مثقفون مصريون يصفون رحيل خيري شلبي بالخسارة الفادحة
القاهرة - إيهاب مسعد
رحل عن عالمنا الكاتب والروائي الكبير خيري شلبي الحكاء الشعبي الكبير ورائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة ومكتشف كنوز التراث الثقافي المصري، الجمعة عن عمر يناهز 73 عاما.
قدم شلبي أكثر من سبعين مؤلفا متنوعا من الروايات والقصص والأبحاث والدراسات المختلفة، وكان من أوائل من كتبوا في الواقعية السحرية العربية، عاش ظروف الحياة وقسوتها وجسدها في أعماله المختلفة، سجل اسمه بحروف من ذهب في خريطة الرواية العربية.
ولد خيري شلبي في 31 يناير عام 1938 في محافظة كفر الشيخ شمال القاهرة، وقد عانى خيري شلبي من ويلات الحياة، حيث عمل في مهن بسيطة جدا ليكسب قوت يومه فقد عمل ترزيا وبائعا متجولا في الحافلات والقطارات، وسكن في المقابر كل ذلك كان له أثر كبير في حياة خيري شلبي، فجسد كل ذلك في أعماله، كما سجل مشاهد أخرى.. ومن أعماله «زهرة الخشخاش» و «الشطار» و «الأوباش» و «صحراء المماليك» و «ما ليس يضمنه أحد» و «وكالة عطية» و «صالح هيصة» وغيرها. كانت لغة خيري شلبي متميزة في الحكي لا تخلو من التنوع في أساليب القص، وهي رغم فصاحتها فلا تخلو من حيوية جعلتها قريبة من لغة الحياة اليومية، وامتاز أسلوبه الفني بصفة الحكاء، وهو أسلوب استمده من بيئته التي نشأ فيها وهي قريته الريفية خاصة من الحكايات الشعبية التي كانت تحكى له مما جعل عنده معرفة كبيرة بتراث الحكي الشعبي، واهتم بالقرية وجسدها في أعماله بصورة تختلف عما قدمت من قبله فمن أعماله «الوتد» والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني.
يعتبر خيري شلبي رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته «رحلات الطرشجي الحلوجي» عملا فريدا في بابها، كما كان من أوائل من كتبوا ما يسمى الآن بالواقعية السحرية، ففي أدبه الروائي تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر وتتأثر وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع ففي روايته «بغلة العرش» يصل الواقع إلى تخوم الأسطورة وتصل الأسطورة إلى التحقق الواقعي الصرف. كما كان خيري شلبي مكتشف كنوز من التراث الفكري ففي فترة السبعينيات عمل باحثا مسرحيا فاكتشف أكثر من مئتي نص مسرحي تمت كتابتها في وسط القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والغريب أنه لم يرد ذكر تلك النصوص في الأبحاث التي عنيت بتاريخ المسرح المصري، فمن ضمن النصوص اكتشف نصا مسرحيا للزعيم مصطفى كامل بعنوان «فتح الأندلس» وأصدره في كتاب نشر في السبعينيات، كذلك نص مسرحي للشيخ أمين الحولي وعرض تلك المسرحية في إذاعة البرنامج الثاني، تحت عنوان «مسرحيات ساقطة القيد» في برنامج كان يقدمه الروائي بهاء طاهر. كذلك اكتشف في إحدى المكتبات القديمة محضر التحقيق مع الدكتور طه حسين عن كتابه الشعر الجاهلي، حيث كان المعروف إعلاميا أن طه حسين قد استتيب لتنتهي القضية لكن المحضر كشف أن التحقيق حفظ لعدم كفاية الأدلة، وكشف فيه مدى ارتفاع المستوى الثقافي للقاضي الذي حقق مع الدكتور طه حسين فنتج عن ذلك أن كتب كتابه المشهور «محاكمة طه حسين» الذي طبع ونشر أكثر من مرة. وقد ابتدع خيري شلبي في الصحافة المصرية لونا من الكتابة الأدبية كان موجودا من قبل في الصحافة العالمية ولكنه أحياه وقدم فيه إسهاما كبيرا اشتهر به بين القراء، وهو فن البورتريه، حيث يرسم القلم صورة دقيقة لوجه من الوجوه تترسم ملامحه الخارجية والداخلية، إضافة إلى التكريس الفني للنموذج المراد إبرازه، وقدم في فن البورتريه مئتين وخمسين شخصية من نجوم مصر في جميع المجالات الأدبية والفنwة والسياسية والعلمية والرياضية، على امتداد ثلاثة أجيال، من جيل طه حسين إلى جيل الخمسينيات إلى جيل الستينيات.
وقدم أعمالا للسينما المصرية منها فيلم «الشطار» و «سارق الفرح» وللتلفزيون قدم مسلسل «الوتد» و «وكالة عطية» و «الكومي» ومن مؤلفاته الدراسية كتاب «غذاء الملكة» و «مؤرخو مصر الإسلامية» و «أبو حيان التوحيدي» ومن مسرحياته «صياد اللولي» و «المخربشين» و «غنائية سوناتا الأول» ومن مجموعاته القصصية «صاحب السعادة اللص» و «المنحنى الخطر» و «أشياء تخصنا» وغيرها من الأعمال المتنوعة التي صارت علامة بارزة في الأدب العربي.
وكان خيري شلبي قد حصل على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980-1981، كما حصل في نفس العام السابق على وسام العلوم والفنون، كذلك حصل على جائزة أفضل رواية عربية عن روايته «وكالة عطية» عام 1993 وحصل عن نفس الرواية على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2003، وكذلك جائزة الدولة التقديرية عام 2005 أيضا رشحته مؤسسة «إمباسادورز» الكندية للحصول علي جائزة نوبل.
قالوا عن خيري شلبي
وقد عبر مثقفو مصر عن حزنهم الشديد لرحيل خيري شلبي، فقال الكاتب الكبير محمد السيد عيد «إن خيري شلبي كاتب كبير فقدته الرواية العربية التي قدم لها العديد من الروايات الرائعة التي لن تنسى أبداً، بالإضافة إلى جهوده الكبيرة في الصحافة والكتابة التلفزيونية والإذاعية كذلك رئاسته لتحرير سلسلة الدراسات الشعبية التي تصدرها هيئة قصور الثقافة بالقاهرة والذي ظل مسؤولا عنها لمدة عشر سنوات أصدر خلالها عيون التراث الشعبي العربي. من جانبه قال الناقد الدكتور مدحت الجيار الأستاذ خيري شلبي واحد من أهم كتاب السرد العربي المعاصر، وهو صاحب تجربة حياتية صعبة استمرت معه أكثر من نصف قرن وجسدها في ما كتبه من قصص وروايات ومقالات، وهو ما يبدو في الجزء الأول من سيرته الذاتية التي صدرت منذ وقت قصير، كما يعد أحد الكاتبين المهمين للسيرة الذاتية التي سردها في روايات سابقة مثل «وكالة عطية «و»الوتد».
وقال الروائي محمد قطب «خيري شلبي أديب كبير استطاع أن يمهد لأعماله السردية طريقا متميزا عن غيره من الأدباء واستطاع بجهده أن يحدث نهجا متميزا في تناول النماذج الإنسانية وارتباطها بالمكان الذي يعتبر ركيزة أسياسية في أعماله الإبداعية كلها، فخيري شلبي كان كاتبا متعدد التوجهات فله من الإعمال ما يثير الذهن والوجدان معا وكان له برنامج تلفزيوني عن ملامح الشخصيات فكنت أشعر أن خيري شلبي ينحت بقلمه تمثالا للشخصية التي يتناولها.
من ناحيته قال الروائي خليل الجيزاوي يعد الروائي العربي الكبير خيري شلبي أحد أبرز الروائيين العرب، خاصة بعد رحيل عميد الرواية العربية نجيب محفوظ وهو يستحق ذلك بأعماله الروائية المتعددة مثل «الشطار» و «وكالة عطية» و «نعناع الجناين»، وقد بدأ خيري شلبي روائيا بامتياز منذ صدور روايته الأولى «الأوباش» لقد وضع اسمه بحروف من ذهب في خريطة الرواية العربية وكان حكاء فطريا.
وقال الكاتب الدكتور مرعي مدكور خيري شلبي من أهم الروائيين التلقائيين في العالم العربي، حيث إن له موروثا حياتيا كبيرا جدا لم يتوافر لأي أحد آخر في مجال الكتابة، والسبب في ذلك عمله في مهن مختلفة وإقامته في أماكن متفرقة وتعامله مع جميع أصناف البشر، مما جعل عنده موروثا كبيرا حيث كان يكتب بتلقائية شديدة، فيثير ويجذب القارئ في وقت واحد في حين يفكر كتاب آخرون في اقتناص فكرة معينة أو موضوع معين. أما خيري شلبي فقد كانت لديه بسبب الموروث حكايات وقصص وروايات، مما يجعل قلمه ينهار سيالا وينطلق انطلاقا.
وقال المدون والروائي أحمد طوسون «إن خيري شلبي كاتب كبير ومثقف وبموته فقدت الثقافة العربية مثقفا كبيرا، لأنه كان قامة إبداعية كبرى فقد كان من أبرز الروائيين والمثقفين العرب.
نقلا عن / مدونة احمد طوسون