الثلاثاء، نوفمبر 12، 2013

حضور الذات الشاعرة في أزقة صبري رضوان... قراءة / معوض يوسف

   

حضور الذات الشاعرة

في ازقة صبري رضوان

بعد صدور ديوانه الأول "البيان الختامي للهدنة" عن مشروع النشر الاقليمي في عام 2009 صدر للشاعر صبري رضوان ديوانه الثاني "ازقة تشتهي قطعة سكر" عن سلسلة نشر حركة ادباء الفيوم عام 2012 إذن نحن أمام شاعر مقل نسبياً لا يعنيه البحث عن فرص النشر بقدر م يعنيه كيف يقدم قصيدة ذات قيمة فنية يستمتع المتلقي بسماعها وقراءتها إن صبري رضوان ليس من شاكله هؤلاء الشعراء الذين يتباهون بطول النفس في الكتابة ونراهم يطرحون علي الساحة الشعرية مطولات لا نكاد نعرف لها رأساً من ذنب ونحار كثيرا في تصنيفهما هل هي شعر أم غير شعر؟ نعم إن قصائد صبري رضوان في هذا الديوان هي النموذج الأمثل – في نظري – لما ينبغي أن تكون عليه قصيدة النثر من حيث التماسك والتكثيف والايجاز والبعد عن التطويل المتعمد وذكر التفصيلات التي تفقدها وحدتها العضوية وتصيبها بالترهل والضعف.. وعلي اية حال فان الخطاب الشعري في هذا الديوان ينطوي علي العديد من الظواهر التي يستطيع القارئ أن يضع يده عليها دون أدنى احساس بان هذه الظواهر مقحمة علي العالم الشعري لقصائد الديوان وهو ما سوف نتناوله بشيء من التفصيل. تجليات حضور الذات: لعل أول ما يلفت نظر القارئ في ديوان الشاعر صبري رضوان "ازقة تشتهي قطعة سكر" هو حضور الذات الشاعرة بصورة قوية غير أن حضورها هنا لا يصل إلي حد المبالغة أو التعالي فهو حضور طبيعي محكوم في النهاية وخاضع لتلك الثنائية ، ثنائية القوة والضعف. وقد تجلى حضور الذات الشاعره المعتده بقوتها من خلال ذكر الاسم الحقيقي لها الذي طالعنا به الشاعر صبري رضوان صراحة في قصيدة "فوسيليني 2010 حيث يقول: لا تشغلني الجماهير الغفيرة التي تلوح من نافذة المترو بينما اسير وحيداً فوق قضبان صخره بلا وشاح أبيض أو رابطة عنق غير عابئ بصلاحية مكبرات الصوت او وكالات الانباء أو مدونه صبري رضوان (ص35) بيد أن حضور الذات هنا لا يتجلى فقط من خلال ذكر الاسم الحقيقي لصاحب تلك الذات"صبري رضوان" وهو ما قد يدفع القارئ إلي اتهام الشاعر بالغرور والتعالي علي الجماهير وانما ايضا يتجلى هذا الحضور من خلال ما تصرح به الذات من عدم اهتمامها ببعض الوسائل التي تساهم في الترويج للاسماء وتكبير حجمها وزيوع شهرتها كمكبرات الصوت ووكالات الانباء – لماذا ؟ لان الذات الشاعره هنا قد بلغت من القوة ما يجعلها قادرة علي ان تحقق بالوسائل المتاحة لها كل ما تصبوا إليه دون وسيط ... هذا علي الرغم من إعترافها المسبق بوحدتها وبساطتها وبعدها عن المظاهر الشكلية الكاذبة المتمثلة في الوشاح و"رابطة العنق". كذلك يتجلى حضور الذات الشاعرة من خلال ضمير الـ "أنا" الذي يترد في بعض القصائد: "أنا شاعر" ، "أنا لا أشبه احداً" ، "أنا المالك للحروف البهيجة" ، "أنا التمرد الندي" ، "أنا الوحيد الذي أدفع سعر الحبر والورق والكلام الحلو". إذ يأتي الضمير الذي يعود إلي الذات هنا وهو "أنا" كاشفا عن حضور الذات والاعتداد بالنفس الذي يصل إلي حد التفرد في بعض الاحيان. وفي قصيدة "عظام مبعثرة في ردهة" تعلن الذات الشاعرة عن إمتلاكها لارادتها تلك الإرادة التي تزرع في داخلها القدرة علي الانطلاق ولو من نقطة الصفر تجاه تغيير واقعها نحو الافضل. يقول الشاعر: من نقطة الصفر أنطلق نحو تكويني وفي موضوع أخر من نفس القصيدة يقول: من نقطة الصفر / اجهز جيشي/ لاغزو جلدي/ وعرقي/ وأظافري/ وأحرر روحي / من قبضة البغايا / من قبضة الانبياء والكتب المقدسة/ لاحرر روحي من المتنبي/ وأدونيس/ وأكون خارجا على القانون (ص58). نعم إن الذات الانسانية التي لا تمتلك إرادتها الداخلية التي تدفعها إلي أن تكون ذاتاً متحرره حتى ولو أدى تطلعها هذا - إلي التحرر - إلي انقطاعها عن الماضي بقيمة الدينية متمثلة في "قبضة الانبياء" و"الكتب المقدسة" وايضا بقيمة الثقافية القديمة متمثله في "المتنبي" والحديثه متمثلة في "أدونيس" – ولو إلي حين – هذه الذات لا تستطيع أن تحقق لنفسها تلك الانطلاقة نحو التحرر، المهم في النهاية هو أن يكون تحررها وخروجها علي القانون بمحض اراداتها هي وليس خضوعاً لإرادة الاخرين. وهذا التطلع إلي التحرر يعد من الافكار المبثوثة في تضاعيف الديوان ومن الثوابت المتأصلة في داخل الذات الشاعره حتى اننا لنرى شاعرنا في النص رقم (1) من قصائد قصيرة يعلن عن اختفائه بغرفته علي الرغم من أن موقعها ليس "جغرافياً" وليس "مغريا" وعلي الرغم من انها لا تضم "متاحف" أو "لوحات فنية " ولا تضم "صورا فوتوغرافية لزعماء او مناضلين او شعراء... لا لشيء سوى أنها غرفة "بلا حوائط" ... نعم إنها الحرية التي لا تعرف الحدود أو القيود أو الحواجز التي تحجب الرؤية عن الذات وتعوق انطلاقها نحو التحرر. ومثلما تجلى حضور الذات الشاعرة المعتده بقوتها وإرادتها وتحررها علي نحو ما أوضحنا سالفا كذلك تجلى حضورها في لحظات الضعف الذي اوصلها إلي أن تبدو كهلة وهي في مقتبل العمر وافقد صاحب تلك الذات / الشاعر القدرة علي الفعل أو المواجهة وإذا ما تعرض للتهميش والاهمال من جانب جيله / المدينة / الوطن / الازقة فإنه يقف عاجزا أمامها. لا يستطيع أن يقاوم غوايتها لا يستطيع أن يخدعها لا يستطيع أن يرجمها بقبلة (قصيدة كهل في مقتبل العمر . ص4) كذلك تجيء تلك الصورة الشعرية – في قصيدته "هي التي أعشقها – والتي رسمها الشاعر في عبارات واضحة ليس فيها أي شيء من اللبس أو الغموض وموحية في ذات الوقت حيث يقول أنا الغريب لا تعرفني المدن نثرت فوق خدودها زهرا يابسا وغرست في انحائهما طعم الشتاءات سميتها بنت التمرد تجيء بمثابة استبطان لما يعتور الذات الشاعرة ويكشف عما تعانيه في داخلها من الشعور بالاغتراب عن واقعها ثم يجيء إتهامها بالكفر بعد ذلك من جانب الحواريين في قوله "فلماذا يقذفني الحواريون بالكفر" ليزيد من هذا الاحساس بمشاعر الغربة والتمزق. ومثلما تجلى حضور الذات المتفردة والمعتده بقوتها من خلال ضمير الـ "أنا" كذلك يأتي هذا الضمير ذاته ليسجل إعترافات الذات بضعفها وغربتها وعزلتها علي نحو ما نجد في هذه التعبيرات: "أنا الذي اشتهي تفاصيلها وانحناءاتها" و"أنا بينها كل ليله وحيد" و"أنا الغريب لا تعرفني المدن". استدعاء القارئ / المتلقي: وقد تولدت عن ظاهرة حضور الذات الشاعرة الغير متعالية في ديوان الشاعر صبري رضوان ظاهرة أخرى وثيقة الصلة بتلك الذات الا وهي رغبة الشاعر في مد جسور التواصل مع القارئ/ المتلقي في خطابه الشعري والمراهنة علي أنه – أي المتلقي – طرف رئيسي ومشارك للمبدع في تلقي العمل الابداعي ومن هنا حرص الشاعر علي استدعاء القارئ في كثير من قصائده ومخاطبته وإقامة حوار معه. وفي مقدمة هذه القصائد نضع أيدينا علي قصيدة بعنوان "هذه قصيده" إذ تكشف هذه القصيدة عن مدى إنشغال الشاعر بابداعاته والابانه عن قدرته علي خلق القصيدة وإخراجها علي الشكل الذي يريده وبالتالي لا غرو أن نلمس حضور الذات الشاعره في تباهيها بشاعريتها مع الاصرار علي استدعاء القراء/ المتلقين ووضعهم في خانة المضطر إلي سماع ما تفرزه الذات من إبداعات شعرية. لانها قصيدة / وأنا شاعر/ وانتم مضطرون / طبعاً إلي سماع قصيدتي هذه/ لذا سوف أجعلها مهذبة جداً/ وطبيعية جداً (ص19) علي أن أصرار الشاعر هنا علي استحضار القراء ووضعهم في خانة المضطر إلي سماع قصيدته لا يجيء ابداً من باب التعالي عليهم والا لما كانت ضرورة تدفعه إلي تجميل القصيدة وتهذيبها وجعلها طبيعية ليس فيها شيء من التكلف حتى تجتذب القراء من أجل مد جسور التواصل معهم ومحاورتهم عن قرب صحيح أن البدع هو الذي يقيم الحوار بصفته المتكلم في النص ولكن الطرف الاخر المتلقي/ القارئ هو ايضا في حكم الموجود – ولذا يستمر الشاعر في مخاطبة القراء مؤكدا بذلك علي حضورهم. لذلك سوف استميحكم / وأقدم لكلم بطاقات التهنئة / واشتري لكم خصيصا سجائر مستورده/ ودجاجاً مشوياً علي الفحم/ المهم أن نتفق قبل أي شيء/ أن تصفقوا بحده/ بعد كل سطر/ حتى افرغ من القصيدة (ص21) كأن الشاعر هنا يعقد صفقة مع القراء تقوم علي تبادل المنفعة . هو يستميلهم ويقدم لهم ما وعدهم به وهم يحتفون بقصيدته ويصفقوا لها حتى النهاية. ثم يبلغ الحوار زروته بهذا التساؤل: - فهل سوف أصبح الشاعر الجماهيري المفضل بهذه الطريقة الملفته للنظر؟ وعلى الرغم من أن الشاعر قد اختتم قصيدته وأغلقها بهذا التساؤل الذي طرحه علي القراء، وأنا أقصد بالاغلاق هنا أن وضع نهاية للقصيدة الا ان النص يظل مفتوحا أمام القراء بفضل هذا التساؤل ذاته الذي يفرض عليهم ضرورة التواصل مع المبدع/ الشاعر وتقديم الاجابة الصريحة بكل شفافية علي تساؤله هذا. وفي قصيدة "يقدم واحده" يقوم الشاعر باستدعاء القارئ وتوجيه الخطاب اليه مباشرة – وكأنه يقف أمامه – من خلا ل هذا التساؤل: ماذا كان بوسعي أن افعل/ وهذا الذباب التافه يحوط غرفتي/ وكلما اضع كوب الشاي/ يساقط بقدم واحده؟ كأن الشاعر هنا يريد أن يستشير القارئ في قضيه تشغله ولان الشاعر يأخذ المسألة مأخذ الجد فإنه يضع أمام قارئه بعض الخيارات التي توصل إليها او بعض الحلول لأخذ رايه والاستضاءة بمشورته قبل أن يبدأ في التنفيذ – أي هذه الخيارات أو الحلول هي الاجدى في حسم قضية وتكون ناجزه في مطاردة هذا الذباب التافه. هل كأن من الادعى / أن أعطيه الفرصة كي يحتل مطبخي/ أم أهشه من طريقي باللعنه المستديمة؟ واتوقف عند هذا الحد في حديثي عن ظاهره حضور الذات في ديوان الشاعر الشاعر صبري رضوان "أزقة تشتهي قطعة سكر" أملا أن أعود لأسجل انطباعاتي – في دراسة أخرى – عن جماليات الشعرية في هذا الديوان. معوض يوسف نادي الأدب بقصر ثقافة الفيوم

ليست هناك تعليقات: