السبت، يوليو 19، 2014

..قصة من مجموعة "الخيمة والعاصفة"الـــــــــــــــــدار.. للاديب محمد عبد الله الهادي






قصة من مجموعة "الخيمة والعاصفة"

الـــــــــــــــــدار
ــــــ
كانت تباهي بدارها الصغيرة التي تقع علي حافة المدينة بعيدة عن الزحام، وكان المرج الأخضر المجاور يحمل إليها الهواء المعبأ بأنفاس البرتقال والنعناع البري.. 
لكنهم عندما جاءوا واحتلوا المرج سدُّوا عليها المنافـذ، نصبوا وحدات مستوطنتهم، واقتلعوا شجيرات البرتقال، وجرفوا أحواض النعناع، وأحاطوا أنفسهم بالأسلاك الشائكة. لم يكن بيـدها أو بيـد "أبي مازن" فعـل أي شئ..
كانا في وقت العصر يجلسان سوياً أمام الـدار، يتطلعان للزرقة اللانهائية التي تأخذهما حتى البحـر، وكانت البنات علي مرتفع المرج الأخضر يصنعن لهوهن البريء، الآن خلتْ الـدار، تعلقتْ كل بنت برقبة زوج، وجرتْ سنوات العـمر..
عندما أطلُّوا عليها من خلف الأسلاك، هالها كم الحقـد والضغينة اللذين سقطا علي دارها الصغيرة من أعينهم. نثرت نثار بخورها علي الجمرات بالمبخرة، وطافت حول الدار سبع مرَّات وهي تتمتم بالمعوذتين. عندما طالتها أفواههم بالشتائم والسباب، لم تفهم شيئاً مما يقولونه، نظرت لـ "أبي مازن" وضحكتْ، وشرعتْ إصبعها في وجوههم وهي تردد: " حـد الله بيني وبينكم.. حـد الله بيني وبينكم".
لكنهم في توالي الأيَّام راحوا يتخلصون من نفايات المستوطنة بإلقائها علي الـدار الصغيرة، واضطرت مع "أبي مازن" أن يقضيا وقتاً طويلاً في تنظيف المكان كل يوم. ولم يكن بيـد أي منهما فعـل أي شئ ـ فيما بعـد ـ عندما انهالت عليهما قطع الحجارة من وراء الأسلاك، والطلقات النارية التي كانت تشق سكون الليل فوق سقف الـدار وتوقظهـما مفزَّعين في عـز اللـيل. كانا يؤملان بأن أهل الخرافة خلف الأسلاك لابـد أن يتعـبوا في يومٍ ما، وأن يصيبـهم الملل، ويتركونهما في حالهما، وينسون أمـر الـدار..
لكنهما صبيحة هذا اليوم، قفـزا من فراشهما مفزعين علي صوت هدير آلة، ظنا أنها تمشي فوق رأسيهـما. ولمَّا خرجا فوجئا بشعب الخـرافة وقد اقتلعوا الأسلاك وأحاطوا بالـدار، وشاهدا الجرَّافة الضخمة تغـرز أسنانها الوحشية في الحائط، قفزا سوياً في لحظة واحدة أمامها ، احتضنا متشابكـين، تكورا معاً كرةً من اللحـم الحي، تمتما بالشهادتين اللتين طارتا لأعلى في الزرقة اللانهائية التي أخذتهما صوب البـحر، واستنشقا سوياً مرَّة أخـرى أنفـاس البرتقـال والنعنــاع البرِّي.
.

ليست هناك تعليقات: