‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارت. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارت. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، ديسمبر 15، 2010

انفراد لوكالة انباء الشعر :- في حوار خاص مع الوكالة .. الشاعرة الجزائرية زينب الأعوج تكشف لأول مرة قصة حبها لواسيني الأعرج وزواجها منه .. وتبوح بأسرار الكتابة المشتركة



وكالة أنباء الشعر – جاسم سلمان

تملك الشاعرة والأكاديمية الجزائرية المعروفة " زينب الأعوج " الكثير من القواسم المشتركة مع زوجها الأديب المعروف " واسيني الأعرج .. كدماثة الخلق .. والقدرة على الإدهاش ، والأكثر من ذلك الإبداع .. والاختلاف .


لذلك يكون اللقاء معها مختلفاً .. ومثيراً للجدل الجميل .. فهي تأخذنا إلى أبعد من عالم الكلام .. والشعر .. والرواية .. والثقافة .. وتحمّل طاقاتنا الروحية الكثير من التعب ، بحزن شاعريتها ، وكمية الفواجع والأخذ بنا إلى المأساة بجرة قلم ...


وفي هذا الحوار معها .. أخذتنا أيضا إلى الكثير من الأسرار والقضايا المخفية .. كقصة زواجها وحبها .. وكتاباتها ... والكثير الكثير ...






- في البدء الشاعرة زينب الأعوج .. هل نبدأ من آخر إصداراتك الشعرية .. ولماذا كل هذا التوغل بالألم الإنساني في نصوصك والأخذ على عاتق شاعريتك التعمق بالآلام والآمال ؟






أكيد، يستحسن البداية بآخر الإصدارات، مرثية لقارئ بغداد والتي هي عبارة عن قصيدة واحدة موزعة على 117 مقطعا، 300 صفحة تقريبا صدرت هذه السنة بدار الفضاء الحر بالجزائر، وستصدر قريبا عن دار الجمل في لبنان ورباعيات " نوارة لهبيلة "، والتي هي أيضا عبارة عن قصيدة واحدة في حدود المائة صفحة أيضا صدرت هذه السنة عن دار الجمل في لبنان وبعدها في دار الفضاء الحر في الجزائر. هذا في ما يخص عملية النشر.


وهنا أعود لفكرة التوغل في عمق الألم الإنساني. طبعا هي الحياة، والحياة فيها وعليها كما يقول المثل الشعبي. نعيشها بحلوها ومرها على المستوى الفردي والجماعي. والكتابة أولا وقبل كل شيء، هي نحن بكل تفاصيلنا المرئية والخفية، بكل تفاصيلنا مهما كان حجمها وميزانها، ثقلها وخفتها .لا يمكن أن نكتب بمعزل عما يسكننا من هواجس ومن حالات ومن أمزجة وأهواء وشطحات روحية خاصة. في إحساسي الداخلي أشعر أن الإنسان هو الفصل الخامس في الكون وفي الطبيعة، وهو الفصل الذي يحتوي الطبيعة بكل تقلباتها. الإنسان هو الفصول كلها في وقت واحد. مزاجي ومتقلب ومشكل ومعقد، وصادق وكاذب، ومجامل ومنافق، وحليم وغاضب ، وطيب وحنون وقاسي.. هو بالأساس كتلة معقدة تفكك الكتابة جزءا من تشابكاتها الداخلية الشفافة .


وأنا من الناس وفيهم وبهم، لا أعيش بمعزل عنهم وبالتالي أنا قريبة مما يفرحهم ومما يحزنهم، أنا قريبة من الجرح اليومي الذي ينزف في كل العالم دون استثناء . العالم من زمان أصبح قرية صغيرة، ولا شيء متخفي، كل شيء مرئي للعيان ومفضوح إلا على الذين يريدون أن يتعاموا على ما يحدث. ما يحدث، أنا ألتقطه بطريقتي الخاصة كإنسانة وكامرأة وكشاعرة، والآخر يلتقطه من زاوية النظرة الصحفية، وآخر من زاوية الصورة بكل أنواعها الصحفية والتلفزيونية والسينمائية وآخر من زاوية التحليل السياسي وآخر من زاوية المصلحة الضيقة أو العامة ..ومن ,, ومن الخ,, هناك من يرى العالم بعين متفتحة ومتبصرة وهناك من يسجن ذاته رؤيته في خرم إبرة.. أحاول دوما أن أكون من الذين يرون العالم بعين متفتحة ومتبصرة وبحس إبداعي مرهف وشفاف.






- هل عبرت عما بداخلك أو أوصلت ما جعلك تطرحين هذا النص\ الديوان ؟






أحاول من خلال الكتابة أن أغوص في عمق الإنسان وأن أبحث عما هو جميل وشفاف فيه ، في داخلنا يتصارع الجمال والقبح الخير والشر.. وعلينا أن نروض ذلك بما هو جميل ومبهج وممتع من فن وموسيقى وشعر لينكمش القبح في داخلنا ويتوارى، ويفسح الطريق لما هو جميل فينا من أجل الحب لنا وللآخر الذي يشبها قليلا أو كثيرا أو ربما لا يشبهنا.. وأنا أرى في الشعر تلك الطاقة الخلاقة والأسطورية التي يمكنها أن تحرك الإنسان وتغير دواخله. أرى في الشعر تلك الأرض المعطاء التي تحتوي الجميع وتلك المدينة التي ترفض الحواجز والأسوار. ولم يخطئ من قال أن الشعر ملح الحياة يحميها من العفن. الكتابة بالنسبة لي هي طموح جميل أريد أن أصل إلى جزء منه وأن أصعد إلى قليل من روابيه. الكتابة مثل النور بالنسبة لي وأنا أجتهد وأعمل لأكون في مستوى قامة هذا النور فقط.






- هل استطعت رثاء بغداد وبقية العواصم الموجوعة في 300 صفحة ، وديوان مرثية لقارىء بغداد ؟ أم ما زال هناك رثاء في ذمة آخر المستقبل؟






مرثية لقارئ بغداد ليست مرتبطة بعاصمة من العواصم كما يمكن أن يفهم مباشرة من العنوان، ولا هي مرتبطة بالعراق وحده. قارئ بغداد عندي، وكيف شكلته وصغته، وكيف نحته، هو الذاكرة الجمعية والحوصلة التي جمعت الكارثة الإنسانية في أبشع صورة من صور الحقد الأعمى، لا مثيل لها، على الأقل في عصرنا الحالي، صورة فيها من البدائية والتوحش، ما يكفي، لنهش الإنسان وتاريخه واستباحة أرضه وعرضه، في فلسطين والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى كثيرة عشنا مآسيها وما زلنا عن طريق الإعلام والكتب وتقارير الهيئات الإنسانية الخ....


- كيف جاءت لك الفكرة لكتابة ديوان شعري لقارئ بغداد ؟


أخذت العنوان من صديق، هو كاتب عراقي معروف اسمه جبار ياسين، كانت في ذهني عشرات العناوين، قبل أن أنتهي من العمل وبعد أن انتهيت منه، إلا أن قارئ بغداد بقيت عالقة بذهني منذ قرأتها أول مرة. وبعدها سكنتني من جديد مع الغزو الأمريكي للعراق. خاصة الصورة التي سقطت بها بغداد. حينها كنت أتعاون مع صحيفة جزائرية باللغة الفرنسية وأنجز برنامجيين إذاعيين للإذاعة الجزائرية برنامج عنوانه آخر الليل مدته 20 دقيقة كلها قراءات شعرية من الشعر العربي والعالمي، وفيه خصصت حينها حصصا كثيرة للشعر العراقي والفلسطيني. والبرنامج الثاني الذي كانت مدته ساعة كان عبارة عن حوارات مع مفكرين وفنانين ومبدعين من الوطن العربي والعالم أيضا، كنت أينما سافرت أحمل جهاز التسجيل معي وأستغل فرصة وجودي في هذا البلد أو ذاك في أي تظاهرة ثقافية أكون من بين مدعويها وضيوفها. فخصصت جزءا منه لقول فلسطين وقول العراق عن طرق الفن والثقافة والفكر دون السقوط في السياسي المباشر فقمت بمجموعة من الحوارات من بينها حوار مع الفنان التشكيلي والخطاط الكبير الصكار والكاتبة عالية ممدوح والكاتبة والصحفية إنعام كشاشي.. والكاتب جبار ياسين صاحب قارئ بغداد، وغيرهم كثير. لما استقريت على العنوان طلبت من الصديق جبار ياسين الإذن فقبل بكل طيبة ومحبة . في الأول كان العنوان مرثيتي فغيرته إلى مرثية لقارئ بغداد, لأنني رأيت أنه يعبر على الفجيعة الأولى والتي منها تناسلت كل الفواجع الأخرى، وهي تدمير واستباحة مكتبة بغداد والمتحف الوطني. استباحة الذاكرة والتاريخ والجهد الإنساني العتيق والكبير المتراكم عبر العصور من شريعة حمو رابي وما قبلها إلى الآن.


طبعا لا زال الرثاء متواصلا لأن الفجائع لم تنته بعد.. ولا زالت متواصلة تنهشنا في العمق .. والرثاء ليس بمعنى الندب والبكاء والحسرة فقط .. الرثاء هنا صرخة لدق ناقوس الخطر على كل المستويات وتنبيه العقل لأن العقل هو رسول الحق كما قال التوحيدي. والخطر لا يتمثل فقط في ما يمسنا من الآخر (العدو أو من نعتبره أخا أو صديقا ) ولكن أيضا ما نُفجعُ به نحن أنفسنا ، وما نضر به أنفسنا نحن داخل مجتمعاتنا وداخل أوطاننا.






- شاركت قبل حوالي الشهر في مهرجان سوق عكاظ بالسعودية .. وطالبت بإلقاء قصائدك من على المنصة ، وتم منعك من ذلك ، فهل كنت متوقعة لهذا الأمر منذ أن تمت دعوتك ؟ أم كان مفاجئاً لك ؟






قبل أن أجيب على السؤال، وجميل أنك أثرته. اسمح لي أن أقول أن تجربة سوق عكاظ كانت تجربة متميزة ومتفردة ومثمرة وجدّ غنية بالنسبة لي. وقد سعدت وأنا أتلقى الدعوة الكريمة للمشاركة في فعاليات سوق عكاظ كشاعرة جزائرية. وهنا أشكر من القلب كل القائمين على التظاهرة التي أتمنى لها كل النجاح والاستمرارية ودائما بشكل أجمل وأرقى وأوسع، أشكرهم على الترحاب والاحتفاء الجميلين بي وعلى الحفاوة التي استقبلت بها وبشكل متميز كشاعرة وكامرأة وكجزائرية ، وعلى رأسهم الدكتور الجريدي المنصوري والدكتور عبد الرحمن الطلحي اللذان أتاحا لي فرصة التعرف عن قرب على مجموعة كبيرة من المثقفين والمبدعين السعوديين نساء ورجالا، اكتشفتهم عن قرب بجمالية وحميمية راقية وتبادل ثقافي وإنساني جميل وشفاف. كثيرين سعدت بلقائهم والتعرف عليهم. وسمحوا لي باكتشاف تلك المناطق المعتقة بالتاريخ والقداسة.


سعدت بالزيارة والمشاركة في سوق عكاظ لكوني أيضا أشتغل على كاتبات منطقة الخليج والجزيرة العربية منذ 6 سنوات مع معهد الدراسات العليا في باريس، فكانت هذه الفرصة جميلة وجميلة جدا بالنسبة لي.


- وماذا عن الإشكالية التي حصلت ؟


أما بالنسبة لقصة المنصة والقراءة الشعرية، فكانت مفاجئة قليلا بالنسبة لي، إذ لم أخبر من أقبل كوني سأقرأ شعري جالسة وفي مكاني في الجهة المخصصة للنساء، وليس على المنصة كباقي الشعراء. طبعا كان هناك احتجاج وردة فعل ليس فقط من طرف الشاعرات الموجودات بما فيهم أنا، ولكن حتى من طرف مجموعة من المثقفين والشعراء السعوديين الموجودين. وهناك حتى من أردن مقاطعة التظاهرة لكن كانت الحكمة والرزانة والتبصر أحسن حل. لم أرد أن أجعل منها ضجة إعلامية أو استغلالها بشكل أو بآخر . هو حدث عابر بالنسبة لي، يمكن أن يحدث مثله أو أسوا منه في أي بلد من البلدان العربية والإسلامية, أنا أريد أن أنظر إلى ما هو إيجابي وأنعت وأنتقد ما هو سلبي بطبيعة الحال للذهاب نحو الأجمل والأرقى دائما. المسألة مرت وانتهت بالنسبة لي، الشيء الأهم والجميل هو أن تستمر تظاهرة سوق عكاظ وأن تنفتح على العالم العربي والإسلامي والعالم ككل، لأنها تظاهرة قيمة ولها وزنها الكبير في الساحة الفنية والثقافية. وهي ليست أقل قيمة مما هو موجود في العالم الغربي، بل أتوقع أنها ستكون ربما أكبر من التظاهرات العالمية على مستوى الشعر مثل أسواق أو مهرجانات الشعر في العالم. لأنها مشروع مدينة ثقافية وفنية بكل ما تحمل الكلمتين من معنى. ربما ستكون البوابة الجميلة التي ستفتح الأبواب السرية والسحرية للرمل هناك، تلك الأبواب المغلقة على كنوز البشرية والإنسانية. كنوز إذا توصلنا إليها ستنبئ بأشياء كبيرة عن مهد الحضارات والإنسان وتقلب الكثير من موازين في العلم.






- أعلنت أنك تعدين لإصدار انطولوجيا عن السرد النسائي ، فلماذا انحزت لنون النسوة لترصدي الكاتبات والروائيات دون الرجال ، رغم أن لا جنس للإبداع ؟






هي فكرة كثيرا ما راودتني لكن وقتي وانشغالاتي وإمكانات دار النشر "الفضاء الحر" التي أشرف عليها لم يسمحوا بإنجازها من قبل . فأنا من فترة طويلة أشتغل على كتابات المرأة في الوطن العربي، وأردت أن أتوج عملي ومجهودي بهذه الانطولوجيا والتي هي شبه منجزة، أنا الآن مع التصحيحات والرتوشات الأخيرة. عمل أردت أن أفيد به طلابنا على مستوى الجزائر, لأنه كما تعرف الكتاب مشكلة المشاكل في الوطن العربي فهو لا يسافر إلا في المعارض.


هذه الأنطولوجيا أردتها تقريبا تمثيلية لرواية المرأة في الوطن العربي ، ولذلك اشتغلت عليها أيضا من الجانب التأسيسي، لأنني من خلال قراءاتي لكتب النقد في الوطن العربي أحسست أن المرأة المبدعة عموما لم تأخذ حقها في الدراسات العربية أو في كتب النقد التي خصصت للأدب العربي.


هناك نوع من الإجحاف بالرغم من أن أول رواية عربية ربما على سذاجتها وبساطتها كتبتها امرأة، طبعا أنا لم أتناول العملية انطلاقا من فكرة تنافسية ومن الأسبق فقط أردت أن أعطي مادة يمكن أن تفتح بعض الآفاق لطلبتنا ومن يريد الإطلاع على كتابة المرأة. أنطلوجيا يمكننا إدراجها في إطار تأريخ الأدب. أيضا أردت أن أبين من خلال هذا العمل أن المرأة في الوطن العربي كتبت بعدة لغات وليس اللغة العربية فقط, هذا ما أبينه في مقدمة الكتاب.




زينب الأعوج مع واسيني الأعرج


- من المعروف أن زوجك هو الأديب والروائي الكبير " واسيني الأعرج " فهل تسردين لنا قصة ارتباطكما ، وكل منكما يمتلك موهبة أدبية مختلفة عن الآخر ؟ وما مدى التشابه بينكما ؟


طبعا ما يجمعني بواسيني أشياء كثيرة وكبيرة. أولا هناك الحب وهناك الصداقة وهناك الود والاحترام وهناك الأولاد باسم وريم، وهناك عشرة عمر، وهناك العمل المستمر للحفاظ على هذه العلاقة بجمالية. وواسيني اليوم ليس الزوج والحبيب والمبدع فقط على مستوى عالمنا الصغير، الذي هو الأسرة. هو الآن كاتب كبير ومعروف عربيا وعالميا وله وزنه الأدبي الكبير وثقله، وبالتالي أنا الآن أحس بمسؤولية أخرى على عاتقي ثقيلة وثقيلة جدا وهي كيف أحافظ عليه وأحميه لي ولأولادي أولا ولكل محبيه وعشاقه. مهمة ليست سهلة أتمنى أن أوفق فيها وبكل قوة.


تعارفنا ونحن طلبة في قسم الأدب العربي في وهران بالجزائر ، بعدها تزوجنا وذهبنا طلبة إلى سورية بمنحة من الدولة الجزائرية. درسنا بجامعة دمشق، المدينة العزيزة جدا على قلبي والتي أقمنا فيها عشر سنوات، أنجبت فيها باسم وريم وتحصلنا خلالها واسيني وأنا على ماجستير ودكتوراه دولة. واسيني اشتغل على المتن الروائي وأنا اشتغلت على المتن الشعري الجزائري والمغاربي بإشراف الدكتور حسام الخطيب الذي أتمنى له من عمق القلب الصحة والعافية وطول العمر بجمال.


واسيني عالمه الرواية وأنا عالمي الشعر على مستوى العملية الإبداعية، لكن المكتبة التي تأثث ذاكرتنا في معظمها واحدة، كلانا يقرأ الشعر والرواية والقصة والفلسفة والتاريخ والسياسة والكتب المقدسة. بمعنى أن النبع الذي يروي عطش القراءة في أغلبه واحد.


أما التشابه بيننا فهو في عشق اللغة وأسرارها وفي العطاء والسخاء ومحبة الآخر وتقاسم ما نملك من معرفة متواضعة معهم.


- نلاحظ في كتابات واسيني الأعرج شاعرية بالرواية ، وفي شعرك سرد الرواية والمأساة ، فهل فكرت أن تكتبي أو تصدري رواية ؟






هذا سؤال يكمل ما سبقه وقد أجبت على جزء منه.


الكتابة مثل الألوان أو الموسيقى هي عوالم خاصة بكل مبدع وهي داخلية وحميمية جدا. وما هو ذاتي عميق هو ملكية أنانية سخية في عطائها، لكن ما يؤثث هذه الذاتية من معارف ومخزون ثقافي وفكري هو مشترك، يغرف منه كلانا، طبعا تدخل فيه عوالم كل واحد فينا من محيط وتربية وطفولة والجوانب والراثية والتجربة، وما نطلع عليه من كتب الخ، ومرتبط أيضا بالطريقة والوسائل التي يستعملها كل مبدع في التقاط ولمس ما يستثيره على مستوى الكتابة. وبما أن الكتابة هي أيضا العلاقة مع اللغة ومدى استنطاقها وكيفية تلمسها فإن اللغة تطاوع كل مبدع حسب طريقته في تعامله معها. اللغة حب وعشق وتشوق، لا بد أن تراودها باستمرار دون تعب أو ملل إذا أردتها أن تفتح لك أبواب أسرارها.


في ما يخص النوع، أنا أقول أنه الآن أصبحت أنواع الكتابة تستعير من بعضها البعض، وكأننا نعود بالشعر والرواية إلى الأصل الأول الذي هو الملحمة، هناك روايات نقرأها من أولها إلى آخرها كأننا نقرأ قصيدة طويلة جميلة وملحمة راقية، وهناك قصائد تمكنت من استعمال الجانب السردي بجمالية مفرطة وصور شعرية فيها المتعة والإغراء والعلاقة الشفيفة مع اللغة.


في ما يخص المأساة، لست أدري، ربما هي جزء مني وأنا لا أدري ذلك، كل كتاباتي فيها نبرة الفجيعة والمأساة. لم أفلح إلى حد الآن في كتابة قصيدة في الحب مثلا أو قصيدة أحكي فيها ذاتي الحميمة، طبعا أشتهي ذلك لكن كلما بدأت نصا أجده يختار مجراه وأجدني أطاوعه إلى النهاية مثل ما حدث مع رباعيات نوارة لهبيلة ومرثية لقارئ بغداد.


أما الرواية فقصتها قصة ، ربما لأنني أرى نفسي شاعرة قبل كل شيء وربما لأنني أريد أن أصل بتجربتي في الشعر إلى شيء مغاير ومتميز. لم أفكر إلى حد الآن وبشكل جدي في كتابة الرواية رغم أنني بدأت رواية عن عائلتي منذ سنوات وهي في درج من الأدراج. في العطلة الصيفية الماضية، هكذا وعلى حين غفلة زارتني جدتي التي توفيت قبل أكثر من ثلاثين سنة، لتحرك ذاكرتي معها وتنفض عنها بعض الغبار. فبدأت أكتب قصصا قصيرة وقصيرة جدا مستوحاة كلها من ذاكرتي مع جدتي . ربما أنشرها وربما لا. هي تجربة جديدة وفقط.


وأيضا في نظري أي عملية إبداعية، هي ليست بالضرورة محطة للوصول إلى عملية إبداعية أخرى أهم, هناك من يكتب القصة والشعر والرواية وهو مرتاح وناجح بشكل جميل في كل هذه الأنواع, وهناك من يكتب القصة فقط أو الرواية فقط أو الشعر، ويحاول أن يعمل بجد لإعطاء الجديد والمتميز والممتع من خلال ما يكتب. كل عملية إبداعية هي محطة في حد ذاتها وليست جسرا للعبور إلى محطة أخرى.,, لا أشعر بأي نقص كوني لم أكتب رواية إلى حد الآن، أنا مرتاحة جدا في عوالمي الشعرية وأتمناها أن تكون راضية عني ما تبقى من العمر.






- هل يطلعك الأستاذ واسيني على مسودات كتاباته قبل إرسال أي عمل روائي للمطبعة ؟ وهل يحدث العكس في كتاباتك ، وهل يتدخل أي منكما بأعمال الآخر ؟






أكيد منذ تعارفنا وحتى قبل أن نتزوج ونحن نستأنس برأي بعضنا البعض على مستوى كتاباتنا. نتناقش ونتبادل الآراء في قضية معينة طرحناها مثلا على مستوى الكتابة. كثيرا ما نناقش العناوين وحتى كيفية صناعة الكتاب. طبعا لا أحد فينا يتخذ دور الرقيب في عمق ما يكتب الآخر. فكلانا حر في كتاباته لكن كلانا يمكن أن يعطي وجهة نظره. مثلا مجموعتي الأولى، "يا أنت من منا يكره" الشمس كنت كتبتا وأنا طالبة في جامعة وهران ( 1974-1979) أعطيته لواسيني حتى يقرأه ويعطيني رأيه، تصادف أن ذهب واسيني قبلي إلى دمشق، فقدم المجموعة إلى اتحاد الكتاب العرب فزكتها الأديبة قمر كيلاني أطال الله في عمرها. لم يخبرني بها إلا بعد أشهر بعد أن ذهبنا زوجين شابين إلى دمشق، فكانت مجموعتي الأولى هي هدية زواجنا. بالنسبة للمجموعة الثانية "أرفض أن يدجن الأطفال" نفس الشيء لما انتهيت منها قرأها كاملة بعد أن كان قد قرأها على مراحل، فقدمها لوزارة الثقافة والإرشاد القومي فقبلت وكانت مفاجأتي الثانية في 1981 والأولى كانت في 1980.


روايات واسيني، طبعا، أنا أول من يقرأها وأشعاري هو أول من يقرأها أيضا. قبل أن تسافر إلى أي دار نشر ليس للمراقبة كما أوضحت ذلك سابقا، لكن للمتعة والاستئناس بالرأي، واسيني يشركنا كلنا أنا والأولاد باسم وريم في رواياته وهو يكتبها .. واسيني حكاء جميل وممتع، وهو يكتب أي عمل من أعماله يحكيه ويكتبه في نفس الوقت .. يتقاسمه بسخاء وبمتعة مفرطة..






- أصدرت ديواناً صوتياً رغم أنها سابقة فريدة في عالم النشر العربي على الأقل ، فكيف طرأت لك الفكرة ، وما الذي جعلك لم تصدريه مطبوعاً ، وكيف وجدت التجربة ؟






بداية، أنا أكتب باللغة العربية الفصحى ويحدث معي مرات أن أكتب بالفرنسية، لكنني قبل سنوات دخلت تجربة الشعر الشعبي، ما تسمونه في منطقة الخليج بالشعر النبطي. ربما ما وصلك هو فقط القرص. كتبت أكثر من 50 قصيدة في هذا النوع اخترت منها 12 قصيدة نشرتها في مجموعة، أي في كتاب مع قرص مضغوط وشريط من قراءتي مع مرافقة للعزف على العود، وكانت حينها تجربة متفردة ومتميزة، لأنها كانت جديدة على الساحة. والمجموعة هي "نوارة لهبيلة" نشرت في 2002 مع مجموعة أخرى بعنوان "راقصة المعبد" لكن هذه الأخيرة باللغة الفصحى. كانت تلك القصائد جد مطلوبة لأنها تعبر عن مشاكل حميمة وعن العنف المسلط ضد المرأة وعن معاناة الجزائريين مع القتل والتطرف والإرهاب وأيضا هي قصائد مشغول عليها جماليا بشكل كبير، إذ كتبت القصيدة الشعبية التي لها أيضا طقوسها وقوانينها بشكل جديد مثل القصيدة الحديثة، بمعنى أنني غيرت في قوالبها وفي أساليبها وطريقة كتابتها. ولذلك كانت تجربة جديدة، والتي فتحت الأبواب بشكل جميل، لتجارب أخرى متميزة جدا الآن في الساحة الجزائرية، خاصة في أوساط المبدعات وفي مختلف المناطق الجزائرية.


.


- أنت أستاذة جامعية بباريس ، كيف تجدين تدريس الأدب ، ومدى إقبال جيل الشباب على الأدب والثقافة ؟






أول ما استقريت في باريس في 2004 اشتغلت مدة أربع سنوات في جامعة باريس الثامنة قسم الأدب العربي. بعدها انتسبت إلى مركز الأبحاث في مجال الأدب والأنطروبولوجيا، وأيضا حصلت على دبلوم الدراسات العليا في باريس الرابعة، بإشراف المرحوم الباحث والمبدع جمال الدين بن الشيخ، الذي ترجم ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية واشتغل كثيرا على الموروث الثقافي والإبداعي العربي والإسلامي، وتقريبه من المتلقي الفرنكوفوني. بعدها أقمنا سنة في أمريكا ب "لوس انجلس" بدعوة من مركز الأبحاث والفنون (القيتي سانتر) و(فيلا أورورا) مؤسسة الكاتب الألماني "ليون فوشتفانجر" ، الذي عانى من ويلات النازية وتوفي في الخمسينات وبقي بيته مكانا مفتوحا للمبدعين والفنانين من مختلف أنحاء العلم.


تجربتي في التعليم والعلاقة مع الطلبة، بينت لي أن هناك نوع من الإقبال على الثقافة العربية والإسلامية، خاصة من طرف الجيل الثالث من أبناء الجالية العربية والسلامية المتواجدة بقوة في الجامعات الفرنسية ، هناك نوع من الفضول أيضا لدى بعض الطلبة الفرنسيين والأجانب المتواجدين في الجامعة الفرنسية الذين يرغبون في اكتشاف عالمنا وثقافتنا لأنهم ليسوا معزولين، هم يدرسون مع الطلبة ذوي الأصول العربية والإسلامية. أيضا منذ أحداث 11 سبتمبر نما نوع من الفضول لثقافتنا وأدبنا.






- كيف ترين إقبال الجمهور الفرنسي والغرب على القراءة للشعراء والأدباء العرب ، خاصة وأن لك إصدارات بالفرنسية ، وتعيشين بأوروبا ؟






الجمهور الغربي فئات مختلفة بطبيعة الحال وليس فئة واحدة ، الفئات المثقفة عموما عندها نوع من الفضول ونوع من الإقبال على الكتاب العربي أو الشرقي بشكل عام -تركي أو إيراني أو أفغاني إلى غير ذلك من اللغات الشرقية- المترجم إلى اللغة الفرنسية، نلاحظ ذلك في معارض الكتاب مثلا وفي مكتبة معهد العالم العربي وبعض المكتبات العربية . هناك أيضا معرض سنوي للكتاب المغاربي الذي نرى فيه إقبالا كبيرا على الكتاب العربي المترجم، وأيضا يجب أن أنوه بالمجهود الجبار الذي يقوم به الصديق فاروق مردم باي( والذي يستحق في نظري تكريما خاصا) نظرا لما يقوم به على مستوى دار النشر( أكت سود ) في فرنسا والدور الكبير الذي يلعبه في الترويج للكتاب العربي المتميز والمترجم إلى الفرنسية وما له علاقة طبعا بما يكتب من طرف العرب سواء باللغة الفرنسية مباشرة أم مترجم من اللغة العربية . هناك ايضا سوق الشعر وربيع الشعر الذي نجد فيه تواجد بعض الكتاب العرب سواء من ترجمت كتبهم أو من يكتبون مباشرة باللغة الفرنسية.


يبقى السؤال المطروح كيف نروج نحن، وكيف نسوّق لثقافتنا ولكتابنا انطلاقا من بلداننا إلى العالم الغربي عن طريق الترجمة والتبادل الثقافي المثمر.





الأحد، ديسمبر 12، 2010

في حوار خاص مع وكالة أنباء الشعر الشاعر الإماراتي الكبير راشد شرار للوكالة : قصيدة النثر بدعة والناس يقلدونها .. وأمسيات " مهرجان الشارقة " مختلطة هذا العام ..






وكالة أنباء الشعر / الأردن / أحمد الصويري




يمثل جيلاً من رواد القصيدة الشعبية في الإمارات في العصر الحالي ، اهتم بدراسة الأدب والتراث الشعبي فجمع الكثير من أعمال رواده ، آمن بالمواهب الشابة وأهمية رعايتها كي يبقى صوت الشعر الإماراتي يملأ الآفاق ، فوجّه مسيرة الكثير من الشعراء الشباب وقام بتسليط الأضواء عليهم من خلال تقديمه لبرامج شعرية تلفزيونية ، ومن خلال مركز الشعر الشعبي في الشارقة الذي يتولى إدارته ، تم تكريمه لما يحمله من فكر إبداعي ونهوض بالساحة الشعرية في الإمارات فكان أول شاعر توضع قصيدته في نصب تذكاري في برج فيستيفال سيتي التجاري في دبي ، ونظراً لأهمية ما يقدمه في مجال الشعر الشعبي تم تعيينه رئيساً للجنة الشعر الشعبي في مركز زايد للبحوث والدراسات في أبو ظبي ، الشاعر والإعلامي الإماراتي الكبير راشد شرار في حوار خاص لوكالة أنباء الشعر العربي ....


المحاورة نوع من أنواع الفنون الشعرية التي كانت سائدة ، اليوم نلحظ تراجعاً لهذا النوع ، إلام تعود الأسباب برأيك ؟


المحاورة الشعرية تنقسم إلى نوعين ، محاورة فورية ومحاورة مؤجلة ، المحاورة الفورية تتمثل عندنا في الإمارات بفن الحربية ، كما أنها تتمثل في السعودية والكويت وقطر بفن القلطة ، وأما المحاورة المجلة فتعتمد على أن يرسل لك شاعر ما قصيدة أو أبياتاً معينة ، تقرؤها وتتمعن فيها وتبصر جوانبها كاملة ثم ترد عليها ، وهذا الجانب من شأنه إذكاء روح التنافس بين الشعراء .


المحاورة فن جميل وأحاول دائماً حث الشعراء عليها من موقعي كمدير مركز الشارقة للشعر الشعبي وكذلك صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة يحثني عليها دائماً .


أما عن أسباب الابتعاد عنها حالياً فربما يعود بشكل أساسي إلى حلم بلوغ القمة بسرعة ، فتجد الشاعر لا يجد وقتاً لكتابة قصائد محاورة وانتظار الرد عليها ومن ثم متابعة المحاورة أثناء هذا السعي السريع باتجاه القمة ، وربما أيضاً بسبب خوف الكثيرين من مستوى الرد على القصيدة ، فيستسهل الشاعر الابتعاد عن هذا الطريق ، وما أسهم في ذلك أيضاً إمكانية الظهور بأية حال من الأحوال فبات الشباب الآن يكتبون لمجرد الظهور مما ابتعد بكتاباتهم عن هدف الرقي بالكلمة وتقديم روح القصيدة في كتاباتهم .


وجود قصيدة التفعيلة في الشعر الشعبي ، ماذا كان له من انعكاسات على الحالة الشعرية ؟


برأيي فإن ما ورثناه هو أن الشعر الشعبي مقفى وموزون ، ولو قرأت تاريخنا الأدبي القديم لن تجد فيه إلا الشعر المقفى الموزون وهذا ما وردنا عن شعرائنا القدامى ، التجديد والإضافة بلا شك هي ظاهرة جميلة وقصيدة التفعيلة كذلك إبداع جمالي ، أما ما تعدى التفعيلة واصطلح على تسميته بالشعر الحر ، وهذا النوع أرفض تسميته شعراً سواء كان شعبياً أم فصيحاً ، وإنما هو خاطرة ، هناك من يكتبون الخواطر الجميلة وهذا بلا شك إبداع وله خواصه وبلاغته وهو شيء جميل ، وهناك كذلك من يفتقرون إلى المقدرة على كتابة القصيدة الموزونة المقفاة فكتبوا الخواطر ووجدوا من يصفق لهم وأطلقوا على هذه النثريات اسم الشعر وصنفوها على أنها كذلك بحجة التجديد والإضافة ، ومطلوب منا الرضوخ لهذا الأمر ، وهذا الكلام ليس موجوداً على صعيد الشعر وحسب ، بل كذلك الحال بالنسبة للفن إذ نلاحظ موجة من الانحدار أخذت بالأذواق عن منحاها السليم .


باختصار فإن قصيدة النثر هي بدعة وأخذ الناس يقلدونها


ومن المسؤول عن موجة الانحدار هذه بكل جوانبها ؟


الإعلام المتكسب .


وما المطلوب من الإعلام العربي لمحاربة مثل هذه الظواهر ؟


المتكسب لن تستيطع مطالبته بشيء ، وأما غير المتكسب فمن واجبه الدفاع عن الهوية الثقافية العربية من أدب وفن وتراث وفلكلور أصيل .


وهل نملك في الوطن العربي إعلاماً حراً لدرجة تساعده على الالتزام بهذه القضايا ؟


ينبغي على كل دولة وضع رقابة حقيقية على المنابر الإعلامية ، بحيث تمنعها من تشويه أذواق المتلقين .
ولكن أجهزة الرقابة موجودة فعلاً ، فما تقول ؟
المصيبة تقع حينما يكون الإعلام مزاجياً ومتقلباً ، فعلى سبيل المثال لو تم تعييني وزيراً للإعلام ، وأنا لا يعجبني فلان من الناس شاعراً كان أو فناناً أو إعلامياً بارزاً ، أستطيع إقصاءه عن أي منبر يمكنه من خلاله تقديم أفكاره أو تجربته ، لا بد لنا من الابتعاد عن أحكامنا الشخصية المزاجية والاتجاه إلى الإنصاف ، قلت في إحدى الندوات حول الإعلام : إن إعلامنا ينقسم ثلاثة أقسام : الأول مدفوع ، والثاني مادي متكسب ، والثالث نايم في العسل بعد أن تفرغ الناس من التصفيق والغناء يأتي فيطبّل وراءها . وهذه هي حال إعلامنا وواقعه الآن ، لا بد من وجود خطوط إعلامية دفاعية .
نحن أمام واقع تفشّت فيه بعض الظواهر السلبية في أدبنا ، فما هي سبل تطبيق هذه الخطوط الدفاعية التي تكلمت عنها بوصفك من الشعراء والإعلاميين البارزين ، وكذلك من خلال دورك كمدير لمركز الشعر الشعبي في الشارقة ؟
راشد شرار لا يستطيع أن يعدل اعوجاجاً ، ليس كشخص فقط بل وكمدير لمركز الشعر الشعبي ، فما طاله الاعوجاج قد طاله .
وهل نسلّم لهذا الاعوجاج ونقف متفرجين ؟
بكل تأكيد لا ، وإنما أنا لن أستطيع العودة إلى الوراء وإصلاح ما فات ، بل أتطلع إلى الواقع بحيث أمنع وجود هذه الظواهر كي لا تستمر مستقبلاً ، ويقول المثل : إذا زاد الماء على الطحين فسد العجين .
وما الخطوات أو الأفكار التي حاولتم تطبيقها لإصلاح شيء ما ؟
تكلمنا قبل قليل عن المحاورات وتطرقنا إلى فن الحربي الخاص بمنطقة الإمارات ، الخطوة التي في ذهني هي إقامة مسابقة خاصة بقصيدة الحوار أو المرادات الشعرية ، وكذلك عندي حلم بإقامة مسابقة على مستوى دول الخليج العربي تختص بالقصيدة الشعبية الإماراتية ، وهذا من شأنه تعريف الجيل الصاعد من الشعراء بالتراث الذي يكادون يبتعدون عنه ، فكرة مسابقة القصيدة الإماراتية جاءت من هذا الباب ، فكما تلاحظ إن الشعر في الكويت والسعودية وقطر والبحرين هو نهج واحد وخط واحد ، لدينا في الإمارات ألوان وبحور خاصة بالمنطقة ، وفي سلطنة عمان كذلك هناك ألوان خاصة بالمنطقة .
وما الذي جعل هذه الألوان أو البحور المعينة خاصة بعمان والإمارات دون باقي مناطق الخليج العربي ؟
أنت تتكلم عن تشابه أسلوب كتابة القصيدة في الكويت وقطر والسعودية والبحرين ، واختلافه في الإمارات وعمان وهذا في وقتنا الحالي ، لكن هذا الأمر متوارث عندنا ، بأمانة أنا لا أعرف ما الذي دفع سابقاً إلى اختلاف الأسلوب لدينا عن إخواننا في المناطق الأخرى ، بل هو أسلوب أدبي توارثناه عن أجدادنا له ملامح واضحة من حيث المفردة أو الوزن ، ونشوء فكرة لإقامة مثل هذه المسابقات جاءت من حيث أن الشاعر الإماراتي يستطيع كتابة اللون الشعري السعودي أو الكويتي أو القطري ، لكني أود الدفع بشعراء الإمارات وغيرهم إلى كتابة اللون الإماراتي كي نضمن استمرارية هذا اللون مستقبلاً إلى جانب الألوان المعروفة .
ذكرت لنا في حديث سابق أن غالبية نجوم الشعر في الإمارات هم من تخريج راشد شرار ، هل هناك نجوم جدد ننتظر أن يخرجهم راشد شرار ؟
بكل تأكيد ، هذا المشروع مستمر وغير قابل للانتهاء ، أنا لا أدعي فضلاً لنفسي على أي من شعراء ولا منّة ، وكذلك لا أستطيع صنع شاعر من لا شيء ، هم بالفعل شعراء متمكنون ، ربما كان دوري في تسليط الضوء عليهم بالشكل الذي يستحقون ، وأما النجوم المنتظرون فأقول لك انتظر خمس سنوات فقط وسترى نجوماً حقيقيين قدمهم راشد شرار وسيكون لهم حضورهم في الساحة الشعرية الخليجية ، وهؤلاء أقدمهم من خلال مركز الشارقة للشعر الشعبي ومن خلال برامجي التلفزيونية ، الآن في برنامج بيت القصيد ظهر لدي مجموعة من الشعراء الشباب أستطيع القول بأنهم " فلتات " كلهم في سن أولادي لكنهم يملكون التمكن بكل أدواته .
من خلال مسيرتك في العمل الإعلامي ، ما الذي ترى أنه ينقص الإعلام الثقافي ؟
سأجيبك حسب خبرتي عمّا ينقص الثقافة الشعبية أولاً ، في هذا الجانب ينقصنا التخصص فقط ، إذ لا نملك حتى اليوم نقداً شعبياً ، ولا أدري ما الأسس التي يعتمدونها حينما يطلقون على أحدهم صفة ناقد ، النقد الشعبي أصلاً لم يتم إدراجه في برامجنا التعليمية من قبل وزارات التربية ، في حين أن النقد الأدبي العربي موجود .
أما عن الثقافة العربية بشكل عام ، فالمثقفون العرب بالصورة الظاهرية يبدون متكافلين إلا أنهم في واقع الأمر متفككون ، ليس بينهم أفكار مشتركة أو متقاربة ، ولكن حينما يقام مهرجان عربي يمثلون دور التكامل والتضامن ، إذاً ينقص الثقافة العربية توحيد الأفكار والجهود لتثمر بما يخدم الصالح الثقافي العام .
ذكرت أنه لا يوجد لدينا نقّاد شعبيّون متخصّصون ، كيف لنا إذن أن ندرّس هذا التخصص ؟
هنا لا بد من الرجوع إلى أصحاب الخبرة في هذا المجال فالخبرة هي التي تمثل التخصص في حال غيابه ، وإنما كتدريس ومنهجية وشهادات إلى الآن لا نملك هذه المقومات ، يجدر بنا جمع أصحاب الخبرة على مستوى العالم العربي ممن يتابعون ويهتمون بالأدب الشعبي بكل جوانبه وأساليبه للاستفادة من خبراتهم وخلاصات تجاربهم في صياغة معايير للنقد الشعبي ووضعها في كتاب أو مجموعة كتب كي نحصل في المستقبل على مرجع يمكن تدريسه لنمتلك التخصص ، بل وأدعو إلى تدريس الأدب الشعبي في المدارس .
بعض الدول تمنع إقامة الأمسيات الشعبية على منابرها بحجة أنه يؤثر على اللغة الأم ، كيف تنظر إلى مثل هذا الأمر ؟
هي وجهة نظرهم فقط ، رغم أن الشعر الشعبي غالباً ما يكون مسالماً إنما لو خشيت بعض الأنظمة على أمنها فالخطاب الفصيح المثقف هو الأعمق والأكثر تأثيراً بالنسبة للجانب السياسي ، لكن من وجهة نظري فإن هذا موروث لا يقل أهمية عن الشعر الفصيح أو عن أي جانب تراثي أو فكري آخر ، ولا أرى جدوى من أي قرار مثل هذا لأنه لن يتمكن من منع إقامة أمسيات الشعر الشعبي وسوف تبقى قائمة لأن اللهجة الشعبية هي لغة التخاطب في المجتمع ، ببساطة ، الكثير من الدول تمنع شرب الخمر ومع ذلك هناك من يشربون الخمر داخلها .
واقع الإقبال على الأمسيات الشعرية في الإمارات هل تراه بخير ؟
الشعراء دائماً يقبلون على الأمسيات ، أما الجمهور فهو عازف عن الحضور إلا حين تكون برعاية لأحد أصحاب السمو الشيوخ أو الحكام ، وهذا العزوف يرجع لعدة أسباب منها النهضة العمرانية السريعة وضغط العمل وضيق الوقت الذي قد لا يتيح للشخص حضور فعالية في ازدحام الحياة وضجيجها ، وبات ضرورياً لاستقطاب الجمهور أن تلجأ إلى الدعايات والإعلانات والترويج إعلامياً للأمسية التي تقيمها .
أخيراً نود الحديث عن مهرجان الشارقة للشعر الشعبي ، هل من تطوير أو مفاجآت ننتظرها في دورته القادمة ، وما هي التحضيرات حتى الآن ؟
المهرجان كما تعلمون سيقام في 16 يناير المقبل ، بالطبع الخطوط العريضة موجودة بشكل كامل فقد بات موعد انطلاقه قريباً جداً ، سيشارك فيه شعراء من معظم البلدان العربية ، لدينا أفكار جديدة سترونها أثناء المهرجان ، وكذلك ستكون أمسياته مختلطة لأول مرة حيث سيشترك في الأمسية ذاتها شعراء وشاعرات ، فسابقاً كانت النساء تمتنع عن حضور الأمسيات الخاصة بالشعراء الرجال من باب الحرج ، ومن هنا توجهنا لإقامة أمسيات مختلطة كي يتسنى لجمهور الطرفين الحضور والمتابعة دون وجود عوائق ، وكما هو معروف فإن المهرجان يكرم ثلاثة من رواد الشعر الشعبي في الإمارات بدعم من صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة ، عزمنا في هذه السنة إضافة إلى هذا التقليد على تسليم وشاح الشعر لشخصية شعرية مرموقة ، قد لا يسعفنا الوقت لتنفيذ الفكرة هذا العام وفي هذه الحال سنؤجلها إلى العام المقبل ، وسيتم أيضاً خلال المهرجان الإعلان عن مسابقة الشعر الشعبي الإماراتي التي تحدثنا عنها وسيكون فيها اختلاف عن باقي المسابقات بحيث لن تعتمد على التصويت ، وإنما ستعتمد على لجنة تحكيم فقط .

حوار نجيب محفوظ مع ذي باريس ريفيو

نجيب محفوظ: قصة سعيد مهران هي قصتي أنا


أرفض أي طريق يرفض الحياة
أليس في كل رجل بعضا من سي السيد
في شبابي فعلت كل شيء
أنا كمال عبد الجواد وسي السيد معا
جيلي لا يعرف الأبطال ولا يكتب عنهم
لا أملك إلا أن أحب الصوفية
على من يتكلم أن يكون مستعدا لدفع الثمن

حوار: تشارلوت الشبراوي Charlotte El Shabrawy




ترجمة / احمد الشافعي

يعتبر نجيب محفوظ أن حافظ نجيب ـ اللص الشهير والسجين الذي دوخ الشرطة cop baiter وألّف اثنتين وعشرين رواية بوليسية ـ هو صاحب أول تأثير أدبي عليه. كان نجيب محفوظ ابن عشر سنوات فقط حينما قرأ رواية "بن جونسن" لحافظ نجيب بتوصية من أحد زملائه في المدرسة الابتدائية، فكانت تلك ـ فيما يعترف نجيب محفوظ ـ تجربة غيرت حياته كلها.


وتباينت من بعد ذلك التأثيرات التي تعرض لها محفوظ وتكاثرت. ففي فترة الدراسة الثانوية، وقع محفوظ في غواية طه حسين الذي أثار كتابه النقدي المثير "في الشعر الجاهلي" ردود فعل هستيرية بين علماء الشريعة المحافظين بمجرد صدوره سنة 1926. قرأ محفوظ في الجامعة سلامة موسى الذي نشر فيما بعد في مجلته "المجلة الجديدة" أول رواية لمحفوظ، والذي يقول محفوظ إنه تعلم منه "أن يؤمن بالعلم، والاشتراكية، والتسامح".


في السنوات التالية للحرب العالمية الثانية، تخلى محفوظ عن أفكاره الاشتراكية بتأثير من تشاؤم عميق. وبات يقضي الكثير من وقته في نقاشات حول الحياة ولاجدوى الأدب، وكان أصدقاؤه من الكتاب من أمثال "عادل كامل وأحمد زكي محفوظ" يشاركونه تلك النقاشات التي كانت تجري في منطق الحدائق المتاخمة لكوبري الجلاء التي كانوا يسمونها "الدائرة المشئومة". في الخمسينيات مر محفوظ بتجربة الصوفية باحثا فيها عن إجابات للأسئلة التي لا ينشغل بها العلم. واليوم يبدو محفوظ وقد استقر على فلسفة تجمع بين الاشتراكية العلمية والاهتمام بالروحية ، وهو مزيج سبقه تعريف للقص توصل إليه سنة 1945: القص هو فن العصر الصناعي. وذلك يمثل المركب الذي يتألف من شغف محفوظ بالواقع وغرامه طول عمره بالخيال.


ولد محفوظ في القاهرة سنة 1911، وبدأ الكتابة وهو في السابعة عشرة من عمره ومنذ ذلك الحين كتب أكثر من ثلاثين رواية. كان ـ حتى تقاعده من الوظيفة ـ يكتب بالليل، في وقت فراغه، نظرا لعجزه ـ بالرغم من نجاحه النقدي ـ عن الاعتماد على الكتابة في كسب لقمة عيشه. نشر أول عمل له ـ "عبث الأقدار" ـ في عام 1939، فكان الأول في سلسلة من ثلاثة أعمال تاريخية تدور أحداثها في زمن الفراعنة. وكان محفوظ في الأصل يعتزم أن يمد هذه السلسلة لتتألف من ثلاثين أو أربعين رواية تتناول تاريخ مصر على غرار أعمال السير وولتر سكوت Walter Scott ولكنه نبذ المشروع ليعمل على روايات من مصر المعاصرة، فكانت أولاها "خان الخليلي" التي نشرت سنة 1945.


لم يحقق نجيب محفوظ شهرة ملموسة في مصر إلا بصدور الثلاثية في عام 1957، برغم تحقيقه النجاح في أجزاء أخرى من العالم العربي. تلك الملحمة المؤلفة من ثلاثة آلاف صفحة تصور حياة الطبقة الوسطى في القاهرة في فترة ما بين الحربين العالميتين، وقد اعتبرت بمجرد صدورها رواية عصرها. أصبح نجيب محفوظ معروفا في الخارج في أواخر الستينيات، حين ترجمت أعمال له إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية. وفي عام 1988، حاز نجيب محفوظ اعترافا عالميا حينما فاز بجائزة نوبل في الأدب.


هو الآن في الثمانين، يعيش في حي العجوزة في القاهرة مع زوجته وابنتيه. يتجنب الظهور، ويتجنب بصفة خاصة الأسئلة التي تتناول حياته الشخصية، فذلك قد يصبح ـ على حد قوله ـ "موضوعا سخيف في الصحف والبرامج الإذاعية". أجريت لقاءات هذا الحوار في عدد من أيام الخميس، في السابعة تماما من كل يوم منها. كانت المحاورة تجلس كل مرة على مقعد إلى يسار محفوظ، على مقربة من أذنه السليمة.


محفوظ على المستوى الشخصي متحفظ إلى حد ما، ولكنه دائما صريح ومباشر. يضحك كثيرا ويرتدي بذلة زرقاء عتيقة الطراز، يغلق جميع أزرارها. يدخن، ويحب القهوة مُرة.


المحاورة:


متى بدأت الكتابة؟


نجيب محفوظ:


سنة 1929. رُفضت جميع قصصي. كان سلامة موسى ـ رئيس تحرير المجلة الجديدة ـ يقول لي: أنت موهوب، ولكنك لم تصل بعد. وأذكر جيدا سبتمبر من عام 1939، فقد كانت بداية الحرب العالمية الثانية بهجوم هتلر على بولندا. نشرت قصتي "عبث الأقدار"، فكانت تلك هدية ومفاجأة من ناشري المجلة الجديدة. كان ذلك حدثا ذا أهمية هائلة في حياتي.


المحاورة:


وبعدها أصبحت الكتابة والنشر أمورا سهلة؟


محفوظ:


لا ... وإن جاءني بعد هذا النشر الأول صديق لي، كاتب، وأخبرني أن شقيقه يمتلك مطبعة. قام بتشكيل لجنة نشر مكونة من بعض الزملاء الذين كانوا قد حققوا أقدارا ضئيلة من النجاح. بدأنا النشر سنة 1943 بقدر من الانتظام. وكنا ننشر قصة لي كل سنة.


المحاورة:


ولكنك لم تعتمد قط على الكتابة كمصدر للدخل؟


محفوظ:


لا. كنت دائما موظفا حكوميا. بل إنني، على العكس، كنت أنفق على الأدب ـ على الكتب والورق. لم أحقق مالا من الكتابة إلا بعد وقت كبير. نشرت حوالي ثمانين قصة بلا مقابل. حتى رواياتي الأولى نشرتها بلا أي مقابل، بل دعما للجنة.


المحاورة:


متى بدأت تجني مالا من كتابتك؟


محفوظ:


حينما ترجمت قصصي إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية. "زعبلاوي" بالذات نجحت نجاحا هائلا وجنيت بسبها مالا أكثر من أي قصة أخرى.


أول رواية ترجمت لي هي "زقاق المدق". نشرت الترجمة أول مرة من خلال ناشر لبناني اسمه خياط. ولم أحصل أنا أو المترجم على أي أجر لأن خياط خدعنا. ثم أعادت هيننمان Heinemann نشرها نحو عام 1970. وبعدها ترجمت إلى الفرنسية، وسرعان ما بدأت ترجمات أخرى لأعمالي.


المحاورة:


هل يمكن أن تكلمنا عن "شلة الحرافيش" الشهيرة؟ من أعضاؤها، وكيف تكونت؟


محفوظ:


تعرفنا لأول مرة سنة 1943، مصطفى محمود، وأحمد بهاء الدين، وصلاح جاهين، ومحمد عفيفي. كنا نتناقش في الفن والشئون السياسية الجارية. "الحرافيش" تعني "النهابين" الذين يجدهم المرء على أطراف المظاهرات مستعدين للنهب عندما تسنح أول فرصة، هؤلاء هم الحرافيش. [الممثل السينمائي] أحمد مظهر هو الذي أطلق علينا هذا الاسم. في البداية كنا نتقابل في بيت محمد عفيفي. أحيانا كنا نذهب إلى مكان اسمه "صحارى سيتي" قرب الأهرام. والآن نذهب إلى بيت المخرج السينمائي توفيق صالح لأن لديه شرفة في الطابق العاشر مطلة على النيل. الباقون منا أربعة أو خمسة.


المحاورة:


هل أنت على صلة بالكتاب المصريين الأصغر سنا؟


محفوظ:


أذهب كل جمعة إلى جلسة في كازينو قصر النيل يدعى إليها الكتاب الجدد. يأتي الكثيرون: شعراء، وكتاب، وشخصيات أدبية ... منذ أن تقاعدت من العمل للحكومة سنة 1971 أصبح لدي وقت أكبر للأصدقاء.


المحاورة:


ما الدور الذي لعبه في حياتك الوضع السياسي فيما قبل 1952؟


محفوظ:


كنت في حوالي السابعة عندما قامت ثورة 1919. تأثرت بها، وازددت تأثرا بها وتحمسا لقضيتها. كل الذين كنت أعرفهم كانوا يناصرون حزب الوفد والتحرر من الاستعمار. ثم أصبحت في وقت لاحق أكثر انخراطا في الحياة السياسية وتابعا صريحا لسعد باشا زغلول [زغلول باشا سعد في الأصل]. ولا أزال أعتبر ذلك الانخراط من أهم الأشياء التي فعلتها في حياتي. ولكنني لم أعمل مطلقا في السياسة، ولم أنضم بصفة رسمية لأية لجنة أو حزب سياسي. وبرغم أنني كنت وفديا، لم أشأ قط أن أكون عضوا حزبيا، فقد كنت أريد لنفسي ككاتب حرية مطلقة لا يمكن لعضو في حزب أن يتمتع بها.


المحاورة:


و1952؟


محفوظ:


فرحت بها. ولكنها لسوء الحظ لم تأت بالديمقراطية.


المحاورة:


هل ترى أن تقدما نحو الديمقراطية والحرية قد تحقق منذ زمن ناصر والسادات؟


محفوظ:


طبعا، ما من شك في ذلك. في زمن ناصر كان المرء يخاف من الحوائط. كان الكل خائفين. كنا نجلس في المقاهي، والخوف يمنعنا من الكلام. كنا نخشى الكلام حتى في بيوتنا. كنت أخاف أن أكلم ابنتي عن شيء حدث قبل الثورة فتذهبا بعد ذلك إلى المدرسة لتقولا ما يساء تفسيره. السادات جعلنا نشعر بمزيد من الأمن. حسني مبارك؟ دستوره غير ديمقراطي، ولكن هو ديمقراطي. نستطيع الآن أن نقول رأينا. الصحافة حرة. نستطيع أن نجلس في بيوتنا ونرفع أصواتنا كما لو كنا في إنجلترا. ولكن الدستور بحاجة ماسة إلى تعديل.


المحاورة:


هل تعتقد أن الشعب المصري جاهز الآن لديمقراطية كاملة؟ هل يفهم فعلا كيف تعمل الديمقراطية؟


محفوظ:


أغلب الناس في مصر اليوم مشغولون بلقمة العيش. بعض المتعلمين فقط هم الذين يفهمون كيف تعمل الديمقراطية. ما من شخص يعول أسرة لديه ولو لحظة ليتناقش في الديمقراطية.


المحاورة:


هل عانيت كثيرا من الرقابة؟ هل اضطررت إلى إعادة كتابة أي من مخطوطات أعمالك؟


محفوظ:


ليس مؤخرا. لكن أثناء الحرب العالمية الثانية تعرضت روايتا "القاهرة الجديدة" و"رادوبيس" للرقابة. اعتبروني يساريا. الرقباء اعتبروا "رادوبيس" عملا مهيجا لأن الشعب فيها يقتل ملكا، وكان ملكنا لا يزال حيا. أوضحت لهم أنها مجرد حكاية تاريخية، ولكنهم زعموا أنها تاريخ مزور، وأن الملك المقصود لم يتعرض للقتل على يد شعبه، وإنما مات "في ظروف غامضة".


المحاورة:


ألم يعترض الرقباء أيضا على "أولاد حارتنا"؟


محفوظ:


اعترضوا، وبرغم أني كنت في ذلك الوقت مسئولا عن جميع أنواع الرقابة، نصحني رئيس الرقابة الأدبية ألا أنشر الكتاب في مصر تجنبا للصراع مع الأزهر، معقل الإسلام الرئيسي في القاهرة. صدرت في بيروت ولم يسمح لها بدخول مصر. كان ذلك سنة 1959، في عهد ناصر. وحتى الآن لا يمكن شراء الكتاب هنا. لكن الناس يهربونه.


المحاورة:


ماذا كنت تقصد من "أولاد حارتنا"؟ هل كنت تريدها مثيرة للجدل؟


محفوظ:


أردت من الكتاب أن يبين أن للعلم مكانا في المجتمع، تماما مثل الدين الجديد، وأن العلم ليس بالضرورة في صراع مع القيم الدينية. أردت أن أقنع القراء أننا لو نبذنا العلم لنبذنا معه الإنسان العادي. غير أنه أسيء فهمها لسوء الحظ، أساء فهمها أولئك الذين لا يعرفون كيف يقرأون قصة. وبرغم أن الكتاب عن الحارات ومن يديرون الحارات [ الجيتوهات ghettos في الأصل] أسيء تأويله واعتبر كتابا عن الأنبياء أنفسهم. وبسبب هذا التأويل، لا تزال القصة تعد صادمة، وهذا طبيعي، إذ هي وفقا لهذا القراءة تصور الأنبياء حفاة، قساة ... ولكنها بالطبع أليجوريا allegory. وليست الأليجوريا مجهولة في تراثنا. ففي قصة "كليلة ودمنة" على سبيل المثال هناك أسد يمثل السلطان. ومع ذلك لم يقل أحد إن المؤلف جعل من السلطان حيوانا. هناك ما ترمي إليه القصة. والأليجوريا لا ينبغي أن تقرأ حرفيا. ولكن هناك جانبا من القراء لا يملكون هذا الفهم.


المحاورة:


ما رأيك في قضية سلمان رشدي Salman Rushdie ؟ هل تعتقد أن الكاتب ينبغي أن يحظى بحرية مطلقة؟


محفوظ:


سأقول لك بالضبط ما أعتقد به: لكل مجتمع تقاليده، وقوانينه، ومعتقداته الدينية، وهذه جميعا تحاول وضع الحدود. وبين الحين والحين يأتي أشخاص يطالبون بالتغيير. أعتقد أن من حق المجتمع أن يحمي نفسه، كما أن للفرد الحق في مهاجمة ما يختلف معه. فإن رأى كاتب أن قوانين مجتمعه أو معتقداته لم تعد صالحة أو حتى ضارة، فمن واجبه أن يتكلم. ولكن عليه أن يكون مستعدا لدفع ثمن الجهر برأيه. ولو لم يكن جاهزا لدفع هذا الثمن، فبوسع أن يختار الصمت. والتاريخ زاخر بمن سجنوا أو أحرقوا لجهرهم بأفكارهم. ذلك أن المجتمع دائما يدافع عن نفسه. وهو اليوم يفعل هذا من خلال الشرطة والقانون. وأنا أدافع عن حرية التعبير وعن حق المجتمع في مناهضتها. عليَّ أن أدفع ثمن الاختلاف. تلك طبائع الأمور.


المحاورة:


هل قرآت "الآيات الشيطانية"؟


محفوظ:


لم أقرأها. ففي الوقت الذي ظهرت فيه، كنت لم أعد قادرا على القراءة بصورة جيدة، نظري تدهور كثيرا في الفترة الأخيرة. لكن الملحق الثقافي الأمريكي في الإسكندرية شرح لي الكتاب فصلا فصلا. ووجدت الإهانات فيه غير مقبولة. رشدي يهين حتى زوجات النبي! طيب، بوسعي أن أناقش الأفكار، ولكن ماذا أفعل في الإهانات؟ الإهانات أمر يخص القضاء. في الوقت نفسه، أعتبر موقف الخوميني خطرا بنفس الدرجة. فليس له الحق في أن يصدر حكما، هذا ليس من الإسلام في شيء. فحينما يتم اتهام شخص بالهرطقة فإنه ـ بحسب مبادئ الإسلام ـ يُخيَّر بين التوبة والعقاب. ورشدي لم يحصل على هذا الخيار. لقد دافعت ولا أزال أدافع عن حق رشدي في كتابة وقول ما يشاء في حدود الأفكار. ولكن ليس له الحق في أن يهين أي شيء، لا سيما إن كان نبيا أو شيئا يعد مقدسا. ألا تتفقين معي؟


المحاورة:


أتفهم رأيك ... هل القرآن يناقش مسألة الإهانات أو التجديف؟


محفوظ:


بالطبع. القرآن وقوانين الدول المتقدمة تجرم تشويه الأديان.


المحاورة:


هل كنت متدينا في طفولتك؟ هل كنت تذهب مع أبيك إلى المسجد كل جمعة؟


محفوظ:


كنت متدينا بصورة خاصة وأنا صغير. ولكن أبي لم يكن يضغط عليَّ للذهاب لصلاة الجمعة، برغم أنه كان يذهب كل أسبوع. فيما بعد بدأت أشعر بشدة بأن الدين ينبغي أن يكون منفتحا، وأن الدين منغلق العقل لعنة. يبدو لي الانشغال المفرط بالدين ملاذا أخيرا يلوذ به الناس حينما تنهكهم الحياة. إنني أعتبر الدين بالغ الأهمية ولكنه قد يكون خطرا أيضا. فلو أردت التأثير في الناس وتحريكهم، فإنك تبحثين عن نقطة حساسة، وليس في مصر شيء يؤثر في الناس ويحركهم أكثر من الدين. ما الذي يجعل الفلاح يعمل؟ الدين. ولهذا السبب، ينبغي تفسير الدين بطريقة منفتحة. ينبغي أن يتكلم في الحب والإنسانية. الدين مرتبط بالتقدم والحضارة، لا بالعواطف وحسب. ولكن تفسيرات الدين اليوم للأسف غالبا ما تكون متخلفة ومناقضة لاحتياجات الحضارة.


المحاورة:


ماذا عن النساء اللاتي تغطين رءوسهن، بل ووجوههن وأيديهن؟ هل هذا مثال على الدين إذ يناقض احتياجات الحضارة؟


محفوظ:


تغطية الرأس باتت موضة. وهي لا تعني أكثر من هذا في الغالب. ولكن ما أخشاه بحق هو التعصب الديني ... ذلك تطور هدام، معارض تماما للإنسانية.


المحاورة:


هل تصلي حاليا؟


محفوظ:


أحيانا. ولكن السن يمنعني في الوقت الراهن. بيني وبينك، أنا أعتبر الدين سلوكا إنسانيا جوهريا. ولكن معاملة الناس بطريقة جيدة أهم من قضاء المرء كل وقته في صلاة وصيام وسجود. فالله لم يرد من الدين أن يكون ناديا للتدريبات الرياضية.


المحاورة:


هل ذهبت إلى مكة؟


محفوظ:


لا.


المحاور:


هل تريد الذهاب؟


محفوظ:


لا. فأنا أكره الزحام.


المحاورة:


كم كان عمرك حينما تزوجت؟


محفوظ:


سبعة وثلاثون أو ثمانية وثلاثون.


المحاورة:


ولم كل هذا التأخر؟


محفوظ:


كنت مشغولا بوظيفتي وكتابتي. كنت موظفا حكوميا في الصباح وكاتبا في المساء. كان وقتي ممتلئا تماما. كنت خائفا من الزواج ... خاصة حينما رأيت قدر انشغال أشقائي وشقيقاتي بارتباطات اجتماعية سببها الزواج. فهذا يزور، وذلك يزار. كان لدي انطباع بأن الحياة الزوجية سوف تستهلك وقتي. كنت أراني غارقا في الزيارات والحفلات. بلا حرية.


المحاورة:


حتى الآن، ألست ترفض حضور حفلات العشاء والاستقبال؟


محفوظ:


لا أحضر أبدا مثل هذه الفعاليات. بل إنني لا أزور أصدقائي. ألتقي بهم إما في كازينو قصر النيل أو في إحدى مقهى أو اثنتين.


المحاورة:


ألهذا السبب لم تذهب إلى السويد لاستلام جائزة نوبل؟ هربا من كل تلك الزيارات، ودعوات العشاء، والحفلات ....؟


محفوظ:


لا، ليس بالضبط. بقدر ما أود لو كنت سافرت حينما كنت شابا، بقدر ما فقدت هذه الرغبة حاليا. مجرد رحلة لمدة أسبوعين يمكن أن تهدد نمط حياتي.


المحاورة:


لا بد أنك سئلت مرارا عن رد فعلك على فوزك بنوبل. هل وصلتك تلميحات مسبقة إلى أنك قد تفوز؟


محفوظ:


إطلاقا. كانت زوجتي ترى أنني أستحقها، ولكنني كنت دائما أشك أن نوبل جائزة غربية، وكنت أظن أنهم لن يختاروا أبدا كاتبا شرقيا. ومع ذلك، كانت هناك شائعات، وكان الكاتبان العربيان المرشحان هما يوسف إدريس وأدونيس.


المحاورة:


هل كنت تعلم أن هناك تفكيرا فيك؟


محفوظ:


لا. كنت في [جريدة] الأهرام في ذلك الصباح. ولو كنت بقيت هناك نصف ساعة إضافيا لا أكثر لكنت عرفت على الفور. ولكنني ذهبت إلى البيت وتناولت الغداء. وجاء الخبر إلى الأهرام من خلال وكالات الأنباء واتصلوا بي في البيت. أيقظتني زوجتي لتخبرني، ولكنني ظننت أنها تمزح وأردت أن أكمل نومي. ثم قالت لي إن الأهرام على التليفون. تناولت السماعة لأجد شخصا يقول لي مبروك. ذلك الشخص كان الأستاذ [محمد] باشا [مدير تحرير الأهرام آنذاك]. وكان باشا يمازحني أحيانا، فلم أتعامل مع كلامه بجدية. خرجت إلى صالة البيت بالبجامة فلم أكد أجلس حتى رن جرس الباب. ودخل شخص تصورت أنه صحفي، ثم تبين أنه السفير السويدي! فاستأذنت منه لكي أبدل ملابسي ... وهذا ما حصل.


المحاورة:


نرجع مرة أخرى إلى كتابتك، هل تعمل وفق جدول محدد؟


محفوظ:


طالما اضطررت إلى هذا. فمنذ الثامنة إلى الثانية كنت أعمل في الوظيفة. ومنذ الرابعة إلى السابعة أكتب. ثم أقرأ من السابعة إلى العاشرة. كان ذلك جدولي كل يوم باستثناء الجمعة. لم يكن عندي قط الوقت لأفعل ما أشاء. ولكنني توقفت عن الكتابة منذ ثلاث سنوات.


المحاورة:


كيف تأتيك شخصيات قصصك وأفكارها؟


محفوظ:


دعيني أطرح الأمر على النحو التالي. حينما تقضين وقتا مع أصحابك، فيم تتكلمون؟ عن الأشياء التي تترك لديك انطباعا في يوم ما أو في أسبوع ما ... أنا أكتب القصص بهذه الطريقة بالضبط. ما يحدث في البيت، في المدرسة، في العمل، في الشارع، ذلك أساس لقصة. من التجارب ما يترك انطباعا عميقا يجعلني بدلا من أن أتكلم عنه في النادي، أكتب عنه رواية.


خذي مثالا، قضية المجرم الذي قتل مؤخرا ثلاثة أشخاص. منطلقا من تلك القصة كقاعدة، أتخذ مجموعة القرارات الخاصة بكيفية كتابتي لها. فأختار مثلا إن كنت أكتب القصة من وجهة نظر الزوج، أم الزوجة، أم الخادم، أم المجرم. ربما أتعاطف مع المجرم. تلك نوعية الخيارات التي تجعل القصص تختلف إحداها عن الأخريات.


المحاورة:


حينما تبدأ الكتابة، هل تدع الكلمات تتدفق أم تدون ملاحظات مسبقة؟ هل تبدأ وفي ذهنك ثيمة محددة؟


محفوظ:


قصصي القصيرة تأتي من قلبي مباشرة. أما الأعمال الأخرى فأقوم ببحث مسبق. فقبل أن ابدأ "الثلاثية" مثلا قمت ببحث موسع. أعددت ملفا لكل شخصية. ولو لم أفعل ذلك لتهت ولنسيت أشياء. أحيانا تنبثق ثيمة من الأحداث في قصة، وأحيانا تكون في ذهني ثيمة قبل أن أبدأ. لو كنت أعرف مسبقا أنني أريد أن أصور مقدرة الإنسان على قهر كل ما يقع له من شرور، فإنني أبتكر بطلا قادرا على إظهار هذه الفكرة. ولكنني أيضا أبدأ القصص بالكتابة بحرية عن سلوك شخصية، متيحا للثيمة أن تتخلق لاحقا.


المحاورة:


ما حجم المراجعة التي تقوم بها قبل أن تعتبر قصة ما مكتملة؟


محفوظ:


أراجع كثيرا، وأحذف كثيرا، أكتب على الصفحة كلها، بل وعلى الوجهين. غالبا ما تكون مراجعاتي أساسية. وبعد أن اراجع، أعيد كتابة القصة وأرسلها إلى الناشر. ثم أمزق كل المسودات وأرميها.


المحاورة:


لا تحتفظ بمطلقا بأي من ملاحظاتك؟ كثير من الكتاب يحتفظون بكل كلمة كتبوها! ألا ترى أن دراسة عملية الكتابة عند كاتب ما من خلال مسوداته قد تكون أمرا شائقا؟


محفوظ:


قد تكون كذلك فعلا، ولكن المسألة ببساطة أن الاحتفاظ بالمسودات والملاحظات ليس جزءا من ثقافتي. بل إني لم أسمع بكاتب يحتفظ بمسوداته الأولى. ثم إنني مرغم على التخلص من مسوداتي، وإلا امتلأ بيتي بورق لا نفع له! علاوة على أن خطي رديء بصورة لا تحتمل.


المحاورة:


القصة القصيرة والرواية ليستا جزءا من التراث الأدبي العربي. كيف تفسر نجاحك في هذين الشكلين الجديدين؟


محفوظ:


الكتاب العرب استعاروا مفهومي القصة القصيرة والرواية الحديثين من الغرب، ولكنهما الآن مندمجان في أدبنا. وكثير من المترجمين عملوا في الأربعينيات والخمسينيات، فاعتبرنا أن أسلوبهم هو ببساطة أسلوب كتابة القصة. استخدمنا الأسلوب الغربي للتعبير عن ثيماتنا وقصصنا. ولكن لا تنسي أن في تراثنا أعمالا مثل "أيام العرب" التي تضم قصصا كثيرة مثل "عنترة" و"قيس وليلى" و"ألف ليلة وليلة" بالطبع.


المحاورة:


هل بين شخصياتك شخصية تتطابق مع شخصيتك؟


محفوظ:


"كمال" في الثلاثية يمثل جيلي ـ أفكارنا واختياراتنا ومشكلاتنا وأزماتنا النفسية ـ فشخصيته من ثم شخصية سيرذاتية. ولكنها في الوقت نفسه شخصية إنسانية عامة. أشعر أيضا أنني قريب من عبد الجواد، الأب، المنفتح على الحياة بجميع جوانبها، المحب لأصدقائه، الذي لم يؤذ أحدا قط وهو متعمد. كلتا الشخصيتين تمثلان نصفي شخصيتي أنا. عبد الجواد الاجتماعي للغاية، المحب للفن والموسيقى، وكمال الخجول، الجاد، المثالي، المنطوي.


المحاورة:


لنتناول نموذجا من كتاباتك، "اللص والكلاب". كيف بدأت؟


محفوظ:


استوحيت القصة من لص روَّع القاهرة لفترة. كان اسمه محمود سليمان. حينما خرج من السجن حاول أن يقتل زوجته ومحاميه اللذين نجحا في الهروب من القتل، لكنه هو تعرض للقتل في ثنايا ذلك.


المحاورة:


هل خانته زوجته، كما في الرواية؟


محفوظ:


لا ... أنا ابتكرت القصة من شخصيته. كنت في ذلك الوقت أعاني من إحساس ضاغط ومستمر بأنني مطارد، وكنت على قناعة بأن حياتنا في ظل النظام البوليسي في تلك المرحلة كانت بلا معنى. وهكذا حينما كتبت القصة، كتبت معها قصتي أنا. وإذا بقصة جريمة بسيطة تصبح تأملا فلسفيا! فقد حمَّلت شخصية الرواية الرئيسية "سعيد مهران" كل حيرتي، وهواجسي. جعلته يمر بتجربة البحث عن إجابات لدى الشيخ، ولدى "الساقطة"، ولدى المثالي الذي خان أفكاره من أجل المال والشهرة. وهكذا ترين أن الكاتب ليس مجرد صحفي. فهو يضفر مع القصة شكوكه، وأسئلته، وقيمه. هذا هو الفن.


المحاورة:


ماذا عن دور الدين في القصة؟ هل الإيمان بالله طريق السعادة الحقة كما يقول الشيخ؟ هل الصوفية هي الجواب الذي يبحث عنه المجرم؟


محفوظ:


الشيخ يرفض الحياة التي نعرفها. في المقابل يحاول المجرم أن يحل مشكلاته المباشرة. إنهما في عالمين مختلفين. أنا أحب الصوفية مثلما أحب الشعر الجميل، ولكنها ليست الإجابة. الصوفية مثل السراب في الصحراء، يناديك، أن تعال، فاجلس، واسترح قليلا. إنني أرفض أي طريق يرفض الحياة، ولكنني لا أملك إلا أن أحب الصوفية لجمالها الشديد ... إنها لحظة راحة في خضم معركة ...


المحاورة:


لي أصدقاء مصريون كثيرون يستشيرون شيوخ الصوفية باحثين عن حلول ...


محفوظ:


ربنا يوفقهم. الحل الحقيقي لمشكلاتهم في البنك الوطني.


المحاورة:


ماذا عن "نور"، المرأة في الرواية؟ ونساء مثل "نفيسة" في "بداية ونهاية" و"زهرة" في "ميرامار"؟ إنهن، وإن كن "ساقطات" ذوات قلوب طيبة، ويجسدن فيما يبدو الأمل في المستقبل.


محفوظ:


هذا صحيح، وإن كنت أردت من "نفيسة" أن تبين أيضا عواقب السلوك المشين في أسرة مصرية نمطية.


المحاورة:


هل ترضى بعقابها؟


محفوظ:


أنا ـ كأغلب المصريين ـ أشعر أن العقاب على هذا المستوى كان بالغ القسوة. من ناحية أخرى، فإن الرجل المصري الذي لا يتخذ رد فعل كالذي اتخذه شقيق نفيسة لا يستطيع أن يواصل الحياة في المجتمع. لقد كان مرغما، شاء أم أبى، على قتل الفتاة المكللة بالعار. لا يملك الفرار من ذلك. وسيمر وقت طويل للغاية قبل أن يتغير هذا التقليد، وإن تكن قوته قد وهنت قليلا في الآونة الأخيرة، لا سيما في المدن.


المحاورة:


عبد الجواد في الثلاثية يجسد شخصية الرجل المصري النمطية في زمنه. هل لا يزال هذا النمط شائعا اليوم؟


محفوظ:


نعم. لا سيما في صعيد مصر، في الريف ... برغم أن عبد الجواد اليوم قد يكون أقل تطرفا. أليس في كل رجل أصلا ظلا منه؟


المحاورة:


كل رجل مصري أم كل رجل؟


محفوظ:


لا أستطيع أن أتكلم عن بلاد أخرى، لكن يقينا هذا حال الرجل المصري.


المحاورة:


ومع ذلك يبدو أن ثمة تغيرات، ما رأيك؟


محفوظ:


الأمور بدأت في التغير. وضع المرأة في البيت بأت أقوى كثيرا، وذلك بسبب التعليم في المقام الأول، وإن تكن هناك عوامل أخرى؟


المحاورة:


في رأيك، لمن ينبغي أن تكون اليد العليا في البيت؟ من الذي ينبغي أن يتخذ القرار؟


محفوظ:


الزواج أشبه بشركة يتساوى فيها الشريكان. لا أحد منهما يحكم. وإن حدث خلاف، تكون الغلبة للأكثر ذكاء بين الاثنين. ولكن كل أسرة حالة مختلفة. أحيانا تعتمد السلطة على المال، فمن له نصيب أكبر منه تكن له القوة الكبرى. لا توجد قواعد ثابتة.


المحاورة:


في جميع المجتمعات التقليدية المحافظة كالمجتمع المصري، ألا تكون للنساء غالبا سلطة على الرجال؟


محفوظ:


يقينا، والتاريخ الحديث يثبت هذا. فهناك رجال يعدون ذوي سلطان سياسي وعسكري وقعوا في أيدي نساء قويات أثرن على قراراتهم. أولئك النسوة تحكمن من خلف الستار، من خلف الحجاب.


المحاورة:


لماذا تأتي أغلبية بطلاتك من الطبقة الدنيا من المجتمع؟ هل تريد منهن أن يرمزن لشيء أكبر؟ مصر على سبيل المثال؟


محفوظ:


لا. أردت من خلال الكتابة عن نساء الطبقة الدنيا أن أبين أن النساء في الفترات التي تجري فيها أحداث تلك الروايات كن بغير حقوق على الإطلاق. فلو لم تجد امرأة زوجا صالحا أو إذا لم تحصل على الطلاق من زوج سيئ، لا يكون لها اي أمل. وقد لا يكون أمامها لسوء الحظ من ملاذ سوى الوقوع في المحظور. وحتى وقت قريب كانت النساء محرومات من كثير من الحقوق الأساسية، حتى حق اختيار الزوج، والطلاق، والتعليم. الآن مع تعليم المرأة، فإن هذا الوضع يتغير، إذ إن المرأة المتعلمة يكون لديها سلاح. ولكن من النقاد من رأى أن حميدة في "زقاق المدق" ترمز إلى مصر، ولكنني لم أقصد مطلقا شيئا من ذلك النوع.


المحاورة:


كيف ترى هؤلاء النقاد الذين يفسرون أعمالك في ضوء الرموز؟


محفوظ:


حينما سمعت للمرة الأولى أن حميدة ترمز لمصر، أخذتني المفاجأة، بل وشيء من الصدمة. شككت أن النقاد قرروا ببساطة أن يحولوا كل شيء وكل شخص إلى رموز. ولكنني بدأت أرى تماثلات بين جوانب في سلوك حميدة وجوانب في الوضع السياسي. ولم أكد أنتهي من قراءة المقالة، حتى أدركت أن الناقد محق ـ وأنني فيما كنت أكتب عن حميدة كنت بلا وعي أكتب عن مصر. أعتقد أن تلك التوازيات الرمزية تأتي دائما من اللاوعي. وبرغم أنني قد لا أقصد من القصة المعنى المحدد الذي يراه فيها قارئ، قد يبقى ذلك المعنى جزءا شرعيا من القصة. فالكاتب يكتب بوعيه وبلاوعيه.


المحاورة:


ما أقرب المواضيع إلى قلبك؟ الموضوع الذي تحب أن تكتب عنه أكثر من سواه؟


محفوظ:


الحرية. الحرية من الاستعمار، الحرية من الحكم الملكي المطلق، والحرية الإنسانية الأساسية في سياق المجتمع والأسرة. هذه الحريات تتتابع واحدة تلو الأخرى. في الثلاثية على سبيل المثال، بعد أن تأتي الثورة بالإصلاح السياسي، تطالب أسرة عبد الجواد بمزيد من الحرية منه.


المحاورة:


ما أصعب موقف قابلته في حياتك؟


محفوظ:


إنه يقينا قراري بتكريس حياتي للكتابة، والقبول تبعا لذلك بأقل مستوى معيشي لنفسي ولأسرتي. وازداد الأمر صعوبة حينما لاح أمام عيني طريق المال ... قرابة سنة 1947 حينما سنحت لي فرصة أن أصبح كاتب سيناريو مع أفضل مخرج في المجال. بدأت العمل مع المخرج السينمائي صلاح أبوسيف، ولكنني توقفت. رفضت الاستمرار. ولم أعد للعمل معه مرة أخرى إلا بعد الحرب حينما أصبح كل شيء باهظ الثمن. قبل ذلك، ما كنت لأفكر في الأمر. وأسرتي رضيت بتلك التضحيات.


المحاورة:


كثير من الكتاب البارزين لا سيما في الغرب مشهورون بحياتهم الشخصية المتدنية ـ الإفراط في الشراب، الإدمان على المخدرات، العادات الجنسية غير المعتادة، النزعات الانتحارية. أما أنت فتبدو مثاليا!


محفوظ:


يعني ...


المحاورة:


وربما ذلك أكبر عيوبك؟


محفوظ:


طبعا هذا عيب. ولكنك تحكمين عليَّ في شيخوختي. في شبابي فعلت كل شيء، شربت، وجريت وراء الجنس الناعم، وما إلى ذلك.


المحاورة:


هل أنت متفائل إزاء مستقبل الشرق الأوسط، خصوصا في ضوء حرب الخليج والعنف المستمر؟


محفوظ:


في سني هذه يكون التشاؤم غير لائق. حينما يكون المرء شابا يكون بوسعه أن يعلن أنه لا أمل أمام البشرية، أما حينما يكبر المرء، فإنه يتعلم ضرورة ألا يشجع الناس على كراهية الدنيا.


المحاورة:


وماذا عن فكرة البطل؟ لا يبدو أن للأبطال وجودا في قصصك، بل ولا في قصص أي كاتب مصري معاصر.


محفوظ:


صحيح أن أغلب رواياتي ليس فيها أبطال، بل شخصيات وحسب. لماذا؟ لأنني أنظر إلى المجتمع بعين ناقدة فلا أجد شيئا استثنائيا فيمن تقع عليهم عيناي. أما الجيل السابق علي فقد رأى ـ بسبب من ثورة 1919 ـ سلوكيات بطولية، فالعامل القادر على قهر عراقيل غير معتادة هو بطل من نوع ما. هناك كتاب آخرون ـ مثل "توفيق الحكيم" و"محمد حسين هيكل" و"ابراهيم عبد القادر المازني" ـ يكتبون عن أنماط بطولية. أما جيلنا فهو بصفة عامة ذو مشاعر أهدأ، والبطل شيء نادر، فليس بوسع المرء أن يضع بطلا في رواية ما لم تكن فنتازية.


المحاورة:


كيف تصف البطل؟


محفوظ:


هناك أبطال كثيرون في الأدب العربي القديم، جميعهم فرسان مقاتلون. أما البطل اليوم فهو بالنسبة لي ذلك الذي يلتزم بمجموعة مبادئ معينة ويعمل بموجبها في مواجهة القهر. يحارب الفساد، غير انتهازي، وعنده أساس أخلاقي متين.


المحاورة:


هل تعتبر نفسك بطلا؟


محفوظ:


أنا؟


المحاورة:


ألست مثالا، بالنسبة لأبنائك ولجمهورك، للشخص الذي يلتزم بمبادئه في مواجهة الشدائد؟


محفوظ:


نعم، يقينا. ولكنني لا أعتبر نفسي بطلا.


المحاورة:


كيف إذن تصف نفسك؟


محفوظ:


شخص يحب الأدب. شخص يؤمن بعمله ويخلص له. شخص يحب عمله أكثر مما يحب المال أو الشهرة. طبعا لو جاء المال والشهرة، فألا بهما وسهلا. ولكنهما لم يكونا قط هدفي. لماذا؟ لأنني أحب الكتابة أكثر من أي شيء آخر. قد يكون هذا ضارا، ولكني أشعر أنه بدون الأدب لا معنى لحياتي. قد يكون لدي أصدقاء جيدون، رحلات، رفاهية، ولكن بغير الأدب كانت حياتي ستكون بؤسا كاملا. هذا شيء غريب، ولكنه ليس كذلك فعلا، فأغلب الكتاب كذلك. ولا أعني بذلك أنني لم أفعل في حياتي غير الكتابة. أنا متزوج. وعندي ابنتان. وبعد أن أصابتني تلك الحساسية في عيني منذ عام 1935 صرت أمتنع عن القراءة والكتابة طوال الصيف، ففرض هذا شيئا من التوازن على حياتي، توازن من عند الله. صرت أعيش في كل عام ثلاثة شهور حياة رجل عادي لا علاقة له بالكتابة. في هذه الشهور الثلاثة أقابل أصحابي وأبقى ساهرا خارج البيت حتى الصباح.


أفلم أعش؟


نشر هذا الحوار في مجلة ذي باريس رفيو في عام 1992


نشرت الترجمة في ملحق شرفات بتاريخ 

المصدر / مدونة  

مدونة قراءات احمد الشافعي


الاثنين، ديسمبر 06، 2010

فاروق حسني في حوار لمصر المحروسة :- "علشان يرتاحوا " ...أتمنى أن تتحقق شائعات خروجى من الوزارة






أجري الاستاذ يسري السيد رئيس تحرير مجلة مصر المحروسة التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة حوارا مهما مع وزير الثقافة فاروق حسني لم استطع ان احرم زوار مدونتي الاعزاء من متابعته لذلك نقلته هنا لكم 

& مش"جدعنه" من الشرقاوى أن يجعلنا واجهة لمشاكله لأننا ناس طيبين ..عايز يتخانق يتخانق مع الشرطة.. و مسرحه يلعب بمشاعر الجماهير و ينتمى إلى أشباه النضال..
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
&  لن أسمح لأى أحد يحرق تاريخ مصر ومهمتى الدفاع عن أرواح البشر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

& النظام يهمه أن يشعر المثقفون أن هذا الوطن وطنهم

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 حوار اجراه / يسري السيد

الحوار مع فاروق حسنى "وزير الثقافة" متعة إنسانية وثقافية .. يجيد الكر والفر وأنا أستمتع دائمًا بمثل هذه المرواغات الفكرية.

هذه المرة شعرت بتدفق إنساني وإبداعي وضحكات صافية مثل ضحكات أيام زمان .. تكلمنا فى أشياء كثيرة بعضها للنشر وبعضها خصني بها في فضفضة إنسانية وإبداعية ...

قال لى: إنه واحد من المثقفين يحن لمقاهي المثقفين التي جلس عليها كثيرًا مع المبدعين في القاهرة والإسكندرية وباريس وروما.

مش"جدعنه" من الشرقاوى أن يجعلنا واجهة لمشاكله لأننا ناس طيبين ..عايز يتخانق يتخانق مع الشرطة.. و مسرحه يلعب بمشاعر الجماهير و ينتمى إلى أشباه النضال..

أسرار كثيرة يبوح بها الصديق فاروق حسنى في هذا الحوار الساخن أحيانًا والحالم أحيانًا والإنساني في أحيان كثيرة عن مناطق الألم والفرح والوجع ... وهذه تفاصيل هذه الفضفضة الرمضانية.

قلت:

هناك مجموعة من الأدباء والنقاد يدعون إلى تنظيم مؤتمر مواز لمؤتمر المثقفين الذي تنوى إقامته وزارة الثقافة اعتراضًا منهم على تشكيل اللجنة التحضيرية من قيادات وزارة الثقافة بعيدًا عن أصحاب الاتجاهات الفكرية المختلفة؟

الوزير:

إذا كان هدفهم صالح الثقافة المصرية أهلاً بهم .... إحنا رايحين فى هذا المؤتمر لخدمتهم، نحن نسعى لوضع رؤية المثقفين بمختلف أطيافهم أمام صانع القرار السياسي .. فاروق حسنى مش قاعد للأبد.. هدفنا صياغة دستور ثقافي محترم يضعه كل المثقفين المصريين المهمومين بأحلام الوطن ومشاكله، والدستور الثقافى سوف أستفيد به ويستفيد به أي وزير يأتي بعدى، ليس عندى مشاكل فى التعامل مع أى مثقف، أنا فكرت فى المؤتمر ليس لصالح فاروق حسنى ولكن لكل المثقفين.

قلت:

من حق البعض الاعتراض على تهميشهم أثناء التحضير للمؤتمر والاكتفاء فقط برجال وزارة الثقافة؟

الوزير:

ياسيدى أنا سألقى خطابًا فى الجلسة الافتتاحية وسأترك الساحة لكل المثقفين لطرح كل مشاكلهم ورؤاهم بحرية مطلقة ... وزير الثقافة ليس له دعوة من قريب أوبعيد إلا الرافد الثقافي الجمعي الذي يجمعنا كأبناء وطن واحد.

قلت:

هل يمكن ضم بعض الأدباء من هذا التجمع للجنة التحضيرية؟

قال:

الباب مفتوح للجميع .. كل من لديه أفكار جادة مكتوبة بعناية يمكن دراستها وسوف تدرج فى جدول الأعمال.

قلت:

متى سيعقد المؤتمر؟

قال:

عاملين حسابنا على أوائل ديسمبر القادم، لكن المهم اكتمال الأوراق والأبحاث والأفكار الجديرة بطرحها للنقاش والحوار.. المهم رغبة المثقفين أنفسهم في صياغة دستورهم.

قلت:

وماذا سيستفيد وزير الثقافة من هذا الدستور الثقافى ؟

قال:

هذا الدستور يعفى أى وزير من الحرج، لأنه سيقول ببساطة للقيادة السياسية هذا دستور وضعه المثقفون أنفسهم وعلينا تتطبيقه ، هذه رؤية المثقفين التى يجب وضعها فى قنوات التنفيذ.

قلت:

لكن هناك اتهامًا لكم بأنكم "النظام والحكومة" و تريدون فرض سياسات جديدة أو أمور باسم المثقفين؟

قال:

لن أسمح لأى أحد بحرق تاريخ مصر ومهمتى الدفاع عن أرواح البشر
اتهموا زى م أنتم عايزين، إحنا فى النهاية نبحث عن مصلحة وطن ومصلحة مجتمعية، مش مصلحة فئة على حساب فئة، وعلى فكرة، النظام يهمه جدًا أن يشعر المثقفون أن هذا الوطن وطنهم، وعلى فكرة، عايز أقول من زمان: كلنا في حظيرة الثقافة زى م كلنا في حظيرة الإسلام حتى لا يقول من يقول: فراخ وغيره.

قلت بصراحة:

أين نحن من العالم ثقافيًا؟

قال :

أنا واحد من المثقين يتمنى الرفعه لمصر، والرفعة تقاس بوضعنا بالنسبة للعالم، يعنى أين نحن ثقافيًا؟ ، ليس فى الداخل أو فى المنطقة المحيطة فقط، ولكن فى العالم كله... هذا هو السؤال المهم والمعضلة التي يجب أن تؤرقنا جميعًا، لذلك يكون هناك معنى للتجارب الجديدة والتفوق والمغامرة الثقافية والإبداعية.. لذلك أكون سعيدًا جدًا عندما أرى شباب مغامر ومجرب في مختلف نواحي الإبداع أثقلتهم التجربة في العمل الثقافي وأعتقد سيكون لهم شأن كبير عندما يتولون مناصب عامة في مصر.

قلت:

الكلام مازال عن استبعاد متعمد لكل التيارات الفكرية عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر المثقفين أو العمل الثقافى العام فى الوزارة بما لا يليق بالثقافة المصرية التى تقتصر على قيادات وزارة الثقافة ؟

قال:

اللجنة التحضيرية أو أي تخطيط للعمل الثقافي يقتصر على شخصيات تجيد صناعة "الميكانيزم "، وهذه صفة غير موجودة فى كثير من المثقفين.. تجربة العمل الثقافي شيء يفتقده الكثير من المثقفين الذين لم يعملوا فى الشأن الثقافي العام بآلياته المختلفة.. ومع ذلك تم ضم شخصيات ذات ثقل ثقافي كبير مثل "سيد ياسين ود. مصطفى الفقي وآخرين" ... نحن نسعى لعمل "كاركاس" كامل للمثقفين، باختصار، عندما يكون لدينا 11 لاعبًا من فريق لكرة القدم أعتقد أن مهمتنا أن نوفر لهم ملعبًا رياضيًا متكاملاً، يعنى باختصار مهمتنا أن نمهد الملعب الذي سيلعب فيه المثقفون من كل الاتجاهات،

أضاف:

أنا كرجل مسئول أفرح جدًا عندما أتلقى أية فكرة جديدة وأعتبرها مكسبًا شخصيًا حتى أواصل عملي بنجاح، أنا أريد التجديد، أريد الدخول في آفاق جديدة لم أدخلها من قبل، أنا عيني على المستقبل.

أهلا بأدباء الأقاليم

قلت:

وعدتنى منذ شهور باستضافة مؤتمر أدباء الأقاليم فى دورته ال25 فى القاهرة ، هل الوعد مازال قائمًا؟

أهلا بمؤتمر أدباء الأقاليم فى القاهرة و250 ألف جنيه جوائز فى انتظارهم
قال:

أنا عند وعدى لك.

قلت:

سأبلغ أمانة المؤتمر والدكتور أحمد مجاهد بدعوتكم.

قال:

أشكرك على دورك في هذا المجال وأنا هدفي من دعوة أدباء الأقاليم إلى القاهرة أن يشاهدوا ويشاركوا بإبداعاتهم في معاقل القاهرة الثقافية المحتشدة بالزخم الإبداعي، هدفي أن يأتي أدباء الأقاليم كي يثروا هذه المنتديات بإبداعاتهم من جهة وليشاهدوا عن قرب حجم الإنجاز الثقافي الذي تقدمه وزارة الثقافة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى.

قلت:

وعدت أيضًا بجوائز لأدباء الأقاليم قيمتها 250 ألف جنيه؟

قال:

وأنا عند وعدى ولا أرجع في أى وعد أو كلمه قلتها.

قلت ضاحكًا:

سيادة الوزير: أنت مشغول بإيه الآن؟

رد ضاحكًا: وبضحكة صافية من ضحكات أيام زمان: مشغول بغيري!!

قلت:

وأى مشروع ثقافى يشغلك الآن؟

قال:

مشغول بـ 4 مشروعات ثقافية كبرى.

قلت:

وما هى؟

عندى مليون عمل مؤجل ومشكلتى فى الانتقاء.. والاختيار سيكون لذاتى وفنى وحياتى
قال:

المشروع الأول .. مشروع غير محتفى به إعلاميًا ، وهو الخطة القومية لتغطية قرى الصعيد والوجه البحري بمكتبات تقوم بدور تنويري كبير.

قلت:

كم مكتبة يتم انشاؤها سنويًا؟

قال:

من 10 الى15 مكتبة وأصبح لدينا حصيلة محترمة من العمل فى السنوات السابقة، وهذا مشروع ثقافة الشعب، وهدفنا منه تثقيف الناس بالوصول إليهم فى قراهم ونجوعهم.

قلت:

والمشروع الثانى؟

قال:

المتحف المصري الكبير.. وبصراحة أنا أعتبره شرف مصر الثقافي، وقد وصفته كبريات الصحف العالمية المهتمة بالمشروعات الثقافية الكبرى في العالم بأنه أكبر مشروع ثقافي للقرن القادم على مستوى العالم لأنه ببساطة ثاني أكبر مشروع معماري في العالم بعد القرية الأوليمبية في الصين، وهذا يجعلني أعد الدقائق حتى موعد افتتاح مرحلته الثالثة والأخيرة.

قلت:

والمشروع الثالث؟

قال:

متحف الحضارة وما أدراك ما حضارة مصر، من قبل التاريخ وحتى الآن، والمتحف يقام فى وسط القاهرة على ضفاف بحيرة عين الصيرة، وسيكون

أعد الدقائق لافتتاح المتحف المصرى أكبر مشروع ثقافى فى العالم هذا القرن.

بحق مركزًا ثقافيًا عالميًا بما يملك من إمكانيات وأنشطة.

قلت:

أخيرا ما هو المشروع الرابع ؟

قال:

حلمى اكتمال ترميم القاهرة التاريخية، انتهينا منذ فترة من ترميم شارع المعز، والعمل الآن على قدم وساق فى شارع الجمالية الموازى له، وبانتهاء العمل فيه يكون لدينا حى كامل من التاريخ الحى والمتعة والسياحة والرواج الاقتصادى.

البشر أهم من الأماكن

قلت:

البعض يرى أنك تهتم بالبنايات والإنشاءات والمشروعات، لكنك نسيت البشر وهم العنصر الغائب فى مشروعك الثقافى؟

قال:

هذا قصور فى الرؤية .. أنا أبنى إيه؟ أنا أبنى مسارح ومكتبات ومتاحف ومراكز ثقافية، والسؤال: لمن هذه الإنشاءات؟ أليست للبشر؟!

قلت:

المقصود أننا ننشىء منشآت كبرى، ننفق عليها المئات من ملايين الجنيهات دون أن نقدم فيها خدمة ثقافية مستمرة طوال العام؟

قال:

قل لمن يروج هذا الكلام: اذهب فجأة فى أى يوم فى العام لأى مركز ثقافي وستجد فيه نشاطًا، مطلوب من الذين يوجهون هذه الاتهامات أن يذهبوا ليعرفوا ويملئوا هذه الأماكن بأفكارهم ونقاشهم وحيويتهم وإبداعاتهم، أما الكسالى أو اللى مش عايزين يعرفوا لاِ شأن لى بهم، أنا مهمتى أن أعد "الحلّة " لمن يريد أن يطبخ وعلى المترددين أن يأتوا ليطبخوا!!

قلت:

البعض يرى أن العائد الثقافى من القلاع الثقافية التى أنفق عليها مئات الملايين قليل لعدم وجود أنشطة مستمرة؟

قال:

يوجد أنشطة، لكن غالبية الناس لا يذهبون، الناس لا تريد أن تترك منازلها ليذهبوا إلى أى مكان.

قلت:

كلنا فى حظيرة الثقافة زى ما كلنا فى حظيرة الإسلام
هل قل اهتمام الناس بالثقافة؟

قال:

لا

قلت:

حتى مع العوز الاقتصادى والغلاء وانشغال الكل بلقمة العيش؟

قال:

لا ...لكن هناك وسائط جديدة جذبت الناس من الثقافة الجادة مثل الإنترنت والفضائيات لكنى متأكد أن الأمر لن يستمر كثيرًا وسوف يحن الناس للخروج للهواء والتعامل مع البشر والذهاب لمشاهدة مسرحية أو حضور معرض للفن التشكيلى ... وأذهب للقلعة الآن وأشاهد تعطش الناس للثقافة الحقيقية هناك.

أنا والشرقاوى

قلت:

إيه حكايتك مع جلال الشرقاوى؟ .. الراجل شغال من سنوات طويلة وفجأة الدنيا اتقلبت على دماغه؟

قال:

مش إحنا السبب كوزارة ثقافة، اللى ضده مش إحنا، لو حد ذكى بيفكر شويه يسأل نفسه: إحنا سكتنا عليه السنين اللى فاتت دى ليه؟ ، لو كان هدفنا نمشيه كنا عملنا كده من سنوات بعد ترميم وافتتاح متحف محمد عبد الوهاب ومتحف الموسيقى العربية الملاصق ليه.

قلت:

وما هو السبب الحقيقى؟

قال:

بعد حريق بنى سويف والمسرح القومى تم إغلاق معظم مسارح الوزارة حتى يتم توفير اشتراطات السلامة والأمان، ألا تتذكر معى إغلاق مسارح الهناجر والسلام ومعظم مسارح الأقاليم ولم نصرخ مثل الشرقاوى لقرار السلطات المختصة لأن الأمر يتعلق بحياة بشر.

قلت:

ولماذا يتهمك جلال الشرقاوى بشكل شخصى ورسمى مادام الأمر خارج عن وزارة الثقافة؟

قال :

حتى يتعاطف معه الناس والمجتمع ويوحى للجميع بأن الحكومة ضده.

قلت:

وهى الحكومة مش ضده عندما يكون وراء الموضوع جهة حكومية حتى لو لم تكن وزارة الثقافة ضده؟

قال:

لا مش الحكومة.. لكن غياب عناصر الأمان هي السبب، وأنا لن أعطيه رخصة مزاوله العمل الفني حتى يحصل على موافقة الدفاع المدني لأن أرواح الناس مش لعبة وحماية الأثر الملاصق له مسؤولية كبرى في رقبتي.

قلت:

وماذا يفعل جلال الشرقاوى؟

قال:

عايز يتخانق يروح يتخانق مع الشرطة مش يتخانق معانا علشان إحنا ناس طيبين.

قلت:

وزارة الثقافة ناس طيبين؟

قال:

نعم .. عيب أن يجعل جلال الشرقاوي وزارة الثقافة واجهة لمشاكله مع جهة أخرى، دى مش " جدعنه" إطلاقًا، محافظة القاهرة ووزارة الثقافة بريئة من مشكلته.

قلت:

كيف تكون وزارة الثقافة ليست السبب وهى المنوط بها حماية المتحف الأثرى الملاصق له ؟

قال:

هو مش عايز يدرك إن دورنا حماية الأثر الملاصق لمسرحه، لأنه لو حدثت عنده مصيبة لا قدر الله ممكن تحرق الأثر، وفى هذه الحالة لن يخسر هو شيئًا مثل خسارتنا الحضارية، باختصار أنا لن أسمح لأى أحد بحرق تاريخ مصر وآثارها.

قلت:

قد يرى جلال الشرقاوى أن الهدف من إغلاق مسرحه يرجع لأسباب سياسية، لأنه قدم مسرح سياسي ساخن؟

قال:

لو كان هذا هو السبب حقيقى لماذا لم نغلق مسرحه منذ سنوات عندما قدم "ع الرصيف ودستور يا سيادنا"؟ ... هو الآن لا يقدم أى عمل مسرحي من هذه النوعية حتى يكون محقًا فيما يقول، ... بصراحة: ما يقدمه من مسرح ينتمى إلى أشباه النضال وليس النضال الحقيقي و هو مسرح يلعب بمشاعر الجماهير.

قلت:

بمناسبة الكلام عن المسرح القومى .. متى سيتم افتتاحه بعد الترميم؟

قال:

أوائل العام القادم.

قلت:

النظام يهمه أن يشعر المثقفون أن هذا الوطن وطنهم
كل فترة نشعر بالعجز الحقيقى حين يسقط منا مبدع كبير بسبب المرض أو العوز الاقتصادى والاجتماعى، نذرف الدمع، وقبل أن يجف نذرف الدمع من جديد .. حدث ذلك مؤخرًا مع الشاعر الكبير محمد عفيفى مطر الذى مات على سرير فى مستشفى منوف الحكومى العام .. والآن يتكرر المشهد مع الكاتب د. هشام السلامونى .. متى نخرج من هذا النفق المظلم وتقدم وزارة الثقافة مشروعًا يكفل الحياة الكريمة والعلاج بعيدًا عن التسول وإراقة ماء الوجه؟

قال:

عندكم اتحاد كتاب مصر ولديه وديعة معقولة لهذا الأمر.

قلت:

وماذا تفعل وزارة الثقافة؟

قال:

ليس لدينا ميزانيات لهذا الغرض.

قلت:

معقولة؟

قال:

لدينا ميزانيات للإنفاق على الأنشطة والمؤتمرات والندوات لكن لا يوجد لدينا سلطة للإنفاق على علاج أديب أو مبدع ، والجهة الوحيدة المنوط بها ذلك وزارة الصحة ولا يوجد مرة واحدة تدخلت لطلب علاج مبدع على نفقة الدولة إلا واستجاب وزير الصحة لطلبى والأمر يتكرر مع القوات المسلحة وباقى أجهزة الدولة.

قلت:

وأنت كفنان قبل أن تكون وزيرًا هل يقتصر دورك على ذلك؟

قال:

لا .. أحيانًا أحتال على اللوائح كى أقدم وردة لمبدع يمر بظروف صعبة.

قلت:

هل تحتال على اللوائح من أجل المبدعين؟

قال:

نعم.

قلت:

كيف؟

قال:

بشراء عمل فنى أو بطبع عمل أدبى للمبدع مقابل مبلغ مادي معقول طبقًا للوائح.

قلت:

ممكن تحتال على اللوائح من أجل الكاتب هشام السلامونى الذى يمر بظروف صحية صعبة؟

قال:

بعيدا عن العواطف.. يرسل لى تقريرًا طبيًا مفصلاً ولن أتاخر لحظة عنه.

قلت:

أنت كفنان أكبر من المنصب الوزارى، لكن كإنسان كيف تتعامل مع بعض الكتابات الصحفية أو الإشاعات التى تتنبأ بخروجك من الوزارة مع أول تعديل وزارى؟

قال ضاحكا:

أتمنى أن تتحقق.

قلت:

هل فكرت لحظة فى هذه المرحلة اللاحقة؟

قال:

عندى مليون عمل مؤجل ومشكلتى وقتها فى الانتقاء، وعلى فكرة عند الانتقاء والاختيار سأختار ذاتى وفنى وحياتى.

مرارة ليه؟!

قلت:

ألا تشعر بالمرارة عندئذ؟

قال:

مرارة ليه ؟.. أنا عملت بما فيه الكفايه لخدمة الوطن وبقى أن أعمل لذاتى وفنى.

قلت:

هل عملت حسابًا للبشر الذين يتعاملون معك من أجل المنصب وسوف تتغير مشاعرهم بعد ذلك؟

قال:

لدى حاسة تجعلنى أفرق بين من يتعامل معى كوزير ومن يتعامل معى لشخصى.

قلت:

هل جربت الكتابة الإبداعية بجوار الفن التشكيلى؟

قال:

لك خبر مثير.. أنا الآن مشغول بكتابة سردية، أكتب بهواية وليس باحتراف مثلك.

أكتب الآن حكايتى مع الإبداع ب3 لغات... والأماكن والحياة والبشر والوجود والفرح والوجع
قلت:

عن أى شىء تدور الكتابات؟

قال:

علاقتى بالبشر والأماكن والحياة والوجود، باختصار سرد عاطفى وفكرى حقيقى لمسيرة حياة ومسيرة فن وفنان.

قلت:

فيها أماكن ومناطق للألم والوجع؟

قال:

كل حاجة.

قلت:

ومناطق الفرح ؟

قال:

كل حاجة.

قلت:

والنسبة الأكبر فى حياة الوزير: الألم أم الفرح؟

قال:

الألم بسيط.

قلت:

من أى نوع ألم فاروق حسنى؟

أجيد فن التصدى وليس التصادم .. ولدى حاسة تجعلنى أفرق بين من يتعامل معى كوزير أو لشخصى
قال:

ألم التصادمات الاجتماعية وهى لا تستغرق بالمناسبة عندى وقتًا طويلا ، فإذا حدث هذا الألم سرعان ما يزول ثاني يوم بعد أن أتخطى مرحلة الألم.

قلت:

أنت تجيد فن التصادم يا سيادة الوزير؟

قال ضاحكًا:

بل أجيد فن التصدى.

قلت:

أين ستنشر كتابك؟

قال:

اتفقت معى الجامعة الأمريكية ودار إلياس على إصدار الكتاب ب 3 لغات أجنبية.

قلت أخيرًا:

بيقولوا لو قعدت فترة دون معركة لا تكون سعيدًا؟

رد ضاحكًا:

أنا قدامك مبسوط من غير معارك.