وكالة أنباء الشعر/ القاهرة/ ولاء عبد الله
الشاعر المصري حمزة قناوي واحد من الشعراء المصرين الذين ضاقت بهم بلادهم، فغادرها إلى مكان آخر يعلن فيه عن وجوده ويفر فيه بروحه وشعره، ورغم ذلك فهو متابع للمشهد الثقافي المصري وله آراؤه الدائمة فيما يحدث فيه، رغم أن له 6 دواوين شعرية إلا أن عمله الإبداعي "المثقفون" كان بمثابة نافذة قوية أطل منها على فضاءات كثيرة، وكالة أنباء الشعر التقت الشاعر حمزة قناوي في حوار خاص حول تجربته الإبداعية، ورؤيته للحياة الثقافية المصرية ومؤتمر المثقفين الذي تنوي وزارة الثقافة المصرية إقامته.
- حدثنا في البداية عن تشكل موهبتك الأدبية والإبداعية، تجربتك في رحاب "الشعر" وكيف كانت البداية ومتى؟
كانت البداية منذ الطفولة الباكرة، كانت تزورني أطياف من الدهشة، ولا أعرف باعثها، وفي الإجمال كنت أشعر بالتصاقي بالطبيعة وتأمُّل الأشياء من حولي، وكنتُ أجنح إلى الوحدة والهدوء، شيئاً فشيئاً كنت أصغي إلى موسيقى الأشياء من حولي، ربما كان هذا هو الباعث الأوّل لتشكُّل وجداني موسيقياً واحتشاد ذاكرتي البصرية. كل هذا الاحتشاد في داخلي كان يبحث عن قناةٍ يعبر من خلالها عن هذه المشاعر والمُدرَكات، وعندما دلفت إلى مدارج الدراسة كنتُ أكثر ارتباطاً بمادة اللغة العربية والشعر و(المحفوظات) كان هذا يصقل حسي الموسيقي- وهو في رأيي ثاني أهم العناصر التكوينية للشعر بعد الرؤية الموضوعية- استمريت في تنمية حسي الشعري من خلال القراءة والدراسة، حتى أن دراستي للآداب واللغة العربية كان دافعه الأول الشعر وصقل موهبتي عبر الدراسة والتخصص.
- (أسئلة عطشى)، و(أكذوبة السعادة المغادرة)..(أغنيات الخريف الأخيرة)… و(الغريب) عناوين لمجموعاتك الشعرية تأخذ طابعا تشاؤميا بعض الشيء.. فما السبب في ذلك؟
عشت حياتي طائراً في مدى يحترق.. عانيت الحزن كثيراً وعشت الكثير من التجارب القاسية، وتأرجحت بين الحيرة واليقين، عانيت آلام الموت في فراق أبي، وخسارة الحب الأول، وانعدام الإنسانية في مجتمع يتشيّأ لصالح المنفعة والقيم المادية.كانت أسئلتي عطشى تتوق إلى اليقين والمعرفة، كان الشعر بديلاً عن الانتحار بالنسبة لي في الكثير من الأحيان،تماماً كحالة أمل دنقل، فكان الشعر هو كهف الفرح الذي ألوذ به من وقع الحياة الصاخب المضطرب المليء بالعنف والصراع والتناحر. يبقى نجمة الأمل الوحيدة التي تضيء هذه الظلمة الحالكة، لا أخفيكِ أن الشعر أنقذ روحي من التردي في أوقات كثيرة كادت روحي تحترق فيها وأنا أحاول فهم هذا العالم وتحليل قيمه التي صار مركزها الأنانية والصراع. كان يأتي وحده بما يحمله من موسيقى الأحلام ليطهّر روحي من الأسى والألم ويشير إلى الغد، ويدفعني إلى إعادة تأمل العالم ورؤية الجمال فيه. قصائدي حزينة لأنني حزين والشاعر لا يصدر إلا عن نفسه ورؤيته للعالم لا عن تجارب الآخرين أو ما يرونه. هكذا كان أيضاً صلاح عبد الصبور وشيلي وغيرهما.. ديوان أغنيات الخريف الأخيرة يدور في فلك الموت والمدينة وعلاقاتها الشرسة، والحب وانكساره، والغربة في مواجهة الزحام الخاوي من الناس! أما ديوان ( أكذوبة السعادة المغادرة) فيواجه أسئلة تتعلق بالغياب والانطفاء في اللحظة التي ظن المرء فيها أنه على أبواب الاكتمال، السعادة الهاربة كحلمٍ لا يُلمس.. والأسى الذي تخلفه وراءها.
أما ديوان الغريب فهو تجربة خاصة عشتها عندما أقمت في فرنسا لفترةٍ عشت فيها معاني الغربة والوحشة والاختلاف عن المجموع وعرفت كم من الممكن أن يتوحد الإنسان مع ذاته ويلتصق بداخله عندما يواجه الغربة..كان الشعر وحده هو المُخلّص لي والذي وجدت انعتاقي عبره في هذه الفترة.
- ماذا عن عملك (المثقفون) وما أفضل تصنيف له في رأيك؟
لم يكن في ذهني أن أكتب (المثقفون) وأنا أعيش أحداث هذه التجربة، وبعد أن خرجت من غِمارِها، رحت أسترجع مشاهدها وأدوِّنها على هيئة (مذكرات). مع الوقت وجدت أنها من الممكن أن تتحول إلى كتاب به تجربة شاب مصري شاءت المصادفة أن تضعه على مفترقات لا تتكرر كثيراً لإنسان عادي، احتك عبرها بقيادات ثقافية ومؤسسات وتوجهات فكرية تراوحت بين الإذعان للسلطة، أو مقاومتها والرفض. كانت بلدي في هذه اللحظة التي أنجزت فيها الكتاب – عام 2006 – تمور بالغليان والتحولات، ومازالت، ورأيت أن مصيرها بأكمله تعاد صياغته في أتون السياسة وما يُراد لمصر. وكان المثقفون في قلب المشهد، بين مؤيد للقاطرة التي تهرول إلى هوة عميقة وبين من يحاول إيقافها. كان يجب عليَّ أن أرصد ما يحدث. وحاولت قدر الإمكان ألا أدين أحداً. كنت شاهداً فحسب واعتمدت التسجيلية والرصد التقريري. أما عن اقتحامي عالم أحد المثقفين والحديث عن حياته من الداخل. فمن قرأ الكتاب بتمعن وجد أنني لم أسئ لهذه الشخصية، حتى أنني لم أذكر اسمها على امتداد العمل، وإنما توصل لصاحبها الناس بأنفسهم، والنقطة الثانية أن هناك مقالات كُتبت وحللت كم أنني كنت متعاطفاً مع صاحب الشخصية المحورية في العمل، كنت أحاول أن أكون الصوت الآخر له فحسب. أما الخشية من التجربة فلم أخش شيئاً. في النهاية يجب أن يقول أحدٌ ما يجري، وأن يدفع ثمن ذلك، كنت أتوقع أن يهاجمني مثقفو السلطة في مصر بعد صدور الكتاب، وقد حدث. ولكن من يأبه؟ أنا أؤمن بحكمة ( قل كلمتك وامضي) وقد قلتها ومضيت بالفعل. فهو في النهاية عمل يتأرجح بين الرواية والسيرة الذاتية.
-وهل هو انجذاب منك للكتابة السردية بعيداً عن الشعر؟
ما أود تأكيده أنني شاعرٌ لا روائياً ، ولا أعد النثر وعملي الروائي الوحيد – على نجاحه، أساساً لتجربتي الكتابية. والمبدع الحقيقي لا يختار الشكل الذي يصوغ فيه إبداعه مسبقاً.فهذا نوع من التعصب، والخاسر الوحيد فيه هو القيمة لا النوع . و(المثقفون) لا ينتمي إلى الرواية بشكل كامل، إنما هو سيرة ذاتية اتخذت هيئة السرد الروائي واعتمدت تضفير الحقائق بالشكل الأدبي، والكاتب لا يتحكم في العمل بشكل كامل أثناء الكتابة، إنما مسارات السرد توجد طرقاً لنفسها أثناء إبداعه، مسارات أساسها سيمترية البناء، التناسق والتوافق، وسلاسة العمل.. كل هذه المحددات هي التي توجِد الشكل النهائي الذي يخرج به العمل وتنبني على تتابعه واطرّاده. وإجمالاً الرواية والشعر ينطبق عليهما مبدأ ( تراسل الفنون) فهما يكملان بعضهما بعضاً باعتبارهما شكلين للفن والإنتاج الأدبي. ومؤخراً انتشر مصطلح ( شعرية الرواية) ، كما ذاع استخدام تقنيات السرد الروائي في القصيدة الشعرية الحديثة عبر التصوير وتصاعد المواقف، واستخدام تقنيات السينما – أو الصورة بشكل عام. فلا تعارض بين الفنين.
- هذا أيضا يدفعنا للحديث عن انحسار الشعر لصالح الرواية، وما رأيك بالرأي القائل بأنها أصبحت "ديوان العرب" بدلاً من الشعر؟
أنا لا أعتقد أن هذا (زمن الرواية) وحدها فالشعر موجود وباقٍ وديمومته مستمرة عبر العصور، والرواية ليست ديوان العرب، ولكن الفن الروائي الذي تسانده الدراما وتساعد على انتشاره ذاعَ لهذه الأسباب، ولأن الرواية أسهل في التلقي من الشعر الذي يعد لغةً عليا ويحتاج إلى مجهود أكبر من المتلقي عند قراءته وإلمام بشفراته وحتى بحساسيته،الفن الشعري تراجع متلقوه للعديد من الأسباب ومنها تراجع حركة الثقافة عامةً في الوطن العربي، وظهور قصيدة النثر التي فضّت جمهور الشعر من حوله- وأتحدث هنا من منظور واقعي وحقائق على الأرض لا عبر إيديولوجية معينة أتبنّاها.
-وجودك فترة بجانب الكاتب الكبير د.أنور عبد الملك ..ما الذي قدَّمه لك؟
في الحقيقة لم يقدم لي أكثر من اقترابي من تاريخ بلدي. وهذا كثير. ولكن ما عدا ذلك فلم أنَل أية مكتسبات شخصية أو خاصة كما ظن الكثيرون. أعد التكوين الفكري المتعلق بالتاريخ السياسي الحديث لمصر أهم ما استفدته من الفترة التي قضيتها في رحاب العالِم الكبير، احتكيت بتيارات والتقيت العديد من الأفراد الفاعلين والمؤثرين في الحياة العامة المصرية السياسية والاجتماعية والثقافية، اقتربت أكثر من اليسار المصري، عرفت تاريخ بلدي عن قرب، لكن في النهاية الحياة بها طرق مُقدرة ومساراتها لا تنتهي، وقد غادرت العمل معه متمنياً له التوفيق ومضيت إلى رحلتي الخاصة.
- ماذا عن الجوائز التي حصلت عليها؟
أنا حصلت على العديد من الجوائز، جائزة سعاد الصباح للإبداع الشعري، وجائزة قصور الثقافة المصرية المركزية ،وجائزة مؤسسة إقرأ لثلاث سنوات متتالية، وجائزة خاصة من مؤسسة البابطين، وجائزة أحمد بهاء الدين للإبداع الفكري للشباب على مستوى الوطن العربي. وغيرها. وشاركت في مهرجانات وندوات في العديد من الدول، الجزائر وسوريا والكويت، ومهرجانات ( عواصم الثقافة العربية). ونشرت في معظم الدوريات الثقافية العربية. أحسب أن هذه الدعوات والجوائز فيها اعتراف بمنجزي الشعري.
-وما السبب في عدم وجودك على الساحة الشعرية في مصر؟
أنا مُقصى من المشهد الشعري المصري لما لا أعرف من أسباب. بعد كل هذه الدواوين – ستة دواوين – والجوائز عوملت ببرود نقدي هائل. ولم أدعَ إلى ندوة واحدة في بلدي. ربما أنا مغضوبٌ عليّ لرفضي سياسات العمل الثقافي المصري، هناك أمر آخر سأعترف به هنا وهو أنني لا أجيد تسويق نفسي، والتواجد في المشهد الشعري اليوم في مصر يعتمد على العلاقات العامة، على الصداقات والشللية، وعلى تبادل المصالح، والتمسّح أحياناً وأنا لا أملك شيئاً من هذا، ولا أريد. كنت من البداية أمام طريقين: إما أن أحاول إنتاج شيء ذي قيمة، يترك أثراً للناس والأدب ولو بعد موتي، وإما أن أنخرط في هذه الآلة الجهنمية، اللهاث خلف النشر والبرامج والظهور المجاني بقيمة أو بدون قيمة. واخترت الطريق الأول. كنت أقتدي بالكثير من الكُتّاب الملتزمين الذين يكتبون بدافع القيمة ولوجه الأدب، وأنا مقتنع باختياري ومنسجم معه، وإن كان الجهد الذي بذلته في رحلتي مع الكتابة لا يساوي الاعتراف به، إلا أنني مقتنع بمبدأي.
عندما سافرت إلى الجزائر للمشاركة في مهرجان ( الجزائر عاصمة للثقافة العربية) عام 2007، كنت الشاعر المصري الوحيد الذي أقلته الطائرة الجزائرية إلى الاحتفالية، بعدما رشحتني الجزائر للمشاركة بشكل فردي ومنفصل عن الشعراء المصريين- الذين اختارتهم لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ( كان بينهم اثنان من أعضاء اللجنة نفسها! أي أنهم يختارون أنفسهم للمهرجانات! ) والذين أتوا على الطائرة المصرية. تكرر الأمر نفسه في مهرجانات (دمشق عاصمة للثقافة العربية) ومهرجان (القرين) بالكويت. وأنا أعتز بأن منجزي الشعري وحده هو الذي يحملني إلى الناس ويمثلني في المهرجانات لا ترشيحات اللجان وقواعدها غير النزيهة.
ربما السبب الأخير هو أنني مغترب عن مصر. هذا يسهم في بقائي بعيداً عن الساحة الشعرية المصرية وإن كنت تحققت خارجها.
-لك موقف من مؤتمر المثقفين الذي تنوي وزارة الثقافة المصرية إطلاقه نود أن نتعرف عليه منك؟
الوزير سيقيم مؤتمراً للمثقفين يحشد فيه من قبلوا بالتدجين والانضواء تحت لواء الحكومة .. يرسمون الخطط لمستقبل العمل الثقافي المصري.. بينما تُسرق مركزية وثقل هذا العمل من مصر إلى دول أخرى في المنطقة بكل وضوح وبما لا يخفى على أحد..
في المقابل يقوم مجموعة من المثقفين المعارضين لهذه السياسات والتوجُّهات مؤتمراً موازياً عدُّوه بديلاً عن مؤتمر المثقفين الحكومي الرسمي .. راح يشجب المؤتمر الحكومي منتقداً أوضاع الثقافة في مصر طارحاً مقترحات وتوصيات للعمل بها لإصلاح حال الثقافة في مصر ..
هذا المشهد في رأيي بأكمله غارق في العبث ويوضّح المدى الذي وصلت إليه حال الثقافة في مصر.. مثقفون متناحرون على الفراغ.. فلا الشعب دارٍ بهؤلاء أو هؤلاء ولا بتوصيات الفريقين ..مصر التي يرزح ما يقل قليلاً عن نصف عدد سكانها تحت خط الأمية وعدم التعلُّم لا تحتاج إلى توصيات المثقفين حول منهجيات العمل الثقافي في مصر وتخوين كل منهم للآخر ! مصر نفسها التي تقيم مهرجاناً يُكلّف الملايين للمسرح التجريبي يستضيف فرقاً من مختلف أنحاء العالم .. مسرح تجريبي في بلدٍ لا يتابع الناس فيه حتى المسرح الكلاسيكي.. ! في بلدٍ احترق مسرحه القومي بعدما طالته يد الإهمال والنسيان ..
أقولها لكِ بكل وضوح: العمل الثقافي لدينا في مصر فاسد.. وللأسف أنا عملت في المجلس الأعلى للثقافة بمصر واستقلت غير آسف أبداً. رأيت (حَملّة المباخر) للوزير تُغدق عليهم المنح والمكافآت والسفريات لحضور المهرجانات، وأعضاء لجانٍ يحصلون على مكافآت، ويظلون في مناصبهم لا يتغيرون، وحاصلين على منح تفرُّغ تُجدّد لهم المنح دورياً بما يُشبه الإعانة الثابتة أو المعاش المُخصص لأسماء بعينها ولو لم يُقدّموا مشاريع في المقابل، أمسيات لا يحضرها أحد، وجوائز توزّع على المُدجّنين فحسب والقريبين من النظام والسُلطة، أما المثقف النبيل فلا مكان له في كل هذا.. الكعكة فاسدةٌ أصلاً والدليل على ذلك ولكيلا يكون كلامي مُرسلاً انعكاس ذلك على ثقافة الإنسان المصري.. فأين هو ذلك التأثير في ثقافة الإنسان المصري البسيط؟ لا شيء..وقد قرأت تصريحاً أخيراً للسيد حلمي النمنم نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب يقول فيه إن الكُتب لا توزّع.. كتب الهيئة لا تُباع و90 % مما يُقدم للهيئة وما طُبع سابقاً لا يستحق النشر ورديء المستوى .. وأنهم – الهيئة – حاولوا بيع الكتب بسعر جنيه واحد للكتاب فلم تبع .. طيب أوجه له سؤالاً عبركم .. إذا كان الأمر كذلك .. فلماذا لم يستقل هو والقائمون معه على الهيئة طالما يعترف بهذه ( الشفافية ) بإخفاق المؤسسة التي يرأسها؟ ولماذا يخرج علينا د. عماد أبو غازي سعيداً بتصريح يقول فيه إن مؤتمر المثقفين البديل/ المعارض هو في النهاية ( رد فعل) على مؤتمر المثقفين الحكومي و(أنهم) لا يتحركون إلا بناءً على تحركاتنا نحن؟ كأن الثقافة الحكومية في مصر في صراع مع من يناوئ أفكارها ولو كانت هذه الأفكار فيها من النفع العام ما يفيد الناس؟ لماذا رئيس لجنة الشعر في مصر رجلٌ لم يكتب قصيدة واحدة من ربع قرن؟ ولماذا يكون أعضاء (بيت الشعر) في مصر هم نفسهم أعضاء لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة؟
الصحافة الحكومية مدجنة وليست قومية، والإنسان المصري آخر اهتماماته الحالية المسرح والفن التشكيلي والسينما الجادة أو الشعر.
- هل ترى أن هذا المؤتمر من الممكن ان يقدم جديدا للثقافة المصرية وللواقع الثقافي في مصر؟
لا. هذا المؤتمر لن يقدم شيئاً للثقافة والواقع الثقافي في مصر والشواهد السابقة تؤكد ذلك. لا شيء سوى مجاملات وأفكار نظرية ومدح بين المؤتمرين وخطط ستظل خططاً دون أن تقترب من الناس.
-وما رؤيتك للأوضاع الثقافية داخل مصر و فكرة إطلاق مؤتمر موازٍ للمثقفين المستقلين يمكن ان يقدم شيئا …؟
المسألة واضحة بشدة في مصر. المثقف الحكومي لدينا (مُدجَّن) لا يستطيع مخالفة أوامر الوزارة، والمسألة راجعة إلى المكتسبات والامتيازات التي يحصل عليها، المنح والمكافآت والمناصب ورئاسة تحرير الصحف بدون أن يكون لذلك انعكاس حقيقي ومؤثر على ثقافة الإنسان المصري. وللأسف رأيت مثقفين يغيرون مواقفهم 180 درجة ما أن يمنحوا منصباً أو امتيازاً. فجأة يتحول المثقف المعارض إلى نجم! يتخلى عن مبادئه ويغير مقولاته ويبدأ في أدلجتها ومعاودة تدويرها وفقاً لأفكار "البراجماتية والمرونة والأمر الواقع.." إلى آخر ما يضحكون به على أنفسهم. وهؤلاء المثقفون (مكشوفون) للغاية للمثقف الواعي.لقد ذكرت بعض هؤلاء في كتابي ولم أخشَ شيئاً. ولدينا في مصر مثلاً يقولون إن الثقافة بخير، وأن العمل الثقافي المصري يسير وفق خطط تنفذ بدقة، ثم ينكشف كل هذا مع احتراق المسارح – كمسرح بني سويف الذي مات فيه خيرة أبناء مصر المسرحيين- و سرقة اللوحات، كلوحة زهرة الخشخاش الأخيرة والفساد الداخلي كمساعدي الوزير الذين تساقطوا منذ أعوام بالرشى والتربح. الثقافة المصرية للأسف بعيدة عن المواطن المصري بعدما تحكم في مصيرها ( نخبة) لا تتغير. هل يعقل أن تسيطر على حركة الشعر في مصر لجنة لم تتغير منذ عقود، متوسط أعمارهم بين الستين والسبعين؟ هل يعقل أن عشرة أشخاص هم أعضاء اللجنة يسيطرون على التمثيل الشعري الرسمي لمصر في كل المحافل؟ مصر ذات الثمانين مليوناً؟ قس الأمر نفسه على لجان القصة والفن التشكيلي وسواهما بالمجلس الأعلى للثقافة. للأسف المسألة أبعد ما تكون عن مصلحة الإنسان المصري أو الانحياز إلى تثقيفه بقدر ما هي ملتقيات نخبوية تُتبادل فيها المناصب والجوائز والإطراء . أما بخصوص مؤتمر المثقفين البديل أو الموازي .. فآمل أن يخرج بشيء يفيد ثقافة الإنسان المصري وأتمنى لهم التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق