للقرية أخبار قديمة
إذا مررت يوما على قريتنا ... وقابلت أهلها ... فلا تسأل عن ثلاث .... الرجل الجالس في مقدمة المقابر على الأريكه الخشبيه المتشققه ... ملفوفا بعباءته السوداء ومستندا برأسه إلى بندقيته .... وسلمى أجمل بنات القرية المختفيه منذ عامين ... ومقام الإمام عبدالظاهر المنصوب فى أول البلدة حيث يفترش الناس ساحته الأماميه طوال النهار بينما تبتلعهم الأرض تماما مع غروب الشمس ....
إذا مررت ببلدتنا فى يوم ما ولم تتبع تلك النصائح التى ذكرتها لك سلفاً وتساءلت بحسن نية عن الرجل الجالس فى مقدمة المقابر على الأريكه الخشبيه فسيخبرونك هامسين ومتلفتين حولهم أنه الريس خليفه الطلحاوى أعتى مجرمي الناحية وانقي قلوب الأرض .... ستحك رأسك مستفهما حينها وتنطلق الأسئلة من فمك كالسيل لكنهم سيولونك ظهورهم رافعين أكتافهم ويغادرونك بلا إضافه .... فلا مجال للحديث مطلقاً عن الريس خليفة مع الغرباء أو فيما بينهم ....
أما الحديث عن سلمى سيكون أكثر إفاضه ودون همس أو التفات لكن إلى ذلك فلن تغنيك إجابتهم شيئاً .... فسلمى أجمل بنات القرية كما سيؤكد لك الجميع قد خطفها الجن منذ عامين حينما كانت تغسل ثيابها على شاطئ الترعه الضحلة ....ولك أن تصدقهم حتى وإن كانوا لا يصدقون أنفسهم وهم يقسمون بذلك على مقام الإمام عبدالظاهر ممسكين بلحاهم البيضاء الكثه
أما المقام فلن يخبرك أحد الكثير عنه.... ليس حرصاً وتكتماً ولكن لجهل حقيقي بالأمر ... فقط استيقظت البلدة صبيحة إحدى الأيام لتجده هناك مقاما بعناية فى أول القرية ... حتى الإسم لم يعلم أحد من أين جاء فقط راحوا يرددونه فيما بينهم حتى ألفوه ....
إذا قررت المبيت فى البلدة – بالرغم من أنى لا احبذ ذلك مطلقا – وجلست بالقرب من الحلقات البشرية التى يكونها أهل البلدة في المساء يشعلون النار فى وسطهم ليس لإعطاء قدر من الضوء ليلاً فأهل البلدة لا تعوزهم الرؤية فى شئ ولا يلقون لها بالاً ... ولكن لأسباب أخرى أهمها غلى الشاى الأسود المر الذى يتقاسمونه فيما بينهم على مدار الليلة وكأنه يأتى من بئر جوفي لا ينفذ..
إذا جلست بالقرب من إحدى الحلقات تلك ... بإمكانك سماع همساتهم القلقة حول الريس خليفة الطلحاوي ... لا يعلم أحد فى البلدة منبت رأس الطلحاوى ولا مكان عائلته ولم يتجرأ أحد ممن سنحت لهم الفرصة للحديث معه على سؤاله فظل الطلحاوى لغزاً يهابه أهل البلدة خاصة بعد قتله سبعة من أعيان القرية والقرى والنجوع المجاورة فى أسبوع واحد ....
إذا وصف أحدهم أمامك قوام سلمى وجمالها فامسك عليك نفسك ولا تشتهيها حتى لا يصيبك غضب الجن فسلمى الآن كما يؤكد الجميع زوجة لملك الجن ...بإمكانك تصديقهم أيضا إذا وجدتهم يتهامسون حول مهندس الري الأشقر الذى غوى سلمى فأحبته وانصاعت إليه هناك تحت شجرة التوت البحرية فقتله خليفة الطلحاوى الذى عشق سلمى وألقى بجثته فى الترعه تحت الكوبري ... البعض أيضا سيؤكد لك أن سلمى هربت إلى المدينة ذات ليلة تحت جنح الظلام بينما سيقسم لك البعض أن الطلحاوى قتلها ودفنها تحت شجرة التوت وأنها تظهر هناك للآن تغوى الرجال وتصحبهم معها إلى باطن الأرض ...
صوتٌ ضعيف يخرج من أقصى الحلقة يؤكد أن المدفون تحت مقام الإمام عبدالظاهر هو شقيق خليفة الطلحاوى الكبير الذى وفد إليه ذات ليلة حانقا ونشب بينهما عراك سمعته القرية بأسرها إختفى على إثره الشقيق الأكبر ولم يعلم أحد مثواه قال البعض أنه خرج فى نفس الليلة عائداً من حيث جاء ... بينما أكد البعض الأخر أن الطلحاوى قتله ووارى جثته الثرى ثم أقام هذا المقام فوق قبرة .... لعلك خمنت الآن من أين جاء إسم المقام ...لاترهق نفسك كثيراً فلن يستطيع أحد تأكيد ظنونك تلك أو نفيها ...
إذا نعقت الغربان فوق رأسك فاعلم أن الليل قد إنتصف ... لابأس إن نظرت فى ساعتك لتتبين الأمر - هل فعلت ؟.....- إذن عليك الآن وبكل سرعة مغادرة المكان وإيلاج إحدى الدورالتى سيضطر أهلها لاستقبالك فمن غير المسموح البقاء فى الخارج بعد منتصف الليل ... لا داعى لإخماد كومة النار المشتعلة فستنطفأ بمفردها ....
إذا دخلت إحدى الدور الطينية فى البلدة بعد انتصاف الليل فنام على الفور ولا تطل مطلقا من النوافذ فالجن يحومون الآن فى الشوارع .... بإمكانك سماع حديثهم الطويل كصفير الحشرات الليلية ...
وحده خليفة الطلحاوى يبقى فى الخارج بل متسكعاً فى أزقة القرية النائمة المتلحفة بالسواد واخماد شعلات النار المتبقاه من السهرة الليلية وطرق الأرض بكعب بندقيته المحشوة دوما واطلاق سعاله الجاف الخشن الذى تهابه الجن فيمسكون عن الحديث ....
إذا طلع النهار عليك فغادر القرية على الفور ولا تلقى المزيد من الأسئلة التعسة ولا تنظر خلفك مهما حدث ولا تنسي نفض أتربة القرية العالقة فى حذائك جيدا عندما تصل للطريق العمومي ..
ملحوظة خانها السطر الأول ولم يصحبها معه .... قم بإغلاق هاتفك المحمول فور دخولك البلدة ولا تخرجه مطلقا أمام أحد حتى لا تثير غضبهم فلم تنسي القرية للآن أن هذا الجهاز المزعج الصغير كان بوابة عبور الجن إلى جسد سلمى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق