محيط - مي كمال الدين
دمشق: فقدت الساحة العربية الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب الذي وافته المنية صباح أمس بالعاصمة السورية دمشق عن عمر ناهز الثمانين عاماً، بعدما أثرى الشعر بقصائده المحملة بمعاني الأمل والصمود.
ولد الخطيب في شهر مارس/ آذار 1931 في قرية "دورا" الفلسطينية والملاصقة لمدينة الخليل من جنوبها الغربي، ويقول الخطيب عن يوم مولده "لا أدري ، أكانت صرخة الميلاد التي أطلقتها في صبيحة ذلك اليوم من مقتبل الربيع ، مجرد أداء عضوي لتلك الوظيفة الفيسيولوجية الكائنة في فطرة الإنسان ، أم رجع صدى لصراخ وطن بأكمله ، و شعب بأسره ، واقعٍ تحت نير الاحتلال البريطاني ، و الاستعمار الاستيطاني اليهودي".
أكاد أومن من شك ومن عجب
هذه الملايين ليست أمة العرب
هذه الملايين لم يدري الزمان بها
ولا بذي قار شدت راية الغلب
تزامنت طفولة الخطيب مع الاحتلال البريطاني واعقبه الاحتلال اليهودي وبالرغم من الانتهاكات التي كانت ترتكب يومياً والتي كان يعيش جميع أجوائها الشاعر الراحل وأسرته إلا أن طفولته اتسمت في الوقت نفسه وبنفس القدر كما يقول "بعشق الجمال بجميع تجلياته في ذلك الزمان ، سواءً بانسراح البصر في مفاتن الطبيعة الفلسطينية الخلابة إلى حد السحر، أو بانسراح الخيال مع حكايات جدتي لأبي "غزلان" ، إذا أنا متكوِّرٌ في حضنها إلى جانب الموقد في ليالي الشتاء ، وهي تسكب في مسمعي ، بمرافقة موسيقى الرعد و البرق و المطر، قصائد شقيقها الشاعر الشعبي الأكثر شهرة في ذلك الحين " محمد كاشور "".
يقول الخطيب في قصيدته" سيأتي الذي بعدي"
تـَحَـدَّيْـتُ أنْ شعبي يُباعُ ، وموطني
يُباحُ ، و أن أغلي الحصى قُوتَ أطفالـي
صِـعابٌ دُروبي ، في المـَواتِ اجْتَـبَـيتُها
وفي الشوكِ، والجُلمودِ ، والأُفُقِ العاري
و يا أَُيـُّها الجَـلَّادُ ، أَوثـقـتَ مِعـصمي،
فَمِن أينَ ، يا جَلاَّدُ ، تُوثِـــقُ إِصـراري
تلقى الخطيب تعليمه الابتدائي بمدارس قريته "دورا" ثم انتقل ليكمل دراسته الثانوية في مدينة الخليل، عمل بعد ذلك لفترة قصيرة في إحدى الصحف المحلية في الأردن قبل أن يتوجه إلى دمشق سنة 1951 حيث التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية والتي تخرج منها سنة 1955 بإجازة في الحقوق، و دبلوم اختصاص في الحقوق العامة، وخلال دراسته الجامعية انتسب يوسف الخطيب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي.
[الشاعر بصباه ]
الشاعر بصباه
صدر ديوانه الأول والمعنون بـ "العيون الظماء للنور" عام 1955 وهو عنوان القصيدة التي فاز بها بالجائزة الأولى في مسابقة "مجلة الآداب" والتي نظمت على مستوى الوطن العربي آنذاك، عمل الخطيب في الإذاعة الأردنية حتى عام 1957، حيث غادر الأردن عقب أزمة حكومة سليمان النابلسي والتحق بالعمل في الإذاعة السورية. وفي هذه الفترة أصدر ديوانه الثاني بعنوان "عائدون" عام 1959.
أثر ملاحقة البعثيين إبان الوحدة السورية المصرية، لجأ إلى بيروت، ومنها إلى هولندا حيث عمل في القسم العربي في إذاعة هولندا العالمية. ثم عاد إلى العراق إثر ثورة 8 فبراير/ شباط ومنها إلى سوريا التي استقر فيها بشكل نهائي.
وعقب عودته بفترة قصيرة أصدر ديوانه الثالث بعنوان "واحدة الجحيم" عام 1964، وفي عام 1965 تولى منصب المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. لكنه تخلى عن الوظيفة الحكومية نهائياً عام 1966، ليؤسس دار فلسطين للثقافة والإعلام والفنون والتي أصدر عنها عدداً من المطبوعات، أهمها إصداره للمذكرة الفلسطينية ما بين الأعوام 1967- 1976.
في قصيدته "من بحر يافا النسيم" يقول
نَسـيمَ يافا ، أَمـِلْ رأسي إلى سِـنَـةٍ
أَحيـاكَ فـي حُلْـمِ بُسـتانٍ ، وأحياهُ
و خَلِّني، لـو شِـراعاً فيكَ ، ضائعةً
أَيـامُهُ ، و مُـرُوجُ الوهـمِ دُنياه
عَلَـيَّ ضَمُّـكَ في عَينيَّ ، ما طَـلـَعَـتْ
لَيمُونةٌ في ثَرىً ، واخضلَّ مَغْناهُ
وَوَافِنـي كلَّ يومٍ .. ما الزمانُ لنا،
و لـي، سواكَ ، غداً ، طيفٌ سألقاهُ
كما شارك الخطيب في أعمال الهيئة التأسيسية "لاتحاد الكتاب العرب" في سوريا، وأسهم في وضع نظامه الأساسي، والداخلي. وفي عام 1968 اختير بإجماع القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية في ذلك الحين، عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني "عن المستقلين"، كما شارك في المؤتمر العام التأسيسي "لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين المنعقد في بيروت" تم انتخابه لنيابة الأمانة العامة للاتحاد.
في عام 1988 نشر يوسف الخطيب ديوانين اثنين، أحدهما بعنوان "بالشام أهلي والهوى بغداد" والآخر بعنوان "رأيت الله" في غزة، وأصدر سنة 1983 أول ديوان سمعي في الوطن العربي على أربعة أشرطة كاسيت تحت عنوان "مجنون فلسطين".
قال في "عشق مصر"
أُعطيكِ وَعْـدَ هَوىً في نُزهةِ القَمَرِ
بين النَّدى، وشَذَى بُستانِكِ العَطِـرِ
مِصرَ الحنانِ ، فلا كان الوَداعُ قِلَـىً
ولا اللقاءُ سوى قَـوسٍ على وَتَــرِ
ويقول الشاعر الفلسطيني الراحل في قصيدته "نشيد الثورة"
بِـاســمِ التُرابِ ثائرونَ، باسمِ الشعبْ
باســمِ الغدِ النبيلِ ، فَـلْـيَـمُـرَّ الركبْ
جـبـاهُـنا على المدى
يَـلْفَحُـها هَجيُر الشـمـسْ
مُشْـــرَعَـةٌ على الردى
تَضرِبُ في جبينِ الـيـأسْ
إِزميلـَهـا المقدودَ من ذراعِ الشــعبْ
إنَّـــا نَـدُقُّ بوقَ البعثْ
نُـــدني إلى الجذورِ الحرثْ
أَيـَّـتهــــا الجِـبـــاهُ، بالدمِ
خُـطِّــي على الثرى، و أَقسِـــمي
أَنَّ لـنـا الخلودَ والصبــــاحَ الرَّحـبْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق