الاثنين، يونيو 22، 2015

عادل الحراني " قصيدةُ النثر ... هامش "



عادل الحراني
" قصيدةُ النثر ... هامش "
--------------------------------

لم تكن قصيدةُ النثر إرثاً ورثه العرب عن الغرب كما يُقال ، فلا شك أن الترجمات التي بدأت منذ النصف الأول من القرن الثاني عشر للقرءان ثم جاء بعدها ‘ثيودور بيبلياندر’ ليقوم بترجمتة القرءان مع مقدمة لـ ” مارتن لوثر “
قي النصف الثاني من القرن السادس عشر وكذلك ترجمة كتاب ” الف ليلة وليلة ” مع بداية القرن الثامن عشر إلى الفرنسية من خلال المستشرق الفرنسي أنطوان جالان ، هذا إلى جانب الشعر الأسباني الغنائي الذي أنتجه الأندلسيون العرب ، كلها ساعدت الدائرة المعرفية الأدبية لدى الغرب وتحديداً الفرنسيين على الإستفادة من هذا الكنز الأدبي الذي فتح أمام الغرب مساحةً معرفية واسعة بمنهجية القصيدة موضوعاً وتركيباً ومن ثم التطوير والتأسيس لمنهجية أدبية غربية جديدة تلك التي حملها رواد عصر النهضة فوق أكتافهم للتنوير ذلك دون أن ننكر عليهم إرثهم الخاص ومدى استفادتهم منه كمرجعية .
وإذا كان الغرب حقيقة قد أقام هيكلاً لقصبدة النثر كفكرة فلا شك أنها امتدت إليه من مساراتٍ كثيرة تنزع عنه هذه الريادة وفي نفس الوقت لا تعطي الريادة لأحد لأن العالم كل متواصل لا نستطيع أن نبتره في لحظةٍ ما أو في مكانٍ ما ذلك لأن الزمن متداخل ولأن العالم لا يتطور بهذه الرتابة الرقمية وأن الكل يؤثر ويتأثر حتى أن الفعل الإنساني يعمل على تكسير الزمن وخلخلته وخاصة الفعل الإبداعي .
وكما أن الفكرة قد تبدو أسطورية وتظل في مساحةِ الأسطورة إلى أن يتم التنظير لها فتدخل تحت عنوان إمكانية التحقق ومن ثم التطبيق ، كذلك قصيدة النثر هي فكرة قديمة جداً سابقة على التنظير لها وتحقيقها وتصنيعها حتى وإن كانت محاولات بناءِ هيكلِها الأوَّلي قد اتضحت بداياته – التي لم تتحقق بعد – عند الغرب .. 
ويبقى السؤال .. هل تحققت قصيدةُ النثر عند الغرب وكذلك عند العرب والشرق ، وهل صنعت تلك القصيدةُ مساراتها المفتوحة أم أنها تحركت في مساراتٍ مُغلقة حتى وإن كانت جديدة ؟
لقد جاء التنظير لهذه الفكرة بثوبٍ أوسع من كل نصوص القصيدة النثرية ، نزع عنها رداء الأجناس الأدبية ومع ذلك جاءت شكلية امتداداً لبنيةِ القصيدة الرومانتيكية الموضوعية وألبسها رداء الفوضوية لكنها جاءت سيريالية العقل أحادية القلب أنانية ذات صوت واحد يحاكي نفسه وتفصيلاته الحياتية اليومية الصغيرة كما فعل من قبل عنترة وطرفة بن العبد وامرؤ القيس وابو نؤاس ولكن في زيٍ جديد ، ثم أن التنظير وضعها في أطرٍ كثيرة منها أنها دائرية – ليس لها بداية أو نهاية – وليست في خط مستقيم فأغلقها دون أن يعي ووضعها في اللانهائي غير الملموس أو المحسوس ، نزع عنها رداء استخدام المعادل الموضوعي لكنها لم تفعل سوى أنها أقامت طيلة الوقت معادلاً موضوعياً للعالم من خلال محاولات اختصاره وامتثاله وتوصيفه فلم تتغير كثيراً عما سبقها من الأجناس الأدبية الشعرية على المستوى التركيبي البلاغي ، ألبسها رداء خصوصية المعنى وعدم اتكاء جذورها على المعاني السابقة فلم تستطع ولم تصل إلى حد النمو الشيطاني بل جاءت ضبابية هائمة في فراغ الذات والتكريس له … الخ ، ومن ثم لم تتحقق . 
لماذا ………… ؟
إن التراكمَ المعرفي في مسيرته المفتوحة لابد للإبداع وأن يتوازى معه ، ليس بمنطق المحاكاة المُماثِلة أو الضبابية ولكن بمنطق الإضافة والتحريك ، ومن ثم لابد لقصيدة النثر أن تتوازى معرفياً مع العالم قتبتعد عن التوصيف والتشبيه وعدم إقامة معادل موضوعي كمجاز عن لحظة زمنية بعينها حتى لو كانت هذه اللحظة هي الـ أنا الإبداعية ، الإبداع لابد أن بتوازى مع العالم سكونا إجرائياً وحركة مستمرة بل يتعداه حد أن يخرج من الأبعاد الكونية الملموسة بالحواس وبالعقل إلى أبعادٍ أخرى ، هنا تتحقق قصيدةُ النثر لا بالمعنى المُغلَق الذي يقول أنها بدأت وانتهت ولكن بالمعنى المفتوح المتواصل تفكيكياً مع الحركة الكونية عامة والإنسانية خاصة ..

ليست هناك تعليقات: