أيها الفارس تمهل
بقلم:عويس معوض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما يكون قد ذهب في رحلة قصيرة وسيعود, أو ربما أصابته حالة من الملل , فغادر البلاد إلى
بلاد النفط ,التي
كان فيها.وحتما سياخده الحنين مرة أخرى إلى حضن ألام /الوطن وسيعود مرة أخرى.
هكذا قلت لنفسي ,عندما علمت بخبر رحيله, لم اصدق أننا بتنا نتساقط ,واحدا تلو الأخر,لذا لم
اذهب لعزائه حتى أعيش في كذبة هيأتها لنفسي ,حتى لا يعتصرني الم الم بي من قبل ,لرحيل
:سيد معوض محمد عبد المعطى ,وغيرهم , العزاء الوحيد أنهم كلهم ,قاوموا الموت ,بما تركوا
من أعمال وسيرة عطرة باقية.
أراجع ما كتب :
(سيفك لن يقطع منى إلا الرقبة
أما كلماتي فالسيف عليها لا يقدر
كلماتي للقرية لازالت حية
تسكن أعماق ضمائرهم
تستنهض فيهم روح العزة)
وكأنه يؤكد ظنوني ,في أنه لم يرحل ,حتى وان أخذ ملك الموت رقيتة ,فستبقى كلماته باقية ،وهى
ليست كلمات والسلام, بل إنها تسكن الضمائر, لأنه كان – كأبناء جيلنا –مؤمن بان الأدب ليس
زخارف لفظية, أو مجرد
بهرجة مسرح.. ولكن لابد أن ينطلق من قضية, وان الأديب ضمير امتة, وهو القوة الناعمة التي
لابد أن تكون السيف المشهر في وجه الظلم, وان الأديب لابد أن يكون منحازا إلى الفقراء,والى
عامة الشعب مدافعا عن قضاياهم.
ولأنه مؤمن –أيضا- أن الأسد- كما علمنا أساتذتنا – عدة خراف مهضومة, انقض على الكتب
كما ينقض اسدعلى فريسة, فهضم أفكار السابقين, ثم أعاد الواقع برؤيته الخاصة, فيما قدم من
أعمال, تدل على عمق فكره, ومعالجة قضايا واقعه, بالتلميح لا بالتصريح, لمعرفته أن الفن
يجب أن يرى من خلف غلالة رقيقة, ولا يفضح نفسه ,كما كتن يقول, فكتب (اوديب وشفيقة)
, جامعا بين الأسطورة والحكاية الشعبية, مفرغا التراث والأسطورة من مضمونها, متخذا منها
قالبا, ليصب فيه أفكاره, ليؤكد انه ليس فقط, هاضما لما قرأ, وإنما يستطع أن يشكل رؤاه
, رامزا إلى قضايا معاصرة منحازا للفقراء والمهمشين.
وفى (غنائم الملاعين) كانت له مواقفه السياسية, حيث صور الصراع على السلطة, بين
طائفتين, المتحدثين باسم الله, والفاسدين, ليعلن رفضه لهذه اللعبة القذرة, وليعلن من خلال قلمة
أن الشعب, هو الضحية.على الرغم بان الشعب هو المنوط بالاحترام, مستفيدا من التاريخ, في
سرده للأحداث, كما فعل من قبل أمل, وصلاح عبد الصبور, معلنا أن المسيرة مستمرة وان
هناك جيلا يحمل الراية, مازال واعيا بمكنون الكتابة, عارفا بأهدافها.
العديد من النصوص خلفها, احمد الأبلج, ليؤكد انه باق ( غنائم الملاعين /النهر يغير
مجراه/الجدران / اوديب وشفيقة/ كان لابد للحمار أن يموت).
الأبلج الإنسان
كنت كلما التقيته واحتضنته, اشعر بالدفء, لا تفارقه ابتسامته الهادئة, وبادرني:أهلا بالراجل المحترم, ليس معي فحسب, ولكن مع كل من يعرف, لا يتحدث كثيرا عن إبداعاته, ولا يشغله أن يسأل الناس عن كتبه هل قرأا أم لا؟ هو فقط يقدم لك نسخة مخطوطه بإهداء, تصاحبها ابتسامته, ثم بعدها تنتهي المسالة, فهو يعلم إن ما كتب هو ملك لقارئه, اتفق معه أو اختلف ولكن سيبقى ما كتب باق, صديقا للجميع, لم اسمعه مرة تحدث عن أحد في غيبته يسؤ, كلما جأت سيرة شخص قال:إنسان محترم. لم اعهده مرة واحده كارها لأحد, ولم يخلو حديثه من البهجة, والدعابة, فلا تملك إلا أن تحبه, ملهما لمن حوله, بعين ثاقبة استطاع أن يحول الأديب/ احمدطوسن بعض حكاياه عن نفسه لقصص قصيرة, لم يتألم أمام احد, فكان وجعه خاص به, إمعانا في إنسانيته حتى لا يتألم احد من اجله, يأكله المرض ويبقى مبتسما، كالنخيل التي تموت واقفة.
متأنقا في هيئة لا تخلو من بساطة, ربما ليثبت لجيل لاحق أن الأديب ليس بالهمجية, أو البويهية, أو بالتطاول وطول اللسان, ولا بسؤ الخلق والإدمان, كما يزعم البعض, ولكن بما يخلفه من أعمال, لكل هذه الأسباب, أحببت هذا الرجل ولم أودعه, وظللت أعيش على أمل ووهم عودته, حتى رأيت دموع رجل محبا له ’الشاعر/ ممدوح عزوز, رفيق دربه وابن جيله, وطالبوني في كتابه شهادة عنه في مؤتمرنا هذا, فأفقت على الحقيقة المرة, إن الأبلج رحل جسده, ولم يعود مرة أخرى لاحتضه والمح ابتسامته قائلا لي:أهلا بالراجل المحترم.
لذلك أناديك أيها الفارس ,ليتني ودعتك لأحملك سلاما لمن سبقوك .
عويس معوض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق