أنثى
النحس
مالكة عسال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت
آخر العنقود ،أحمل رقم ماقبل نصف الدزينة ..قبل إطلالتي الكدرة كانت أمي تركض خلف
هواجسها، تبحث في قلعتها الخاسرة عن مولود ذكر يحمل الاسم بالوراثة ،فحجّت دورَ الفقهاء والعرافات ،تُعلق التمائم
،وتتّبع الوصفات،وتقرأ التعاويد ،تبتلع أعشابا مختلفة نيئة ،ومطبوخة وهي تُسَبّح
لله طويلا ..وحتى يغتني الطلب ،زارت الولي الهادي بلعيسى ومولاي بوشعيب ،ولاللة
عائشة البحرية ،فاقترحوا عليها مسحوق ناب الجمل ممزوجا بالعسل ،تتناوله في صمت سبع
ليال متتابعة ،ليكون الفرج ،بعد هذا المرج ،وما تبعه من هرج ،امتثلت أمي للوصفة
بأدق التفاصيل ،تعدّ الشهور بشوق ،وفي عشق مطلق تنغمس في انتقاء الأسماء الذكورية "عبد
الوهاب "لأن الله سيهبنا ذكرا نُقِرُّ به أعيننا ..،"سعد" حين تتكرم
الأيام علينا بمولود ذكر نسعَد به فيَعُمّ السعد والخيرعلينا ..أثناء الوضع خاب
المأمول ،وسقطت الأمنية المنتظرة في سرداب ..تجرعت أمي المرارة تلعن كيْد الوقت
،ولأنها الأنثى الثانية لم يبلغ الإحباط أوجّه،ولم تذبل وردة الأمل بعد ..تسربلت
من كبة الزمن خيوط الشهور والأعوام ..باغتَها الحمل للمرة الثالثة ،فحمَلَت رحمَها
بين كفيها، تطوف به على المشعودين والدجالين ،ثم تعود مفخخة بأبخرة وأعشاب ،تارة
تعلق في رقبتها وعلى الأبواب ،وأخرى يضج فضاء البيت بالدخان ،وثالثة تتمتم ملء
شفتيها ،هامسة بقراءة سرية لايُفهم معناها،ومسحة من القنوط تهيمن على المحيا ..تنتفخ
البطن في تدرج ،والخاطر يترنح بين المد والجزر ..تلوح لها سحنتها مزينة بالحناء
،تتحلى بأنفس المجوهرات ،ترفل في آخر صيحة من الفساتين ،تسيح كالإوزة في البهو،
تستقبل المدعوات في نشوة مرحبة مهللة وصبيّها بين ساعديها ،تدغدغه ،تبتسم له
،وأرجاء الدار تهتز بالزغاريد والأهازيج الشعبية ، ..على إيقاع الصحو تنهض كالفرخة
المذعورة تتأمل بطنها مناجية :"ترى ماذا في أحشائك ياسيدي ؟؟؟؟"خبرني
فالنار تشتعل في رأسي ...يستمر الاحتراق على سرير الحيرة ..يهمس صوت من بعيد :
ـــ "لمَ تجَسّمين الأمور ياسيدتي وتحولينها معضلة ؟ مالفرق بين الذكر والأنثى ؟ألاترين أن هذه الأخيرة أصبحت تتقلد ضُخام الخطوب وربما تتقن تدبيرها بكفية أدق ؟؟؟"...
ـــ"حليلي يريد امتداد الاسم "...
ـــ"وماذا تعني قشرة اللقب مقابل جوهر الإنسان ولبه؟ فالأنثى والذكر اليوم سيان ..سواسية في الروح والدم والإحساس ،ماعدا ذلك يُعد تمييزا صرفا "...
ـــ "كفى فلسفة فنحن عرب، والرغبة في الذكر متجذرة في عروقنا ،ولادعامة لبيت يخلو من ذكر "...
ـــ"الذرية ذكر أم أنثى امتداد للإنسان ،ويجب طرد مِن قائمتنا مايُخلق الشرخ بينهما ،ويساعد على توسيع الهوة ،وتكريس التمييز،ونتقبل فكرة المرأة /الإنسان ،لها كالرجل قدرات ومهارات ،يلزم فتْح المجال لتينع في تربة بستانه وتُزهر .......
"مبروك بنت كالبدْر ماشاء الله "..عبارة نكد كالصاعقة فلقت جمجمة أمي ،فأشاحت وجهها والنفس ممتلئة أسى..
ـــ"بنت على بنت ،ولادة الزفت " همست أمي والحاجبان مقطبان ....
لاتدري كيف ستداري وصمة العار المفاجئة هذه ..وماعساه يكون المصير مع أبي وكيف سيتلقف خبر هذه الفضيحة ؟؟؟ أبي الذي لو بإمكانه لنحتَ ذكرا من جِلْده أو دمه .. زحفتْ أيام عجاف وأمي تتعرض للجَلْد النفسي والروحي بسياط الكلام ،تُصبح وتمسي على الاستنطاق في محاكم جنونية، تواجه شرارة الغضب وما يمطره من ثورات عنيفة ،وكأن الأمر بيدها ،ولم تُلبّ تعنثا .....عاشت نفس الحلقة مع الولادة الرابعة ،والقلب يتآكل حسرة ...
ـــ"الذكر باباه نجيبو نجيبو ولو من الصخر "...
تَحدّت الزمن ،وركبت وطر المغامرة للمرة الخامسة تثني على الأولياء كما سَلَفَ..هيأت ولائم "القديدة" واكبتْ على إحياء" الحضرة " و" الجذبة العساوية" والأمنية تتضخم ،ومشروع تدبير الاحتفال على أوسع نطاق يتبرمج ،...اشتهت ..حلَمَت ..ضاقت النفس .. تقلصت ..تخيّلت ..وذات صبيحة وجدتُنِي المغضوبَ عليّ ،أصرخ لاستقبال الدنيا على مضض ، وكأني فطَنت لتبرّم والدي ..الأم مكفهرة المحيا عابسة ،مكتوب على جبينها "يومك يوم النحس "تلهث مرتعبة ،تبحث في قاموس الرهبة عن كيْد ،تصُدّ به واقعة أبي الكبرى ،التي ستندلع من تحت إبطها عمّ قريب...دقائق معدودات أقبل أبي محروق الإحساس ،بملامح تنبض غضبا ،يبحث في أركانه عن مطبّة باردة ،يُفرغ فيها شحنته المزمجرة .. وهنا انحدرت أمام عيني قائمة ظواهر إبادة البنات :الوأد ــ الحرق ــ إهدائهن للمعابد كقرابين ...طلعتي كانت كابوسا مزعجا ،أصاب بالخلل موازين والدَيّ ..فانقلب البيت عليهما أوجاعا ..
ـــ"ماالعمل مع سرب من البنات في زمن العطالة والعنوسة ؟؟؟ يتهته أبي "...
ترفع أمي عينيها ورئتها تكاد تنفلت من فمها
ـــ"لوْ لِي معمل صنع الذكور،لاستوردتهم خاما ،وتوّجت مقامك بفريق كرة حسب ذوقك ،ولكن هو أمر خارج عن إرادتي ،ولاأحد منا يستطيع اختراقه "
..غادر أبي الحلبة مكسور الجناحين يستوعب حزنه ،ابتلعته أمي بعينيها في يأس .. بينما أنا التقمتُ التديَ أسرق جرعة حليب في غفوة منهما ...
ـــ "لمَ تجَسّمين الأمور ياسيدتي وتحولينها معضلة ؟ مالفرق بين الذكر والأنثى ؟ألاترين أن هذه الأخيرة أصبحت تتقلد ضُخام الخطوب وربما تتقن تدبيرها بكفية أدق ؟؟؟"...
ـــ"حليلي يريد امتداد الاسم "...
ـــ"وماذا تعني قشرة اللقب مقابل جوهر الإنسان ولبه؟ فالأنثى والذكر اليوم سيان ..سواسية في الروح والدم والإحساس ،ماعدا ذلك يُعد تمييزا صرفا "...
ـــ "كفى فلسفة فنحن عرب، والرغبة في الذكر متجذرة في عروقنا ،ولادعامة لبيت يخلو من ذكر "...
ـــ"الذرية ذكر أم أنثى امتداد للإنسان ،ويجب طرد مِن قائمتنا مايُخلق الشرخ بينهما ،ويساعد على توسيع الهوة ،وتكريس التمييز،ونتقبل فكرة المرأة /الإنسان ،لها كالرجل قدرات ومهارات ،يلزم فتْح المجال لتينع في تربة بستانه وتُزهر .......
"مبروك بنت كالبدْر ماشاء الله "..عبارة نكد كالصاعقة فلقت جمجمة أمي ،فأشاحت وجهها والنفس ممتلئة أسى..
ـــ"بنت على بنت ،ولادة الزفت " همست أمي والحاجبان مقطبان ....
لاتدري كيف ستداري وصمة العار المفاجئة هذه ..وماعساه يكون المصير مع أبي وكيف سيتلقف خبر هذه الفضيحة ؟؟؟ أبي الذي لو بإمكانه لنحتَ ذكرا من جِلْده أو دمه .. زحفتْ أيام عجاف وأمي تتعرض للجَلْد النفسي والروحي بسياط الكلام ،تُصبح وتمسي على الاستنطاق في محاكم جنونية، تواجه شرارة الغضب وما يمطره من ثورات عنيفة ،وكأن الأمر بيدها ،ولم تُلبّ تعنثا .....عاشت نفس الحلقة مع الولادة الرابعة ،والقلب يتآكل حسرة ...
ـــ"الذكر باباه نجيبو نجيبو ولو من الصخر "...
تَحدّت الزمن ،وركبت وطر المغامرة للمرة الخامسة تثني على الأولياء كما سَلَفَ..هيأت ولائم "القديدة" واكبتْ على إحياء" الحضرة " و" الجذبة العساوية" والأمنية تتضخم ،ومشروع تدبير الاحتفال على أوسع نطاق يتبرمج ،...اشتهت ..حلَمَت ..ضاقت النفس .. تقلصت ..تخيّلت ..وذات صبيحة وجدتُنِي المغضوبَ عليّ ،أصرخ لاستقبال الدنيا على مضض ، وكأني فطَنت لتبرّم والدي ..الأم مكفهرة المحيا عابسة ،مكتوب على جبينها "يومك يوم النحس "تلهث مرتعبة ،تبحث في قاموس الرهبة عن كيْد ،تصُدّ به واقعة أبي الكبرى ،التي ستندلع من تحت إبطها عمّ قريب...دقائق معدودات أقبل أبي محروق الإحساس ،بملامح تنبض غضبا ،يبحث في أركانه عن مطبّة باردة ،يُفرغ فيها شحنته المزمجرة .. وهنا انحدرت أمام عيني قائمة ظواهر إبادة البنات :الوأد ــ الحرق ــ إهدائهن للمعابد كقرابين ...طلعتي كانت كابوسا مزعجا ،أصاب بالخلل موازين والدَيّ ..فانقلب البيت عليهما أوجاعا ..
ـــ"ماالعمل مع سرب من البنات في زمن العطالة والعنوسة ؟؟؟ يتهته أبي "...
ترفع أمي عينيها ورئتها تكاد تنفلت من فمها
ـــ"لوْ لِي معمل صنع الذكور،لاستوردتهم خاما ،وتوّجت مقامك بفريق كرة حسب ذوقك ،ولكن هو أمر خارج عن إرادتي ،ولاأحد منا يستطيع اختراقه "
..غادر أبي الحلبة مكسور الجناحين يستوعب حزنه ،ابتلعته أمي بعينيها في يأس .. بينما أنا التقمتُ التديَ أسرق جرعة حليب في غفوة منهما ...
للتوضيح :
***الولي الهادي بلعيسى.. ومولاي بوشعيب ..ولالة عائشة البحرية:
هم أولياء على حد التعبير ،تزورهم النساء أثناء الضرر لإيجاد الحلول
*** وليمة "القديدة" : وليمة تقام بلحم جاف من أضحية عيد الأضحى ،تقترضه المعنية بالأمر من الجيران والمعارف .. تستدعي إليها النساء المساهمات ،فيكثرن من الدعوات للإنجاب ،أو إنجاب الذكور ..
*** الحضرة :وليمة يتم فيها استدعاء المريدين يقومون فيها بعدة طقوس للتقرب من الله ..
***الجذبة : نوع من الرقص بطقوس روحانية ،يضطرب فيها الوجدان إلى حد فقدان الإحساس بالزمان والمكان ..
*** الجذبة العيساوية : هي طقوس تعتمد على الجذبة كمكون أساسي بشطحات صوفية يتم فيها المنادات على الأولياء...
***الولي الهادي بلعيسى.. ومولاي بوشعيب ..ولالة عائشة البحرية:
هم أولياء على حد التعبير ،تزورهم النساء أثناء الضرر لإيجاد الحلول
*** وليمة "القديدة" : وليمة تقام بلحم جاف من أضحية عيد الأضحى ،تقترضه المعنية بالأمر من الجيران والمعارف .. تستدعي إليها النساء المساهمات ،فيكثرن من الدعوات للإنجاب ،أو إنجاب الذكور ..
*** الحضرة :وليمة يتم فيها استدعاء المريدين يقومون فيها بعدة طقوس للتقرب من الله ..
***الجذبة : نوع من الرقص بطقوس روحانية ،يضطرب فيها الوجدان إلى حد فقدان الإحساس بالزمان والمكان ..
*** الجذبة العيساوية : هي طقوس تعتمد على الجذبة كمكون أساسي بشطحات صوفية يتم فيها المنادات على الأولياء...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق