حمدي أبوجليل: أشعر بأني لم أكتب عن البدو بصورة حقيقية حتي الآن
يري الكاتب والروائي حمدي أبوجليل أن الرواية الجديدة سوف تبتعد عن مقاومة الاستبداد والظلم لأنه تحقق بسقوط النظام السابق لتصبو إلي ما هو روائي، كما يؤمن بأن القارئ سيصبح ملمحاً أساسياً فيها، في نفس الوقت يعتقد أنه لم يكتب عن البدو سوي شيء مشوه أو حكاية يقدمها الراوي في كتاباته" > الإنسان ابن بيئته، فإلي أي مدي تأثرت بالبيئة التي نشأت بها؟ - التأثر الواضح كان من خلال اللون والبيئة حتي مع انتقالي لمكان آخر كما تأثرت باللغة وأشعر بسعادة بالغة لأني أجيد ثلاث لهجات أتراوح بينها وهي اللهجة البدوية والصعيدية والمصرية بالإضافة للهجة المثقفين، كذلك الشعر الذي أشعر بتأنيب تجاهه، الشعر الذي سيذهب لا محالة وهو الشعر الشفاهي غير المسجل حيث ان لهجته تنقرض لدي منتجيها أنفسهم ليس بسبب خطر ما وانما بسبب التقدم فأي تقدم يعني انقراض وتلاشي هذا الشعر. > أصدرت العديد من الرويات فإلي أين تتجه وتسير الرواية الآن؟ - بعد الثورة اعتقد أن الرواية والأدب بصفة عامة لن يتأثر كثيراً بالثورة، تحمل الأدب لأسباب لا تخصه وأقصد أن الأدب لم ينقصه شيء فيما يخص الحرية والرقابة بالطبع كان هناك رقابة علي المؤسسة الرسمية لكن يوجد ناشر خاص لديه أدواته مثل أي بلد متحرر في طباعة الكتب، من هنا أري أن الرواية من الممكن أن تتأثر بالانتاج بمعني أن هناك نوعاً من الانتاج لن تكون له ضرورة فيما بعد مثل الرواية الهادفة التي تقاوم الفساد فقد كان لها هدف سياسي تحقق بسقوط النظام، اذن الرواية سوف تصبو إلي ما هو روائي . > وما الذي تحتاجه الرواية للوصول للقارئ بسهولة وهل لدينا رواية كاملة مستوفية الشروط؟ - لا أعرف بدقة الوسائل والأساليب التي تساعد علي وصول الرواية بسهولة للقارئ ولكني أري أنها في طورها الجديد الذي ظهرت عليه في بداية القرن العشرين، كما أن القارئ أصبح ملمحا أساسيا في الرواية الجديدة ومن هنا ظهر مع الرواية مصطلح البيست سيلر، فكرة الكمال ليست هدفا علي العكس تماماً من الممكن أن تكون ناقصة أومهلهلة علي مستوي البناء،والتجاوز فيما يخص الاكتمال من القارئ والكاتب سمة الرواية الجديدة. >وكيف تري انتشار روايات السير الذاتية رغم أن قراءها محدودون؟ - أولاً هي لم تنتشر كما أن قراءها ليسوا محدودون وعندما تكون رواية مستوحاة من سيرة ذاتية عادة ماتروق وخاصة اذا كُتبت بشكل جيد، لكن في نفس الوقت السيرة الذاتية سلاح ذوحدين بمعني اذا تحولت في ذهن الكاتب لمادة روائية بحيث يتعامل الكاتب شخصياً كشخصية روائية مع نفسه بموضوعية وتجرد من الممكن أن يتحول في هذه الحالة ليقدم عملاً عظيمًا ولكن هناك حالة آخري وهي أن يأخذ السيرة الذاتية باعتباره لا يستطيع أخذ الخطوة الروائية بينه وبين نفسه فينحدر لتعويض الفشل في الحياة الدنيا حينها تكون الرواية نوعاً من التعويض المادي ومن ثم تسقط. > لكل كاتب هدف أو رسالة، فما الهدف الذي تسعي إليه؟ - أنا للأسف مجرد من الأسلحة والأهداف، ليس لي هدف ولكني أحاول فهم الواقع والقانون والحياة لذلك أفرق بين السيرة الذاتية والرواية التي دافعها مواقف حياتية، أحاول الفهم بدون غرض حيث أركز في الإنسان المدهش. البدو قاسم مشترك في أعمالك الروائية والقصصية، أمازلت تعيش في عباءة البدو؟ أفاجئك بأني أشعر أنني لم أكتب عن البدو سوي شيء مشوه أو حكاية أو أسطورة يقولها الراوي في أعمالي ولكني لم أكتب العمل الذي أريده عنهم، دائماً أبدأ ثم أستمر ولا أكمل الموضوع ويتمخض عنه عمل آخر وهذا يرجع لأنني أكتب عن النفس ومشاكلها وتجاربها وهذا محيطي حيث أنتمي لبدو شمال الصعيد الذي يختلف تماماً عن البدو عموماً، فالبدو يكونون في الصحراء علي الحافة وهو مالم يحدث لدينا، كما أنهم أصحاب تاريخ طويل وأحياناً أشعر أن الرواية تقيدني فلا أستطيع كتابة تاريخ البدو خلالها لذا أريد تقديم كتاب عن علاقة البدو بالدولة المصرية منذ مصر الحديثة فقد دخلوها مع الحملة الفرنسية وكانوا علي علاقة بما يدور في مصر أحياناً علاقة صدام كما أن ابن محمد علي قتل 40 من مشايخهم وعُلقوا في مشانق. > من خلال عشقك للتاريخ فإلي أي مدي تؤمن بمقولة ان التاريخ يعيد نفسه؟ - من الممكن أن يعيد الإنسان نفسه وليس التاريخ فقط، فهما تقدم وتطور لديه أشياء أساسية نجده يبكي ويضحك بنفس الطريقة وهذا يجعله يعيد نفسه وأسئلته كما أن الإنسان العربي كما هو لم يتغير بمعني أن الأسئلة التي كانت تُطرح عليه الآن حول الدين والثقافة وغيرها كان يتم طرحها أيام طه حسين ومحمد عبده وربما أيام الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ لم يتغير شيء، نفس الأسئلة والمعارك وربما نفس الضحايا ومن وجهة نظري أنه لا يوجد تجديد حقيقي أوحاسم ودخول للمواجهة، عندما كتب عميد الأدب العربي طه حسين الشعر الجاهلي اعترض البعض مما جعله يعتذر وكذلك نجيب محفوظ في روايته «أولاد حارتنا» وعندما ساهمت أنا في نشر رواية وليمة لأعشاب البحر وتم القبض علي ذهبت للدفاع عنها ثم تراجعت. > متي يمكننا القول بأن هذا الأديب صاحب بصمة خاصة؟ - عندما يتمكن من أن يكون نفسه بكل دقة وموضوعية وهذا يؤدي إلي أن يعرف الكاتب من كتاباته، وكذلك عندما يستطيع التخلص من أي غرض في الحياة سوي الكتابة بحيث تتساقط كل الأغراض مثل التحقق والمال والنجاح. > انتشرت الجوائز الأدبية بصورة كبيرة، فهل هذا مؤشر حقيقي لوجود حركة إبداعية؟ - هي استجابة لوجود حركة إبداعية ولكن نتائجها غالباً لاتدلل علي الازدهار وان كنت معها وأدعو رجال الأعمال للمساهمة فيها مثل البلاد المتقدمة فهي مفيدة لبلادنا حيث لايوجد لدينا القارئ المأمول الذي يستطيع الكاتب أن يعيش من قراءاته، فهي نوع من الدعم المادي والمعنوي للكاتب ولكنها عادةً جائزة وحصول الكاتب عليها لا يعني شيئاً كذلك عدم حصوله ولكنها تصنع نوعاً من الثقة مع ذلك تظل مرهونة بالكتاب، فهناك كُتاب يحصلون علي نوبل ولا يتم قراءتهم، كما أن الجوائز العربية ليست علي علاقة كبيرة بالطفرة الروائية، وعلي الرغم من أن معظم الفائزين بجائزة البوكر مصريون لكن خياراتها مازالت بيده عن الرواية المصرية الجديدة بمعني أنها تأخذ الرواية المحكمة التقليدية وليس لها علاقة بالرواية الجديدة. > هل تعتقد أن الإنترنت أثر بالإيجاب أم بالسلب علي الإبداع؟ - عندما ظهر الإنترنت تباري الكثيرون في القول انه سوف يلغي الكتاب، لقد دمر النت أسطورة النشر فالشاب يكتب صفحة علي الفيس بوك يقرؤها الملايين، النت يحول الكاتب إلي ممثل علي خشبة المسرح يمثل ويتلقي رد الفعل مباشرة، هي ميزة جميلة وبحيث يعبر الإنسان عن نفسه بالكتابة درجة في الوعي تحدث تطويراً لديه، لكن عندما يكون الكاتب حقيقياً ومؤثراً صاحب أسلوب خاص يبرز أكثر مع النت، المشكلة في المنتج نفسه وليس الوسيط. > إلي أي مدي أثر عملك في الصحافة علي كتابتك الأدبية؟ - الصحافة مفيدة جداً للكاتب علي عكس ما يشاع بأنها تقتل الأدب، فقد جعلتني في قلب الحدث أتعامل مع اللغة بصورة مباشرة بحيث اقترب أكثر من الموضوع الذي أريد كتابته كما أن لغتي الأدبية متوافقة مع الصحافة فهي لغة بسيطة محددة ليس بها مجازات أو تراكيب وصور. > وماذا عن أهم الكتاب والأدباء الذين تأثرت بهم؟ - تأثرت بالكثيرين ولكن لي خصلة وهي أنني أفتن بالأديب وأقرأ كل أعماله منبهراً به ثم أنقلب عليه وأنتقده مكتشفاً كتابته بصورة أخري فتصبح لدي رغبة في الانتقام من أدبه، أول من تأثرت به كان الكاتب محمد مستجاب ولكن بعد فترة اكتشفت أنه عكسي فلغته مركبة ويصنع من الواقع أسطورة بينما لدي أسطورة أريد تحويلها للواقع، كما تأثرت بكل من ديستوفسكي وسارماجو وبونديرا الذي يحسبني البعض عليه ولكني تأثرت بآرائه فقط وليس أعماله فهو فيلسوف ومثقف وحديثه عن الأدب بمثابة فن. > لمن تكتب اذن ولماذا؟ أكتب للتوازن النفسي، بدون الكتابة أشعر بالضياع وبأنه ينقصني شئ كما أشعر بوجود فجوة عميقة بداخلي، لا أصدق شيئاً سواء الأكل أو الشرب رغم تناولهما، كما أفتقد كل طعم للحياة، أكتب لأي شخص يريد أن يقرأني. > تتصف الكتابات الأخيرة باختراق التابوه، فهل هناك ضرورة لهذا الاختراق؟ - هذه الاتهامات خاصة بأعداء أي تحرر، الرواية علي سبيل المثال لابد أن تخوض في التابوهات لأنها أساسها، فالإنسان يهتم بالجنس والدين والسياسة، ليس الغرض الاختراق أوالهجوم وإنما الفهم بموضوعية، لا أعتقد أن الرواية تهدد القيم. > في ظل الظروف الصعبة التي تمر بالوطن ما التحدي الحقيقي أمام الكتاب الجدد؟ - تحدي الكاتب مع نفسه، فمعركته الحقيقية تكمن مع نفسه وشغله علي أفكاره مركزاً علي ما يقدمه وكيفية تطويره لنفسه وفكره الإبداعي. > إذن ما دور المبدع فيما تمر به البلاد من أحداث؟ - دوره يكمن في الإنتاج، ينتج بدون أي رغبة في التغيير أوإصلاح شيء.
; وماذا عن قراءتك لثورة 25يناير بعد مرور عام عليها؟ - كل فترة ازداد اقتناعاً بأن هذه الثورة العظيمة لم تنجح في إزاحة النظام ودائماً أتصور أن مبارك هو من يأخذ القرارات بتكرارها والأخطر أننا حالياً لدينا أزمة مثل أزمة مصر1954 حيث نشر المؤرخ صلاح عيسي دستوراً في كتاب من المفترض أن نباهي به الأمم من حيث الحرية والعدالة وهذا الدستور تم قبره، الأزمة الحالية الجيش والإسلاميون ضد الثورة وعام 1954 اتفق جمال عبدالناصر مع الإخوان علي قمع هذا الدستور وإقامة نظام مستبد استمر حتي مبارك، نحن حالياً مهددون بعودة هذا النظام، لأن النظام من وجهة نظري يبدأ منذ عبدالناصر وحتي مبارك والذي هو مجرد منفذ لدستور حكم به عبدالناصر والسادات .
; بعد القاهرة شوارع وحكايات ماذا عن الجديد لديك؟ -
انتهيت من كتاب "القاهرة جوامع وحكايات" حيث أتحدث فيه عن تاريخ القاهرة وبالتالي تاريخ مصر في أربع مراحل منها جوامع الولاة التي تبدأ من جامع عمروبن العاص حتي جامع ابن طولون بعدها تبدأ القاهرة الفاطمية ثم المماليك ثم أسرة محمد علي، كل فترة أبدأ بمقدمة في الجزء الخاص بها عن القاهرة من تاريخ الجامع ومكانه وظروف إنشائه، فالقاهرة زاخرة بالجوامع وبلا أكبر متحف للفن الإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق