟؟


الأربعاء، يناير 28، 2015

المركز الثالث: ألفين كتاب.الشاعرة ريهام الجنزوري.. كفر الشيخ

          


                   ألفين كتاب
    ريهام الجنزوري... كفر الشيخ

 ألفين كتاب مرسوم عليهم ..
ضي باهت
أصله خارج من قزاز شباك قديم
ومكتبة
مكتوب عليها تدوب وتهلك..
زى عافية شقيانين
وجدار قصادها بلون مترب ..
مكتوب عليه شوية قصص..
مبعوتة من زمن الحنين
وسرير ومكتب عريانين
لكن يادوب همسة أمل ..
بتبص لما الشمس تدخل كل يوم
افتح قزازي  ع الشعاع..
وافرد كفوفي
ولما الشمس ترسم ضيها المنساب ف كفي
بتصد خوفي
و الاقيني بادخل جوه سرداب الأمل
تتسرسب الأشواق لقلبي وافتكر ..
أفكار دفنها الجهل جوه المعتقل
أرجع وادور جوه أوراق الكتب
عن سر دنيا بتكتفى..
 بكتابة السطر الأخير من حلم طفل
بتسيبه يحلم ..
ويدون الأحلام في قلبه
  لجل أما يكبر وإيديه تطول
يسترجع الأحلام ويمشى بطول مداها
بتسيبه يحلم..
لجل أما تكتب له النهاية ومرها ..
يعرف يعيش ويكون دليل وسط المتاهه


hالمركز الثاني: ضل الأمل.الشاعر علي المرسي . كفر الشيخ





(ضل الأمل)
علي المرسي .. كفر الشيخ 

الموج بينده ع اللى سامعينه
وأنا وانتى ف دموعنا بنتمشى
راسمين حكاية حب ف الكواليس
ياااه
ع الثوانى الحلوة لو تصدق
والليل أبو السروال طويل
يقصر ويسمعنا
مشاعرنا يمكن تشبه الصلوات
قُداس ومحراب ع المشاع
تراتيل
ذكراك هابيل إعلان ميلاد الخوف
والعتمه والأشباح
أرواح بتتلاقى بدون مواعيد
ليه لما أشوفك
بنتفض ساكن
وانتِ اللى زيك محسوبين مساكين
ضل الأمل على كفك النونو
زى إختصار الوقت للمسافات
عاشق زوايا النور ف شِبّاكك
مزروع حنانك
جوا أوصالى
وأنا غصب عنى الغربه عنوانى
وصّيت ف سطر كتبته للمرسال
يبكينى رغم التوهه والترحال
أرض الخصوبه البكر
يا أنتِ
يا ضحكه تشبه ضحكتى
بالذات
هتف الغريب
واتمد حبل الشوف
وأنا وأنتِ
لسّانا بنتمشى

المركز الأول: عامية " أغرب قصايد في الحياة. " الشاعر عبد الله صبري

                    أغرب قصايد في الحياة

                     عبد الله صبري 


أقصر طريق للإكتئاب : بُعد النــظَر
إقصاء جنوب القلب من شرق الحذر
فصل اللي قاوم باستماتة عن اللي خاف
واللي اعتذر
واللي اشتياقُه استعجِلُه
لما الزمان قلبُه انتظــَر
سمسم كبر وطلع معاش .
افتح كنوزك يا جزَر .
أكبر ذنوب المرحلة : غض البصر
حجم اتساع الفجوة بين المغسلة
واللي اندلق ع المريلة يوم النزال
هتروح بأيه المدرسة بكرة العيال ؟
كل الدروب جوا البُقع
حاسب تُقع .... على فهم باقي اللخبطة .
أجمل دروس العارفين الشخبطة
فاحدف عينيك من أعلى جرح بيوجعك
تنزل تشخبط في التاريخ سطرين ثبات
تنقذ كفوف الشمس من قيد السُّبات .
الدم آخر ضحكة في جيوب الندى
فانزف ... عشان الورد زرع الروح يهون
أسرفت في الحلم الملطخ بالدهون
كل الكماين قررت ألا تكون
إلا ولد
خايف يورّث غصة التأويل لحد
الحد من حد السيوف الحادة مش تحديد لحد
إنت انقلاب المعنى على شكل الإطار
وانت اللي خارج ع الألم من غير فطار
وانت اللي بتسافر تجيب ضي ورؤى
فيرجعك حزن المطار
وانت اللي طار م الفرحة لما المنتخب - في إيطاليا - سجّل
وانت اللي مستني الفرج لكن فرج عمال " يؤجل " .
أبسط صنوف الشعر : رصد الكائنات ....
/ المشي على نبض المدى بالإنزياج .
طعم التقاط الرؤيا بجفون الهوا
حشد ارتباك روماتيزم في علاج المفاصل
أغرب قصايد في الحياة : هي اللي حاصل
أغرب قصايد في الحياة : هي اللي حاصل