د.علاء الأسواني
لا يحتاج الأديب المصري العالمي د.علاء الأسواني إلى تقديم، فهو صاحب إحدى أكثر الروايات جدلاً ونجاحاً في تاريخ الرواية العربية وهي عمارة يعقوبيان التي باعت منذ سنوات نسختها المليون على مستوى العالم وترجمت لأكثر من عشرين لغة، كما أنه من المثقفين أصحاب الموقف السياسي الواضح والمعارض بشدة للنظام المصري الحالي، وعلى الرغم من نجاحاته العالمية والجوائز العديدة التي حصل عليها إلا أنه لم يحصل على أي جائزة رسمية من مصر التي اختار نظامها ان يكون في موقع الخصم من الأسواني المتواجد بقوة في العديد من المعارك الثقافية والسياسية، وعلى الرغم من أن الأسواني مشغول حالياً بمعركته مع أحد المراكز الإسرائيلية التي ترجمت روايته الأشهر عمارة يعقوبيان رغماً عنه، إلا أن تصريحات وزير الثقافة الأخيرة ضده والتي هاجمه من خلالها فاروق حسني في ضراوة، وي سابقة خطيرة يخرج من أجلها وزير الثقافة لمهاجمة أحد أشهر وأبرز مثقفي بلده كانت تستوجب نشر ذلك الحوار الذي أجريناه في بداية أزمة الدستور وشاءت الأحداث والظروف ان نجد فيه رداً على هجوم الوزير على الأسواني في حوار حصري استأذنا الأسواني أن ينشر على موقع الدستور الأصلي
د.علاء الأسواني.. هناك تصريحات قديمة منسوبة لوزير الثقافة بأنه سيدخل المثقفين المصريين إلى الحظيرة.. سؤالي لك : هل دخل المثقفون المصريون إلى حظيرة الدولة؟
الكثير منهم دخل للأسف لكنهم ليسوا المثقفين الحقيقيين، فإذا كان مفهوم المثقف هو الصحفي المشهور والكاتب الكبير فللأسف عدد كبير منهم دخل الحظيرة، لكن مفهومي الأوسع للمثقف يضم فئات محترمة لم تدخل الحظيرة وترفض أن تكون ضمن حظيرة الدولة، فأساتذة الجامعة الذين كونوا حركة استقلال الجامعات 9 مارس، ورفضوا إعطاء السيدة سوزان مبارك الدكتوراة الفخرية هم مثقفون يرفضون الدخول للحظيرة، والقضاة المحترمين الذين قادوا حركة استقلال اقضاء في 2005 هم مثقفون حقيقيون لم يدخلوا الحظيرة..هؤلاء لهم مواقف، والمثقف الحقيقي موقف وإن لم يكن له هذا الموقف فهو ليس مثقفاً على الإطلاق، ولهذا لا أفهم على الإطلاق أن يكون هناك مثقفين مقتنعين بأن دورهم يكمن فقط في الكتابة دون اشتباك مع قضايا وطنهم، فهؤلاء للأسف الشديد تجد معظمهم يكتبون عن رفض الظلم ويدافعون عن الناس على الورق فقط وحين تطلب منهم موقفاً واضحاً وصريحاً على أرض الواقع منهم من يهرب ومنهم من يختفي ومنهم من يعطيك مواقفاً مائعة .
بمفهومك هل يعد وزير الثقافة مثقفاً أم لا؟
وزير الثقافة ليس مثقفاً بالمرة لأنه غير مشتبك مع قضايا وطنه..والذي فعله جابرييل جارسيا ماركيز الكولومبي من أجل القضية الفلسطينية أكثر بكثير من الذي فعله مثقفون مصريون وعرب، بل ومن وزير الثقافة نفسه، فالثابت هو أن المثقف يجب أن يكون في خندق الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، أما كونه وزير ضمن هذا النظام القمعي هذا يزيل عنك دور المثقف الحقيقي.
لكن هناك أنشطة كثيرة تقوم بها وزارة الثقافة؟
معظم أنشطة وزارة الثقافة يجب أن تتبع وزارة السياحة فما يفعله فاروق حسني ليالي سياحية وليس مهرجانات..عندي صديق مخرج فرنسي كبير حضر مهرجان اسكندرية وقال لي أن الغرض من المهرجان كان التصوير والرجل أصاب كبد الحقيقة. مش المهم ما تفعله لكن المهم أن يراه الرئيس.يا عزيزي عندنا نظام ديكتاتوري يعمل فيه الوزراء لخدمة شخص واحد ويقومون بأنشطة من أجل إرضاء شخص واحد وينشر فيه الصحفيون من أجل قارئ واحد ولذلك لم أستغرب أن تحدث فضيحة الأهرام وما أسمته بالصورة التعبيرية والتي فضحتنا أمام العالم ولم يحدث شئ لرئيس تحريرها ولا للمسئول عن تجريس مصر بسببها في العالم لأنه لم ينشرها لنا نحن كقراء وإنما نشرها لقارئه الوحيد وهو الرئيس الذي لم يحاسبه ولم تغضبه الصورة.
لكن واضح أن الرئيس راض عن فاروق حسني فهو لم يحاسبه فيما يتعلق بلوحة زهرة الخشخاش مثلاُ، بل أن الوزير نفسه لم يعتذر ولم يظهر نفسه ف دور المقصر أو حتى المسئول.
- حينما تكون في خدمة شخص واحد فقط فمن السهل إرضاؤه، ووزير الثقافة لم يركز على شكوى محسن شعلان من عدم عمل كاميرات المراقبة وإنما كل ما ركز عليه الوزير الذي كان بصدد حملة ترشيحه لليونسكو هو الستاير!!
فاروق حسني إذن يريد أن يعفي نفسه من المسئولية السياسية في موضوع لوحة زهرة الخشخاش والمدهش والمضحك أن الوزير لو وجد شيئاً إيجابياً يكون مسئولاً عنه أما في حال وجود فساد فإنه يسارع للتنصل من مسئوليته.
لك موقف من ترشيح فاروق حسني لليونسكو وأعتقد أنه كان موقفاً قوياً.
قلت في صحيفة اللوموند الفرنسية أن هذا الرجل لم يكن مرشحاً من الشعب المصري ولم يختره أو ينتخبه بل كان مرشح رئيس الجمهورية، وقد سألت الناس في إحدى ندواتي عن رأيهم بعد خسارة فاروق حسني الذي لا يمثل مصر فوجدت أنهم سعداء لذلك.هو أصلاً غير لائق فهو وزير في نظام قمعي وهي مشكلة كبيرة لوزير ثقافة العالم الذي لا يجب أن يقبل أن يكون وزيراً لنظام استبدادي يقمع المواطنين ويعذبهم ويقتلهم.
ألم تكن لديه أي مقومات أخرى تشفع له
الوزير لا يتقن الانجليزية والفرنسية بشكل كاف وهو شئ مدهش وخبراته الدولية صفر أمام المرشحة الأخرى التي فازت، ومصر بها على اقل عشرة آلاف شخص يصلح لليونسكو أكثر من فاروق حسني، وهذا رأيي الذي أقتنع به تماماً .
لكن هناك دائرة من المثقفين قريبة من وزير الثقافة ، وبعضهم بمثابة مستشاريه..ماذا فعلوا؟
المثقف لغة هو الذي ثقف الشئ أو شذبه ويستعمل للغصن أو السيف..اختيار بليغ جداً لأنك عندما تشذب الإنسان يكون هناك موقف..القريبين من وزير الثقافة ليسوا مثقفين بقدر ما هم جامعي معلومات وهي لم تدفعهم ليبدعوا أو أن يكون ليهم موقف. بعضهم مثقفون بلا موقف..جاهزون دائماً لفعل الشئ ونقيضه بمنطق الاستورجي على رأي صديقي داوود عبد السيد فهناك مثقف حقيقي له موقف، وهناك مثقف استورجي أفسدته علاقته بوزارة الثقافة
لماذا لا نعتبر بعضهم راجع نفسه واكتشف أن الوزير على صواب، وأنه الجانب الأفضل الذي ينبغي الوقوف فيه؟
أحترم المراجعات لو كانت حقيقية، لكن ليس هناك اختلاف أو وجهة نظر في حقوق المصريين أو التعذيب في أقسام الشرطة..كان فيه ناس مع الاحتلال إما أن تكون معه أو ضده فعندما تكون مع الاحتلال لا تقل لي أنها وجهة نظر هو موقف يجب أن تحاسب عليه ويجب أن أختلف فيه معك.
لكن بعضهم لديه مواقف واضحة
- صحيح.. لكن الظاهر منهم للأسف نوع آخر منتشر الآن، وهو النوع الذي أصبح يسجل أنواع من المواقف على المستوى القومي بأن يوقع بياناً ضد إسرائيل ولا يوقع بياناً ضد التوريث.هناك نوع من الإعفاء من الواجب الوطني أو الإنساني، وهو شئ ليس موجوداً في العالم.لا يجوز أن تدافع عن الإنسان في كتابتك ولا تدافع عنه وهو يقمع تحت شرفتك، وفي رأيي أن السبب في ذلك هو وزير الثقافة كما أنهم هم أنفسهم سبباً في ذلك لأنهم قبلوا على أنفسهم أن يسيروا في القطيع ويدخلوا الحظيرة.
كيف ترى الوضع السياسي الآن في مصر؟
كل ما يحدث في مصر الآن إذن يستحق وقفة والبعض يراه من قبيل العبث.في مصر نحن نعيش في دائرة أسميها دائرة( كأن)، فمعظم ما يحدث في مصر (كأنه) حقيقي مع إنه كاذب..رئيس الدولة يتحدث عن إصلاح ديمقراطي وهو بقاله 30 سنة يحكم يعني (كأن) الديمقراطية موجودة لكنها ليست كذلك..شئ غير معقول.افتح اتليفزيون لتشاهد أعضاء مجلس الشعب يصرخون في الجلسات لتشعر و(كأن) الأمر يعبر عن برلمان حقيقي مع ان الحقيقة تؤكد أن مجلس الشعب عندنا معين وليس منتخباً، وهذه الدائرة مستمرة في كل حالات مصر..يعني أحمد زكي بدر يذهب لمدرسة هو يعلم جيداً أن بها مشاكل ويأخذ معه الصحفيين والكاميرات لتلتقط له الصور التي يشاهدها شخص واحد يجب أن تقدم له فروض الولاء والطاعة ليبدو و(كأنه) يعمل بجد واجتهاد وشايف شغله كويس.
أنت من أنصار أن مصر لازالت محتلة؟
بعض الموسوعات لا تعرف الاحتلال بكونه قاصراً على قوة أجنبية بل هو سيطرة مسلحة لمجموعة من الناس أو الفئات على الحكم في بلد وتسخير موارد هذا البلد لمصلحتهم الخاصة..يعني الاستبداد الذي نحن فيه هو نوع من الاحتلال وعندما أدافع عن بلدي وعن حقوق الناس وحقهم في الاختيار في مقابل من يساعدون الناس على مزيد من القمع ضد هذا الاحتلال.
هل تعتقد هذا الاحتلال وليد الثلاثين عاماً الأخيرة فقط؟
مصر محتلة بالاستبداد منذ 1952..عبد الناصر كان لديه حضور استثنائي يجعله يعبر عن الشعب المصري..عبد الناصر كشخص وليس كنظام لأن نظام عبد الناصر اخترع العديد من الاستبداد، والناس كانت تحب عبد الناصر لكن نظامه ترك لنا هذا الإرث من الدولة الاستبدادية والقمع والنظام الحالي وجد آلة القمع دائرة فظل يعمل عليها، وأذكر قول أحد الشعراء في عبد الناصر بأنه "كان عظيم المجد والأخطاء"..لأنه كان أكثر رؤساء مصر حرصاً على تطبيق الديمقراطية.
لكن ألا تتفق معي أن الموضوع لم يكن بهذه المثالية أيام عبد الناصر؟
أتفق طبعاً، فأي عمل سياسي إما أن يتم من خلال عبد الناصر أو يتم تدميرك..ولكن نفس النظام كان يتمتع بأفق متسع جداً في حرية الإبداع.. يعني عندما يكتب نجيب محفوظ ميرامار وثرثرة فوق النيل وتنشر في الأهرام أتحداك أن يحدث ذلك الان. في المسرح كنت ترى النقد المباشر لمختلف الأوضاع. كان هناك أدوار مهمة لرجال يفهمون في الثقافة مثل ثروت عكاشة وهيكل والدور العظيم الذي لعبه كل منهما، أما الآن ( يضحك).
كيف تقيم تجربة النظام الحالي مع المثقفين؟
طبيعة الحاكم المستبد أن يقرب إليه أنصاف المثقفين..فهو ينظر للمثقفين الحقيقيين بازدراء على أساس أنه يعرف أكثر مما يجب ولذلك هو يقلق ويخاف منهم ..التركيبة العسكرية ضد المعارضة وهذا شئ مفهوم في الجيش..العسكري في سلطة مدنية لا يمكن أن تتغير عقليته وبالتالي هو يقلق من وجهة النظر الأخرى..العقلية العسكرية لا علاقة لها بالديمقراطية..وعبد الناصر وشارل ديجول استثناء..لا يوجد مستبد عادل لأن الاستبداد أصلاً ظلم فأين العدل؟
لماذا تستثني عبد الناصر دائماً؟
عبد الناصر كان مخلصاً وشجاعاً وقريباً جدا من الناس حتى تشعر أنه كان منتخباً دون انتخاب وهذه هي المفارقة لأنه لم يكن يحتاج لهذا النظام الديكتاتوري، وجنازة عبد الناصر وحدها كانت انتخاباً له في حد ذاتها، لكن المشكلة كانت في أنه قرب أصحاب الولاء قبل أصحاب الكفاءة وبالتالي كان من البديهي أن تحدث كوارث من نوع آخر، ويجب هنا أن نتذكر أن انتهاكات حقوق الإنسان بدأت من أيام عبد الناصر.
لوالدك الأديب عباس الأسواني تجربة في الاعتقال رغم كل ذلك
والدي اتهم في حريق القاهرة لكنه لم يعذب ولم يضرب ولم يعامل معاملة سيئة بل كان موجوداً في سجن الأجانب ويلعب الكورة ويشرب سجائر لاكي سترايك ويأكل من جروبي يومياً، (يضحك ) والحمد لله أنه لم يقبض عليه أيام عبد الناصر.
ترى إذن أن الثقافة المصرية بعافية شوية؟
لابد أن نفرق بين الثقافة المصرية والجهاز الثقافي الرسمي الذي تستطيع أن تلخصه فيما حدث في حادثة سرقة لوحة زهرة الخشخاش حيث الفشل الكامل والفساد الكامل رغم كون الثقافة المصرية هي من أهم روافد الثقافة العربية ونادراً ما تجد شيئاً ليس متفوقاً فيه مثقفين مصريين لكن المصيبة أن المنظومة الرسمية الآن تقضي على المواهب لأن فيها كل عيوب الحكومة المصرية.
لكن المنظومة الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة تستعين بمثقفين لإدارة الحركة الثقافية.. ألا تتجه أصابع الاتهام لهم وفق ما تقول
شئ سئ جداً.. أسوأ ما يمكن أن تتوقعه من أي شخص مثقف أن يتحول لأداة من أدوات الاستبداد وأغلب المثقفين القريبين من وزير الثقافة أشبه بدكاترة المعتقل الذين يمهدون السجين لمزيد من التعذيب، وهو نفس الدور الذي يفعله ترزية القوانين. علاقة المثقف بالأمن في عهد مبارك علاقة وطيدة جداً .. ، وما يحدث في مصر حدث في أسبانيا أيام فرانكو وفي أوروبا الشرقية حيث يبيع المثقف نفسه للأمن لكن المشكلة في رجل الأمن ..، وإلى الآن لا أفهم هذه الازدواجية الغريبة، فكيف يتحول الشخص المتدين المحترم إلى جلاد من خلال طاعة الأوامر ، واعتبار أن كل الناس يجب أن تتعذب، والغريب أننا نراه يسقط على الضحية كل الأوصاف التي تريح له ضميره، فالبنات في المظاهرات عاهرات، والأولاد خونة وعملاء وقابضين من برة.
ومن المسئول عن هذا من وجهة نظرك؟
لمسئول عن التعذيب هو الرئيس مبارك وإذا أراد الرئيس مبارك أن يبطل التعذيب سيتوقف التعذيب في مجرد 24 ساعة. أنت في بلد يعشق المبالغة في فكرة هيبة الشرطة، حيث ضابط الشرطة ليس في خدمة الشعب أبداً، وليس من قبيل الصدفة أن يتغير الشعار الشهير من الشرطة في خدمة الشعب إلى شعار آخر لا تكون فيه الشرطة في خدمة الشعب على الإطلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق