ملامح حزينة
للقاص / جمال فتحي عبد الرحيم بربري .... أسوان
(وجوجة) خرجت ممزوجة بمخاط أنفه ولعابه
.. أطلَقها على بعض الفتيات المارات
أمام عينيه ,هُن يضحكن ويثرثرن من الهاتف
الموجود تحت الإيشارب .. يرتدين ملابس ضيقة وقد وضعن في وجوههن كمية كبيرة من المساحيق .. ارتعن منه وولين فرارا ...
أخذ يضحك بصوت عال , قائلا كلمته ( وجوجة ) ...
يقفز حافي القدمين كطائر ، فاردا جناحيه في الهواء
.. يسمح بمرور رياح السعادة والحزن
من تحت إبطيه ..
سابحا في ظلمات بحر أيامِه، وعيناه لا تريان شعاع الأمل !! ...
الليل يعلن كالعادة في يناير عن شتاء قارس ..الناس يرتدون ملابس ثقيلة
..وهو مازال بجلبابه المتسخ
,والصديرى .. استسلم للنوم على الحشائش
الجافة ، ينظر إلى السماء قائلا , متى سوف ينتهي هذا العذاب
؟! .. وأغمض عينيه .
مجموعة من الشباب خرجوا من ملهى ليلى , يترنحون , تفوح منهم رائحة الخمر, أرادوا أن يكون هو تسليتَهم
.. أشعلوا قرطاسا ورقيا ووضعوه
بين أصابع رِجليه .. أفاق على لسعة النار ..اكفهر وجهه ولبس قناع الكلب المسعور ,أطلق صوت نباحه أمامهم , ففروا مفزوعين .. عاد لنومه مِن جديد ناظرا
إلى القمر والنجوم ...
أشعة الشمس الصفراء تخترق مسام جسده , خلع ملابسه وألقى بنفسه في أحضان النيل ...
السائحون الواقفون على متن
الباخرة أردوا تصويره فأشار لهم بيديه وقال: لا
.. استجابوا لطلبه .. قال في نفسه : محترمون !! ... خرج من النيل ,ارتدى جلبابه ..أحس بالجوع , راح يجوب الشوارع يبحث عن
الطعام ,دخل السوق, امرأة تنحني وتبدو تضاريس جسدها ..وجبة شهية من اللحم الأبيض
تتهيأ أمامه ,
تشترى الخضرواتِ من البائع الجالس فوق الأرض .. سال لعابه أرد أن يروى ظمأه
,أمسك بمؤخرتها ككلب مسعور, انهال عليه المارة والبائعون
بالضرب ,المرأة تصرخ وتولول ولا أحد
يقدِر على فصله منها ,انتهت شهوته قائلا (حمولة وفضيناها) .. الناس تضرب كفا بكف، منهم مَن أخذ الموقف بسخرية، ومنهم مَن أراد ضربه .. عادوا مِن جديد قائلين إن
الضرب في الميت حرام , تركوه ينصرف مِن أمامهم .. عاد مِن جديد للمشي , تذهب به أقدامه حيث دورات
مياه المسجد ,امرأة عجوز تلبس جلبابا أخضرَ
, تفترش مساحة من الأرض أمام
المسجد , بجوارها كوب شاي ساخن ,وسيجارة سوبر .. اقتنصهما منها ودخل بهما الحمَّام ,المرأة مِن خلف الباب تدعو
عليه قائلة (حسبي الله ونعم الوكيل ) (غور بيهم في ستين داهية ) !! ...
زجاجات الدواء الفارغة ,وشرائط العقاقير ,تملا جنبات الدورة .. قام بتنظيف المكان , وفتح خرطوم المياه على جسده
، ثم خرج ..
مؤذِّن المسجد يعلن عن صلاة الظهر ... الناس تركع وتسجد . هو ينظر في ثبات إلى القِبلة
,انسحب في هدوء مِن صفوفهم
, دخل الضريحَ الملتصق بالمسجد
,أخذ يلف حوله صامتا , يسمع كلام النسوة اللاتي أتين
مِن آماكنَ متفرقة يشكون أحوالهن لصاحب المقام والدموع تسيل من العيون ...
خرج ليحتسى الشاي مِن ( الغرزة ) التي بجوار المسجد , ينظر بتأمل لتلك الوجوه الجالسة الذين يصطنعون أساليبَ غريبة للتسول .. شباب في عز قوتهم وبأسهم يبيعون المناديل، وآخرون يلفون بالبخور .. نظر إلى الصبي الذي يحاول
سرقة إحدى الدراجات البخارية .. أقبلَ عليه دون أن يتكلم . نظر إليه الصبي فخاف وهرب
...
أتى صاحب الدراجة حتى يشكره على حُسن صنيعه , وأعطاه ورقة فئة العشرة جنيهات
. أمسكها بقبضة يده . ذهب بها إلى المرأة العجوز
الجالسة بجوار المسجد
.. تركها .. وانصرف ..
عاد مِن جديد يجوب الشوارع
, يعشق تقبيل الكلاب ومصاحبتهم،
وعندما يمل منها , يقطع ذيولها ...
هو العارف بمواعيد الموالِد المختلفة في جميع الأنحاء،
يذهب إليها دون أن يقوده أحد ..صعد إلى قمة الجبل , جلس بجوار مقام السيدة زينب
, جموع مِن النسوة أتت للزيارة
ومعهن عروس يوم الخميس مِن حولها البنات يغنين
( يا شيخ يا اللي على الجبل
... يا شيخ ندرك عليّ ..عجلين وأربع دبايح ... عجلين والدم سايح ..ياحوشي يا نيابة يا ده احنا
غلابه )
العروس ترقص
ويداها مخضبتان بالحنَّاء .. نزلت دموعه المتحجرة ومخاط أنفه , ولعابه .. أخرج من جيب الصديرى كيسا
أسودَ به دِبلة ومحبس وخاتم .. أشعل أعقاب السجائر التي يحتفظ بها وشرب معها برشامة
( ابتر يل ) .. أمشير يعلن عن غضيه حاملا
عواصف مليئة بالأتربة .. تتغير أمام عينيه المناظر والرؤى ..يجد نفسه شابا وسيما يرتدى
أغلى الثياب وينثر على جسده أزكى العطور ، صاحِبَ شهادةٍ عُليا .. أراد استكمال حياته مع فتاة
عشقها مِن كل قلبه، كانت تبادله نفس المشاعر .. اجتمعت العائلتان وحددا موعد
الخطوبة ..
لفظ البحر أخبارا سيئة ..تم القبض على أُمِّه في شقة
دعارة, أخذ يتخبط بين تلك الأمواج
المتلاطمة ,
غير مصدق لِما حدث , تغيرت ملامح وجوه أهل العروس
دون أن يتكلموا، فتحوا قبضة
يده ووضعوا فيها علبة الذهب بكيسها الأسود
حمل لقب ابن المومس ..عزف عن الكلام .. أصبح الصمت طريقه الذي لا
يقف في أماكن السعادة .. اصطنع التلعثمَ في الكلام والتظاهرَ
بالعبط حتى ينسى الناس سيرة أُمِّه المومس , ينزل مِن الجبل ويعود للسوق،
يلمح أختَه ترتدي النقاب خوفا من نظرات الناس
إليها .. أشفق عليها لقد حملت وِزرَ
أمِّها .. يراقبها باهتمام , دون أن تراه حتى تذهب إلى أول الشارع , يعود مِن جديد يساعد عم صبحي
بائع الفول في تجهيز أدواته ، ويرش الماء أمام العربة .. يعطيه الرجل طبق الفول، وبعدها كوب الشاي والسيجارة و ...
عمَّال الفراشة ينصبون معدات الفرح .. يأتي الليل وينتظر المغنية
السمراء
رقصَ في حركة دائرية تلف حوله
كل المشاهد التي مرت في حياته أمامه .. ولمَّا تعِب مِن كثرة شرب
كل شيء ألقى بجسده خلف المسرح .. صمت عن كلمة ( وجوجة )
صعدت المغنية على المسرح ... فين العريس ؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق