الجمعة، أكتوبر 24، 2014

أين تبيت النوارس؟...محمد بنميلود . .





أين تبيت النوارس؟:

الحياة حانة صغيرة
والنادل عجوز
أقترح أن نطلب قنينة أخرى لأجله
لقد كان نجار زوارق فيما سمعت من بعض السكارى
إن ثمل سيحدثنا عن بواخر عملاقة وصلت ذات مرة من أذربيجان
محملة بالتوابل والعبيد
نبحت عليها كلاب المرسى البرونزية
في عصر آخر ليس من سنوات
بل من بخور الصندل والخوف والضباب
عن عراكات رجولية باللكمات دون قفازات
في المطر المائل بالعاصفة وهياج البحر
فوق حافة الميناء الزلقة
دون تدخل من البحارة
كما تجري العادة هناك
في المكان البعيد جدا عن أعراف المدينة
حين يُقذف بالخاسر إلى البحر
كمرساة ثقيلة
بلا حبل
تلفظه الأمواج بعد أسبوع في ساحل ناء
كما يلفظ السكير الأدرد
عظمة الزيتون
ليدفن بعيدا عن المقابر
وعن القمر
بمحاجر فارغة
كما يدفن غريق وثق أكثر من اللازم في صلابة ذراعيه
دون تدخل الشرطة في شؤون لا تعنيها
العجوز النادل الأعزب ذو العينين الصغيرتين
والنظرات البعيدة لجدار قريب يتهدم
سيحكي لنا بألفة الأجداد
التي تفوق ألفة الشعراء
وسنسمع صرير بكرات قديمة وريح بحرية مالحة في صوته
تلك الريح البحرية
الليلية
حيث جلستُ ذات مساء
على حافة الزورق
ألف سيجارة
وأنظر بعيدا
خلف آفاق اللازورد
خلف المغيب البحري الموحش بالحنين
حيث الكنوز والعذراوات والجنيات والقراصنة يُهرّبون جزيرة
كنتُ صياد أسماك فقَسَتْ للتو
صغيرا على البحر
صغيرا على الحب
تتدلى رجلي لتلمس سطح الماء بالكاد
وكان في نظراتي
وغنائي
حبيبة بعيدة
خلف تلك الآفاق
التي يأتي منها الليل
أتساءل وأنا أسحب السمكة الصغيرة جدا
الناجية من الحيتان
ومن طيور الصخور
أتساءل وأنا أعيدها إلى الماء:
أين تبيت النوارس؟
لم أكن بحارا كما يجب
كنت أراقب البحر والبحارة من بعيد
مندهشا بأعماق الحياة المخيفة
بالكدمات والصمت
بالقسوة الرجولية التي للشعر الذي لا تكتبه
سوى الريح
على شاطئ مهجور
مترددا في العودة إلى البيت
أرفرف بساعديّ النحيلين
واقفا على حافة الزورق
متسائلا بزعانفَ من شِعر
أين تبيت النوارس؟
بعيدا عن البحارة
حيث حانة صغيرة على الصخور
ونادلة بعيون من المحار الملون
وشعر من حرير طحالب الجُزر
ونظرات من مجاز
أحببتها خفية عنهم
تصلني فقط همهماتهم
وغناؤهم الجماعي
وشتائمهم
وقهقهاتها
أجدّف بقدميّ
ناظرا عكس إبحاري
صغيرا على البحر
صغيرا على الحب
غيورا على النادلة
غير مرئي من بعيد
وليس لزورقي في الظلام مُحرّك
كانت حكايتي هي هذه
في عصر آخر ليس من سنوات
بل من بخور الصندل والخوف والضباب
وكلاب برونزية تتبع السفن العملاقة بالنباح
حتى تختفي
والآن يا رفيقي الشاعر
هل فهمت قصدي؟
في هذه الحانة الصغيرة الآمنة
وسط المدينة
حيث موسيقى الجاز مناسبة
والسكارى أبدا لا يتجسسون على بعض
مستعدون أكثر من أي شيء آخر للرقص
ولتبادل العناق دون عراكات
فلنترك الشعر جانبا
كقنينة فارغة
ولنطلب قنينة أخرى
مليئة
كاملة
من نبيذ أحمر
كدم التُّونا
وكرسيٍّ خيزراني
لنادل الحياة العجوز
البحار
الذي بلا أحفاد
وبلا أولاد
سيحكي لنا حكايته العجيبة
بألفة الأجداد
التي تفوق
ألفة الشعراء
لننصتَ في صوته وهو يبحر
لهدير الأمواج الجميل
ساعة
غرق
السفن
. محمد بنميلود .
.

ليست هناك تعليقات: