السبت، أبريل 25، 2015

على هامش البراجماتية ".. عادل الحراني





                      على هامش البراجماتية "
-----------------------------
- الذاتُ الإنسانيةُ تستحضر هويتها بمنطق براجماتى نفعى يقوم على مايستوجبه الواقع من احتياجات -
هل هذه المقولة صحيحة تماماً فيما يخص الذات الإنسانية ، أم أن هذه الذات تتحرك على عدة محاور تجعلها في كل مرة تستطيع أن تعمل على تغيير الواقع حتى أنه يتحركُ في مساراتٍ تحددها هذه الذات 
وهل يمكن أن نختصر العالم في حركته على أنها حركة براجماتية تستسلمُ فيها الذات لما يفرضه الواقع من احتياجات أم أنها ذات عصية تنفلت باستمرار لتلمسَ وجودَها ، وليس فقط بل للتحقق منه وفيه .. ؟
أسئلة كثيرة تجعلنا نطرق الباب على البراجماتية لتفوم بتعريف نفسها ليس كمنهج فلسفي كما يدعي البعض وإنما كطريقة في التفكير - كما أرى - .. 
أقام هذا التوصيف البراجماتي " تشارلز بيرس " فى أواخر السبعينات من القرن التاسع عشر فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو منهج يهتم بالتجريب ويؤمن بنتائج التجربة لا بالأفكار الجاهزة أو الحقائق الثابتة أو التصورات ، فهو منهج يؤمن بالتغير وعدم الثبات وينظر فى الجزئيات وليس فى الكليات ، ويقول " وليام جيمس " أحد مؤسسى البراجماتية ( إن ما هو صحيح اليوم قد يصبح غداً غير صحيح على الإطلاق ) .
وأرى وبشكل شخصى أن هذا الصرح البراجماتى كرست له الولايات المتحدة الأمريكية كل جهودها لأنه يتناسب مع روح هؤلاء الذين استوطنوا القارة فلا تاريخ ولا امتداد ، والتفاعل مع الآن والآن فقط ومايستدعيه الواقع والتجربة ، وعليه تبدو البراجماتية طريقة فى التفكير تقوم على المنفعة وقد يصل بها الحد إلى تبرير الوسيلة للوصول إلى الغاية ...
وعلى الرغم من أن المروجين لهذه البراجماتية يقولون أنها لا تصل إلى نهايات أو حقائق ثابتة ، إلا أن تلك المقولات لاتتعدى كونها إدعاءات وهرطقة ، فالبراجماتية تحاول أن تعطى لنفسها الحرية فى الإختيار وتجعل مرجعيتها التفاعلية هى الطبيعة والواقع وليس التصورات ، أى أنها تفسر الله بالطبيعة وليس العكس وهى هنا تتناقض مع نفسها خاصة وأنها لاتدعى الإلحاد .
كما انها لا تؤمن بالأفكار الجاهزة بل بالتجربة وهذا يتناقض مع طبيعة التجربة التي تقوم على الفرض والفرض في حد ذاته يتكئ على طابور طويل من الأفكار تأتي التجربة لتحقق هذه الأفكار أو ترفضها وتنفيها ، كما ان الفرض يقوم على تصورات سواء جاهزة أو إبداعية جديدة ..
وعلَّنى أرى أن البراجماتية طريقة فى التفكير تبدو مادية بحتة ، ربما بشكل مغاير عن مادية ماركس وانجلز وداروين وهيجل وغيرهم ، لكنها مادية خبيثة غبية نسيت أن التصورات تخرج بنا من الواقع إلى ظلاله وانعكاساته ، وعلها لم تكن تعرف ان العلم الحديث سوف يصل إلى اكتشاف أن الكون يوجد فى أبعادٍ كثيرة قد يصل ماتم اكتشافه حتى الآن إلى ما يقرب من 14 بُعد وأن المادة قد توجد فى أكثر من بُعد ، هذه هى ظلال المادة وانعكاساتها - كما أرى - وهذا يؤكد أن التعامل مع الواقع على الطريقة البرجماتية يعطى نتائج ناقصة بل وغبية .
الواقع فقط ودون التعامل مع انعكاساته يصبح حبيس الافكار والأفكار عامل من عوامل إعمال العقل ، نتائجه قابلة للخطأ الذريع تماماً كالحواس ، لماذا ؟ لأن العقل يعمل بأشياءٍ كثيرة منها الخاطرة والهاجس والمُفكرة والخيال وليس بالأفكار فقط ، ولكل من عوامل إعمال العقل وظائف متنوعة تستطيع أن تكتشف ماهية العالم التفكيكية المتغيرة باستمرار .
ومن ثم فوسائل إعمال العقل ضرورية لابد من استخدامها لإعماله بدرجة صحيحة ، وأن الأفكار سواء فى ارتباطها بالإحتياج - كما يقول البراجماتيون - أو الأفكار فى عالمها التجريدى - كما نادت الفلسفات القديمة - ليست كافية لإعمال العقل ، ذلك لأن المادة لها أبعاد وانعكاسات وظلال وربما وجود متعدد - ولا أعنى بالتعدد هنا الكم بل الكيف - فلابد من ذاتٍ تفكيكية تتوازى مع هذا التعدد.
وفيما يخص التصورات التي رفضها البراجماتيون اعتمد بعضهم ومنهم " وليام جيمس " لإثبات وجوبية هذا الرفض على بعض المقولات الفلسفية القديمة والتى تؤكد على أن العقل لايتعامل إلا مع الأشياء التى لها صور ذهنية يستطيع الإمساك بها ومن ثم التعامل معها وأن ثمة بعض الموجودات أو الاشياء مثل الحرية او الخير او الشر أو الجمال .... الخ لاتوجد لها صور ذهنية يستطيع العقل أن يتعامل معها ، وعليه تظل الأفكار وليدة الإحتياج الراهن الذى يستوجبه الواقع وليس وليدة هذه التصورات .
وأرى أن هذا الإصرار البراجماتى فى نظرته التجريبية حول شكل وجوهر التعامل القائم فيما بين الفكر والواقع والذى يتمنطق بالمنطق النفعى تشوبه مغالطات ونواقص كثيرة .
لأن الإنسان عبر تاريخه الوصفى والفعلى التجريبى لم يستطع التعامل مع الماديات فقط لأنه كان دائماً يصطدم بظلالها وانعكاساتها وعليه أصبحت لكل فكرة أدخلها الإنسان فى بنية عقله صورة ذهنية ممسوكة ساعدته على الوصول لنتائج مُرضية لمساحات انطلاق عقله، وأنه ليس كما قال بعض الفلاسفة أمثال هيجل وماركس وكانط وشوبنهاور وسارتروغيرهم أن ثمة أشياء ليس لها صور ذهنية .. لماذا؟
لأن الحرية على سبيل المثال وماأدخله الإنسان فى بنائها من أفكار جعل منها صورة ذهنية ممسوكة وكذلك مُطلق الخير او الشر او الإختيار أو الحب أو الجنس ... الخ .
وعليه لابد للعقل أن لايغفل أدوات الخيال والتأمل والمفكرة والخاطرة والهاجس كى يعمل بشكلٍ صحيح ويمسك بظلال الواقع وانعكاساته .
هكذا تتحركُ الذات وجودياً فتُبدع ..

ليست هناك تعليقات: