الأربعاء، أغسطس 31، 2011

د. زكي سالم يكتب في الذكري الخامسة لرحيل نجيب محفوظ



ها هى الأيام -كالجبال- تمر مر السحاب، وها نحن فى الذكرى الخامسة لرحيل أستاذنا الحبيب نجيب محفوظ، ونحن أيضا فى الذكرى المئوية لميلاده. فأى شىء تحقق مما قيل بعد رحيله، أو عن الاحتفال بمئويته؟! متحف ومركز ثقافى باسمه فى منطقة الجمالية، وكتبه تطبع طبعات شعبية فى مكتبة الأسرة، وتدريس رواياته وقصصه فى المدارس والجامعات، واهتمام إعلامى وثقافى بإبداعاته و.. و.. كل هذا وغيره قيل على لسان المسؤولين، وتم تشكيل لجنة من كبار المثقفين للتنفيذ فورا، فماذا تحقق من كل هذه الوعود؟!


لنسأل وزير الثقافة، الصديق الدكتور عماد أبو غازى، أين ذهبت خطط الدولة فى تخليد ذكرى مبدع عظيم من أبناء مصر المخلصين؟ وهنا لا بد أن نؤكد حقيقة بديهية، وهى أن محفوظ شخصيا فى رحاب مولاه، ولا يحتاج منا أى شىء على الإطلاق، وإنما نحن الذين فى أشد الحاجة إلى إبداع محفوظ وأدبه. ومن المعروف أن ثورة يناير العظيمة، لم تخرج من فراغ، وإنما جاءت بجهد وعمل وتضحيات وإبداع ونضال وكتابة أجيال عدة، ومن ضمن هؤلاء المبشرين بالثورة نجيب محفوظ، فأعماله الأدبية، وكتاباته المباشرة، كانت تدعونا للثورة على الظلم والقهر والطغيان، ومحفوظ من أكبر دعاة الديمقراطية فى عالمنا العربى، وهو من أشد المدافعين عن مبادئ حقوق الإنسان وكرامته.


فمحفوظ قيمة كبرى فى حياتنا المصرية، ولا يصح أبدا أن نتجاهل كل هذا الجمال والرقى، والإبداع والتحضر، الذى يمثله نجيب محفوظ. وسأشير هنا إلى قيمة واحدة كان يجسدها طوال حياته، وهذه القيمة الإنسانية يحتاجها كل مبدع، بل وكل إنسان. وأعنى بها قيمة احترام العمل وإتقانه.


فمنذ أن قرر محفوظ أن يكرس حياته كلها لكتابة القصص والروايات، وحتى آخر لحظة فى عمره، وهو يضع فنه هذا فوق أى شىء آخر فى الحياة! إذ لا يسمح لشىء -مهما كان- أن يعيقه عن مواصلة إبداعه الخلاق.


فقد تجد كاتبا يكتب من أجل الحصول على المال، أو الشهرة، أو المجد، أو إعجاب الناس به، أو غير ذلك من أسباب، أما نجيب محفوظ فلم يكتب من أجل أى شىء من هذه الأشياء! فقد بدأ الكتابة فى زمن لا تدر فيه الكتابة أى أموال، واسـتمر لسنوات طوال يكتب دون أن يلتفت إليه النقاد، ودون أن يعرفه الناس، لكن كل هذا لم يعقه عن مواصلة عمله الإبداعى، فى إصرار ودأب وجد ومثابرة، حـتى إنه كان يصف نفـسه فى هذه المرحلة، بوصف عجـيب، إذ قال إنه كان يعمل «بعناد الثـيران»، وقال أيضا إنه كان يكتب مثـل «وابور الزلط» دون أن يلتفت لأى ثمرة قد تأتى، أو لا تأتى من متاعب الكتابة ومعاناتها! فقد تعرض الأستاذ للكثير من المتاعب -طوال حياته- بسبب الكتابة، لكن هذه الكتابة فى ذاتها كانت دائما هى الهدف، وما يقدمه للناس من إبداع هو غاية ما يريده.. فالفن العظيم عند الفنان الحقيقى، هو الثمرة التى يعمل من أجلها طوال عمره.

نقلا ن / التحرير

ليست هناك تعليقات: