الجمعة، مايو 02، 2014

مقطع من قصة "صلصلة" للاديب خيري عبد العزيز


حياة محمود محددة المعالم.. لا تتعدى حدود القرية.. مع اشراقة شمس الصباح يضع حقيبته "السمسونيت" على عجلته "النصر" ليبدأ رحلته اليومية.. رنين الجرس الذي يتعمد قرعه عند بيوت بعينها؛ تشرئب له رقاب "أعيان القرية" من فرجات البيوت, فيما تتحسس أيديهم الذقون الخشنة أو الشعر الطويل.. العجلة "النصر" التي اشتراها حديثا, بديلا جيدا عن الحمار الحصاوي اللئيم, الذي كان يعانده ويعتكف الصمت, فلا يشعر أحد بجولات محمود الصباحية, مما كان يضطره لاحداث بعض الجلبة بنفسه؛ من نحنحات وسعال وخلافه, كما أنها لا تأكل ولا تشرب ولا تمرض ولا تطالبه بشيء..
وعلى عجلته, وبحقيبته, يطوف القرية شرقا وغربا, يحلق لكل من أرسل في طلبه, أو يتعهده محمود بموعد ثابت, أو أغراه رنين الجرس بالحلاقة.. بعدها يلتزم محمود دكانه الصغير, يطلبه فيه شباب القرية, وصغار الفلاحين.. سيناريو حياتي ثابت لا يحيد قيد أنملة؛ إلا في يوم واحد.. يوم الثلاثاء من كل أسبوع, حيث سوق القرية الكبير, العامر بالخلق وخيرات الله, وفيه لا يعير محمود أحدا التفاتا حتى ينفض السوق, ويذهب عُماره إلى حال سبيلهم..
الآن كرسيه الخيزران منصوب على أعتاب السوق, منهمكا يحلق على عجل. مقصه يصلصل على أشده, وهو يكاد يلهث؛ ليلاحق التجمهر من حوله. فلاحين وباعة وخلق كثير, كل ينتظر دوره. يبدو بينهم بمقصه وحركة يديه وجسده الضئيل مثل مايسترو لجوقة موسيقية أفرادها من الضخام العتاة, ذوي الشوارب المفتولة المعقوفة كمخالب الصقر.. جميعهم يثرثر, ولا أحد يستمع كما ينبغي, ويبحلقون في براعة يدي محمود وخفته, ولا يتحركون سوى للجلوس على الكرسي الخيزران كلما خلى وانتهى محمود من رأس وذقن أحدهم..
مقطع من قصة "صلصلة"
خ.ع

ليست هناك تعليقات: