ما حدث بالأمس بجلسة المجلس الأعلى للثقافة للتصويت على جوائز الدولة يستحق أن نتوقف أمامه كثيرا.. كاتب كبير يشعر بالعار للمشاركة في اختيار الفائزين بجوائز الدولة ويصفهم بالمتخلفين عقليا!
أي صورة أسوأ نستطيع أن نقدمها عن ثقافة مصر وعن مثقفيها؟
وأي عار يجب أن نشعر به نحن في قرانا ومدننا البعيدة عن عيون المؤسسة وهؤلاء هم من يمثلون ثقافة مصر الرسمية ونجحوا في إفسادها بامتياز.. بعد أن أصبحت الجوائز تعطى للأصدقاء والمعارف وأصحاب الدم الخفيف، يريد هؤلاء التبرأ من خطاياهم التي اقترفوها عبر عقود بخطايا أكبر ونعت مبدعين كبار اتفقت ذائقتنا الأدبية على أعمالهم أم اختلفت بالمتخلفين عقليا!
وهو نعت لا يطال الفائزين وحدهم بقدر ما يطال كل مثقف وبقدر ما يطال الثقافة المصرية التي تشكل جوهر الثقافة العربية والإسلامية.
كنت وما زلت أرى أن جوائز الدولة هبات تعطى بسخاء لذوي الحظوة من المقربين وأهل الخطوة من أصحاب النفوذ والعلاقات، سواء قبل الثورة أو مابعدها!
فالثورة التي وطأت بأقدامها عتبات كل شارع وميدان في بلدنا لم تعرف طريقها إلى عتبات مؤسسة الثقافة.
كنت وما زلت أرى أن جامعاتنا ومؤسساتنا الثقافية لا تصلح كجهات ترشيح بعد أن دب فيها الفساد واعتل جسدها، ولم يعد لها وزن بين مؤسسات التعليم في العالم، وأن الأجدى أن يسمح للكتاب والمثقفين بترشيح أنفسهم لجوائز الدولة بما فيها جائزة النيل.. حتى لا يستبعد من الترشيح صاحب رأي حر أو من لا تربطه بأصحاب النفوذ صلة أو قرابة ولا تجمعه بهم سهرة أو جلسة شرب أو كان ثقيل الظل على قلوبهم !
كنت وما زلت أرى أن حال الثقافة المصرية لن ينصلح إلا إذا تراجع إلى الصفوف الخلفية من حكموا مؤسسة الثقافة لعقود وزهد جيل الستينات في صدارة المشهد وترأس كل اللجان والوقوف على عتبات كل باب لمنع اقتراب غيرهم من الأجيال فقد نضب معين إبداعهم وفسدت ذائقتهم وتلونت ضمائرهم ولم يقوموا بما يتوجب عليهم نحو ثقافة هذا الوطن ومستقبله بل ظلوا متشبثين بكراسي النفوذ كأعتى الطغاة يوزعون غنائم الثقافة على أهل الحظوة دون حياء أو خجل وألا يزيد عمر أعضاء المجلس عن الستين عاما.
كنت وما زلت أرى أن لجان المجلس يجب أن يطغى على تشكيلها الكتاب والمثقفون والفنانون وأن يتراجع تمثيل الأكاديميين والموظفين، وأن تعد اللجان بمثابة مجلس يمثل كل مثقفي مصر من حلايب وشلاتين وحتي رفح شرقا والسلوم غربا، وألا يستأثر بها المقيمون بالعاصمة القاهرة.. وأن يستقل المجلس الأعلى للثقافة عن تبعيته للوزير وأن يوكل إليه الرقابة على أعمال الوزارة وهيئاتها.
هذه بعض من أفكار لإصلاح مؤسسة الثقافة، لكن الدور الأكبر يقع على عاتق اتحاد كتاب مصر المعني كنقابة للكتاب والمثقفين بحقوق الكتاب والدفاع عن حقوقهم.
نريد من اتحاد كتاب مصر موقفا حازما تجاه الإهانة التي وجهها المجلس الأعلى للثقافة للمثقفين واتهامهم بالتخلف العقلي.. نريد من اتحاد كتاب مصر أن يقدم لنا جوائز محترمة جديرة باسم الاتحاد تتمتع بنزاهة وحيادية ولا تفصل على مقاس البعض أو تعطى كهبة للأصدقاء والمعارف.
نريد أن نشعر أن هذا الوطن ما زال به ضمير حي يدافع عن الحق والعدل ويقف ضد كل متسلط جبار ويرد كل معتد أثيم.
إذا لم يدافع اتحاد كتاب مصر عن الكتاب والأدباء فمن سيدافع عنهم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق