الخميس، يونيو 11، 2015

- على طاولة القراءات الثلاث -- ----( قصيدة النثر بين اشكالية الانزياح وفعالية الرؤية الحداثوية ) - - ----( دراسة نقدية حول تجربة الشاعرة السورية جانيت لطوف ) ( الناقد هاني عقيل / العراق )




نقد
- على طاولة القراءات الثلاث 
--
----( قصيدة النثر بين اشكالية الانزياح وفعالية الرؤية الحداثوية ) 
-
-
----( دراسة نقدية حول تجربة الشاعرة السورية جانيت لطوف )

- الناقد هاني عقيل / العراق ) 
--------------------------------------------------------------------------------------------------
ظاهرة الانزياح , كمعيار اتخذه بعض النقاد لتمييز اللغة الشعرية عن اللغة النثرية واللغة التواصلية, عندما تراجع المعيار الكلاسيكي ( الوزن والقافية ) , وتقدمت بدله خصائص أخرى يتكئ عليها الخطاب للتأكيد على شعريته . وإذا كان مصطلح الانزياح حديث النشأة فالظاهرة التي يدل عليها ليست بجديدة , فالانزياح لصيق بكل الخطابات المجازية بما فيها الخطاب القرآني , وقد اهتمت الشعرية العربية القديمة بخصوصيات هذه الظاهرة وإن عبرت عنها بمصطلحات أخرى تابعة للسياق الثقافي العام السائد آنذاك , مثل العدول والالتفات وشجاعة العربية ...إلخ. تحاول هذه الدراسة الإحاطة بجذور المصطلح في الثرات العربي , وتطوراته في الشعرية الغربية الحديثة , لتؤكد على المثاقفة الحاصلة بين الماضي النقدي العربي و الحاضر النقدي عند (الآخر) .
لقد ميز الدرس الغوي ومنذ دوسو سير يبين اللغة والكلام l إذ الأولى جماعية, والثاني فردي, والأولى عبارة عن قواعد من الوحدات اللغوية والتراكيب أي إنتاج " يسجله الفرد انفعاليا" وهي في ذلك شبيهة بمخزن, بينما الثاني " فعل ذاتي يتوفر على الإرادة والذكاء" وهو بذلك معرض دائم للتغيير.هكذا إذن تقوم اللغة كذاكرة ( وهي متسلطة وقاهرة) في مقابل الكلام كنشاط ( يتوفر دائما على فعالية الإبداع ويخلق لنفسه حرية ما ). ولعلنا نجد التمييز نفسه مع شومسكي في النحو التحويلي , إذ نلتقي بمصطلحين آخرين هما الكفاءة والأداء , والأولى مشتركة متشابهة والثاني فردي متمايز. وقد كان شومسكي يعول إلى حد كبير على " القوة الإبداعية أو القدرة غير المحدودة للغة الإنسانية ويرى أن النظرية النحوية لا بد أن تعكس قدرة جميع المتكلمين بلغة ما على التحكم في إنتاج وفهم جمل لم يسمعوا بها فقط" , ويتحقق ذلك عبر أنواع التحويلات المختلفة التي ينشئها المتكلم بلغة ما. من هنا سوف نتناول تجربة الشاعرة السورية ( جانيت لطوف ) لنصوص مختارة توافرت فيها مدخلات البحث الحداثوي*
-------------------------------------------------------------------------------------------------
-النصوص
خناجر منذورة للصراخ
أدمنت أغاني الوداع
يا ناي التعب
يا حارس الوقت
لملم بقايا زلازلك من دمي
من ذاكرة لا تعرف سر السبات
كل الضفاف تشهد على استشهاد البراعم
يبدو بمحراب الحياة
كنا منذورين
لسفر جديد خارج الذات
----------------------------------
لن أسامحك
=======
أراك بكثافة اللون المتناثر على لوحة عمري
أراك بوجه أمي المبتسم لنسيم وردي
بصحو النجوم الساهرة
بأريكة الدار المنتظرة إستراحة رأسك عليها
بقيظ شتاء ما عرف البرد معك
برقة نسيم الروح
شفاف كشعاع قمر هارب من ليلتنا الأخيرة المطفأة
من قبلنا المحروقة
لكن لن أسامحك
ما أن ناداك الموت حتى لبيت النداء
ونسيت لقاءنا في المدى
ولم تقبل أن أكون خيمة أحلامك
أناديك
أتحسس نبض روحك بقلبي
يدوخني عطر ك
متى تعيد لي رأتي المطمورة بصدرك
لأتنفسك حبا" وشوقا"
وأرسمك أيقونة خضراء وأعلقها على سقف سمائي التاسعة
- - - - - - -----------------------------------
أنا أمرأة
أخطأت أمي يوم ولدتني وأنتزعت حبلي السري
من رحم المتناقضات والخرافات
وعلمتني أن أجدل ضفائري إلى شجرة الياسمين
وأتلو صلاة التوبة
صلاة بعد صلاة
وأهدتني ثوب الحياء أحتمي به ، حين الخلاء
حتى أببجست من حضن الخرافات
لا الزمن زمني ، ولا لي الحكايات
لي ثورة الجوع وأنتفاضة الحياة
من صمتي يولد صبر أيوب
أشتهي أن أكتبك نبوءة على سطر المسافات
أجاهد أن أكتبكك سفر تكوين بعيدا" عن أخوة يوسف
وعن زليخة ...وعن كل النساء
وأعلنك شمسا" في ليل طويل
كانت المسافة بيننا
قبلة عطر
لكن أنتي الثكلى
أشعلت المسافات بعدا"
هاأنذا أعلنك حدادا" على طول الحياة
-------------------------------------------------------------------------------------------------
القراءة الاولى
----------------
1- تنشأ الازاحة ﺍﻟﻠﻐﻭﻴﺔ لدى الشاعرة جانيت لطوف نتيجة الانتقال من ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﻯ البلاغي ﻟﻠﻐﺔ ﺇﻟﻰ مستواها الشعري المتقد عاطفة ﻓﻔﻲ ﺍﻷﻭل تكون ﺍﻟﻠﻐﺔ مفاهيم مجردة ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟثاني تتطلب الرؤيا وبشكل طبيعي ﺃﻥ ﺍﻻﻨﺘﻘﺎل من والى المفاهيم الرؤية يتطلب التأسيس للازاحة وبالتالي تثوير اللغة ، فكلما اتسعت الازاحة اللغوية اتسعت الازاحة الشعرية وهذا يؤدي الى اقتراب النص خطوة نحو الشكل الخاص المميز
اذا ان الشعر يتجه نحو الشاعرية وهذا لايكون الا في لحظة اكتمال التجسيد صورة فهو انتقال من تجريدات ذهنية الى التجسيد صورةً فالشاعرة تتمكن في كل نصوصها من تثوير اللغة وبشكل حريف كما في هذا المقطع
خناجر منذورة للصراخ
أدمنت أغاني الوداع
يا ناي التعب
يا حارس الوقت
لملم بقايا زلازلك من دمي
من ذاكرة لا تعرف سر السبات
كل الضفاف تشهد على استشهاد البراعم
يبدو بمحراب الحياة
كنا منذورين
لسفر جديد خارج الذات
------
2 - ان اللغة لديها لاتبتعد عن الواقع ولكنها تتخلله فاذا كانت الوظيفة البلاغية تصف الاشياء
كما تدركها الحواس فأن الازاحة تعني الخروج عن العرف اللغوي للوظيفة البلاغية ولابد هنا ان يتتبعها شئ من الغموض ومن المسلم به(( كلما اتسعت الازاحة كلما تغير منطق تلك اللغة داخل وظيفتها ))
وتصبح مشكلة الغموض الشعري رهنا ( بالتعامل للغة مع وظيفتها الانفعالية )
(ومن الطبيعي لمنطوق اللغة العاطفي ان يعتمد على على (( المجاز والخيال ))
المنتج في التفريق بين الدوال ومدلولاتها ليعطل فعالية الذاكرة ليؤسس بدلا منها فعالية المخيلة ) جانيت لطوف تعطينا في كل مرة دليلا على سعة معرفية لديها في التعامل مع اللغة ووظيفتها الانفعالية كما في قولها
-
أراك بكثافة اللون المتناثر على لوحة عمري
أراك بوجه أمي المبتسم لنسيم وردي
بصحو النجوم الساهرة
بأريكة الدار المنتظرة إستراحة رأسك عليها
بقيظ شتاء ما عرف البرد معك
برقة نسيم الروح
شفاف كشعاع قمر هارب من ليلتنا الأخيرة المطفأة
من قبلنا المحروقة
لكن لن أسامحك
ما أن ناداك الموت حتى لبيت النداء
ونسيت لقاءنا في المدى
ولم تقبل أن أكون خيمة أحلامك
أناديك
-------------------------------------------------------------------------------------------------
القراءة الثانية
----------------
ينفي الشعر الحديث فكرة التوقع بين النص والقارئ الا اذا اتخذت فيه فعاليات الرؤية الحديثة عدة اشكال للازاحة
1- الشكل الاول / الازاحة المكانية
حيث تحفل نصوص الشاعرة السورية القديرة جانيت لطوف بتزاحة مكانية حيث يزيح النص شيئا عن المركز ليركز بدلا منه على مايرتبط به ارتباطا مجازيا وهذا ما نبهنا له في دراستنا النقدية في الهندسة المعمارية لزهاء حديد وهو البناء خارج المركز وفق معطيات هندسية متطورة والاعتماد على علائق منطقية متطورة حسب متتالية فيو ناتشي او النسبة الذهبية وكذا الامر بالاعتماد على نظرية فيثاغورس بشكلها المتطور
وخروج نصوص لطوف عن المركز ماهو الا شكلا حداثويا في اختراق منطق اللغة الحديثة
وهذا مانجده في قولها
وأهدتني ثوب الحياء أحتمي به ، حين الخلاء
حتى أببجست من حضن الخرافات
لا الزمن زمني ، ولا لي الحكايات
لي ثورة الجوع وأنتفاضة الحياة
من صمتي يولد صبر أيوب
أشتهي أن أكتبك نبوءة على سطر المسافات
أجاهد أن أكتبكك سفر تكوين بعيدا" عن أخوة يوسف
وعن زليخة ...وعن كل النساء
وأعلنك شمسا" في ليل طويل
كانت المسافة بيننا
قبلة عطر
-
2_الشكل الثاني / هو شكل ( التغييب )
حيث تعمد الشاعرة عن طريق تحويل الشئ الى وجود رمزي
الى تنمية النص لما حوله عن طريق استعاري وهو اضفاء صفات للاشياء على غير حقيقيتها وهذا مايدعم مبحثنا ان خلق عوالم جديدة في قصيدة النثر لايمكن ان يحصل وفق المنطق القديم والحسابات الكلاسيكية التي لايمكن تطبيقها الا على الاشياء الغير مزاحة والتي تستخدم وفق طبيعتها كما هي كما في قولها
أشتهي أن أكتبك نبوءة على سطر المسافات
أجاهد أن أكتبكك سفر تكوين بعيدا" عن أخوة يوسف
وعن زليخة ...وعن كل النساء
وأعلنك شمسا" في ليل طويل
كانت المسافة بيننا
قبلة عطر
لكن أنتي الثكلى
أشعلت المسافات بعدا"
هاأنذا أعلنك حدادا" على طول الحياة
-
3- الشكل الثالث / ( الحوار بين محورين ) المحوران يمثلان محور ظاهر الدال ومحور خفي وهو الدلالة ويمكن تسمية هذه الاشكال الانحراف عن الشئ الى وجود رمزي آخر وهذا الانحراف يوسع لدينا الرؤية بالاتحاد بالغيب او الميتافيزيقي ونحن نعلم الشاعرة ارددت لنا الاندرك الرؤيا الا بالرؤيا وهذا يعني ان على القارئ ان يستسلم للرؤيا للكشف عن النص الحداثوي فما يتجاوز منطق العقل لا يتم الحكم والتعاطي معه الا خارج العقل الوضعي فجانيت لطوف تتميز بهذا الطرح الحداثوي كما في قولها
-
أنا أمرأة
أخطأت أمي يوم ولدتني وأنتزعت حبلي السري
من رحم المتناقضات والخرافات
وعلمتني أن أجدل ضفائري إلى شجرة الياسمين
وأتلو صلاة التوبة
صلاة بعد صلاة
وأهدتني ثوب الحياء أحتمي به ، حين الخلاء
حتى أببجست من حضن الخرافات
لا الزمن زمني ، ولا لي الحكايات
لي ثورة الجوع وأنتفاضة الحياة
من صمتي يولد صبر أيوب
-----------------------------------------------------------------------------------------------
-( القراءة الثالثة )
-
مما لاشك به اننا ندرك بعد القرائتين الاولى والثانية لنصوص لطوف ان اللغة مجموعة تصورات تسري بمستويين للاتصال من خلال مظهرين للتعبير اما نقله على حقيقته او توليد عاطفة وفق رؤية مستحدثة والشعر هو مزيج بين ذلك ويمكن وفق ذلك ان نعد الشعر لغة اللغة ولهذا تختلف وظيفته التعبيرية عن باقي وظائف اللغة الاخرى لذا فأن الشعر ليس مجرد فعالية جمالية وانما فعالية دلالية تنتج قيمة مضافة بين اللغة والفكر التي هي انعكاس بين الكلمات والتصورات الذهنية الناتجة عنها وهنا تكمن فعالية الازاحة ولطوف شاعرة متمكنة من ايجاد انواع عديدة من اشكال الانزياح مما يميز تجربتها الشعرية الحداثوية
-
يا حارس الوقت
لملم بقايا زلازلك من دمي
من ذاكرة لا تعرف سر السبات
كل الضفاف تشهد على استشهاد البراعم
يبدو بمحراب الحياة
كنا منذورين
لسفر جديد خارج الذات
-
لكن لابد لنا هنا من التفريق بين اللغة الشعرية واللغة اللامعقوله رغم انهما شئ واحد فكلتاهما تتجاوز العرف اللغوي والمجاوزة التي لايمكن لنا تخفيضهالذا فالتفريق بينهما لايتم بالمجاوزة اللغوية بل من خلال طبيعة العبارةو الفاعلية وبذا تكون العبارة الشعرية موجبة اما العبارة اللامعقوله فتكون سالبة وتخرج عن مستوى اللغة الابلاغي ولكنها لاتستبدله بالمستوى العاطفي فهي قفزة في فراغ على العكس من العبارة الشعرية ( التي هي الالتجاء الى وطن اخر داخل اللغة بحيث لايمكن عدها تجاوزا خارج اللغة ) واذاما اهملنا هذا الوطن الاخر لايتبقى لنا سوى بعض الانقاض النثرية وهذا مانجده بنصوص هي اقرب الى النثر وخاصة تلك التي تفقد وظيفتها التفاعلية وتبقى صدى للغة شعرية كما في قولها
-
ما أن ناداك الموت حتى لبيت النداء
ونسيت لقاءنا في المدى
ولم تقبل أن أكون خيمة أحلامك
أناديك
أتحسس نبض روحك بقلبي
يدوخني عطر ك
متى تعيد لي رأتي المطمورة بصدرك
لأتنفسك حبا" وشوقا"
وأرسمك أيقونة خضراء وأعلقها على سقف سمائي التاسعة
------------------------------------------------------------------------------------------------
(الشاعرة في سطور)
-
الشاعرة لطوف تجربة شعرية حقيقة تصنع بونا شاسعا بينها وبين مدعي الشعر ممن استسهلوا قصيدة النثر لغياب الوزن والقافية لكنهم اغفلوا انهم وقوعوا في شباك اللغة المكثفة والايقاع الداخلي وااشكال الانزياح المتعددة لذا نحن حينما نتناول تحربة لطوف بهذه الدراسة نحن نؤسس لمعيار نقدي يمكن من خلالة التفريق بين النص النثري كخاطرة والنص النثري كقصيدة شعر حداثوي اذ تحفل نصوصها بنوع مميز من الاستجابة الذهنية بين النص والمتلقي وكذا بايقاع داخلي خاص وهو إيقاع التعاقب أو النمو المتوالي : تكون للجملة الشعرية أجزاء صغرى يؤدي أحدها إلى الآخر وصولاً إلى النهاية. وهو إيقاع ذو ميزة حركية تصاعدية رائعة
--------------------------------------------------------------------------------------------------شكري وتقديري لذياك الحرف المكين والنصو الباذخ
- شكري وتقديري للشاعر السورية جانيت لطوف
------------------------------------------------------- ( الناقد / هاني عقيل / العراق ------
-------( السبت / 6 / 6 / 2015 )

ليست هناك تعليقات: