كعادة فرقة الفيوم القوميّة المسرحيّة دائماً , وفي عرضها لهذا العام " منمنمات تاريخيّة " تجبرنا على إعادة ترتيب أوراقنا والوقوف معها وبها أمام حالةٍ رائعةٍ من الإدهاش , وتصوّرٍ عملِيٍّ لإعادة صياغة معادلة التلقِّي في إطاريها الجماهيري الفنِّي بشكلٍ يُخلخل كُلّ ما اصطنعته أدبياتُ التلقِّي والنقدِ لفترةٍ طويلةٍ في مسرحنا المصريّ بعامة وفي مسرح الثقافة الجماهيرية بخاصة , ويتمثَّل أليات الفن " السارتري " الملتزم إنسانيّا ومجتمعياً في غير إراقةٍ لدماء الجماليّات وانفتاحات قوس الدلالة على أقصى حالاته الرمزية والمجازيّة , وهذه النقطة تحديداً هي مفتاح قراءة هذا العرض بنائيّاً ومضمونيّاً في إطار عنوان هذه القراءة الذي رأيتُه ــ وطبقاً لتصوري الشخصي على الأقل ــ اختزالاً " سيميائيَّاً " جامعاً لساعة كاملة من العبور " الزمكاني " الرمزي والواقعي في إطار بنائيّة دائريّة تدعم فلسفة إعادة إنتاج التاريخ لنفسه وتدحضها في ذات الوقت , وقد حالف التوفيق هذا التصوّر بدايةً من اختيار النصّ , خاصة وأنّ " سعد الله ونّوس" ــ في جُلّ نصوصه , إن لم تكن كُلّها ــ كاتبٌ تشخيصيٌّ إلى حَدّ الانغماس في طين الواقعِ لَحْماً ودَماً , وكاتبٌ تجريديٌ إلى حَدّ اختزال منطق الزمان والمكان والبشر في إنتاجٍ إنسانيٍّ دائم وعابر للبيئة والثقافة والعصر , كما أنّه كاتبٌ متجاوزٌ تتراوح نصوصُه بين آليّة الإنتاج الفوقي لرسالةٍ واضحةٍ مُحَدَّدةٍ , وبين تكوين هذه الرسالة خطوةً بخطوةٍ بين المُرسِلِ والمُسْتَقْبِلِ مُقْحِماً المُشَاهِدَ في سياق لُعبَتِهِ المسرحيَّةِ بعيداً عن " ميكانيكيّة " المنهجِ التي رُبَّما تتعَدَّدُ رؤانا لها وتختلفُ آلياتُ استساغتنا لحضورِها , وقد تعامل " محمود عبد المعطي " في صياغَتِه الدراميّة لنصّ العرضِ بوعيٍ خلاَّقٍ على المستوى اللغوي
اقرأ المزيد...
وعلى المستوى البنائي تفكيكاً وتركيباً , وعلى مستوى الأشعار أيضاً وهو ما سنقف معه لاحقاً وقفةً تفصيليّة .
يتناولُ النصّ قِطاعاً رأسيّاً من غزو المغولِ لمنطقةِ الشامِ وما حدث لمدينة " حَلَب " على يدِ " تيمور لنك " وجيوشهِ نتيجةَ الفُرْقَةِ والتخاذلِ وتغليبِ السلطةِ لمصالحها الخاصة وما انعكس جرَّائه على وحدة وتماسك البناء المجتمعي للمدينة .
خشبةُ المسرحِ عبارةٌ عن مُجَسَّمٍ لسورِ قلعةِ " حَلَب " في أعلى المسرح وفي مستوى 100 موازياً تماماً لفتحة " البروسونيوم " وتَحُفُّ جانبيهِ عرائسُ كالمُجَسَّماتِ الجَصِّيَّةِ في العمارة الإسلاميّةِ ولكن بشكلٍ تجريديٍّ لا يُمّيِّزُ مكاناً ولا زماناً , يليه في منتصف المسرح وفي مستوى 40 ديكورٌ لقاعة العرشِ بالقلعةِيتوسَّطُ أعلاه كرسِيُّ العرشِ , ثُمّ في أسفل المسرحِ وفي المستوى " صفر " مساحةٌ خاليةٌ تتشكَّلُ عبرها عديدُ المَشاهِدِ وتتوزَّعُ على أجنابها أربعةُ أبراجٍ نصف دائريّة " برياكوتا " تعلوها عرائس بنفس آليّة سورِ القلعةِ , وتتمُّ صياغةُ المَشَاهِدِ عبر وجهيها , وعلى " بنطلونات " المسرحِ موتيفاتٌ زُخرفِيَّةٌ لحروفٍ وكلماتٍ عربيَّةٍ بخطوطٍ كثيرةٍ مابين النسخِ والرقعةِ والديوانيِّ والفارسيِّ والكوفيِّ , الملابس موحَّدةٌ تقريباً باستثنائين غيرِ مُبرَّرين بالمنطق البصري والدرامي للعرض وبالمنطق " السوسيولوجي " لمساحة التشخيصِ " الحَلَبِيَّةِ " وهذا التناقضُ تبرِزهُ وتُفّسِّره المقارنة بين ملابس " مروان " النَّسَّاج ببهرجتها اللونيّةِ والتصميميَّةِ وبين ملابس " محمد بن أبي الطيِّب " رغم أسبقية الأخيرِ على السُّلَّمِ الاجتماعي والثقافي والسياسيِّ وقد جاءت الملابس لكافة عناصر العرض ــ فيما عدا الاستثنائين المذكورين ــ في قطعتين " بنطال وقميص مقفول " من نفسِ الخامةِ واللونِ وبحروفٍ وزخارفٍ شبيهةٍ بالتي تملأُ جوانِبَ المسرحِ مع قطعٍ واكسسواراتٍ بسيطة أُخرى مُكَمِّلة لبعض الشخصيات كالتُّجَّار ورجال الدين وعناصر السلطة والعسكر , وقد أنتج هذا التوحُّدُ في التصميمِ رؤيةً دائريَّةً بمعناها التداوليّ في إنتاج التسلّطِ والطُّغيان أو الاستكانِةِ والضعف وقلَّة الحيلةِ , والذي لا يحتاج سوى تغييرٍ سريعٍ لرتوشٍ بسيطةٍ ـ‘ بالإضافةِ أو بالحذفِ ــ لتتبدَّل الوجوه والمواقع
يبدأُ العرضُ بمجموعة الكُورَس في "برولوج " سريع ومُكثَّف يشرح اللُعبةَ بوضوحٍ ويُعلنُ التواطؤَ بصراحةٍ مع وقفاتٍ إشاريِّةٍ لِجُمَلٍ مِفتاحِيَّةٍ يبدأُ العرضُ منها في مسارهِ المُتراوِحِ بين الراهنيّ والتاريخيّ , كحينما يقولون بآداءٍ جماعيٍّ مُنَغَّمٍ " الأرض بتتكلِّم عربي " في "تَنَاصٍّ " مع قصيدة فؤاد حدّاد الشهيرة وهو ما يجعلنا نرجع معها لاسترجاع سياقِها الجُغرافِيِّ بادئِين ــ ومن قبل الولوجِ ــ في سحب البساط من "" حلب " المكان .. لصالح " حلب " الرمز وهو ما يدعَمُه " الكُورَسُ " طِيلةَ العرضِ عبر جُمَلٍ واجتزاءاتٍ من التُّراثِ الشعبيِّ المصريّ " الأمثال " والراهن السياسي والإعلامي المصري , كمفردات " العاشرة مساءً ــ كفاية ــ تيمة موسيقى تتر برنامج حديث المدينة " وما اتَّصلَ بهم من آليةِ الأداء وما صاحبهم من جُمَلٍ حواريَّةٍ مُرتَجلَةٍ ــ بدليل تغَيُّرها من ليلةِ عرضٍ لأخرى ــ رَشَقَت سهمَ الدلالةِ في كَبِدِ الواقعِ , وتستمِرُّ هذهِ التناصاتُ الكثيرةُ المتواليةُ في توسيع دائرة الفضاء الجغرافي والزماني لمساحةٍ يَتَّسِعُ لها الحرفُ العربيُّ في عصورٍ عدّة مع دائرةِ إضاءةٍ دائِمَةٍ في جدلِيَّةِ " الكُورَس ــ التشخيص " تتراوح بين " حلب " التاريخ ... و " مصر " الراهن وتتوالى هذه الجَدَلِيَّة وبِصُحْبَتِها مَشَاهِدُ " كولاجيةٍ " لأوضاعٍ مدينةٍ على شفى أزمةٍ كُبرى , وبخصومات داخليَّةٍ وخارجيَّةٍ يفتعلُها " الكُورَسُ " ويُشارِكُ فيها ويبرزُ تناقضاتِها ويُعَلِّقُ عليها ويأخذُ موقِفاً واضحاً منها في حضورٍ مُتساوقٍ للراهن والتاريخيّ في آن , يُعَمِّقُه ديكورُ " محمد سعد " بِخَلْطِهِ المُتَعَمَّدِ في زُخرفِيَّةِ الحروفِ وخطوطها المُتَعَدِّدَةِ بأشكالها التي تَصْحَبُ معها أزماناً مُتَعَدِّدَةً , وبتجريديَّةِ عرائسه وزخارفهِ التي تشير لعمارة عربيَّةٍ إسلاميَّةٍ ولكنّ كلا اللعبتين لا تَخُصَّانِ " حلب " في إطارها المُتَعَيَّنِ بِقَدْرِ تطابُقهما مع " حلب " في إطارها الرمزي , ولكن أمام هذا التداخل " الزمكاني " يفصل " ميزانسين " أحمد البنهاوي بينهما فصلاً مقصوداً بغلقِ دائرةِ السلطةِ على نفسِها في مُقابلِ دائرةٍ شعبويَّةٍ أكثر اتساعاً وإحاطة وهيمنةً على عالم العرض ومغلقة أيضاً على نفسها , فاصلاً بينهما مسرحياً بتحديد السلطة في منتصف المسرح " قاعة القلعة " بما تحمله من رمزيّة المركزيةِ والوضوح والقوة بالإضافة لرمزية الحصار والسجن , وتاركاً أعلى المسرح " سور القلعة " وأسفلَه " ساحة السوق " للشعب والكُورَسِ , وفي إطارِ هذه الدائريةِ ابتعدَ ابتعاداً شبه تام عن خطوط الحركةِ المستقيمةِ والصريحة لتأتي حركتُه في غالبِها في شكلٍ دائريٍّ يتفقُ مع الرؤيةِ العامة التي ينتهجها العرضُ في مَوْضَعَةِ التاريخيّ والراهنِ على قوسٍ مُغْلَقٍ تَتَّصلُ أبعدُ نِقاطِهِ بأقرَبِها اتّصالَ الروح بالجسد , وداعماً فكرة الضبابيّة والمراوغة بما تحمله هذه الحركةُ من معاني الالتفاف وسلوك أبعد السُّبُل , وقد زاد هذا الفصلُ عبر حوارِ " محمود عبد المعطي " الذي منحَ الكُورَسَ حقّ استخدامِ العاميّةِ المصريّةِ وحسب ــ عدا ما كانوا يردِّدونه بآداءٍ كوراليٍّ من حوارات ممثلي الداخل ــ هذا في مقابلة مجتمع " حلب " الذي زاوج بين العاميّة والفصحى , وبين نقطةِ الالتقاءِ المُشتركةِ لُغويَّاً ونقطةِ الافتراقِ يَتَعَمَّقُ تدويرُ الزمان والمكان في إنتاجٍ واحدٍ للتاريخِ والراهنِ يفصلُ فصلاً تَعَسُّفيَّاً مُصادِراً لإرادة الدراما في مسارها الخَطِّي الذي تتبعه في حكي القصَّةِ الأصليَّةِ , وبانياً موقفاً حاكماً بقدرِ وصلِهِ وَصْلاً خبيثاً ومحسوباً يُورِّطُ الكُورَسَ " ضمير المُشاهِدِ " والمُشاهِدَ نَفْسَهُ عبر ساعةٍ هي مُدَّةُ العرض الزمنيَّةٍ في أخطاءِ قرونٍ طويلةٍ ماضيةٍ وربَّما لاحقةٍ أيضاً , وهو ما يبدو كرؤيةٍ استشرافيَّةٍ مُقلِقَةٍ ينتهجها العرض
وقد سار العرض خَطِّياً مع السياق التاريخي بتبنِّيه رؤيةً ذكوريَّة صريحةً عبر غلبة عدد الذكور وحضور باهت وغير مؤثِّر لدورين نسائيَّين وفي الوقت ذاته انطلق في تدويريّته التي ينتهجها بمعادلة عدد الأدوار النسائيّة في الكورس مع عددها في صميم العرض مانحاً شخصيَّتي الكورس النسائيَّتين حضوراً بارزاً ومؤثِّراً ولكن ّ ذلك الحضور لا يلبث أن يتطابق مع خطِّيَّة الحضور الحلبي بتطابق النهايات والمآلات
أشعار " محمود عبد المعطي " جاءت كاملةً مُخْلِصَةً للعامية المصريَّةِ وبذلك فإنّها ــ وفي إطار مُعْجَمِ العرض ــ كانت لسانَ الكُورَسِ ــ المُشاهِدِ , وهو ما ساهمَ في تعميق الإيغالِ بالمفعولِ بهِ ــ تَلَقِّياً ــ في الفعلِ الغنائيِّ المسرحيِّ بمدائحهِ السلطويَّةِ وبُكائِيَّاتِهِ العاجزةِ , وقد استخدم في أغاني العرض ــ عدا أغنيةً واحدةً ــ إيقاعَ بحرِ " المُتَدَارَكِ "" في شكلهِ الــ " خَبَبِي " وهو شكلٌ لم تألفهُ القصيدةُ العربيَّةُ ــ في بُعدِها التاريخيّ ــ وينسحب جُغرافيّاً لمناطِقَ أُخرى سوى الشامِ تأتي على رأسِها الأندلسُ ومِصر
موسيقى " إيهاب حمدي " جاءت مُخْلِصَةً للمعنى الشعريِّ في إطارٍ تعبيريٍّ مؤثِّرٍ وباستلهامٍ لروح الموسيقى العربيةِ في أصلها وتاريخيَّتها باستخدام الإيقاعات القديمة وغلبةِ الوتريَّات وباللعب عبر مقامي " الكُردِ والحُجازِ " بأصالتيهما العربيَّتين وشجنيهما المؤثِّرَيْنِ , وقد جارت الإمكانياتُ المادِّيَّةُ على خيالِ إيهاب حمدي ــ في تصوّري الشخصيّ على الأقل ــ فجاءت الموسيقى برُغمِ هذا النزوحِ التاريخيِّ للمُلَحِّنِ مُعاصِرَةً إلى حَدٍّ ما , نتيجةَ صعوبةِ وتَكْلُفَةِ التسجيل الحيّ للآلات الموسيقيَّة , فصادرت آليَّةُ الــ " كي بورد " في غياب الآلات الــ " أكوستيك " بإمكانياتها وإحساس عازفيها على أن تأتي الألحان في سياقها الزمنيّ كما أراد إيهاب حمدي , ولكنّها في إطار العرضِ كانت خادمةً لمسارهِ العام , ومُخْلِصَةً لرؤيتهِ المُتراوحَةِ بين توقيع التاريخِ ــ وتأريخِ الراهنِ , وهو ما يجعلنا نقولُ مع إيهاب حمدي " رُبَّ ضارّةٍ نافعة " مع اختلافي على فكرة لعب الموسيقى " بلاي باك" في إطارِ هذه اللُعبَةِ وفي إطارِ العرضِ كما شاهَدْتُهُ
استعراضات " تامر عبد المنعم " لم تَخْرُجْ عن ذات الإطارِ التعبيريّ المُخْلِصِ لروحِ الأشعارِ في بساطةٍ عميقةٍ وبعيدةٍ عن الحذلقةِ التشكيليَّةِ غير المُبَرَّرَةِ وباحتفاءٍ جَيِّدٍ ومُوَظَّفٍ لما تعارفنا على نسبَتِهِ لطبيعةِ الآداءِ الجسديّ الراقص في هكذا حِقباتٍ تاريخيَّةٍ ـ بعيداً عن رأينا في صِحَّةِ هذا النسبِ من عَدَمِهِ ــ فاشتَغَلَ على مَيْلِ الجَسَدِ على جانبيهِ مَيْلاً خفيفاً وانسيابيَّاً مع جماليَّةِ التشكيلِ باليَدَيْنِ بين الخطوطِ الصريحةِ والزجزاجيَّةِ وفي إشاراتٍ تتماسّ مع موتيفاتٍ عَقَدِيَّةٍ وتُراثِيَّةٍ من اتّصالِ اليدِ بالصدرِ خُشُوعاً أو ارتفاعها ضَراعَةً إضافة إلى إشاراتٍ اتِّهامِيَّةٍ صريحةٍ في مُقابَلَةِ الجمهورِ أو التَّحَوِّلِ كُلِّيَّةً باتّجاهِ الراقصين لعُمقِ المسرحِ ــ كما في استعراضِ الاحتفال بقدومِ السلطانِ ــ ليُصْبِحَ باستعراضِهِ البديعِ ــ الذي استَمَرّ دقيقتين تقريباً ــ إماماً للجمهورِ في صلاةِ التَّزَلُّفِ للسُّلْطَةِ , ولا بديلَ لضميرِ الجمهور الحيّ إلا الخروجُ من هذه الصلاةِ ليُصبح تامر عبد المنعم في توفيقٍ بليغٍ مُتَّهِماً ومُتَّهَماً في آن
إضاءة " محمد مختار " كانت موفَّقةً إلى حَدِّ بعيدٍ , وإن كان يُمكِننا الاختلافُ معَهُ حول رؤيتهِ وطبيعةِ تنفيذهِ لها , فَلَم تُخلِصْ الإضاءةُ ــ وعلى طول العرضِ ــ لرؤيةٍ منهجِيَّةٍ واحدةٍ ومنطقيَّةٍ , فلا هي اتّكأت على ملحمِيَّة العرض واعتمدت الإنارة الكاملة , ولا هي سارت في طريقها التعبيريِّ أو الطبيعيِّ بانتظام , ففي الوقت الذي نرى فيهِ مشهداً للسوق يُفْتَرَضُ أنّهُ نهارٌ تأتي الإضاءة باهتةً وذات طابعٍ ليليٍّ , وفي مشهد سورِ القلعةِ الذي يُفْتَرَضُ أنّهُ ليلٌ تاتي الإضاءة زاهيةً مع لمساتٍ خفيفة للــ " ألترا " في تكوين عصريٍ إناريٍّ , وقد كانت عصريّةُ الإضاءة غالبةً في المُجمَلِ , إضافةً إلى حوالي ثلاثة إظلاماتٍ كانت ــ من وجهة نظري ــ غيرَ مُبَرَّرَةٍ حيث أنّها لا تنقلنا زمنيّاً ولا مكانيَّاً كما أن طبيعةَ العرضِ وطبيعةَ اللُعبَةِ جعلت هذه الانتقالات تأتي في الإضاءةِ الكاملة
تبقى نقطةٌ في ختام العرضِ لم أستسغْها دراميَّاً , حينما يبادرُ بعضُ أفرادِ الكُورَسِ بتقديم اللوحة التاليةِ ــ كعادتهم طيلة العرض ــ فيقاطعهم مُمَثِّلان من الكُورَسِ أيضاً , مُعْلِنَيْنِ أنَّهُ لا قادِمَ , وأنَّ اللُعْبَةَ قد انتهت , وكان من الممكن أن تَمُرَّ هذه النقطةُ ببساطةٍ لولا تَحَوّل آداء ممثلي الكورس لشكلٍ تَقَمُّصِيٍّ استجاب لمُفاجآت قص ِّ بشاعةِ ما حدث بذهولٍ , بعيداً عن تغريبهِم المُتَّبع واتِّفاقِهم المُتواطِئ بانكماشاتٍ جَسَدِيَّةٍ , وهَلَعٍ , وتعبيراتِ وجوهٍ مصدومةٍ ومبهوتةٍ من هولِ مُفاجأةٍ لا يعلمونها , وهُنا أُصِبْتُ معَهم بِشَرْخٍ أصابهم في صميم علمهِم المُطلقِ كمجموعةٍ واحدةٍ , هذا العلمُ الذي بدأوا بهِ وساروا عليهِ ساعةً كاملةً دون إشاراتٍ لعكسهِ وهو ما يجعلُ الخروجَ بهذا الشكلِ النِّسْبِيِّ لِصُنَّاعِ اللُعبَةِ خروجاً قاسياً على قواعِدِ اللُعْبَةِ ذاتِها .
وفي الختام لا يسعني إلا أن أُهَنِّئ نفسي كمُتَلَقِّي أولاً وكأحَدِ المُحِبِّين والمُنتمين للُعبَةِ المسرح ثانياً على هكذا عروضٍ لا تضعُ حاجزاً وهميَّاً بين جمهور المثقفين والجمهور العاديّ وبينه وبين الفن , وخصوصاً المسرح , كما لا يسعني إلا أن أشْكُرَ كتيبةً رائِعةً من المبدعين الواعين , وقفت خلف هذا العرضِ الذي مهما اختلفنا حولَهُ ومعَهُ فإنَّنا لن نختلفَ عليهِ وسَيظَلّ اتفاقُنا معه أكبر
أنحني إجلالاً وتقديراً لنصّ " سعد الله ونّوس " هذا الغائب الحاضر الرائع , ولصياغة وأشعار " محمود عبد المعطي " ولموسيقى وألحان " إيهاب حمدي " ولديكور وملابس " د . محمد سعد " ولاستعراضات " تامر عبد المنعم " ولــ " محمد مختار " وفريق الإخراج
كما أنحني إعجاباً لممثلي الكُورَس " مصطفى الدوكي ــ حسام أبو السعود ــ محمد حمدي ــ إسلام بشبيشي ــ باسم نبيل ــ رانده شريف ــ هناء هاشم "
ولكتيبة ممثلي العرض كاملة وخصوصاً :" أمير عبد المنعم " في دور الأمير آزدار
أحمد جنيدي في دور " دُلامة " ـــ صلاح حسن في دور " الشيخ التازلي "
محمود عبد المعطي في دور " محمد بن أبي الطيب " ــ محمد صوفي في دور " السلطان "
عصام يوسف في دور " الوزير " ــ أسامة الغمري في دور " المُنادِي " ــ ومحمد عبد المنعم في دور " مروان "
وتحيَّةٌ ملؤها الشُّكر على قدر الامتاع , والاعجاب على قدر الحوار والاختلاف لمايسترو هذه السيمفونيَّة المسرحية الراقية ــ المُخرج الرائع " أحمد البنهاوي "
فَتَقَبَّلوا انحناءتي لبهاء المسرح في حضرتكم جميعاً
قراءة مضمونيّة بنائيّة سريعة ومرتجلة ومن الذاكرة من واحد مالوش في النقد
علشان النقاد والأكاديميين ما يزعلوش ويمسكولنا على الواحدة
حازم حسين
شاعر وكاتب مسرحي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق