السبت، نوفمبر 13، 2010

قصيدة / قلت لك ....للشاعر السعودي عبد الله ثابت





قلت لك..

قلت لك..

* ذو اللحية الخفيفة،

الذي لم يغسل وجهه من ثلاثين عاماً،

*ذاك الفلاح الذي جرح القصب ذراعه،

الذي لسعه الدبور في إصبعه الوسطى!

*الطالب الذي ضربه المدير عشرين مرة،

لأنه يهرب من المدرسة!

*الجالس على بعد شبرين من المصارعة الحرة..

ويلكم شاشة القناة الأولى!

*آخر الأخوة الصغار،

الذي لم يركض معهم، فحملوه غسيل الفناجين وانتظار الأذان!

*النائم في المستودع،

حيث النافذة المخلوعة تساحق الشجرة،

حيث البرد والوضوء وسورة الرحمن!

*الطفل الركيك.. الضائع بين طلعتين،

الطفل الذي نسي وأخذ الطلعة الأولى، لكنه لم يجد أهله هناك..

وجد فتاةً تكبره بعشرين سنة،

كان لها صوت القدر، ولم يكن لها وجه ولا يدان،

وعلمته أن لا يصعد أول طلعة كل حياته!

*ذاك الريفي الذي يصيح فوق البئر والشياه،

ليثأر من خيول الوحدة!

*الصبي الذي رقصت القرية في ختانه،

والجارات جئن له بالوعود والهيل والعسل!

ذاك..

*ذو الجسد النحيل والكتف المكسورة..

*الزعلان على أمه من ثلاث سنين، لأنها وافقت على الكفن!

*المأخوذ في أقاصي الشتاء..

الذي تربع وسط الشارع، ومرت الأبواق من حواليه ولم يتحرك!

*الواقف في يسار الصورة.. وأحدهم - في الصورة نفسها - ينظر إليه باستغراب،

الواقف في يسار الصورة،

ممسكاً بشيءٍ ما، وذكرياته كلها تقفز من رأسه نحو الرصيف!

*المعتمر، الذي يمشي ويمشي ويمشي فوق سطح الحرم..

باكياً من خشية الله!

*الحاج..

الذي ابتهل لله في عرفة؛

قال "يا رب.. وزعني كالرياح على عبادك"!

*الساكت في الركن منذ عام النصر،

وصدره مزروعٌ بالشيب والكلمات!

*الرجل المحتبي على الصخرة في رأس الوادي،

الذي يشبه العناد، ولم يسمع بالأبراج ولا بالله!



قلت لك..

*أني المحروس بالعفاريت التي لا تنام،

الذي يأنف من النوم في الليل،

فيحدق في السقف حتى الصباح!

*الساخط الذي مشى على حافة الطابق العلوي

وأمه تستغيث بالله أن لا يطيح!

*الشاب الذي قطع الوهم لهاته ولم يسكت،

الشاب الذي لم يصدق الأبواب ولا النساء!

*الملثّم الذي غادر البلدة آخر الليل،

ولم ينتبه له القناصة ولا الخونة..

يمناه على سرّته، ويسراه على الدرب!

*العابر بين بابين،

الذي لم يلق التحية على الجالسين،

لكنه أخرج المكاتيب، والحمائم التي في معطفة!

*القريب من الهاوية،

البعيد عن الهاوية،

الذي مدّ يده ساعة الولادة،

لكن أحداً لم يمسكها!

*السرّ المنتصب أمام الباب..

وكلهم يدخلون إلا هو!

*ذاك الذي يفتح يديه بنصف ابتسامه،

القابض على صورة الطفل المنبوذ،

الساكت تحت الشجرة،

المطمور برائحة الحناء والعشب،

النائم في قلب النهار،

الممتد على طول القبر،

ذو الصرخات النيّة،

ذو العينين التي تشبه عيون السباع،

الممسوس بالعدم والظلمات،

الجوعان لأول كلمة..

الجوعان لآخر كمة،

الذي لم يصدق غير الموت والرياح!

ذاك الـ.. أنا!

:



قلت لك..

قلت لك أني كل هذا الركام المريع،

أني ذاك الزحام الأبكم،

قلت لك أنك لا تعرفين هذا الفيلق الناقم،

أني غابةٌ من العاهات الحميمة،

وأني صيحة بائسة!



قلت لك..

لكنك لم تسمعي..

لم تسمعي!




عن موقع / كيكا

ليست هناك تعليقات: