الظلام يأكلنى ..
..
كانوا يعاقبوننى فى طفولتى ، كى أهتم بالمستقبل ، وأنا لم أكن أعرف كيف يكون شكل المستقبل ، وها أنا الآن أمشى بجاكت من الجلد الأسود ممسوح الاطراف ، أظل أمشى بجسد مترهل ، وبشعر يتخلله الشيب ، فأسرّحه على جانب ، أظل أمشى فى الليل القاهرى البهيم ، ولا أصل لشىء .
بمحاذاة الشوارع ، صار إيقاع الهذيانات
وفى سريرتي ، أراقب الكائنات التى تتصارع
بسخائها الفادح .
لن أنسى صفعة والدى التى طيرت أذنى ، لكى أهتم بمستقبلى
ولن أنسى محاولاتنا التى تظل تخفق ، مرات تلو مرات
وها أنا - بعنف - أخرج درج المكتب غاضباً ، متسائلاً :
كيف يكون المستقبل دون أن أتحقق ، دون أن نتحقق كلنا ؟
يدخل المستقبل فى علاقتى اليومية بالأجزاخانة ،
ويدخل المستقبل فى شغف الشيخوخة للإمساك بالجمال العارى .
المستقبل ليس فردياً ، المستقبل جمعى بالضرورة
وأنا أريد أن أرى الجانب الآخر من العالم ،
وهاهو المجتمع يدفعنا دائماً ، لكى نكون فى غاية الحذر
حتى أن بائع الآيس كريم ، يدفع بعربته الخشبية بقوة ، ليدور فى الحى الشعبى زاعقاً ، باحثاً عن مستقبله ، وأنا فى النافذة : أحس كما لو كان هناك شىء ، أريد أن أقوله ، ولكنى لا أعرف كيف أقوله ؟
أمامى فنجان القهوة ، وقطعة (الكرواسون) ، وفتيات فى الشاشة يجلسن دون تحفظ على أريكة طويلة ، ومعهن مجلات من بيوت الأزياء الراقية :
نحتاج دائماً ما يلدغنا كى نستيقظ
والزمان لا يثبت على حال .
كان على أن أدرك منذ البداية أن المستقبل موجود فى الماضى ، وفى الحاضر ، وكان على أن ادرك أن الحدود تتلاشى بين الملموس والمعنوى .
المستقبل له معنى أساسى : أن الشكل الواحد يمكن أن يوحى بمعان لانهاية لها .
أريد برهة من التاريخ
لأصد الجنازة المتلاطمة ،
أريد الحكمة التى تمكننى من أقرر :
أننا لكى ننجز مستقبلنا ، ينبغى أن نعرف .
دائماً هناك صوت خافت يأتينا من أقاصى الكون ،
وأنا ممسك بالقلم الجاف ، وقد نزعت عنه الغطاء بالفعل ، ولكننى لا أعرف ماذا سأكتب ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق