الاثنين، يناير 19، 2015

الإبداع الأدبي للمرأة في وسط الصعيد *على سبيل التمهيد :للناقد أشرف عكاشة



الإبداع الأدبي للمرأة 
في وسط الصعيد
*على سبيل التمهيد :
إن الإبداع هو مرآة نهضة المجتمعات ورقي الأمم ، ومثلما مرت مشاركة المرأة للرجل في رحلة نهضة المجتمعات بمراحل عدة تماهت معها رحلة المرأة لتشارك الرجل الإبداع .
ولقد ارتبطت هذه الرحلة بحركات التحرر سواء حركات التحرر الوطنية التي لعبت المرأة فيها دورا مهما إلى جوار الرجل فبعد ثورة 1919 في مصر ظهرت بعض المبدعات المصريات اللاتي رصدنا واقع المراة في هذا العصر والعصور السابقة عليها مثل " قوت القلوب الدمرداشية "والتي أبدعت بالفرنسية رواية "حريم" التي دفعت عميد الأدب العربي أن يشهد لها و لمثيلاتها بل ويحاول رسم طريقة لنقد إبداعهن بطريقة تناسبهن "وفي مصر كاتبات أديبات ينتجن أثاراً قيمة خصبة لعلها أن تبلغ من الإجادة والإتقان أكثر مما تبلغ آثار الأدباء، ولعلها أن تظفر من الرقة والدقة ولطف المدخل بما لا تظفر به آثار الأدباء ولعلها تحقق من المثل الأدبية العليا ما لا تحققه آثار الأدباء " 1 
وبعد ثورة 1952 ظهرت مبدعات مصريات متحققات على سبيل المثال لا الحصر ( نعمات أحمد فؤاد- لطيفة الزيات - فتحية العسال – سهير القلماوي و........) وتغيرت صورة المرأة عند جل المبدعين .
وعلى الجانب الأخر كانت قضية تحرر المرأة هي الوجه الأخر الملازم لقضايا التحرر الوطني وارتبط بها ظهور تيار النقد النسوي والانتباه لإبداع المرأة ( في الرواية والقصة والشعر) وكان الغرب هو من انطلقت منه شرارة هذا التيار
" ففي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي نشطت في الغرب الدعوات التي تنادي بتحرر المرأة. وجنبا إلى جنب انبثقت مع هذه الدعوات مجموعة من الدراسات التي تتحدث عن نظرية خاصة بالأدب الأنثوي. لقد اكتشف عدد من رموز الحركة النسائية الأورو-أمريكية أن التحول الذي طرأ على وضع المرأة من ارتقاء مهني وتعليمي ومشاركة في الحياة السياسية لم يحل المشكلة. ذلك أن الحريات التي نالتها المرأة لم تشمل تحررها على صعيد (الجنس-النوع) أما فيما يتعلق بالكتابة فقد تم ملاحظة مجموعة من الثيمات الخاصة التي تتكرر باستمرار في النصوص المكتوبة من قبل النساء والتي تدور في معظمها حول الاضطهاد والمعاناة الذين يسببهما الرجل."2
وعربياً كان للإبداع النسائي مراحله "وقد اقتصرت الكتابة النسائية في بداية النهضة الحديثة على مجموعة من المجلات العائلية الاجتماعية من خلال تأسيس بعض النساء لعشرات المجلات كتبن فيها القليل من الروايات والاشعار التعليمية المتسقة مع الكتابة الذكورية مع بروز لبعض الرائدات في النصف الاول من القرن العشرين مثل اليس البستاني، وزينب فواز، ولبيبة هاشم، وعائشة التمورية، وملك حفني ناصف، ومي زيادة، وهدى شعراوي، ووردة اليازجي وروزا انطون وغيرهن.
ومنذ الستينات تحديداً تطورت كتابة المرأة لتبدو كتابة متنوعة ومتمردة على الوعي الذكوري كنتيجة من نتائج التطور الحضاري الذي تحقق بانتشار التعليم الجامعي اولاً ثم الانفتاح الثقافي والاجتماعي والتحرري ثانياً اضافة الى نيل المرأة للكثير من حقوقها المتساوية مع الرجل من ناحية قانونية ثالثاً، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال وجد النقد النسائي على يد نساء اديبات واكاديميات - محررات، كاتبات، خريجات جامعيات محاضرات ومدرسات في الجامعة - شاركن في الحركة النسائية في اواخر الستينات وساهمن في التزاماتها الفعالة وهمومها الاجتماعية واحساسها بمسعاها الجماعي خاصة ان النقد النسائي هو الذي مهد لنظرية متميزة في الكتابة النسائية المختلفة عن كتابة الرجال وهكذا صار بالامكان الحديث بعد الستينات الى اليوم في الغرب وفي الشرق معا عن كتابة نسائية ونقد نسائي ووعي نسائي ومؤسسات نسائية واشكاليات نسائية مستقلة في المجتمع والابداع والثقافة"3. ولكن هذا المصطلح محل أخذ ورد .
"وتعكس الرواية النسائية المصرية الاهتمام بهوية المرأة، وتشكيل وعيها المبدع من جهة، والتفاعل الإيجابي مع الأفكار التاريخية، والاجتماعية، و الثقافية، والفلسفية من جهة أخرى.
ولأن الرواية النسائية تنتمي إلى ثقافة مصرية عربية، و تقاليد فنية مختلفة نسبيا عن المجتمع الأمريكي، فإنها تقدم رؤى فكرية، وفنية مختلفة، دون أن تنفصل تماما عن التأثر بالتيارات العالمية، خاصة بعد ثورة المعلومات، وزيادة حركة الترجمة، فثمة كتابة تؤكد التمرد، والسؤال المتجدد للهوية؛ مثل نتاج لطيفة الزيات، وأخرى تنحاز للأفكار النسوية؛ مثل نتاج نوال السعداوي، وميرال الطحاوي، وسحر الموجي، وسلوى بكر، ونعمات البحيري، وأخرى تتجه للتأويل التاريخي، والتواصل الحضاري بين الأنا، والآخر؛ مثل نتاج رضوى عاشور، وأهداف سويف، ونجوى شعبان".4وبعد الانتقال من عمومية مشهد الكتابة الابداعية للمرأة عربيا إلى خصوصيتها في مصر يستقر بنا الحديث عند مشهد الكتابة الابداعية في صعيد مصر وبصوورةأكثر تحديدا في وسط صعيد مصر ،إن قرب صعيد مصر وارتباطه بمجتمع شبه الجزيرة العربية القبلي كان وراء تأخر ظهور التجارب الإبداعية النسائية لانغلاق طبيعة هذا المجتمع على مجموعة من الأعراف والتقاليد التي تتخذ موقفا خاصاً من المرأة متأثراً بمجتمع شبه الجزيرة العربية " فالمجتمع الذي مارس وأد البنات في الجاهلية ولم يغير من نظرته السلبية/الدونية إلى الإناث ظل يمارس الوأد الثقافي ضدها، فهي لا تمتلك حق التحدث عن عاطفتها ولا أن تكشف أسرار ذاتها، لأن لها من ينوب عن لسانها ويتولى مهمة الحديث عنها ويصور لها عالمها النفسي."5 
وتعاني مبدعات الجنوب المصري من قيود المجتمع وعاداته وتقاليده المتوارثة وتجاهل وسائل الإعلام لهن ولإبداعهن الأمر الذي أدى بالكثيرات منهن إلى ترك الساحة الأدبية مبكرا أو مواجهة مجتمع تصفه المبدعات، هنا، بالقسوة وذلك لما تمثله موروثاته الاجتماعية من إعاقة لمسيرة المرأة المبدعة التي باتت عاجزة عن التعبير بصدق عما بداخلها من مشاعر لأن اعترافاتها على الورق تعد عيبا كبيرا في نظر المجتمع، ومن ثم يأتي إبداعها مقيدا إلى حد كبير، وتأتي هذه الورقة البحثية محاولة لإلقاء الضوء على مبدعات من وسط الصعيد لهن تجاربهن في كتابة الرواية ( سمية العجوز ، جمالات محمد عبد اللطيف) والقصة ( ابتسام الدمشاوي، عبير فوزي ، ريهام حسني ) والشعر بكل أشكاله (كريمة ثابت، منال الصناديقي، لمياء أبوالدهب) وهذه القامات الإبداعية هي على سبيل المثال لا الحصر وما وصل إليه الباحث فهناك العديد والعديد من المبدعات اللاتي تمثل تجاربهن الإبداعية جانبا مهما من إبداع المرأة في وسط الصعيد مثل وفاء العمدة وصباح عبد النبي وعواطف عبد الرحيم وفوزية أبو النجا ومديحة غزالي وياسمين حافظ عبد العال وغيرهن ممن لم يتح المجال لتناول تجاربهن الإبداعية وكذلك هناك مبدعات الجنوب اللاتي لم يشملهن البحث أمثال هيام عبد الهادي صالح وغنية عبد الرحمن وغيرهن .
ويأتي الفصل الأول مرتبطاً بعمومية التمهيد فيتناول نقاط هي بمثابة الإطار العام لإبداع المرأة مثل أبعاد الإبداع ، والتصنيف النوعي ومصطلح الكتابة النسائية، والمرأة بين الصورة والواقع،أما الفصل الثاني فخصص لمبدعات السرد اللاتي يتناولهن البحث ، والفصل الثالث للتجارب الشعرية ، ثم الخاتمة ورؤية الباحث حول إبداع المرأة في وسط الصعيد 
الفصل الأول : 
* حول مفهوم الإبداع
* أبعاد الإبداع 
* التصنيف النوعي والكتابة النسائية
* المرأة بين الصورة والواقع 
****
*حول مفهوم الإبداع : 
يجب أن نفرق بين الإبداع والموهبة، فبالرغم من أن الإبداع يتطلب الموهبة أحياناً إلا أن الموهبة وحدها أقل صرامة في مفهومها من الإبداع، وليس من الضروري أن يكون منتَج الموهبة استثنائي وفريد ومبتكر كما هو الناتج الإبداعي، كما أن الموهبة غالباً ما تتعلق بنشاطات الأطفال أما الإبداع فهو يتعلق بنشاطات الكبار.
"وتعددت مفاهيم الإبداع ومن الصعب ايجاد تعريف واحد متفق عليه من قبل العلماء أو الفلاسفة للإبداع، فهو ظاهرة معقدة جداً أو جملة معقدة من الظواهر ذات وجوه وأبعاد مختلفة.
- بعض العلماء يقصدون بالإبداع "الاستعداد أو القدرة ABILITY" على خلق شيء جديد ومبتكر تماماً، وإخراجه إلى حيز الوجود.
- بينما يعتقد البعض الآخر من الكلمة "العملية PROCESS" أو العمليات خصوصاً السيكلوجية التي يتم بها خلق و ابتكار ذلك الشيء الجديد ذو القيمة العالية.
- في الوقت الذي ينظر فيه فريق ثالث إلى الإبداع في حدود "العمل الإبداعي ذاته" أو المحصلة أو الناتج الذي نشأ عن القدرة على الابتكار وعن العملية الإبداعية التي تؤدي في آخر الأمر إلى أنجاز ذلك العمل الإبداعي وتحقيقه . وبذلك نجد أن مفهوم الإبداع ليس مجرد (هيكل نظري) وإنما هو قاعدة أو مبدأ عام يحتوي على الكثير من الأبعاد الفرعية."6
" معظم الباحثين النفسيين يرون أن الإبداع هو الوحدة المتكاملة لمجموعة العوامل الذاتية (العقلية المركبة والنفسية) والموضوعية التي تقود إلى تحقيق أنتاج جديد وأصيل وذو قيمة من قبل الفرد أو الجماعة".7
* أبعاد الإبداع 
ونستطيع بالنظر عبر هذه التوجهات في تعريف الإبداع أن نحدد أبعاد وجوانب الإبداع فيما يلي :
1- "العمل الإبداعي أو المحصلة الإبداعية.CREATIVITY PRODUCT
أو ما يعرف بالإنجاز الذي حققه المبدع والذي يجب أن يتصف بالأصالة والجدة.
2- العملية الإبداعية.CREATIVITY PROSCESS
"شكل من أشكال النشاط الداخلي العقلي (تندرج في إطاره كل آليات التفكير والقدرة على نقل المعلومات وايجاد العلاقات بين العناصر المعرفية) والنفسي المركب( الذي يندرج في اطاره ديناميات الحياة العاطفية والانفعالية والعوامل الشخصية بكاملها)، ويتجه الشخص بمقتضى هذا النشاط الداخلي نـحو الوصول إلى أشكال جديدة من التفكير والفن
3- الشخص المبدع.CREATIVE PERSON
إن العملية الإبداعية ليست منفصلة عن السمات العقلية والنفسية مثل الدافعية والمزاج والطبع والاستعداد والذكاء ومرونة التفكير.. والمبدع ليس شخصاً ذو اختلاف نوعي عن غيره، بل يمكن النظر إليه بصفته فرداً يختلف عن غيره بمقدار انتظام وظائفه العقلية والنفسية بصورة تجعله قادراً على إبداع الجديد وتنميته (أكثر من غيره)، وكذلك في مقدار الأثر الذي يتركه هذا الانتظام على شخصية المبدع وبنائه النفسي والوجداني، أي مدى اندماج المبدع في تجربته الإبداعية (العلمية أو الفنية) واندماج خصائصه الشخصية بعمله الإبداعي
ورغم وجود ارتباط بين ارتفاع درجة أصالة التفكير لدى الإناث والميل إلى المخالفة والمعارضة، أي كلما ارتفعت درجة الأصالة ارتفعت درجة المخالفة والمعارضة وكلما أنخفضت الأصالة أنخفضت المعارضة ولكن خوف الأنثى من أن تخسر الإحساس بالأمان الذي يقدمه لها المجتمع إذا ما خرجت عن النمط الجنسي والإجتماعي المرسوم لها يُضعف السلوك الإنجازي لديها، فالإنجاز يتطلب شيئاً من المنافسة، والمنافسة يصنفها المجتمع على أنها شكل من أشكال العدوانية التي لا تتناسب مع الدور الجنسي المنوط بالأنثى، ولهذا قد تشعر الأنثى بالرفض الإجتماعي لها بسبب خروجها عن الدور الأنثوي
4- الموقف الإبداعي أو المناخ المحرض على الإبداع. CREATIV SITTIUATION
وهو في معناه الواسع يعني الوسط المباشر وكل ما يحيط بالمبدع من تأثيرات اجتماعية ونفسية، اقتصادية، ثقافية، تربوية، تسهل أو تحبط التفكير والعمل الإبداعي ، أظهرت الكثير من الدراسات أن الأسلوب التربوي المعتدل الذي يتبعه الأهل تجاه تربية أبنائهم بما يحتويه من تشجيع على الاستقلالية العقلية، وخلق الظروف المناسبة لتطوير المهارات والاستعدادات تسهم في تطوير وتنمية السلوك الإبداعي للشخصية "8
* التصنيف النوعي والكتابة النسائية 
في البداية نؤكد على أننا لا نحاول استقصاء المراحل التاريخية لتصنيف الأبداع بحسب نوع المبدع وهو ما نسميه التصنيف النوعي بقدر ما نحاول الربط بينه وبين مصطلح الكتابة النسائية .
" وما ينشأ في الحديث عن نظرية أدب أنثوية هو مفهوم أن الشعر، والأدب كله في الحقيقة ، يحمل خصائص النوع، وتوضح نظرية الأدب الأنثوية أن هوياتنا المعطاة اجتماعياً كأنوثة وذكورة، والاكتساب المتباين للقدرة الاجتماعية والتميز الناتج عن هذه الهويات، تشكل كتابة كل أنواع النصوص"9 
ولابد أن نميز بين الجنس sex والجندر gender عند الحديث عن الإبداع من حيث النوع " فتتطلب عملية استجلاء مفهوم الجندر أو (النوع الاجتماعي) التمييز بينه وبين مفهوم الجنس أو (النوع البيولوجي)، فبينما يقتصر مصطلح الجنس Sex على الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة ويتسم بالتالي بالجبرية والاستاتيكية كون الفروق الجسدية بين الرجل والمرأة فروق ثابتة وأبدية، نجد أن مصطلح الجندر مفهوم دينامي حيث تتفاوت الأدوار التي يلعبها الرجال والنساء تفاوتاً كبيراً بين ثقافة وأخرى ومن جماعة اجتماعية إلى أخرى في إطار الثقافة نفسها، فالعرق، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والعمر، عوامل تؤثر على ما يعتبر مناسباً للنساء من أعمال. ولذا فإن طرح مفهوم الجندر كبديل لمفهوم الجنس يهدف إلى التأكيد على أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء وكل ما هو متوقع منـهم، فيمـا عـدا وظائفهم الجسدية المتمايـزة جنسيـاً، يمكن أن يتغير بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة، في أواخر سبعينيات القرن العشرين أصبح مألوفاً الجدال بأن هناك فرقا بين (الجنس) و(الجندر). فالجنس مصطلح بيولوجي، اما الجندر فمصطلح اجتماعي، وتري الباحثات في الشؤون النسوية أن ربط الاضطهاد بالخصائص البيولوجية الثابتة ينطوي علي التضليل ولهذا قضين سنوات يبحثن عن نظرية لاصول هوية الجندر: سايكومعرفية، سايكوتحليلية، سوسيولوجية، اقتصادية، ام مزيج من كل هذا؟
وهناك بإيجاز، فارق يمكن استخلاصه بين الجنس والجندر. فجانب (الجنس) يتميز بحد أدني من العوامل البيولوجية التي تجعلنا نميز جسدا معينا باعتباره جسد امرأة أو جسد رجل. أما الجندر فهو قصة الجسد الاجتماعية أو السيكولوجية أو الثقافية، أي أنه النظرة الاجتماعية أو السيكولوجية للاختلاف الجنسي، وهو مجموعة من الصفات المحددة ثقافيا". 10
ومصطلح الكتابة النسوية" مصطلح يقتصر استخدامه على نوع معين من الكتابة النقدية النسائية التي نبعت من نسوية الناقدات الفرنسيات المعاصرات، مثل لوسي إريجارى وهيلين سيسو وجوليا كريستيفا. والعنصر الذي يميز هذا الشكل من النقد النسوي هو الاعتقاد بأن هناك مجالاً لإنتاج النصوص يمكن أن يسمى (أنثوياً) ولكنه مستتر تحت سطح الخطاب المذكر ولا يظهر إلا من آن لآخر، في صورة انشطار في اللغة المذكرة. وثمة افتراض آخر بأن المرأة تُعطى هوية معينة في إطار البنيات الذكورية للغة والسلطة وأنها يجب أن تسعى للتصدي لهذه الهوية المفروضة.
هذا الاتجاه يُفهم عادة على أنه يفترض وجود أنوثة جوهرية يمكن استحضارها، وأنه من الممكن أيضاً التمييز بين الكتابة الأنثوية حقاً والأشكال اللغوية الأخرى، لكن بعض الناقدات مثل إليزابيث جروز في كتابها (جاك لاكان: مقدمة نسوية) (1990)، ومارجريت هايتفورد في كتابها (لوسي إريجارى، الفلسفة بصيغة المؤنث) (1991) تقولان إنه من الخطأ النظر نظرة حرفية إلى العلاقة بين جسد الأنثى وعملية الكتابة في أعمال بعض الناقدات مثل لوسي إريجارى، وتؤكدان أن إريجارى تستخدم ثنائية النوع الذكر / الأنثى على سبيل التعبير المجازي، ومن ثم تضع (تفسيراً رمزياً للتشريح) كما تقول إريجارى نفسها في (غرة المرأة الأخرى) (1974). وتوضح إليزابيث جروز ذلك بقولها: (إن إريجارى وغيرها من النسويات اللاتي يقلن باختلاف لا يشرن إلى جسد الأنثى بالمعنى البيولوجي، ولكن بقدر ما تكتنفه اللغة وتنتجه وتضفى عليه المعنى"11 
" ان تناول الأدب كحامل لخصائص النوع تناول حديث ، فتؤكد النظريات التقليدية، نظريات المحاكاة والتعبيرية ، الطريقة التي يصور بها الأدب الطبيعة الإنسانية الشاملة، لكننا نتبين بالفحص الدقيق أنها صفات ذكورية أساساً ، وتصور نظريات النقد الجديد النص باعتباره تجسيدا لحساسية موحدة تسمو على النوع، وترى النظريات الشكلية الروسية والبنيوية وما بعد البنيوية والتفكيكية ، في مقولاتها الأصلية الكتاب والقراء على أساس اللغة والأيديولجيا والطبقة ولا تراها على أساس النوع " 12
ولكن الحديث عن أدب نسائي وأدب ذكوري يدفعنا لطرح تساؤلات منها هل يندرج تحت مفهوم الكتابة النسائية ما تكتبه المرأة بعيدا عن ما يخصها من قضايا؟ وهل يندرج تحتها ما كتبه الرجال عن قضايا المرأة منحازين لها؟ وهل تميزت هذه الكتابة على مستوي البنى الفنية وليس المضامين عما يكتبه الرجال من بنى فنية؟
" فليس كل ما تكتبه النساء يمكن إدراجه ضمن الكتابة الأنثوية التي أوجدتها – كمصطلح- هيلين سيسكو محددة إياها بأنها الأسلوب الذي يمكن به التحرر من طغيان المنطق الذكوري السائد والقائم على الازدواجيات المتضادة، إذ يمثل الرجل العناصر الإيجابية كلها (الفعالية، المنطق، الفعل، الحضارة...الخ). بينما تمثل المرأة تضادها السلبي (السلبية، اللا منطقية، القلب، الطبيعة... الخ) ويكون هذا النوع من الكتابة ذا سمات خاصة فهذه الكتابة هلامية، زئبقية تتخذ من جسد المرأة وفكرها وثقافتها منهلاً ثراً تنهل منه، وتجد مكانها في الغائب والناقص والمطمور والمقموع والمتمزق واللا معرَّف وبشكل تتوافق مع إيقاعات جسد المرأة الذي ينتفض ضد كل محاولات قمعه وتهميشه."13
ورغم وجود بعض سمات لإبداع المرأة قد تدفع البعض إلى المغالاة في تمييزه عن إبداع الرجل إلا أنني أقف إلى جانب الرأي القائل بأن الكتابة حالة إنسانية شاملة و المعاناة الإنسانية واحدة لدى المرأة و الرجل و بالتالي المنتج الإبداعي لهذه المعاناة سيكون متشابها ولا فرق فيه بين إبداع ذكوري وآخر أنثوي.
*المرأة بين الصورة والواقع
" الخطاب المنتج حول المرأة في العالم العربي المعاصر خطاب في مجمله طائفي عنصري, بمعنى انه خطاب يتحدث عن مطلق المرأة/ الأنثى ويضعها في علاقة مقارنة مع مطلق الرجل/ الذكر. وحين تحدد علاقة ما بأنها بين طرفين متقابلين أو متعارضين, ويلزم منها ضرورة خضوع احدهما للأخر واستسلامه له ودخوله طائعا منطقة نفوذه, فان من شأن الطرف الذي يتصور نفسه مهيمنا أن ينتج خطابا طائفيا عنصريا بكل معاني الألفاظ ودلالاتها وليس من الصعب كذلك أن نجد في نبرة خطاب (المساواة) و(المشاركة) إحساسا بالتفوق نابعا من افتراض ضمني يحمله الخطاب بمركزية الرجل/ المذكر. فالمرأة حين تتساوى فإنها تتساوى بالرجل, وحين يسمح لها بالمشاركة فإنما تشارك الرجل. وفي كل الأحوال يصبح الرجل مركز الحركة وبؤرة الفاعلية. ويبدو الأمر كأنما هو قدر ميتافيزيقي لا فكاك منه ولا مناص, وكأن مرحلة سيادة الأنثى في بعض المجتمعات الإنسانية, وكأن كل فاعلية للمرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية فاعلية هامشية لا تكتسب دلالتها الا من خلال فاعلية الرجل". 14
وفي كتاب د. طه وادي,( صورة المرأة في الرواية المعاصرة) ) يأتي العنوان متوافقا مع رؤية الكاتب ومعبرا عن صورة المرأة كما رآها في رؤيته النقدية, حيث يشير إلى سبب اختياره للعنوان, يقول: "كان اختيار صورة المرأة في الرواية لنرى من خلالها كيف عبر الفن عن الواقع؟. وعن منهجه في الدراسة يقول: "يشتغل بحثنا بالإجابة عن تساؤل هو: كيف عبر الروائيون عن طريق تقديمهم لصورة المرأة في الرواية عن الواقع الذي يعيشون فيه, وكيف عكست الرواية صورة الواقع من حيث أزماته وصراعه ومثله وتياراته الفكرية وتطوراته الاجتماعية".
ولكن حين التعمق في متن الدراسة نلاحظ أن كلمة صورة لم تكن أكثر من عنوان, يتقارب مع الرؤية السائدة لوضعية المرأة بأنها صورة, وهذا ما جرت عليه العادة بالرؤية لوضعية المرأة ودلالتها في الأدب. أما الكتاب فانه يتناول بالدراسة والتحليل التغيرات الاجتماعية والسياسية والأدبية والفكرية, التي برزت آثارها في الرواية المصرية كما جسدتها منذ عام 1919 وحتى عام 1952. وانعكست بدورها على واقع المرأة المصرية, انطلاقا من أن حركة المرأة والمجتمع في مصر كانتا متوازيتين في مسارهما سلبا وإيجابا. وعرضت الدراسة لواقع المرأة في بعض الروايات الرومانسية والواقعية, محاولة إبراز واقع المرأة ومكانتها ومدى ارتباطها بالواقع وعلاقتها بالمجتمع ودلالتها الفكرية والفنية.
ومن القضايا التي تناولها د. وادي: 
ـ المرأة الباحثة عن الحب الذي يجسد أزمتها في البحث عن الحرية وتحقيق الوجود الفردي.
ـ المرأة المتمردة على واقعها.
ـ شعور المرأة بالاغتراب عن مجتمعها.
ـ المرأة المحرومة عاطفيا واجتماعيا.
وإذا نظرنا إلى القضايا التي تناولها الناقد بالدراسة, نجد أنها لا توحي بصورة بقدر ما تقدم رؤية واقعية للمرأة في مجتمعها وواقعها المعاش. الا أن معنى الصورة في رؤية د. وادي تماثل الواقع, وهذا مخالف للحقيقة للغوية والاصطلاحية لمعنى الصورة والواقع. كما انه استخدم تعبير "صورة المرأة" كأداة فنية لكي يصل من خلالها إلى كيفية تعبير الكتاب في الفترة المدروسة عن أزماتهم ومواقفهم الفكرية من حركة المجتمع."
أما حضور المرأة في الشعر العربي فتشكل حسب العصور المختلفة, حيث لم يتحرر الشاعر من طيف المرأة, وكانت احد عناصر قصيدته الراسخة, فتارة تتصدر مطالع القصائد لتختفي حينا, وتعود إلى الظهور من جديد في متن القصيدة. ولكن لم تأخذ المرأة حضورها الإنساني والواقعي الا في الشعر الحديث, فبعد أن كانت امرأة للغزل والنسيب, أصبحت شريكا في حمل المشاغل والهموم, وعبر الشعر الحديث عن المرأة من جميع جوانب وجودها الإنساني, عشيقة وحبيبة وأما ومناضلة, وحاملة وسائل الخلاص وأدوات التطهير من اجل الحياة.
إن الشخصية في العمل الأدبي تحمل صفة اجتماعية ـ واقعية, وتؤدي دورها في عملية الإنتاج الاجتماعي. وكل إنسان في المجتمع سواء أكان ذكرا أو أنثى, يأخذ أهميته في المجتمع من الدور الاجتماعي الذي يقوم به. وهذا هو واقع الشخص أو الشخصية الأدبية التي يعبر عنها في وجهة النظر الأدبية.
"إن أفحش الفواحش يمكن تبريرها، عن طريق كبش فداء، عن طريق إسقاط ظلالنا على الآخرين، وأفضل كبش فداء، الحلقة الضعيفة في المجتمع "المرأة" فتخلفنا وعجزنا الحضاري وقلة حيلتنا في مواجهة التهديدات والمصاعب التي تواجه مجتمعاتنا من تسلط وفساد واستعباد، لا نجد إلا المرأة نصب عليها القيود التي تغلل مصائرنا لنحجبها عن الحياة ونعكس عليها عجزنا في التقدم والتحرر، وهذا التوصيف يتقاطع مع واقع المرأة أينما كانت في العالم العربي، لكن ربما يكون إضافة لما سبق هناك قيود أكثر حدة وصرامة على المرأة في صعيد مصر. 
قد يبدو للوهلة الأولى أن المرأة المصرية حصلت على الكثير من الحقوق التي لم تحظى بها من قبل، ففي صعيد مصر ومقارنة مع الفترة الفرعونية نجد إن المرأة عار، يشتهيها البعض ويشمئز منها بآن واحد، وترجم في المجالس العامة، وإذ تجرأت وتحدثت فهي عاهرة أما إذا بقيت صامتة فهي قديسة، هناك في صعيد مصر توضع الأم في إطار زجاجي محكم الغلق، ففي مجون افروديت وطهارة العذراء ، وفى ميوعة كليوباترا وصلابة حتشبسوت ، يدعو الرجل لحرية المرأة ويعود فيكبل أغلالها من جديد.
هكذا ينظر الرجل للمرأة في صعيد مصر وفق مجموعة من المتناقضات ما بين التمسك بالعادات والتقاليد ، المحكومة بالبيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والدينية، آو التظاهر بمسايرة التطور الحضاري بمفرداته التي تبدو شاذة على مجتمع " طيني " يستنكر كل ما هو جديد ويزداد تمسكا بالقديم.
ربما الحق الأهم الذي غيبت المرأة الصعيدية بشكل كامل تقريبا عنه، إلا ما ندر هو حق المشاركة السياسية ، الذي يعتبر المعيار الأهم لدور المرأة في أي مجتمع كان، فالمرأة في الصعيد بنظر شريكها الرجل هي للاستعمال أو الإشباع الجنسي وحاضنة أطفال ، فصورتها لدية جارية أكثر منها شريكة فعليها الطاعة والخضوع له.
فالباحث المصري أمير الصراف يعتبر إن الصورة الأزلية الأنثوية بصعيد مصر لم تتطور كثيرا لأنها مازالت محفورة بفطريتها في الأذهان، فليس هناك في مجتمع فطرى كمجتمع الصعيد مجال للحب الأفلاطوني المجرد الخالي من الشهوات مثلا فالنظرة الشمولية للرجل الصعيدي لشريكته في الحياة جنسية في المقام الأول.
فالمرأة في الصعيد المصري تريد إن تمارس حقها السياسي لتجد في ذلك الحق ذاتها وتبحث عن اهتماماتها داخل نطاقه وتشبع وتنمى مواهبها الكامنة، ولكن تبقى النظرة الذكورية الشاملة ،التي تتحول بالتالي في نظرة دونية عائقا قويا بينها وبين المشاركة السياسية، ومن ناحية أخرى خضع الأب الصعيدي لشروط الواقع الاقتصادي الجديد فوافق على خروج ابنته إلى العمل على مضض وذلك نظرا للحالة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها ليس أكثر." 15 
الفصل الثاني 
من مبدعات السرد في وسط الصعيد
* ضمير المتكلم وصورة الأخر و براح واسع للبوح 
* الميل للتجريب 
* ما بين الجسد والنص 
****
تأتي النماذج التي نتعرض لها بشيء من التحليل لنصوصها السردية كتجارب إبداعية للمرأة في وسط الصعيد ( سمية العجوز، جمالات عبد اللطيف محمد ، ابتسام الدمشاوي ، عبير فوزي ، ريهام حسني ) مبدعات تحققت في إبداعهن سمات الجدة والأصالة الفكرية، كما مثلن سمات المبدع بقدراتهن التعبيرية وامتلاكهن الدافعية والمثابرة والقدرة على اختراق كثير من الحواجز التي وضعت في طريقهن بما امتلكنه من موهبة وكذلك بم اتيح لهن من بيئة أسرية ومعرفية لم تكن محبطة لروحهن المبدعة كذلك نجدهن جميعا قد نلن مستوى تعليمي عال سمح لهن بالتواصل مع عوالم المعرفة والإبداع على خلاف ما يفرضه الوعي المجتمعي في صعيد مصر الذي يلزم المرأة جانب الصمت، وهذه الدراسة هي محاولة لإلقاء الضوء على بعض الجوانب في تجربتهن السردية وليس تحليلا نقديا متكاملاً لأن تجربة وإبداعات كل واحدة منهن جديرة بعدة دراسات منفصلة ولكن البحث بطبيعته الإقليمية كحيز مكاني هو ما فرض علينا الجمع بين كل هذه التجارب السردية ( رواية وقصة قصيرة ).
* ضمير المتكلم وصورة الأخر براح واسع للبوح:
1- في الرواية:
"أريد اسما لم يدخل في صراعات وحروب بلا هوادة، أريد عمرا غير الذي ضاع مني وسط سنوات الشقاء في البحث عن عمل يكفل لي بيتا وأكلا ساخنا ونقودا وفساتين ، 
يتردد صدى الصوت في جوف الأحلام 
كلهم على الباب..
أنهض... أسرع... أمد يدي إليهم في لهفة : احملوني .. وخذوني إلى أي مكان .
تختفي العيون ... ترتفع السماء ...أعود .. أطل ... أنادي الصوت...
ينزل الفجر وتسخن الشمس ... ويطل الضوء من نافذة الحجرة ليكفن حلم الفجر ... الحلم يطاردني .. يقبض سنواتي أولا بأول "16
هكذا تكشف سمية العجوز في مستهل روايتها "قصتي والعم صالح " عن معاناتها حين تتماهى مع بطلتها في الذات الساردة عبر ضمير المتكلم الذي يفتح أمامها فضاءات للبوح على امتداد الرواية وعبر أحداث تجربتها في البحث عن الحب الحقيقي وصولا إلى العشق الصوفي عبر وجدانها واحساسها الرافض لسيطرة الرجل لنجد أن ضمير المتكلم أتاح لها منذ عنوان الرواية أن تجعل المتلقي من البداية إلى النهاية يرصد عبر رؤاها صيرورة التجربة" تراجعت عن أحلامي وبدأت أنظر بعمق إلى الأشياء من حولي ،وإلى حياتي الشخصية وهي مجردة من أوهامالأحلام العرضة . تركت لعاطفتي ومشاعري النمو بلا حدود أو قيود فكانت التجربة العميقة التي دفعتني دون أن أدري إلي لقاء العم صالح وتعلقي به ..هي أهم أحداث حياتي الوجدانية .."17 
وكيف ألبست الرجل على امتداد الرواية ضمير الغائب وهي تنتقد كل صور القهر التي يمارسها ضدها الرجل حتي ولوكانت بسيف الحب وعرضت صورأ للتسلط الذكوري عبر( أحمد شكري) الذي تصفه بالرجعية لمواقفه المتشددة ضد خروج المرأة للعمل من وجهة نظرها وعبر(خالد إبراهيم ) الضابط الذي أحبته في مراهقتها وحياتها الجامعية والذي يزيد على موقف أحمد شكري من المرأة بالقسوة والغلظة والقهر في معاملته لها وهي رغم انتقادها له عبر أحداث التجربة تقر بتعلقها بحبه الذي ترفضه للانتصار لذاتها المتطلعة ،وغيرهم من الرجال الذين مروا بحياتها غيبتهم جميعا بسرد تجاربها معهم عبر أسلوب الفلاش باك إلا العم صالح الذي يقودها إلى الشفافية والصفاء الروحاني عبرتجربتها في التعلق به،ورغم ذلك نجدها تنتقد هيمنته على مريديه وتجاهله لحبها له رغم أنه يصل بها في نهاية التجربة إلى الحب الأسمي وهو الحب الإلهي 
ورغم أنها تسرد الحدث الذي يجري بينهما على إمتداد الرواية إلا أنها تصر على أن يكون ذلك عبر ذاتها الساردة لتغيبه هو الأخر في نهاية الرواية " لقد فررت من حياته غير نادمة بل راضية عما فعلت قانعة بما أصابني من مشاعر حب ضمتني بضعة شهور، مع السعادة أخيرا شعرت بالنار المندلعة بين ضلوعي تخبو الهواجس التي سيطرة على فؤادي شهوراً وكانت تمور في أغواري تسكن للأبد، ووجدتني أنهض لأملأ نفسي بروعة الكون وبهاء الخالق العظيم الذي يتجسد في كل جمال حولك.. فإذا بي أشعر بفرح فياض ، أهيم لأذوب في ملك الله"
ورغم محاولاتها عبر الرواية لاستخدام الجمل الحوارية التي تصنع تعددية للضمائر داخل النص إلا انها شحنتها بمواقفها الناقمة على الرجل بكل صوره رقيقا كان أو قاسيا، واعيا متحرر الفكر أو حتي متشدداً وأسقطها ذلك في هوة مباشرة الجدال الفكري والفلسفي في الرواية انحيازا لرؤاها المسبقة ورغم أن الرواية تسرد تجربة وجدانية فيها نزوع للتصوف لا نكاد نجد اللغة الصوفية المحملة بالرؤي العقائدية ولا حتي أشعارهم سوى في مقطع واحد هو أقرب للمناجاة في نهاية الرواية كان بمثابة إشارة للنهاية التي أردتها الكاتبة.
وتأتي جمالات عبد اللطيف محمد في روايتها ( يا حبة الروح) لترسم لنا اختيارا أخر للمرأة التي تحاول إثبات وجودها عبر العطاء والذي هو السمة التي تضع المرأة في المكانة التي تستحقها سواء أكانت زوجة أو أماً ولكن عندما يقابل العطاء بالتجاهل والنكران لا تجد سوي حديث النفس منفذا لهمومها وأحزانها عبر ضمير المتكلم الذي يصحبها من بدء الرواية إلى نهايتها
" مرتبكة صرت منذ الأمس .... على عتبات الغد يقف القلب مرتعداً" 19
"دقات قلبي تعلو دقات طبولهم، واهتزاز أعصابي دونها بكثير اهتزاز خصور البنات وارتجاج صدورهن لا أحد يشعر بي " 20
" أشياء صغيرة جدا ،مهمة جدا، أخذت أسمع صوت تحطمها " 21
"انهالت طبقات الظلام عليّ، صورة مخبوءة في فجوات اللا وعي استلتها يد الظلام وفرضها على ذهني .. صور الموؤدات " 22 
هكذا منذ بدء الرواية تنفث الكاتبة وجعها النفسي جراء جفاء الرجل وتجاهله لمشاعرها وأحاسيسها منذ ليلتهم الأولي ذلك الرجل التي تحدت الجميع بأنها ستنسيه زوجته الأولى التي تركته وتسعد معه وتسعده تنفس ذلك الألم عبر ضمير المتكلم الذي يصحبها على امتداد الرواية حتي بعد أن قررت أن تعيد إليه حلمه الذي فقد الأمل في تحققه بتحويل أرض الصحراء إلى حدائق وحقول مثمرة تجده يناديها باسم زوجته السابقة في أكثر لحظاتهم حميمية لتعود إلى حديث نفسها 
" جريت لأغتسل بماء بارد رغم برودة الطقس بعض الشيء،ذلك لإحساسي بأني مرحاض – مجرد مرحاض لهذا الرجل من الخجل والهوان أشعر أني مثل الرماد وبلون التراب،
أكره ليلتي هذه أكره يومي كله ؛ أكره ما فات من عمري وما هو آت ... أغلقت غرفة الضيافة عليّ؛ الحزن يحرث قلبي والخوف يتلبسني صغيرة كبيرة الخوف يطاردني ، يشاطرني عمري "23
في براعة تحاول الكاتبة أن تخلق من ضميرالمتكلم طاقة تنفث من خلالها بطلتها آلامها النفسية عبر علاقتها مع زوجها وحتي بعد أن تحولت معاناتها إلى انتظار الولد الذي لا يجيء تفقده دوما قبل اكتمال الحمل يظل ضمير المتكلم وحديث النفس سبيلها للبوح " وينزلق جنيني لا أملك أن أبقيه في أحشائي حتي يكتمل نموه ، أحمله في كفي ، والليل خارج بيتي يرقبني أقول له ، يا ليل أسترني ، سأفعل ما لم تفعله امرأة قبلي، سأودع صغيري رحم الأرض، سأزرعه... لن أدفنه ، قد يكون رحم الأرض أوسع ، أنقى ، أكثر أمنا من رحمي ..."24
كذلك نجد أنها تجعل من الرجل في حياة بطلتها سواء أكان زوجا أو ولدا مثارا للدافعية ومبعثا للأمل وروح التحدي بينما يكون الأخر بالنسبة لها إما الأنثي الأخري أو النفوس الطامعة فيما تصنعه من آمال
" آه من غير هذا الرجل يمكن أن يجعلني في تحدي مع أنوثتي سأتحدى فيه بنات المدينة البيضاوات االشاحبات المحتجبات عن ضوء الشمس وحرارتها الممتلئة صدورهم بدخان المصانع .... الرجل جعلني في تحد مع نفسي ومدى مقدرتي على انتزاع ذلك القلب الذي سكنته جنية البحر .."25 
ما أروع سحر الكتابة حين تصبح كطبيب ماهر يجتث من النفس جذور المعاناة والألم عبرحسن اختيار السارد للضمير الذي ينجح في رسم دواخل النفس الانسانية وعبر براعة التصوير وحسن استخدام المفردات المكانية والزمانية وأنسنة الموجودات وخلق صراع متنامي داخل النص يملك على القاريء لبه ويطلق سراح خياله ليشارك المبدع رسم مصائر شخوصه وأبطاله، بل نجد أن البيئة الصعيدية تتسلل عبر وصفها وصورها " عيناها بلون قصب السكر وشعرها بلون الشفق المنثال من فم الشمس الغاربة " وكذلك الموروث الشعبي من أمثال وأغاني بل وشيء من العديد .
2- في القصة القصيرة 
يظهر هذا الملمح في رحلة ابتسام الدمشاوي مع القصة القصيرة نجدها عندما كانت حريصة على أن ترصد واقع ابطال قصصها بريشة فنان أو عدسة مصور تبتعد عن ضمير المتكلم فلا نكاد نجد في مجموعتها الأولى (موعد مع" أبو الهول") سوي قصة "وهم" والتي تقص معاناة نفسية للبطل وفي مجموعتها الثانية (دفء مغادر) نجد القصة الصورة قد تحولت لسرد صورة من الأعماق فزادت القصص التي لجأت فيها إلى ضمير المتكلم مما دفع الدكتور جمال التلاوي إلى القول " ربما تتنوع الصور القصصية في هذه المجموعة لكن يظل الرابط واحد متمثلا ً في شكل الرواي الواحد الذي لا يتغير هذا الراوي الذي تمثله شخصية أنثوية تظهر وتطغى ع

ليست هناك تعليقات: