من كتابات / شــاهيناز فـــــواز
الأديبة / شاهيناز فواز
" معاً .. ولن نلتقي " قصة قصيرة
"سلام حبيبتي".. هكذا نطقها لأول مرة في حياته، ولم يكن يتمني أن تكون هي المرة الأخيرة.. فقد اعتاد أن ينهي معها أي حوار تليفوني أو عند مغادرته أي مكان يتلاقيا فيه بكلمة :"سلام.." فقط.
كان حريصا على ألا يُظهر مشاعره لها حتى ولو بمجرد كلام ..فكثيرا ما كان تدور بخلده أفكار غريبة تركت أثارها في التعامل معها ، اعتقد أنه عندما يخفي تلك المشاعر سوف يملكها للأبد؛ فالنتيجة من وجهة نظره أنها سوف تسعى لإرضائه على أمل أن تجعله يحبها ، وهي لا تعلم أنه يحبها حقا.
لم يكن يدري أنه سوف يشعرها بحبه بعد فوات الأوان.. فمنذ ثوان معدودة كانت لا تزال تحمل اسمه، كانت تضمها مملكته التي هي حياتها وعمرها وأيامها معه ، حصنها وهلاكها معا. هذا ما قدمه لها خلال ثماني سنوات.. الحب والألم والعذاب والحيرة .. ثماني سنوات هى عمر زواجهما .. بداية حبه الوحيد الذي لم يعترف به إلا بعد ما فقدها للأبد . لم يكن شعوره الداخلي مرتبطا بالفعل الذي كان يصدر منه تجاهها، فعلى الرغم من أن قوله كان يتفق أحيانا مع فعله؛ إلا أنه كثيرا ما كان يتناقض معه، فهو إنسان يفتقد التوازن النفسي؛ نتيجة لفقده أشياء كثيرة منذ صغره تركت بداخله أثرا كبيرا في التعامل مع من حوله، كأن أجمل شيء حدث في حياته هو ارتباطه بهذه الفتاة البريئة ذات الخلق والدين، فهو يثق فيها تمام الثقة ويعطيها الأمان بداخله ، تجده دائم الاستهزاء والسخرية والتحقير من شأنها، لم يندم لحظة في حياته على شيء اقترفه مثلما ندم على فعلته تلك الأخيرة ، لقد عانت منه ما عانت بتغييرها فيه الكثير، وأهدرت كامل طاقتها في تحويله إلى الأفضل، وهو يقدر لها ذلك ولكن ماالفائدة إذا كان ذلك التقدير بداخله هو فقط !! تحملت من أجله الكثير وكأن الثمن الوحيد الذي دفعته صحتها وراحتها . فكم حاولت الانتحار لتجد الخلاص مما تعانيه، ولكن سرعان ما كانت تعود إلى صوابها .. فلولا إيمانها بالله لكانت قد فقدت حياتها من قبل أن تكمل معه ثماني سنوات، ولولا حبها له لما عاشت معه تلك الفترة كلها.. تتحمل من أجله الكثير على أمل إصلاحه، ولكن ماذا لو نفد صبرها وتلاشى الحب بداخلها؟! فعندئذ لن يمنعها مانع من التمرد والحصول على حقها في أن تحيا حياة دون ذل وإهانة . لهذا لم تستطع أن تكمل معه المسيرة؛ على الرغم من أن ما تبقى من إصلاحه شيء قليل، لكنها أحست أنها فقدت قدرتها على السيطرة، أصبحت في الآونة الأخيرة مضطربة الأعصاب، وشديدة الانفعال لأتفه الأسباب. أرادت أن تضع حدا بعد كل هذه السنوات، أرادت أن تنجوَ بنفسها من ذلك السجان الذي أحبته بإخلاص، وعندما قررت الرحيل لم يقف عقبة في طريقها اعتقادا منه أنها سوف تعود إليه مثلما حدث في المرات السابقة، لكنه كان على خطأ هذه المرة.. فقد رحلت عنه وهى تنوى الانفصال نهائيا، وعندما أطالت مدة غيابها ..قرر أن يتخلى قليلا عن كبريائه بدافع الحب ويقوم بمكالمتها تليفونيا ليسألها وماذا بعد ؟ لم يتوقع أن تطلب منه هذا الطلب، لم يتخيل أن تسأله الطلاق . صمت قليلا ثم عاود الحديث بكل هدوء طالبا منها التفكير والتريث في اتخاذ القرار، لم تكن إجابته مرضية لغروره وعناده . أحس أنه بمجرد طلبه منها ذلك الطلب أنه تنازل عن أشياء لم يكن ليتنازل عنها تحت أي ظرف، واكتفى بطلبه منها أن تعيد النظر فيما تقول ، لم يكن يدري أنها كانت تتمنى وهى تطلب منه ذلك الطلب أن يتمسك بها وأن تسامحه على الأفعال التي صدرت منه وجرحت مشاعرها، لكنه لم يفعل . لذلك تمسكت بموقفها في حين أن غروره وعناده منعا قلبه أن يضعف أمامها، وبدافع الكبرياء نطقها.. أعطاها ما أرادت، أغلق كل منهما السماعة وبداخلهما ألم وجرح عميق لا يمكن علاجه فالطلاق هذة المرة هو الطلاق الأخير الذي لا رجعة فيه، لم يكن يعلم أنه يحبها كل هذا الحب.. فما هذا الشعور الذي انتابه لحظة نطقه لتلك الكلمة ؟
فقد كل شيء وإلى الأبد ..الإنسانه الوحيدة التي جعلته يشعر بالأمان ودفء المشاعر أبعدها عن حياته، ولن يعوضها ما حيي، قلبه ما زال معلقا بها.. لم يتخيل لحظة أنه لن يراها ثانية، وأخذ يتسائل" كيف يستيقظ يوما دون أن يرى ذلك الوجه المشرق البرىء ؟"!! كيف يتحمل عدم سماع صوتها الدافيء في أذنيه ؟ !!"سوف يحرم من حبها.. رعايتها، وحنانها.
رغم الألم الذي كان يحمله فلن يحب غيرها، ولن يتزوج بعدها، ذلك ما قرره في نفسه وأباح به لها ، وهاهي أخيرا قد أحست بحبه لها من خلال أول مكالمة تمت بينهما بعد الانفصال مباشرة ..عندما أراد الاطمئنان عليها وسماع صوتها الذي افتقده بشدة، ليسقط مستسلما معبرا عن حبه من خلال تعبيرات صوته التي أخبرتها أنه لن يرتبط بعدها أبدا.. لتجيبه بدورها والدموع تتدفق من عينيها بأن هذا أيضا سوف يكون حالها، ستظل حياتها باقية مع ذكرياته رغم مرارتها لأنها لازالت تحبه رغم كل شيء، وازداد حبها له عن ذي قبل بعدما أدركت حبه الجارف ولكن بعد فوات الأوان. كاد قلبه يتمزق بعدما سمع منها ما سمع، وأخذ يعتذر لها عما بدر منه طوال تلك السنوات، متمنيا لها التوفيق في حياتها المقبلة، وفي تلك اللحظة أدرك أن عليه أن ينهي المكالمة .. لكنه لم يستطع هذه المرة أن يمنع نفسه من أن يقول لها ولو للمرة الأخيرة .. سلاما حبيبتى
من المجموعة القصصية ( داخل حدود البرواز )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق